المشهد الثاني عشر .. حارس العذراء







الفصل الثاني عشر

المـــواجهة الأولــــى ...

غائب هو عن عالم فضّل نسيانه ، عالم قد اجحف بحقه منذ الأزل قد انفصل عنه !! منذ ان وعى على عيني امه دون اب !! منذ ان عاد الى ياسمين التي لم تتردد في قسم ظهره نصفين وكأنها تعاقبه على انه وُلِد واختارها هي دون النساء !! ياسمين التي صبّت الرصاص الساخن في قلبه حتى تصلّب !!

أمِن عدل هنا ؟!! لا زالت ذكراك حية وجرحك لم يندمل ،ولم افهم سطور حكايتك بعد  ، منذ ان كاد يذوق طعم الخيانة ولكن عقاب تردده في الخيانة كان مهلكا !! وكأن عزرائيل كان يتربص به الزوايا والمطارح  فأطلق رصاصة تفجرت وفجرت بقايا امل  لم يغادره الا بعد ان تأكد من عجزه  ، وبعثرته اشلاءا ً ، عزرائيل اجتث روحه قبل انذاره بأربعين يوما !!
قد باغته  بانتزاع نصف الروح ! ، والاجهاز على قلب كان قد مات في الأصل !! في الحقيقة لا ادري لماذا كلّف نفسه عناء ملاحقتي !!.
 ولعنة غجرية تحققت دون ارادة مني وابعدت هذه المرة روح مريم عني !! لعنات تغنو بها في ليال حالكات ٍ في اودية تردد صداها استجابة لتراتيل مبهمة!!
أُسقط بيدي يا مريم ، أُسقط بيدي ، فلا تلوميني !!
ولا زلت احلم بك ، رغم علمي انك ملك رجل اخر !! رجل استمتع بك وارهقكِ حباً !!
فلقد رأيت بعيناي كيف كان يحبك ، رغم اجحاف الحياة معكم ما زال للحب مكان في قلوبكم .
الم تعرفي قبلا انني اغار ؟!!
اغار من كل من قد يلمح عيناك فيقع في هواكِ!!
تبا لرجل اذل نفسه لحب امرأة خارج نطاق زمانه !!
امرأة كتبتها في كتب العشق المنسية !! ليتك كتبت على جبيني  !!
لماذا لم يكتب لي الله ان اراكي واملي عيناي من رؤيا عيناكي قبل ان تتخطفك الايادي !!
وها انا الان اعاني ، وروحي تعاني ، وجسدي يعاني !!
فقدتُ البصر عن كل الاناث حولي حتى ظننت انهن كلهن قد اجتمعن في وجهك الفاتن !!
نعم فأنتِ فاتنتي !! هل تصدقين ما أهذي به هنا !! حتى زوجك ربما رأى ما رأيت فاختارك دون النساء لتكوني خليلة !!
اعترف انكي لستي جميلة ، فأنتِ مخلوق قد وزّع الجمال ونسي نفسه !!
الى متى يا مريم ، ومتى سأجدك حتى ولو كنتي تحت الثرى سأنتشلك ..!
وأُشيّد لك محرابا ..
يضرب بيده بقوة على كرسيه الذي تدفعه الممرضة التي فزّت خائفة من الضربة المفاجأة
وعقدت حاجبيها بقلق !! الى ان وصلت الى غرفته !!
ما لبث ان استكانت جوارحه
عودة وجولة اخرى على اراضي المانيا البلد الثاني
