المشهد 
( 15 )


المــــــــواجهة الـــــــــرابعة 


يدخل الى البيت العتيق ذو الحجرات الثلاث المتراصة بجانب بعضها البعض

وكأن من صمم هذا المنزل يقصد جعله سجنا حقيقياً

تلك الغُرف احداهن تقطنها السجينة 

ذراعه ملفوف بشاش كبير 

منذ طعنتها الغادرة وهو لم يعد يأمن على نفسه معها حرة بين حجرات المنزل 

ويتمنى ان يقسم رقبتها نصفين لكي تتأدب وتعرف كيف تعامل الرجال !!

رجل طويل القامة نحيف نسبيا 

ذو وجه ابيض محلوق وعينين بنيتين وفم واسع وانف مفلطح وشعر اسود مجعد مناسب تماما لتقاطيع وجهه الذي يعتبر وسيما !!



ينادي بصوته الجهوري 

_ مريم انتي يا مريم !

تخرج من الحجرة التي تنتصف الصالة واضعة يديها على خاصرتها دائمة التحدي 

تتأفف في وجهه بينما تنظر له باستحقار اثار حفيظته 

فهو حاليا هادئ ولا يشعر برغبة في الشجار مع جنية مثلها !

ولكن على ما يبدو انها تريد شجارا ، وفي مثل حاله بسرعة البرق ينقلب من مزاج الى آخر أسوأ منه 

_ نعم ، ماذا تريد ، لماذا تزعجني ؟!!

ينظر لها وكل الغيظ يملأ قلبه ليصعد حرا الى رأسه يكاد يفجرها هو مغتاظ منها حتى النهاية 

_ هيا اذهبي حضري لي الطعام 



_ حضره بنفسك ام انك لا تعرف !! بالاضافة انني لست خادمتك ، وعلى ما اعتقد ان لك ام مسؤولة عنك ايها العاق !!



تلقي بكلماتها المشددة وهي تضرب يد على يد غير مبالية البتة بما وضح على وجهه من غضب .

استدارت على عقبيها واعطته ظهرها وهمّت بالمغادرة 

ولكنه كان قد لحق بها وامسك بها من ذراعها ينفضها نفضا ويتمتم من بين شفتيه وهو يهزها ويدفعها في اتجاه المطبخ 

_ انتي خادمتي !! تقبلي هذا الواقع يا عزيزتي ، ويطلق ضحكة سخرية مجنونة 

_ بل و الأنكى انني استطيع ان افعل كل شيء بك !! قالها في هدوء مخيف !!

ليهمس بمكر في اذنها : ام تفضلين ان نقضي وقتنا في حجرتي ؟!!

سحبت انفاساً متتالية نافخة صدرها تفكر بتوتر بكلماته السامة الخبيثة 

بأنه في اللحظة التي سيحاول فيها الخروج عن سيطرة سيده لن ينقذها احد ، بل لن يهتم لها احد ، في الحقيقة هي تستغرب حتى الان تصرفات هؤلاء الاشخاص معها ، فذالك السيد الجلاد الحقيقي لم يلمسها ولم يدع احدا يقترب منها .. هي لا تفهم الاسباب .. كان من الممكن ان تنتهي منذ مدة طويلة ملقاة بين ازقة الشوارع 

نعم فأنا اصبحت مشردة بلا مأوى ، اصبحت يتيمة للمرة الثانية بلا خالد وحمود !!

وبلا وداد .. تغمض عينيها والحزن قد جرفها لآلام لن تخبو وجروح لن تندمل !!

سأصبر وسأبقى يا حمود حتى أخرج من هنا وأجدك ، أعدك 

تضغط على شفتيها باسنانها وهي قد رحلت لعالم آخر بعيد عما يقوله من هو واقف في وجهها يدرس ملامحها !

ينظر الى سقف اهدابها المصطفة كجنود يتشحون السواد الحالك تغطي بياض عينيها !

تبتلع ريقها الجاف 

سوف تماشي هذا الشخص والا تثير حنقه وغضبه 

هزت راسها في فهم بينما هو قد جلس على الكنبات الارضية ينتظرها ان تُحضّر الطعام 

في وقت امسك بجهاز تحكم التلفاز لكي يدير القنوات 

فبدا صوت التلفاز عاليا وهو يصدح بموسيقى لام كلثوم !!

استغربت ذوقه ؟!! ام كلثوم ؟!! يستمع لها هو القاسي المكفهر دوما ً

اصبحت لا تفهم شيئا !!






شرعت في تسخين الشوربة والمعكرونة وحضّرت السلطة في هدوء لا تشعره 

فكل ما بداخلها قد فقد السيطرة على نفسه !!

تبكي احيانا وهي نائمة او تضحك وهي شاردة او تتكلم مع نفسها او مع حموووود !!

كانت تجمع شعرها في ضفيرة طويلة تتدلى حتى ركبتها 

وترتدي فستانا فضفاضا مما اعطتها اياه امه فهما تقريبا بنفس الحجم !!

ما يهوِّن عليها انها وتلك العجوز كلتاهما في سجن وليست وحدها من يعاني !!

انتبهت على صوت غليان الشوربة ورائحة احتراق المعكرونة اطفأت الغاز بسرعة وشرعت في سكب الطعام في الاواني الفخارية

حضّرت الاطباق وجمعتهم على سفرة وخرجت 

في طريقها وهي شاردة وتحمل هذه الاشياء على يدها لم تنتبه الا وقد تعثرت امامه 



لتتناثر الشوربة الساخنة على رجله وفخذه 

يصدر اصوات الآم من الحريق 

_ آآآآآه يغمض عينيه بقوة متوجعاً 

وينهض من مكانه معتقدا انها قد فعلت ذالك متعمدة وقام بكل قوته بركلها على بطنها 

_ ايتها الحقيرة الم يكفيك ما سببته لكتفي ؟ تريدين الان حرقي ؟! تبا لكي 

وهي امسكت ببطنها لم تستطع التقاط الانفاس 

تكومت على الارض ساقطة وهي تحاول 

وعيناها قد جحضتا بألم وصدمة ، شعرت بدوار وفقدان الرؤية والضعف المفاجيء !

بينما هو لم يكترث اتجه الى الحمام لكي ينظف ملابسه ونفسه ويغسل رجله المحترقة !!

استفاقت اخيرا بنفس مختنق جاهدت لاستنشاقه

تغمض عينيها بوجع وهي تتحلف له في نفسها وهي شاحبة شحوب الاموات 

حتى شفتيها اصبحتا بيضاوين وغارت عينيها في مكانيهما واضمحل جسدها واختفى في تلك الثياب .

اذاقها كأس المر هنا وهي كذالك سوف تفعل المثل ولكن صبرك !!



نهضت من مكانها في هدوء مخيف وهي تجر رجليها جرا الى الغرفة فترى المرأة الاخرى تراقب من فتحة الباب الموارب 



تنظر لها في شفقة ولكنها تجاهلتها ودخلت حجرتها واغلقت الباب عليها ..


.
.
.


.

.

.

التفت وراءه وهو جالس على كرسي الحديقة 

يمسك بين يديه كتابا احضره معه من بريطانيا 

يقلب بين اوراقه ويقرأ ما بين السطور 

يجد تلك الفتاة التي تسابق الريح تجري بكل قوتها وعلى وجهها من بعيد تظهر ملامح الترقب والخوف !

حتى دخلت داخل الفيلا وهي تدفع بابها بقوة حتى وصل صوت اصطدامه بالجدار الى مسامعه

لم يكترث التفت من جديد ليكمل كتابه ولكنه التفت ثانية على خطوات اشد لاهثة غاضبة 

غضّن جبينه قلقا وهو يراه يقتحم المنزل ليدخل .. قادما من نفس اتجاه الفتاة التي ولأول مرة يراها هنا !

