المشهد الخامس .. حارس العذراء








ها هو يعود أخيراً الى مسقط رأسه
الى وطنه الذي لم يراه
لم يتربى فيه .. فقط اربع سنوات لم يذكر منها شيئاً ! غير بعض الصور !
ها هو يرجع ليرى اهله اخيراً
يريد ان يرى ..ياسمين ..
يشتاقها بقوة
لم يشبع من كلامها
فهو قد تعلم لهجة اهل البلد منها بعد ان كان يتحدث الفصحى
نعم لقد كبر وتعلم وتربى في المانيا
امه التي حرصت ان يتعلم العربية
استحضرت له معلماً
اشترت له الكتب
والموسيقى العربية
لم تعش طويلاً في ذلك البلد
ولكنها تعشقه كانت مضطرة للهرب
وها هي الآن تسلمه بكامل ارادتها

لقي الترحيب من أهله
استقبلوه وعاش بينهم لفترة لم تطل
بحث عنها بعينيه
وها هي تحضر بغطاء على رأسها
وشاح أبيض يعكس لون بشرتها البيضاء المشرإبة بحمرة

وعينيها الخضراوين المتزينتن بكحل عربي اسود
زاد من جمالهما بأهدابها الطويلة الشقراء
فمها الوردي خِلقة
فهي من الواضح انها تحمل دماءاً غربية
تحمل نفس ملامح الأم والخالة
ونفس ملامحه ..باختلاف لون الشعر !!

قصة حبهما العذراء نمت وكبرت
كل من حولهما لاحظ انجذابهما لبعضهما البعض
فهو رغم حياته في المانيا ورغم تحرر البلد
عاش حياته بدون رفيقة ما زاد الشكوك حوله
فمنهم من ظن انه غريب الاطوار ذو عقد نفسية
ومنهم من ظن انه ..شاذا !!

فقط
هو تربى على عادات امه التي تشربتها في الغربة
حرصت على شرفه
ارادته كوالده
لم يمس الخمر او النساء
عاش ناسكاً الى ان رأى ياسمين مرة اخرى
كانت القدر الذي لا مفر منه ..
فاتحهم بخطبتها
ومجدداً يرفضونه فهو وإن كان اخاهم وابن عمهم
فقد عاش في الغربة التي لا يعرفون كيف ترعرع فيها

لا يثقون بأخلاقه ولا بدينه !!

لا يعرفونه كما تعرفه هي !
وتحت ضغط الام (الخالة ) على زوجها حتى وافق
وارغم الجميع على الموافقة ..
ولم يدروا ان هذه الموافقة سترسم نهايتها بنفسها !!
..................................................


تفيق من نومها على صوت انهمار المطر على سطح الصفيح
وها هي بعض القطرات اخذت بالتسلل الى الداخل
تنهض بسرعة لتضع بعض الاواني لكي يقطر الماء فيها
تجمع الملاءة المفروشة على الارضية الحجرية بسرعة قبل ان تتبلل
صوت الرعد القوي الذي كادت تلك الصفائح ان تنهار عليهم بسببه
وهي تدعو دعاءاً علمتها اياه وداد ( سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته )
تجلس في مكانها فبعد هذه الفوضى لم ترغب النوم مجدداً
محدقة الى تلك القطرات وتستمع لصوتها الرتيب !
فيما تجمع اللحاف حول حمود المتعب من اللعب في الاتربة والاوساخ
حممته قبل ان ينام وغيرت ثيابه
تخرج منها آهة طويلة مهمومة ..
تمنت ان يكون لديهم تلفاز لكي تتلهى به
تمنت ان يكون لديها راديو لكي تسمع فيه
فهي تنام مبكراً جداً وتصحو مبكراً
لا شيء في الاسبوع جيد الا عندما يجتمعون على تلفاز العم حامد في منزله كل خميس
يشاهدون ما يرغب العم حامد به دون اعتراض
فهم ليسوا بموضع للطلب او السؤال فقط عليهم التفرج
في صمت !!
كل اسبوع تنتظر بفارغ الصبر هذا اليوم الذي يخرج به الجميع الى ذلك المنزل
ليس بالمرفّه ولكن على الاقل يحتوي اشياءاً هم لا يستطيعون امتلاكها !


..................................................


وفي غيابات الظلام
تتعالى الصيحات
تتعالى الآلام
تتعالى الضربات !
تلك المغارات التي لا يعرفون من أين تبدأ واين تنتهي
اناس يتجرعون الالم والقهر كل ثانية تمر
هي زنزانات القهر والتعذيب !

في مكان حيث يُدك فيه كل من له لحية طويلة
كل من يصلي الفجر حاضراً
كل من يذكر ربه
وكل من يتآمر على الدولة !

يدخل عليهم بضخامته
فهو قد خُلق خصيصاً ليجلدهم
ليريهم العذاب الواناً لم تكن لتخطر يوماً على بال بشر
يمشي بينهم يرفس ذاك برجله
ويضرب ذاك على وجهه
ويجذب الآخر من شعره بقوة حتى ينفض شعرهم من اصابعه
يحمل سوطاً بيده
انه مثال الرعب والقسوة انه من لا يرحم
ينطق والشرر يتطاير من عينيه باحثاً عن ضحية
هل شاهدتم المباراة ؟ من فاز فيها ؟ اي فريق ؟
السكون والرهبة هما من ملأ المكان لم ينطق احد ، لم يجرؤ احد على النطق
فهم بحرف سينسفون
ولكن ..
نطق ويا ليته لم ينطق ..( نعم شاهدناها .. فريق في الجنة وفريق في السعير )

يتجه صوبه جرياً غاضباً حانقاً كيف تجرّأ على نطق تلك الكلمات ليهم بكل قوته بضربه على وجهه بحذائه الضخم الغليظ

صراخ وكر فها هم يسحبونه من رجليه على ظهره العاري المجلود بالسياط
الى حجرة التعذيب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...