تحاوطه امه في غرفته الخاصة في احدى ممرات المستشفى العتيق بعنايتها فرحة هي ، طفلها قد عاد !!
تحوم حوله لا تكِن ولا تهدأ ، ترتب الغرفة وتنظفها بيدها تحضّر الطعام وتجلبه معها مشتاقة للطبخ له ولما يحب ان يأكله من يديها ولا يجيده سواها تتنقل بخفة وهي ترتب سريره بحركات خبيرة وسريعة
بيدين انيقتين بيضاوين بأظافر صغيرة مرتبة ووجه كالبدر لا زال ضوءه ها هنا يسري !!
لا زالت جميلة ورقيقة وانيقة فهي تكبر ابنها بعشرين عاما فقط !! حتى هي تبدو كطفلته !!
مطمئنة ، فسنوات البعاد قد تقلّصت وعاد الابن المهاجر قصّراً !! قد أجرى عمليته بنجاح وهو الان في طور النقاهة تلتفت الى صوت الباب الذي يُفتح ويدخل منه على كرسي متنقل تدفعه الممرضة المتمرسة
يتحرك ببطء لكي ينتقل الى السرير وتمد الحنون يدها بالمساعدة تخلط كلمة عربية بكلمة المانية في حوارها معه بينما ارخى جسده على السرير: لا بد وان ترتاح ولا تجهد نفسك ، راحة تامة همم وهي تغطيه بالملائة
:اعلم اعلم ، بصوت كله تعب وارهاق فالقطع المعدنية التي ثبتوا بها العظام لا زالت تخزه !!
: تُقبّله على وجنته كالطفل الصغير فهي حين تراه ترى والده في حنايا وجهه والان عليك ان تهتم بطعامك وشرابك فما تأكله لا يكفي حتى عصفور !!
يتراجع على السرير بآهة اعيته
مناولا يدها في يده يقبلها ومعنفا بمحبة : امي لا بد وان ترتاحي في البيت فما فعلته منذ حضوري كثير جدا ، ارجوكِ
تضربه بمودة على كتفه: اصمت ، انت فقط تعافى ثم سألتفت الى شؤوني
لينظر اليها في ريبة : شؤونك الا وهي انا !! اليس كذالك
تضحك مقهقهة مسرورة وهل لي احد سواك الان لكي أُقلِق راحته ، صمتت ناظرة الى عينيه التي تروي الكثير والكثير تومئ برأسها وكأنها تعلم ما حلّ به غير جراحه.. فهناك جراح من نوع اخر على ما يبدو !
تنهض من كرسيها مودعة اياه بقبلة على جبينه: سأتركك الان لتستريح وغدا سأحضر في نفس الوقت ان شاء الله تمشي بسرعة خارجة بملابسها المحتشمة وغطاء رأسها الابيض!
خرج من سريره يجر رجله خلفه ليدخل دورة المياه يغسل يديه وينظر الى ارهاق وسواد عينيه ووجهه
والسبب معروف ، فمنذ مجيئه لم يسمع خبرا من سعد الذي لم يصله اي جديد .
بعد ان افترقنا قصرا ، ها انا ابتعد بإرادتي ! مسافات اوطان بيننا يا اغلى مريم .
التفت حوله متغضنا بريبة وقلق فرائحة خطر تعبق في المكان .
خرج واغلق الباب ويلتفت ليجد ,, صندوق باندورا في انتظاره !