للحظة لم يجمع واحد مع واحد لانه مازال مشتتا بكتابه 

ولكنه تدارك الامر وفز من مكانه مسرعا خلع نظارته في طريقه وهو كذالك قد بدأت رجلاه العدو الى داخل الفيلا 

يدخل من الباب الرئيسي وعيناه تبحثان في سرعة وقلق كل الاركان وتطوفان الانحاء 

ورجلاه قد توترتا واخذ يركض في كل الاتجاهات يريد ان يسمع صوتا 

ان يسمع ولو همسا فعليه الان على ما يبدو ان يشغل حواسه كلها في البحث في هذا البيت الكبير 

لا يدري لماذا ولكنه قد خُيل له أنه قد سمع صوتا مكتوما قادما من اسفل الدرج من البدروم !!

نزل الدرجات بسرعة وهو يقفزهم في مرتين اقترب من الصوت الذي اخذ في العواء !!

كان يلهث هو كذالك من الخوف !!

ومن الغضب ومن الغليان الذي يجري الان حالا في عروقه 

يدخل الغرفة فتترائ له الحركة المجنونة من احدى زوايا الغرفة المكتظة بالصناديق 

و الخزائن الخشبية وبعض السرائر والاشياء الصغيرة

يقترب بسرعة وكأنه يريد الطيران 

ليجد ابن شقيقه يحاول اعتلاء الفتاة التي تنتحب وهو يكتم صوتها بيده 






لعب الغضب العارم والقهر في نفسه ولم يجد الا وهو يمسك بابن شقيقه المختل من اعلى قميصه ليزيحه من على الفتاة المسكينة فيرميه بعيدا !! 

يتوجه اليه بخطوات غاضبة تدق الارض دقا وهو قد تصلب مكانه لم يستطع الهرب 

لينهال بكل قوته على وجهه بصفعات يمينا ويسارا والاخر الذي حاول جاهدا حماية وجهه بوضع يديه عليه 

ولكنه قد توجه الى ركله على ساقه وهو يطلق زمجرات محمومة وكلمات غير مفهومة لها !

كان غاضبا وحانقا وصدره سينفجر ، ابن اخاه منحرف يحاول الاعتداء على فتاة وهو جالس في المنزل !!

لم يوفر كلمة او صفعة او ركلة الا وانهال بها على الشاب النحيف ذو الشعر الاسود المدهون بالكريم يرفعه الى الاعلى كالقنفذ او الى ثيابه التي في الوانها تقارب ثياب الفتيات فهي جدا ضيقة عليه 

وبنطاله الساقط من على خاصرته ملفوف حوله سلاسل فضية تصدر صوتا حينما يتحرك 

كان شابا مراهقا مستهترا ..

يتكلم بهدوء مخيف وعيناه جاحضتان حمراوان من الغيظ وعدم التصديق وهو ما زال يمسك بالاحمق الصغير !

_ اقسم انك ان لم تكن ابن اخي كنت قد قتلتك حالا !!

يترك قميصه ليصفعه ثانية بكامل قوته على وجهه حتى انتفخ الوجه النابت بخضرة الرجولة الغضة 

يترنح في مكانه وهو يكاد ان يموت واقفا من الخوف من عمه 

فلا احد في هذه المسائل وخصوصا مع عمه هذا يستطيع التبرير !! 

يريد فقط حماية وجهه والترجي لعدم اخبار احد عن خيبته !!

فيما كان ينفث حرارة انفاسه في وجهه المصفوع المرتجف 

يتحدث اليه وهو يهزه هزا عنيفا معنفا ً 

_ الان ترتجف وتترجى ، تبا لك ولتربيتك !! 

يصرخ في وجهه 

اخرج من هنا واذهب الى غرفتك اقسم ان خرجت منها سيكون اخر يوم في حياتك !!



_ عمي .... لم يكمل كلامه الذي قاطعه نظرة من عمه المشتعل نارا تكاد تحرقه !!



خرج مرتدا على اعقابه ، فعليه ان ينتظر العقاب الذي لا مفر منه 



اخيرا استطاع التقاط انفاسه وهو ولأول مرة يدير رأسه الى الفتاة الملقاة على الارض باكية مفجوعة واثار يده لا زالت على فمها وعلى خدها !

تحبس انفاسها وهي تنظر له في خوف وبكاء وتصدر شهقات متتالية 

تحاول مسح اثار يده ومسح انفها الذي سال ودموعها التي الهبت خديها ، كانت ستضيع بلمح البصر 

كيف لشاب صغير كهذا ان يتغلب عليها 

فاجئها في حجرة المستودع وهي ترتبه ولم تسمع خطواته او حركته ولم تفطن الا وهو يحتضنها من الخلف 

وبِردّةِ فعل سريعة وخاطفة فاجأته وهي تضربه على بطنه بكوعها تألم وامسك بطنه تحينت الفرصة وخرجت راكضة.



وهو ينظر اليها ويدقق في ملامحها العابسة المتقززة 

منظرها قطع قلبه وادماه فهذه المسكينة توا كادت ان تخسر شرفها هنا !!

نفث نفسا حارا لينطق وهو يعدل وضع النظارة على انفه 

نطق بقلق وهو ينظر لعينيها الدامعة ... العسلية !!

_ هل انتي بخير ؟ هل اصابك اي ضرر ؟

لا تقلقي سيلقى جزاءه ، فيما بدا انه قد غصّ بكلمات محرج من قولها 



_ انا اسف ، اسف حقا !!

ولكن اعدك انه لن يصيبك مكروه !!

حاول ان يقترب منها لمساعدتها على الوقوف ولكنها رفضت يده الممدودة وهي تقلب وجهها الى الجهة الاخرى 

بعد ان اعتدلت في جلستها واخذت تلملم الملابس حولها 

_ اين حليمة ؟ ينظر لها مستفهما ً؟ كيف تتركك هنا وحيدة مع هذا الذئب ؟!!

قالت بعد ان لملمت بقايا الشجاعة والكبرياء المهدورة بصوت لم يخلو من الخيبة والصدمة والعبرات 






_ السيدة حليمة خرجت لزيارة ابنتها هناء فهي قد .... .. تريد الاسترسال في اعطاء المعلومات .. عادة لا تتخلى عنها حتى في احلك اوقاتها !!

ولكنه قاطعها بحركة من يده 

_ كل هذا لا يهمني ، اسمعي : اصعدي الى غرفتك واغلقي الباب عليكي !! فيما نسي في الواقع ان يسأل السؤال المهم 

ينظر لها بنصف عين قائلا متشكِّكا

_ في الحقيقة لم اعرف من انتي وما الذي تفعلينه هنا ؟!!

_ نهضت من مكانها وهي تقف امامه تماما مطأطأة الرأس تحاول نفض التراب عن ملابسها وتحاول تعديل وشاحها 

وقد اخذت تلعق شفتيها بلسانها بدت كمن كان في معركة شرسة 

تقول في همس خجل : كيف سأقول له انني خادمة ؟!! يا له من احراج ؟ ومن هو على كل حال لكي يحقق معي ؟!!

_ اممم انا اعمل هنا !! 

_ آهه ، حسنا في هذه الحال ماذا تعملين ... هنا ؟!!

يا الهي ما شأنه ؟ لقد انقذني نعم ولكن لا يحق له التحقيق معي في امر لا يهمه ويحرجني !!

نظرت له في تحدٍ عكس ملامح الانكسار التي كانت قبل قليل 

_ لماذا تسأل؟ تقول بقوة استغربها : لا شأن لك ، ثم انت من تكون لتسأل كل تلك الاسئلة ؟!!



فتح فمه اندهاشا من هجومها وهو للتو قد انقذها !! 

تبدو وقحة و جميلة !!

ضحك ضحكة جانبية اغاضتها وهي لا زالت واقفة تجادل بدل الذهاب الى بيتها !! او الى غرفتها !! بعد هذه الحادثة المشينة في حقها !

_ حسنا اذا ايتها القوية .. المرة القادمة عندما تركضين اختاري مكانا اكثر ... عُزلة !!

ابتلعت ريقها خجلة منه على ما يبدو بدت ناكرة للجميل 

همست بحنق في وجهه قبل ان تغادر 

_ اذهب الى الجحيم !!

وغادرت قبل ان يتفوه بكلمة ، فعلى ما يبدو هذه الفتاة تريد ... تربية !!

ابتسم مع نفسه وعدل نظارته اخيرا واتجه الى الخارج الى حيث ابن اخاه العابث الذي يريد ... القتل !!



اما هي فقد انهارت على السرير تبكي 

لولا ان هذا الشخص انقذها لكانت ضحية اعتداء تحاول لملمة شرفها 

كل ذالك بسببي 

بسبب ضعفي ، جسدي ما عاد يحتمل وروحي ما عادت تحتمل 

لا تريد تخيل ما قد كان من الممكن ان يحدث 

ولكن المصيبة الان هل ستستمر بعد هذه الحادثة في عملها هذا ؟!!


.

.

بعد ساعة من المصيبة التي سقطت على رأسها ولا تعرف كيفية التصرف فيها 

طرق على باب الغرفة جعلها تقفز من السرير المخصص لها في تلك الفيلا الكبيرة 

تفتح الباب وهي تضع الوشاح حول وجهها 

فتحت عينيها على وسعهما ... لقد كان سيد المنزل شخصيا ً !!

ينطق في هدوء كعادته وهو يقلب المسبحة بين اصابعه 

كم تحترم هذا الرجل الذي يستحق الاحترام حتى لحيته البيضاء جميلة ومرتبة 

رجلا انيقا ونظيفا قصير القامة ، نطق في وجهها وهو يشير لها برأسه 

_ تعالي معي 

ارتجفت من رأسها حتى قدميها 

_ يا الهي ايكون ذاك السيد قد اخبرهم بما حدث ؟ ايريدون الان طردها ؟ اخذت تتبع السيد الذي امامها وهو يمشي بكل استقامة ورزانة وهي مضطربة وتدعك يديها ببعضهما البعض متوترة وتارة تضرب على خدها بكفها 

_ ام يكون ابنه قد تبلى علي ، طبعا .. ضربني وبكى وسبقني واشتكى !!

يا رب استرني يا رب ..

فتح باب مكتبه على مصراعيه وتنحى جانبا كي يفسح لها المجال بالدخول 

دخلت وهي مترددة تقدم رجلا وتؤخر الاخرى وكأن احد قد صوّب مسدسا الى ظهرها 

ابتلعت ريقها عدة مرات شعرت بالعطش وهي ترى الرجل الاخر يجلس في كرسي قبالة المكتب 

تحرك الرجل الكبير .. السيد عبد القادر الصيد ..الى وراء مكتبه جلس على كرسيه 

وقلب في مسبحته وهو ينظر اليها والى شقيقه 

بصوته الرجولي البحوح الهادىء المطمئن 

_ وداد ارجو الا تكوني قد تضايقتِ من طريقتي في جلبك هنا !!

ولكن اريد منك امرا 

كانت تقلب نظراتها بينهما وحاجبيها يلامسان شعرها !

والاخر الذي نظر اليها فقط مرة واحدة وهو الان يبدو وكأنه يعبث ببنطاله ويملسُه !!

_ ما .. ما ... ماذا ؟ بالكاد استطاعت النطق تشعر كأنها ستسقط من الرهبة !!






_ لا تخافي لماذا انتي خائفة ... يرفع يده بإشارة الى الرجل الجالس قبالته 

هذا شقيقي حازم قد عاد لتوه من بريطانيا سيستقر هنا ان شاء الله 

تستمع له وهي لم تفهم ، فما دخلها هي في كل ما يقوله عنه ..

يكمل في هدوء : سينتقل الى منزله ويريد شخصا لترتيب وتنظيف المكان .. وهو قال انه قد رآكِ تعملين بجدٍ في المنزل 

يريدك ان ترتبي له المنزل وينظر لها مباشرة في عينيها : ها ما رأيك ؟!!

نظرت الى الرجل المقصود الذي كان ينقر باصابعه على كرسيه وينظر الى اخاه بنصف عين 

احنت رأسها قليلا ووجهها قد تلون الى مئة لون 

في الحقيقة هي هنا كرِجل كرسي ، طوال النهار جالسة لا تفعل شيئا عدا توافه الامور!

فأي كذبة هي تلك التي افتعلها هذا السيد ؟!! 



ولكنها قد نطقت وهي تهز برأسها الى اسفل واعلى قائلة في همس وصوت غريب عنها 

_ حسنا لا بأس ... واخذت تقلب راسها في كل اتجاه وهي قد غمرها البرود التام و كأن ما نطقت به لا يمت لها بصلة ولم يخرج من فمها !

فتسمع صوته القريب وكأنه مسرورا لسماع موافقتها على العمل في منزله 

_ حسنا اذاً فلنبدأ من اليوم !

.

.



في تلك الباحة الخلفية للمنزل المظلم بأهله وتصميمه الذي يبعث الكآبة في النفس 

تضم رجليها لصدرها وهي ترسم وجوه واحلام وعيون !!

من بينها كانت الصداقة الحميمة الاخوية 

تلك الضحكات العفوية والتصرفات الغبية !!

لتجعلها تبتسم كم احتاجك الان بجانبي يا وداد 

تذكر جيدا ذالك اليوم الذي ذهبتا فيه الى السوق لتشريا بعض القطع الجديدة بمال وداد الذي لم تبخل به عليها 

وهما تقطعان السوق جيئة وذهابا مذهولات بما تعرضه كل تلك المحلات من ملابس جميلة وعِــــبي راقية 

ليس مثلما تلبسان فهما تبدوان كالمشردتان !!

تذكر حركة وداد التي مدت يدها فجأة بغير قصد لتجد رجل قد وضع المال في يدها ظناً منه انها متسولة !

تتعالى ضحكتها وهي تذكر منظر وداد المصدومة التي اخذت تتطلع حولها في خوف ان احد قد يكون رآها 

وهي تنظر الى وجه مريم 

وكيف انها اخذت تجري وراء ذالك الرجل لتجذبه من ملابسه ليصدم الرجل من تصرفها 

فهو كاد يقع على مقفاه من دفعتها القوية 

لتضع المال في يده التي امسكت بها وهي غاضبة منه 

خذ مالك فأنا لستُ بشحاذة وتتركه وهي تقول له أنه احمق 

بينما الرجل كان ينظر الى يده واليها فيرد عليها بقوله 

ليس ذنبك بل ذنبي انني قد أحسنت لمتشردة مثلك ..متوحشة !!



يا ترى كيف حالك الان يا وداد ؟ مالذي تفعلينه ؟ هل تفكرين بي وبأيامنا ؟!!

تنظر الى السماء الحمراء بشمس غروب صافية موقنة بأنها ستعود ذات يوم !!




نهاية المشهد الخامس عشر .

المشهد الرابع عشر من حارس العذراء


المشهد

( 14 ) 


لابُدَّ أن تعودَ ذاتَ يوم .. لابُدَّ أن تعودَ ذاتَ يوم

.
.
.



المــــــــواجهة الـــــــــثالثة
خرج من سريره يجر رجله خلفه ليدخل دورة المياه 

يغسل يديه وينظر الى ارهاق وسواد عينيه ووجهه 

والسبب معروف ، فمنذ مجيئه لم يسمع خبرا من سعد الذي لم يصله اي جديد !!

بعد ان افترقنا قصرا ، ها انا ابتعد بإرادتي !!

مسافات اوطان بيننا يا اغلى مريم !!

التفت حوله متغضنا بريبة وقلق 

فرائحة خطر تعبق في المكان !!

خرج واغلق الباب ويلتفت ليجد ,, صندوق باندورا في انتظاره !!