،،،

تقف في حمامهم الصغير تحمم ابناء وليد التوأم المُعِز والمُعتَز ، اللذان كانا يتراشقان بالمياه حتى ابتلّت ملابسها ، واقفة بينهما ساهمة بعينان متورمتان وكأنها ضفدع ! وشعر مشعث لم تمشطه منذ ايام وقفطان رمادي كلون وجهها !! تشهق وبغير دموع فلقد نفذ كل مخزونها لبكاءِ مريم ! شقيقتها التي لم تلدها امها اصبحتُ خاوية الجسد فلقد كنتي روحي يا مريم !! اتمزق انا واوشك على الموت منذ اختطافك !! اين انتي ، حدثيني ، فروحي لم تكف عن مناجاة روحك !! دليني على مخبأك وعلى من يخبأك وستجديني كطير احلق فوقك وانتزعك !! لم يعد اي شيء كما كان يا مريم فكل الروح تعصي الجسد وترغب بالفراق ، فراق الدنيا !! نعم فلربما تكوني قد فارقتِ دون وداع ولا بد ان القاكِ في الطرف الاخر !! يأتيها صوت امها الحنون من المطبخ تقلّب الصحون تخرج في سرعة فاقدة صوابها تمسح بقايا الصابون العالق في يديها على ملابسها تجري لأمها الصامدة ! تمسكها من يديها وتسحبها الى حيث يجب ان تكون على سجادة الصلاة !! وهي تئن موجوعة : امييي ارجوكي لا تتركي الصلاة والدعاء فمريم تحتاجنا وانكبت على يديها تقبلها وعلى رجليها فلقد خارت قوى الصبر والاحتمال ولابد الآن من الصياح والنواح ولطم الفخذين !! ارجوكِ ، ادعِ لها فانا لا استطيع الصلاة هذه الايام 
الحاجّة عائشة التي مشّت دموعها بطرف خمارها تبكي حال وموّال ابنتها وابنها وحال عائلة مريم !!
تمسكها من يديها النحيفتين لتهدئها على صدرها ضامة اياها ببقايا عزم لا زال متشبثا بهم !!
تربت على شعرها بيديها الصغيرتين المجعدتين ترفع صوتها بنبرة عاجز مهزوز
يا الله يا الله ارأف بحالنا فما لنا أحد سواك واستر على مريم اللهم انا استودعناك مريم وحمود وخالد يا الله !!
وزوجة وليد هدى التي جلست تربِّت على ظهرها تهدأها !! وتشفق عليها وعلى آلِ مريم !!