كل الانفعالات مرت على وجهه من الاستغراب الى الدهشة فالصدمة فالغضب 

ليواجه امرأة تقف بكامل زينتها وجمالها 

فهي يبدو انها عبرت البحار لتعلن الفتوحات !!

وهو قد تأهّب لإعلان الجهاد 

الجهاد ضد مكر الواقفة لاجتياحه !!

والجهاد في حبك يا مريم !!

بفستان ذو لونين ربيعيين اصفر و ابيض يرسم تفاصيل جسد مباح !!،

يكشف عن ساقٍ بيضاء غضة وعن ذراعين مكشوفتين !!

ونحرٍ مزين بعقد لؤلؤ يسترح على صدرها 

وشعرها في قصته الجديدة دون ان يفقد طوله 

ليسقط حول وجهها الذي بالغت في تزيينه !!

عينيها الخضراوين يحيط بهما السواد الحالك 

وحمرة خدود وأحمر شفاه قان و حلق كبير يتدلى من اذنيها !!

أبدا لم يتعود رؤيتها بكل تلك البهرجة الخداعة !

وعطرها الذي لم تفقده في غمرةِ ما فقدت !!

وكعب عال بسلاسل انيقة رفيعة تكشف عن حناء مخضبة رجليها 

ومخضبة يديها بنقوش صغيرة جميلة ومغرية في ذالك البياض الناصع 

وخلفها تلك الخلفية الزجاجية الخضراء الملونة وجبال شاهقة ونور التماع ضوءٍ تفرق منها خلال تلك الغرفة البيضاء كالكفن تلفه بين طياتها !

استعدت وهو كذالك استعد لها فآخر مرة رآها كانت يوم الحادث !!

فتقفز الى روحه تلك الذكرى المجنونة 

.

.

.

هل سمعت يوما احدا يتغنى بإمرأة تجتاحه في لحظات العشق كالزلزال !!

رنة بسيطة على باب شقته الفخمة التي تطل على منظر مبهر لبحيرة المدينة 

استغرب من القادم فلا احد يعلم بوجوده هنا !!

يفتح وكله فاقدا لوعيه فهو للتو كان يضع بعض الخطوط الحمراء لروايته الجديدة 

فالفكرة وبعض الحوارات والبيئات قد تقافزت الى مخيلته اثناء نومه !!

والان قبل ان يفقد الرغبة عليه ان يدون ما فكر به 



فأوراقه وكتبه واقلامه تحن الى لمسة يديه العاشقة لهم !!

يحمد الله انه ابتلاه بعشق آخر بعيدا عن الإناث !

بعيدا عن حب مضى او حب يواجه المجهول !!

الكتابة ليست مهنته فهو قد درس الهندسة التي لا تمت للكتابة بِـــصِلة 

ولكنها تمُت بقدراته على الرسم بصلة كبيرة وعميقة 

فما يكتبه هي صور ابلغ من كونها كتابات !!

يفتح الباب على مصراعيه ليجدها قد اعطته ظهرها الذي يعرفه جيداً

فتح الباب عابسا متغضن الجبين غير مرحب وفي نفس الوقت حانقا ومستغربا !!

فأبدا اهانتها لن تسكن بين جوارحه المفجوعة بها !!

التفتت بنظرة البرائة التي عرفها منذ نعومة اظفارها ، لا زالت هناك تهدده بعدم فتح ذراعيه 

فاجأته بارتمائها في احضانه ، ابعدها بلطف وادخلها واغلق الباب خلفه 

منذ سنوات لم يلتقيا 

علاقتهما انتهت منذ ما يقارب الثلاثة عشر عاما !!

ولكنها وكأنها لم تكبر فهي كما تركها جميلة وانيقة ورشيقة فقط بعض البروز في جسدها الذي جعلها اكثر جمالا 

واعذب اشتهاءاً

ترفرف اهدابها الشقراء تنظر حولها الى مكان ذكراهم البعيدة !!

تنظر بحميمية الى كل تفاصيل هذا المكان الذي غالبا ما جمعهما 

والذي كان يوماً مكاناً حقيقياً لتفجير الرغبات المتبادلة 

تنظر الى المطبخ الذي يطل على الصالة بلونه العاجي 

الى تلك الاريكة الكبيرة التي كان يحتضنها عليها ويغرقها بقبلاته المجنونة 

غرفة النوم التي خذلته فيها وكانت تلك النهاية المؤلمة لحب طفولي جنوني 

غرقت في الحنين وما عادت تستطيع الرجوع 

فحياتها بأكملها توقفت عند هذه النقطة و ذالك اليوم



تنقر بكعبها على الارضية الرخامية وهو ينظر لها بنصف عين لا يدري اي المشاعر يجب ان يغتاله الان 

فهو لا يريد كسرها 

يعرف هو كيف يعامل امرأة ، هن كشريحة المعامل تعاملها برقة ولا تضغط عليها والا انكسرت نصفين ولن تعد تنفع للاستعمال !!

فقط سوف يؤدبها ولكن يجب معرفة سبب مجيئها اليه 

_ هممم هل اعجبكِ ما رأيتِ ؟!!

بنبرة لا تخلو من الاستهزاء والتهجم !



لترد عليه بنفس النبرة الحزينة

_ كل شيء فيك يعجبني !

_ يتأفف و يجلس على الطاولة الصغيرة مربتا على ساقه 

_ ما الذي تريدينه يا ياسمين ؟!!

ببحة اصابته في مقتل 

_ اردت فقط رؤيتك ، اردت رؤية الماضي الذي ضيعته بتهور !!

اذا هي لا زالت تذكر وتنعى تلك الليلة !

بالنسبة له كانت ليلة الاذلال واهانة الرجولة !!

شملته بنظراتها المشتاقة وقلبها يرفرف في صدرها تكاد ان تسمعه 

تريد الامساك به حتى لا يفضحها ويخرج من بين ضلوعها 

متفحصة اياه ببجامة نومه الحريرية الزرقاء المفتوحة من الاعلى 

ليظهر منها صدره الرجولي 

ولحيته النابتة زادته جمالا وعينيه الخضراوين اللتان تقيمانها بروية ..

رغبات دفينة هي التي يقاوما لكبح جماحها !



كتف ذراعيه الى صدره قائلا باستفسار مائلا برأسه قليلا مغمضا عينيه لثانية 

_ لماذا لا تقولي ما في جعبتك دفعة واحدة ولننتهي فأنا لا اريد اطالة هذا الحديث !!

الجيران سيضنون انني ويضغط على كلماته ... اجلب النساء الى منزلي .. لا اريد شبهات .

هكذا هي كلمات الاهانة التي يجب ان تسمعها لكي تخرج راكضة وتتركه لشؤونه !

ابتلعت ريقها تكاد ان تدمع اذاً بالنسبة له هي الآن مجرد شبهات ؟!! شيء يريد التخلص منه ؟!! وبسرعة !!

_ ارفق بي يا يوسف ، ارجوك لا تصدني ، فانا لم اعد احتمل .

الشوق قد اعياها والحرمان من كل تفاصيلهما الحميمة يضنيها 

وقلبها مكسور ولم ينجبر 

أتركع امامه لكي يتقبلها من جديد ؟!

أتتوسله الحب والعِتق والصفح !! 

بعينيها تفصح عن خوالج نفسها .. لا ترفضني يا يوسف 

فقط لمرةً واحدةً ثانيةً اعدني اليك .. 

اقتربت منه وبكل خطوة توتره اكثر فاجأته بجلوسها على ساقه !!

والتفاف ذراعيها حول عنقه ودفن رأسها فيه !!

متمتمة بكلمات اثارته وفجرت براكين رغبة دفينة بين جوانب نفسه !

لم يحتمل كل هذا فهو رجل ، رجل لم يذق من الانوثة الا حنظلها !! 

رجل كانت كل النساء في ارض الحريات كاسيات عاريات يتمنين اذرعا تتلقفهن فتجاهلهن !!

رجل ذاق من امرأة واحدة الجسد والحب واللهفة !!

هي هنا مجددا بين ذراعيه !!

وجسدها يلتصق بحيمية بجسده الذي التهب بحرارة قربها وخدها ارتاح على كتفه 



وعطرها ورائحتها العذبة اسكنته الجنة !!

هي لعبة تتقنها النساء ، الاغراء واقتناص الفرص !

تلصق خدها الى خده وتقبله بلهفة لتتوقف على حدود شفتيه فتختلط الانفاس اللاهثة

لم يتمالك نفسه لرؤية طبق شهي كهذا حملها بسرعة على هيئتها تلك واتجه بها الى غرفة النوم 

...



توقف عن القُبل بعد عراك مع عقله الرافض ان يوسخ نفسه 

ان يوسخ عرضه !! فهذه المرأة التي تريد الان ان تجرهما الى الفاحشة كانت في يوم زوجته !!

كانت حلاله !! 

وهي زوجة آخر الان تخونه معي وعلى فراشي !

اخرج من فمه لعنات متتالية يقصدها ويقصد نفسه وعالمه 

دفعها بعيدا عنه يمسح على وجهه المكفهر الموشم بثغر قد قتله مرتين !!

كانت له وهي من القى به خارج اللعبة خالي الوفاض !!



وهذه المرة قد انقلبت الادوار فهي الان تبكي توقفه عن حبها الغير شرعي 

لملمت ملابسها واخذت حقيبتها وخرجت لا يسمع الا صوت الباب يغلق خلفها !!

وهو قد سقط على فراش الخيانة مهدوداً !!



في ذات اليوم عشية ..

ينزل من منزله متجها الى سيارته التي اراد فتحها 

يلقي السلام على الرجل الواقف امام محله يبيع الساندوتشات !

حركة المارة وضحكات وخطوات عالية ورياح البحر ونسماته العليلة وروائح المطاعم باطعمتها اللذيذة 

والبحيرة الواسعة بحدائقها الخضراء والاطفال يلعبون على تلك المراجيح ابتسم مع نفسه 

فهو اخيرا قد امسى حرا !!

ولكن هناك عزرائيل اراد ان يقتنص روحه 

كان ينتظره في بقعة ِ مظلمة !!

لم يدري الا والناس من حوله تجري واصوات ابواق وسيارات مسرعة وكأنه يوم القيامة

والهدوء قد انقلب فجأة !!



وهرج ومرج يرعبان الرضيع 

يلتفت وثانية قبل ان ينهار ارضا غارقا في دمائه ثم في غيبوبته !!

كل ما عرفه انهم قالوا ان احدهم اطلق رصاص طائش !!.. طائش اصاب فخذه واخترق جسده !!

.
.
.


ينفض كل تلك الذكريات عن رأسه 

_ آه يا امرأة الا تملين ؟!!

تلوّى وجهها بترحيبه القاسي 

ويرتخي كتفيها احباطا وتتقوس شفتيها حزنا 

كالمعتاد يا يوسف لم تعد تحترمني 

ولا تحترم كينونتي 

تلومني على شيء اذا علمته سيجتاحك طوفان يقتلك قبلي !

ارجوك يا يوسف 

فأنا هنا وكلي لأجلِك !

_ ألن ترحب بي ، ألن تسلم علي بكلمات ترفعني الى السماء !!

السماء التي ابتعدت عنها وارتكبت كل معصية ترميني سبعين خريفا في اوحال تمردي 

لم اعد انفع لشيء ولا حتى لك !

ولكن دعني امارس هوايتي باللحاق بك كظلك 

ينفث نفسا حارقا 

_ ياسمين انسي كل هذا ، انا وانتي لن نجتمع هنا مجددا ولينظر لها من رأسها الى اخمص قدميها 

_ ولا فائدة من كل ما تحاولين فعله !!

حسنا ، يبدو انه سيأخذ وقتا اطول مما تخيلت ، ولكنك لن تفلت هذه المرة يا يوسف ، أقسم !!

تنقر باظافرها الوردية على الطاولة الصغيرة لترن الاساور الذهبية الملتفة حول رسغها .

بينما هو قد ارخى ملامحه واسترخى بجسده على السرير مغمضا عينيه !!

فتسرح في حنايا وجهه الذي تعشقه 

عينيه المغلقتين براحة ، وانفه المستقيم وشفتيه المزمومتين وذقنه القاسي ومفترق شعره الغزير بخصلات رمادية ، كم تعشق هذه التفاصيل الجميلة !

، ابحث يا يوسف بكل الكون عن من تعشقك مثلي ..

لن تجد اتحداك انا ..

فأنت كنت ولا زلت ملكي أنا ، حبيبي أنا 

هل يجوز لي الان ان اسقط على الارض منتحبة 

ارتدي اقنعة أنتَ لم ولن تعرفني بها 

أمسيتُ دائماً متنكرةً أمامك 

رأت شفتيه تهمسان بخفوت 

_ وزوجك !! اين هو ؟!! هل يعلم انك هنا !! لرؤيتي ؟!!

ويقلب رأسه باتجاههها متأملا بريق عينيها 

يشعر انه قد فقد شيئا عزيزا يربطه بها 

حتى مشاعر القرابة منها لم تعد تهمه ! 

تجلس نصف جلسة على الطاولة قائلة بهدوء عكس الرعشات التي تملكت خوالج نفسها 

فكل من يراها في حضرته سيرى حبه في قلبها وفي عينيها.

وهي تقضم شفتيها 

_ لا ، لا يعلم انني هنا ، على الاقل عندما غادرت ، بالاضافة انه لا يمكنه اللحاق بي فهو الان على اللائحة السوداء !!

تقولها وكأنه انتصار قد تحقق بعد طول السنين 

يغمض عينيه من جديد ولكن هذه المرة بأسى وغضب ، لا يهمه كل تاريخ زوجها التعيس فقط يهمه مغادرتها باسرع وقت !!

فامثالها لا يجب تركهم احرار طلقاء !!



_ متى ستغادرين ؟!! اليوم على ما ارجو ؟!!

ليأتيه جوابها صادماً 

_ ربما لا تعلم انني هنا منذ فترة طويلة وخالتي كذالك تعلم بل الكل يعلم ، طلبت منهم ألّا يخبرونك فقط حفاظا على راحتك !!

_ تبا لكي ، ما الذي تنوين فعله 

ترد بلؤم تدربت عليه جيدا كما تدربت على اشياء كثيرة لا يعلم عنها 

_ انوي ان .. اعتني بك ؟!!



استدركت قائلة في قلق وخيبة 

_ يوسف ارجوك لا تعاملني بهذا البرود لطالما كنت دافئا ، في اشارة منها الى مناسبتين سقط امامها صريعا !!



أما هو فرائحة مؤامرتها لم تفته ليضحك ضحكة كشفت عن صف الاسنان اللامعة سرعان ما علت وجلجلت في المكان .

اربكها !!

هي من اصبحت مُحنّكة !! اصبحت تدير الرجال في اصبع واحد دون جهد يذكر !!

ولكنها الان ترى جيدا انه قد شُفي من مرضها !!

قد حقن نفسه بمليون إبرة تدعى مريم ، ماذا سيحصل لكِ لو عرفتِ بشأنها ؟!! 

توترها بتصرفه الغير مبالي بها جعلها تبحث في يأس عن تلك العلبة الصغيرة بين حوائج حقيبتها الصفراء 

تسحب منها عودا ابيضا تودعه شفتيها الحمراوين وتكة شعلة ايقظت حواسه النائمة !!

_ تباً لكي 

يبدو انكِ قد تجردتِ من اخلاقكِ كما تجردتِ من ملابسك !!

لم تفطن ليديه التي سحبت في سرعة السيجار من بين شفتيها ليطفئها في كفها 

ثبت كفها في كفه غاضبا منها يكاد يكسرها جعلها تتلوى من الالم 



يطرق صوتها في اذنيه وهي تحاول التراجع واطفاء نار يدها 

حرارة الالم الذي وصل الى رأسها يطرقه طرقا تصطدم تارة بالكرسي ومرة في الطاولة الصغيرة 

شعرت برغبة في التقيؤ وهي تشتمه 

_ تبا لك يا يوسف اتركني عليك اللعنة وهي تحاول ضم يدها الى صدرها 

_ عليكي الان ان تفهمي المغزى !!

وجهه ينضح قرفا ورغبة في رميها خارجا!! 

فياسمين تتخطى الحدود وفي كل مرة تفاجئه بمدى انحطاطها الذي وصلت له !!

بينما عيناه جاحضتين في وجهها ورغبة قاتلة بالفتك بها تغتال وجهه 

يصرخ بغضب 

_ فقط لو تقولي لي ما الذي غيرك ؟

_ مالذي اصاب ياسمين البريئة النقية 

_ من انتي واين ذهبتِ بياسمين ، فمن اراها امامي ليست إلّا غانية !!

يهزها بعنف بين يديه وهي تتمايل يمينا وشمالا مستسلمة لإهاناته وقسوته مغمضة العينين !! 

تتمنى ان تبتلعها الارض او يبتلعها هو في احضانه فالأمر سواء !!


إغضب ، إغضب كماتشاءُ واجرح أحاسيسي كما تشاءُ

فكلُ ما تفعلهُ سواءُ ، وكلُ ما تقولهُ سواءُ 

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي ، نحبهم مهما لنا أساؤوا


ترقرقت عينيها بدموع شفقة واذلال ولكنها مسحتها قبل نزولها وقبل ان تكشف ضعفها 

_ لماذا تحب ان تؤذيني ؟

سؤالها اثار حنقه وسخطه وهو الان لا ينقصها

يصرخ في وجهها 

_ انتي من اذاني ام انكي لا تذكرين ؟ .. ستقتلينني بسبب طيشك !

افيقي لنفسك يا ياسمين فكل شيء انتهى ، كل شيء !
إغضب فأنت رائعُ حقاً متى تثورُ 

إغضب ، فلولا الموجُ ما تكونت بُحورُ 

إغضب ، كُن عاصفاً كُن ممطراً ، فإنَّ قلبي دائماُ غفورُ

أخرجي الآن يا ياسمين ولا تعودي هنا مجدداً 

يدفعها من ذراعها في اتجاه الباب بقسوة وألم قد بلغ في نفسه وجسده ذروته 

تنفست بعمق ساحبة كل ما تستطيع من هواء الى رئتيها اللتان قاربتا على الذبول 



اطلقت زمجرة محمومة وهمّت بالخروج ، ربما هذه الجولة كانت لصالحه ، ولكن كل الجولات القادمة لي انا يا يوسف !!
لابُدَّ أن تعودَ ذاتَ يوم 

لابُدَّ أن تعودَ ذاتَ يوم 

وفي طريقها الى الخارج اصطدمت بكتف رجل يشبهها تماما !!

تركته ومضت في طريقها حزينة فهي الان لا تريد اي اسئلة او تحقيقات من أحد !!
فالصمتُ كبرياءُ 

والحزنُ كبرياءُ 


ينظر اليها الرجل الطويل صاحب الشعر الذهبي الناعم القصير !!

بعينين صفراوين كَــــقِط !! 

وانف جميل مستقيم وشفتين رقيقتين ووجه مربع ذو عظام بارزة جعله يبدو ارستقراطيا حقيقيا !!

يدخل الى الغرفة المقصودة التي لا زال هوائها يعبث بشرارات قتالية حامية !!

تقدم نحو الرجل المُلقى على السرير مربتاً على كتفه ناطقا بهدوء

_ يوسف 

يفتح عينيه على وجهه مبتسما بمحبة فذراعه الايمن هو فقط من يثق أنه لن يخذله !!

_ دانيال !! كيف حالك يا رجل ، لم تزرني منذ مدة ، حاول الاعتدال في مجلسه بينما اشار بيده الى الكرسي الخالي قبالته لكي يجلس 

يشير دانيال برأسه خارجاً 

_ لقد رأيت ياسمين خارجة كإعصار ، هل عصفت بها هذه المرة ؟!!

ينظر له في عتب 

_ ارجوك توقف ، دعنا نتكلم عن شيء آخر 

يتابع قاطعا عليه الطريق لاي استفسار عن مشكلتهما 

رغم ان ياسمين تدمي قلبه في كل مرة يراها 

هناااك في البعيد في العالم الاخر في الطفولة المطوية تحت التراب 

يراها ويرى عيناها ويرى شغبها الذي ما ان كبرت ونضجت، نضج كل شيء معها حتى خجلها !!

وهذه الياسمين تشعره بالخيبة !



، حسنا اخبرني كيف هي الاوضاع 

_ الحمد لله كل شيء يسري وفق الخطة ، فهم لا يعلمون اننا قد سحبنا البساط من تحت ارجلهم 

_ ستحل عليهم الصاعقة وهم يضحكون ويلعبون !!



_ حسنا جدا ، وماذا عن العُمّال ؟!!

_ لا تقلق فالتعويضات التي منحناها لهم كبيرة وجيدة ، كذالك قد اتفقنا معهم على راتب سنة لكل منهم حتى يجدوا عملا جديدا 

قد سحبنا 50 % من العمالة وكذالك الاموال حولناها الى رصيدنا هنا !!

يضحك متخيلا لهم وهم مصعوقون وقد فقدوا مغارة علي بابا !!

فعليهم الان ان يحلوا مشاكلهم المادية بأنفسهم فهو بعد الآن لن يرحم احداً!!

يُطيل النظر الى ابن خاله الذي فتح اللاب توب ليريه حجم الإنجاز !!






نهاية المشهد الرابع عشر . 


سأحاول جاهدة نقل الرواية عبر الهاتف إلى المدونة حتى تنتهي .

المشهد
( 13 )


المـــــــواجهة الثــــــــــانية





فيما مضى



يجرجر اخته التي تبكي وتنتحب وتخدش يديه اللتان منعتاها من الامساك بتلابيب مريم 

تنهار على الارض ساجدة محطمة ، حولها امها ووليد و هدى وحتى الاطفال !!

ولم يروا من خرّ على الارض صريعا وكأن مساً أصابه منزلقا في غيبوبة الزنازين !!

.

.

يدخل عليهم بضخامته 

فهو قد خُلق خصيصا ليجلدهم 

ليريهم العذاب الوانا لم تكن لتخطر يوما على بال بشر 

يمشي بينهم يرفس ذاك برجله 

ويضرب ذاك على وجهه

ويجذب الآخر من شعره بقوة حتى ينفض شعرهم من اصابعه !

يحمل سوطا بيده 

إنه مثال الرعب والقسوة إنه من لا يرحم 

ينطق والشرر يتطاير من عينيه باحثا عن ضحية 

هل شاهدتم المباراة ؟ من فاز فيها ؟ اي فريق ؟

السكون والرهبة هما من ملأ المكان لم ينطق أحد ، لم يجرؤ أحد على النطق 

فهم بحرف سينسفون 

ولكن ..

نطق ويا ليته لم ينطق ..( نعم شاهدناها .. فريق في الجنة وفريق في السعير )



يتجه صوبه جريا غاضبا حانقا كيف تجرأ على نطق تلك الكلمات ليهم بكل قوته بضربه على وجهه بحذائه الضخم الغليظ 



صراخ وكر فها هم يسحبونه من رجليه على ظهره العاري المجلود بالسياط 

الى حجرة التعذيب..

يجرونه جر ككلب ممزق وما بيده حيلة إحتكّ ظهره بالأرض الحرِشه حتى احرقت له جلده!

رفض الخضوع وحتى الكلام 

رفض الانصياع لابتلائات العذاب !!

فيقوم اثنان بتعليقه من رسغيه في حلقتين مدلايتين من السقف 

حتى كادت ذراعاه ان تنفصلا عن باقي جسده من قوة الشد

وترتفع رجلاه عن الارض 

فيصرخ قاضي العذاب 

بأن انتفوا لحيته 

وانتفوا شعر رأسه ..

وما كاد يكمل كلامه حتى تقدم اثنان منه وكأنهما مصاصي دماء ويشرعا في خلق الفوضى في وجهه 

يمسكان بشعر رأسه ولحيته ليقتلعونهما بقوة وسرعة من جذورهما بلا رحمة 

تلك الكهرباء التي سرت في جسده الذي اصبح هزيلا وهو يشد على اسنانه بقوة 

ويضغط على عينيه لاحكام اغلاقهما فيما كان العذاب يفترسه 

اجتمعوا حوله كالضِباع الجائعة ولن تشبع الا بإرتشاف دمائه 

سيصمُد ، حتى النهاية 

إحتمل الاولى واحتمل الثانية 

ولكن العقل رفض الانصياع للصمت فالالم اكبر من ان يُسكت عنه !!

كادت عيناه ان تخرجا من مكانيهما فلم يعد يرى امامه 

وبقع ضبابية تترائى له امام ناظريه 

وجبينه الذي تفصّد عرقا ليسقط بدوره على عينيه ووجهه المنتوف 

واحمرار وجهه واختلاطه بدمائه 





تعالت صرخاته من جوف فارغ مخيف حتى وصل مسامع باقي السجناء الذين ينظرون الى بعضهم البعض في شفقة وفزع 

آآآآآآآه 

آآآآآآآه لاااااا لااااا 

يصرخ بهم من بين اسنانه وآلامه 

عليكم لعنات الله ايها السفلة !!

واخذ يرفس متعلقا جيئة وذهابا 

ويهز رأسه في عنف 

بينما انهال عليه احدهم بالضرب بالعصى 

تضعضعت عظامه وانزلق في غيبوبة لذيذة 

لا فهذه ليست نهايته 



نهاية صلاته ودعائه وقيامه الليل !! ليست هنا وليس على الايادي الخبيثة التي لا تعرف حتى كيف ترفع اياديها بالدعاء !!

ليس اليوم ، ليس اليوم يا أحمد

ولكن صرخ الجلاد حتى وصل صراخه مغارات عقله المظلمة !!

_ السعير هو ما ستراه الآن ايها الزنديق 

وليصرخ بقوة في وجوههم 

_ افتحوا ساقيه 



وما لبث هاذان الاثنان المكلفان بانهاء حياته على شد رجليه بإحكام كل من جهة مثبتان اياها 

ليهم الغاضب بكل قوة يملكها برفع رجله وتسديد ضربات متتالية بحذائه الغليظ على خاصرته ، وعلى وجهه كل الحقد الذي بالكون 

وكأن قوته قد خلقها الله فقط لكي يستمتع بعذابات البشر

او كأنه في ثأر مع من يعذبهم لينتزع انفاسهم وارواحهم 

تلبّس دور عزرائيل برداء اسود وعكاز خشبي فيطرق طرقاته على ابواب الموت 

أفاق من غيبوبته اللعينة بوجه ازرق اختنق بانفاسه يرنو الى السماء بعينين جاحضتين مقلوبتين !!

تدلى رأسه بموت النهاية معلناً الاستسلام !!

انزلوه بسرعة من حلقاته !! قاموا برفعه من ذراعيه وسحبه الى باب السيارة المنتظرة 

ليُلقى به امام بيتهم عاريا فاقدا للوعي ازرق اللون !!



فيستفيق حيا فاقد الرجولة !!



.

.
.
.
.



. زنزانة اخرى تُرمى بها مظلمة ضيقة صغيرة 

دفع بها بقوة داخلها وهي تنتحب وتصيح 

تنظر حولها خائفة !! نعم خائفة !! فهؤلاء لا يعرفون الرحمة 

لا يفرقون بين الرجل والمرأة 

بل الالذ والاعذب هو ان تكون هناك سجينات اناث !!

لن تنسى ما قالته وداد على لسان احمد 

الرجال والنساء هنا يحترقون في بوتقة واحدة 



والعذاب الذي تتعرض له النساء اقسى الاف المرات من عذاب الرجال 

فهم لا يتركون امرأة الا والكل يتسلى بها 

تذكر ان وداد اخبرتها ان احداهن قد خنقت نفسها بشعر رأسها !!

وهي شعرها طويل كفاية لكي تُعلّق نفسها الان وحالا في الشباك الصغير الذي لن تصله لصغر حجمها !!

اذا فلتخنق نفسها 

هل يجب ان تنتظر العار !!



وحمود اين اخذوه ؟ اين ذهبوا به ؟!!

وخالد خالد الذي اهلكوه ضربا .. أسيُصيرونه كما أحمد ؟!!

تدافعت الافكار والتوجسات في نفسها مع خوفها الذي تعاظم وصار جليا على وجهها الشاحب الذي انقلب لونه الى الاصفر وكأن كل دمائها هي ايضا قد تخلّت عنها 

اندفعت في اتجاه الباب واخذت في الطرق عليه بقوة بكلتا يديها وهي تصيح وتصرخ بكل عزم فيها 

_ افتحوا ايها السفاحين ، افتحوا الباب ايها القتلة !!

حاولت وحاولت دفع الباب ولكنه اشد واعظم من قوتها الضعيفة !!

نظرت ثانية بسرعة لعل هناك فرجة ولا يوجد الا ذاك الشباك الصغير ولكنه مرتفع جدا ولن تستطيع باي شكل ان تصله !!

دارت ودارت حول نفسها لعل هناك مخرجا قبل ان يأتيها القضاء !

حاولت التسلق متشبثة باظافرها بكل يأس بجدران الحجرة وما لبثت ان سقطت ارضا !!

مدمية الاصابع ، قامت ثانية للمحاولة ترفع رجليها وتقفز تتراجع الى الجدار وتقفز للمرة الثالثة ولكن 

كل محاولاتها بائت بالفشل، فأني لها ان تصل الى ذالك الشباك ؟!!

انزوت على نفسها في الحجرة ذات المتر الواحد المربع !

تعرقت ملابسها حتى ظنت انها للتو قد خرجت من البحر 

ملامح وجهها المصدومة الغير مصدقة لما يجري 

هي هنا في زنزانة جردوها من كل شيء 

من خالد وحمود 

مذهولة 

هل تبكي ام تغلق وتفتح عينيها من جديد فلربما ما زالت نائمة بجانبها حمود 

تتلمس الارض التي تحتها ليست مختلفة كثيرا عن ارضية حجرتها 

ولكن اصوات الصراخ المختلطة برجال ونساء أصمت اذنها فرفعت يديها اليها لتسدها عنها 

وكأن هذا المكان يقبع على فوهة الحجيم 

تتسلل اليها روائح الحرق !

فتوقن انها هنا .. في زنزانة .. هي حقيقة يا مريم .. صدقيها 



ترفع عينيها للسماء 





_ يارب اني استعنت بك فاحفظني من اياديهم يا رب ، يارب ، وخرَّت ساجدة تدعو ببكاء حطم فؤادها وادمى روحها ، يارب اني مظلوم فانتصر !! 



ويُفتح الباب 

ويدخل ذات الرجل ويغلق الباب خلفه 

تقف له متأهبة وشعرها التف حولها كأسوار حديدية 

بدت كعفريت صغير بثياب سوداء رثة وعينان تقدحان شررا واحمرارا !!

وانعكاس الضوء الخافت وذرات الغبار المتطايرة حولهما تتقاذفها الانفاس 

لوهلة شعر بالفزع من مظهرها 

شيء ما خطف قلبه 

شيء ما أخافه وزلزله !!

تعكر مزاجه والتوى وجهه وتعقد حاجبيه بسُلطة !

ولكنه رمى كل ذالك خلف ظهره و همَّ بنزع ملابسه 

فكما اعتدى اخاها على عرضه !! هو كذالك سيهتك عرضه !! فواحدة بواحدة والباديء اظلم !!

ينطق في هدوء بينما يفك ازرار قميصه العسكري 

جاءها صوته صاعقا ببروده وعنجهيته و حدّته 

أعاصير من كرامة استبيحت واهدرت على يده !!

_ أتعلمين لماذا انت هنا ؟!!

انت هنا فقط لأجلي !! لاجل ان تدفعي ثمن خيانة كنت ارتقبها واتعقبها !!

والان الكل سيدفع الثمن .. ولو كان شرفه وروحه !!



ترفع اصبعها في وجهه ناطقة بعنف اصاب وترا منه 

_ اقسم بانك لن تفعل !! وان فعلت فستعبر على جثتي اولا !!

تتحداه بمعركة ترنو اليها خاسرة ..!

عبارتها تردد صداها في جوفه قبل الزنزانة الضيقة التي لا تحتملهما معا بكل التحدي والغضب والثأر ؟!!



ولكنه كان قد خلع قميصه وظهر صدره العاري المشعر

طأطأت رأسها خجلا وحنقا وهي تتنفس بسرعة وحقد وخوف !! أهذه نهايتك يا مريم !!

اليوم ستضحين جسدا مهدرا تتلقفه ايادي العابرين ؟!!



رآه ، رأى شعرها الذي سقط على وجهها فغطاها باكملها فبدت ككتلة شعر لها رجلين !! بدت مخيفة !!

امعن النظر فيها فهي ساكنة لا تتحرك ولا يسمع صوت انفاسها ، شيء ما اهتز في صدره !!

ولكنه تراجع فهي للتو كانت امرأة عادية والان تبدو كعفريت كوابيس !!

اقترب منها وامسك عضدها فرفعت رأسها ولثانية بدى العراك 

عراك بين ضدين ، بين عدوين غير متكافئين 

عراك شرف !!

التوى فمه بحنق ونفور !!

والتوت بين يديه وحاولت تسلقه وعضه وشد رقبته 

دارت حوله بسرعة وقوة 

كان قتال الصمت والانفاس ، بل قتال النفس الطويل اللاهث !!

يمسكها تارة من خصرها وتارة من ذراعها 

يريد السيطرة عليها فحجمها ورقتها جعلتها كبهلوان تتشقلب في المكان مستعينة بالجدران القريبة 

لهثت ولهث هو كذالك، شعرت بكل عظامها تئن وقوتها تخور من هذه الحركات المفاجئة التي قامت بها 

ستصمد حتى النهاية فلا شيء تملكه الان في الحياة سوى شرفها وستموت دونه 

الى ان صفعها على خدها بقوة ادارت وجهها لتلتصق بالجدار فيحاصرها بين جسده وبين الجدار وهمَ بتقطيع ملابسها بجرأة وسرعة وكأنها عملية يقوم بها كل ساعة !!

_ سيدي ، سيدي 

صوت قلق ينادي عليه ويطرق بقوة في الخارج افسد عليه اللحظة 

ليقول الاخر في توتر وسرعة 

_ سيدي الشاب الذي جئنا به الان قد مات !!



وفقط يلتفت على صوت صراخها الحاد خاااااااالد لاااااااا !!

:

وحينها لم تجد نفسها الا مرمية بين ذراعي رجل آخر ينفذ اوامر سيده !

:

:





جرها من شعرها الى حجرتها بل زنزانتها الثانية فهي وان تحررت من واحدة فالاخرى كانت بانتظارها 

وهي تشد على يده التي تتشبث بشعرها محاولة تخليصه منها !!

_ ابتعد عني ايها الجلف الحقير 

يُقرّب وجهه الغاضب ويضغط على شفتيه غيظا منها ومن افعالها المجنونة !!

وانفاسه تستقر على خدها المحترق من الدمع والتكفيف !

يرمي بها على السرير الذي يلتصق بالجدار 

وهو يتنفس بعنف حتى كادت رئتاه ان تنفجرا من الغيظ منها ، يزمجر في المكان 

_ لماذا فعلتِ ما فعلتِ بـــــعلي ؟!!

وهي لا زالت ملقاة على السرير 

لتزحف الى اخره متكومة في زاويته تلتقط انفاسها وتبتلع ريقها الجاف 

وترد عليه بذات الحدة 

_ انت لا تعرف ما الذي يفعله صديقكك هنا ، الم تعلم انه يضرب امه !!

كانت جملتها المباشرة صادقة وصادمة له !! هو الصخر الجلمود !!

لان وجهه قليلا وغضّن جبينه واستقام في وقفته ناظرا الى شباك الحجرة الحديدي !!

_ منذ متى وانتِ المدافع عن الحقوق ؟!! من الأولى لكِ ان تدافعي عن نفسك فقط !!

_ ليس من شأنك كيف اتصرف مع حمقى امثال علي !!

ولست ايضا الوصي علي ، وأقسم ان اتيحت هذه الفرصة لي معك انت بالذات لن اتردد في غرزه في قلبك ايها السفاح 

يتبادلا الاقسام والتهديدات والنفور 



_ و انا اقسم انني اذا لم أمره بعدم المساس بك لكنتِ الآن تتوسدين التراب بجانب شقيقك !!



كان قولها سهلا وفعلها في قلبها عظيما 



خارت قواها على السرير واخذت بالبكاء والهمهمة فقلبها مثقل ، مثقل بحياة لم تعد تفهمها فأين هي ، ومن هؤلاء ، ولماذا ؟!!

تنطق ببؤس وبشفتين مهتزتين الما وحقدا عليه بصوت يحمل كل ما تملكه من تشفي 

_ لم يكن ذنب اخي أن زوجتك اختارته لتخونك !!



كانت الكلمات هادئة ولكن هدوئها كان كمن صوّب مسدس كاتم صُوِّب الى قلبه فأرداه قتيلا 

_ نعم لا يجب ان ينسى لٌبَّ الموضوع .. فزوجته خائنة ..!!



انهار على الارض كطفل فقد للتو متعته باللعب معها لينهار باكيا 

بكاء رجل محروم بصوت عال غليظ ليصدمها وتفتح عينيها و فمها في ذهول !!

وهو يهمس وكأنه لا يصدق ما يقوله ويداً توسدت الارض والاخرى يشد بها على صدره 

وملابسه 

_ زوجتي ليست خائنة ، انها حبيبتي !

كان صوتا مهزوما ووجهه المنهار ، بشكله الممزق ويدعو للرحمة ، يبدو كمريض ، نعم مريض نفسي هو هذا الرجل ، مرضه هو زوجته !!

رأسه الحليق تماما لا تعرف اذا كان الشعر قد عرفه يوما ، ووجه الدائري الاسمر بعينين كبيرتين بارزتين سوداوين تحيكان لؤما وحيلا !!

وفمه الكبير بأسنانه المتفرقة وشاربه الساقط على شفتاه 



عندما ينتقم ينتقم ببأس ، وعندما ينهار ينهار كطفل !!



وقف مستدركا نفسه أعطاها ظهره ووجهه قد تجعد بحقد دفين ، خرج بسرعة مغلقا الابواب الحديدية خلفه !!

تنزل من السرير وهي تركض خلفه صارخة

لا ااا لا تذهب ، خذني الى حمود ، اين حموووود ، اين دفنتم خالد ؟!! 

آآآآه يا الله يا الله .

.

.

بينما الرجل المجروح حبا يدخل منزله الخالي الا من بعض البكاء !!

يدخل غرفتها يتفحصها ، يتفحص اثار الخائنة 

وانقلب مزاجه الذي ثارت براكينه اغلق الباب واشرع في تحطيم كل ما تلمسه يداه 

لم يُسمع الا صراخه وحطام المرايا والاخشاب !!




نهاية المشهد الثالث عشر .

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...