،،،
للمرة العشرين تغمض عينيها في غضب مستعر يستفزها بجنون لتتحول هي الى مجنونة مسعورة وهي حالها منذ شهور تضع ذالك الشيء الصغير في جيب بنطالها وتفتح الباب بقوة وتخرج جرياً جريا له وشعرها يتطاير حولها كجنية تكز على اسنانها وتزيد سرعتها وسرعان ما قفزت على ظهره تتشبث بساقيها بخاصرته وتلوي يد على عنقه بقوة ويد اخرى لتخرج ذالك الصغير وتغرزه في كتفه تلوّى وزمجر وصرخ بالآهات الطويلة يحاول ان يزيل هذه العلقة عن ظهره فيما حاول بيده الاخرى تحسس موضع الطعنة الغادرة !! ولكنها ابت ان تستسلم ، ففرصة قتاله الان لا تفوّت وهي غاضبة خِلقة ستنتقم منه سأنتقم منكم جميعا اقسم لم اعد انا مريم فذالك الوحش الصغير الذي كان نائماً في الظلمات قد انتفض
قد عاد وخرج حرا طليقا ليعيث بها وبهم فساداً لم اعد تلك المسكينة التي تترجى لقمتها لم اعد تلك الخانعة الذليلة سرقتموني من عالمي حولتموني الى جارية ! تصرخ في اذنيه : قُطِعت يداك قُطِعت يداك ايها العاق !! اقسم اني ساخذ بثاري بثأر خالد وثأر حمود ساشتتكم كما شتتموني ساقتلكم كما قتلتم خالد
اآآآآه يا خالد ودموعها تملأ شعره وتحاول عضه في رقبته المحنية المدمية ! وهو ما زال يدور حول نفسه في يأس ودمائه سالت ورائحتها فاحت ! وشعرها قد غطى عليه الرؤية : تبا لكي انزلي ايتها الشيطانة الى ان امسكها من ساقها وبقوة جمعها ليلقي بها ارضا متكومة بجانب تلك العجوز التي كان يُعلِّم على جلدها بحذائه
انه الابن الضال الابن العاق الابن الذي يضرب امه !!
وهي تلهث بجانبها وقفت امامه بحجمها الصغير وترفع له ذقنها بتحدي والشرر يتطاير حولها حتى كاد شعرها ان يتكهرب ! بوجهها المحمر المنفعل ومنخاريها المنتفخان غيضا وقهرا وملابسها الملوثة بدمه
تجمع شعر خلف اذنها وتجمع قبضتيها استعدادا للقتال كلبوة !!
ان افعل شيئا ان قدرت
ولكنه لا ،لا يقدر ان يخالف امر مُعلمه !! هو يعلم وهي كذالك تعلم !! خرج مهتاجا ليداوي جراح طعنتها ! و فاهه يتغنى بشتائم قذرة لهما معا ً تبا لكن ، تبا لكن جميعا ً
جلست بسرعة بجانب امه تمسك بعضدها تبكي بحرقة تبكي دما تبكي ابنا وحيدا ترمّلت ورفضت الزواج لاجله وها هي تلقى جزاء تضحياتها !!
فجسمها اصبح خارطة عبور اقدامه ويداه ووجهها اصبح لا يستقبل الا بُصاقه !!
وبجانبها مريم مريم العبدة ملك اليمين !! من جاؤو بها في ليلة ظلماء !!
فالمعلم عندما يقول شيئا ينفّذ ولو كان قطع الاعناق !!
تصر عليها مريم ان تخبرها ما الامر هذه المرة تريد ان تفهم هذا الجنون الذي يدور هنا
حتى خالد من كان زير نساء لم يفعل افاعيله المشينة بل كان يقدّس امه :يا عمة قولي لي لماذا يفعل ابنك بك هكذا ؟ ارجوك اخبريني ؟ فانا اكاد اجن هنا
تنهض العجوز من اتكائتِها متألمة ودموعها قد ملأت وجنتيها المتدليتين هما ً!! تبكي بحسرة وندم !!
:لا تلوميه يا مريم ، لا تلوميه فهذا دَينُ وهو الان يستحق الرد ونهضت من مكانها ببطء شديد من الآم الضرب وتتركها في حيرتها وتختفي داخل غرفتها ...
تجلس منهارة موجوعة قلبها ينفطر على أحبائها من تفرقت عنهم في ليلة سوداء دون قمر ! تبكي سواد سنينها وايامها
تضرب على وجهها وتخمشه باظافرها فهي قد غدت مختلة عقليا تون ونّاً متزامنا مع رثاء حمود وخالد
اني مددت على هذا الفضاء يدي .... كيما تصافح ارواحا تودعني !!
وتسقط على جنبها متقوقعة كجنين قد شق الدمع اخاديدا على خديها !! بيد ترفعها ترسم وجه حمود النقي في الهواء ترسم صورته التي حاولت عابثة الامساك بها حتى ضمة اخيرة لم اضمك يا حمود آآآآه يا قلبي آه يا خالد لقد قتلتنا وقتلت نفسك لم ارتدي السواد لم احتّد عليك يا خالد !! ، لم يسمحوا لي !!
أسكنت النفوس والضمائر هذا الكم من الهمجية والوحشية ؟!!
والشر !! نعم الشر !! الشر يا خالد ، شرّك وشرّهم من اودى بنا !!
تنهار ساقطة في احلامها بغمضة عين !!


غاب القمر وملئ السحاب السماء بارقاً وراعداً استيقظت بصرخة على اثر كسر الباب وجري في المنزل
ورصاص طائش عبق الجو برائحته وصوته المدوي !! الفزع !! يوم الفزع برجال يتحولقون حولهم حاملين سلاحا يقتل شعبا وليس إمراة !! وثوان فقط كانت ثوان حتى جرها احدهم من ناصية شعرها جرا عنيفا الى الخارج صرخت ورفست وضربت وما استكانت تمسك بيد من يحاول الاعتداء عليها رجال باحذية سوداء عالية ، وبناطيل خضراء وقمصان بيضاء تكشف عن الاذرع المعضلة ووجوه ملثمة يغطيها سواد لا يُرى منه سوى الاعين الحمراء وهي تُجر وكأن الطبيعة قد احتدمت هي ايضا بمعزوفات مطر هادر كإعصار ، ملئت الارض والوجوه تبلل شعرها العاري الا من يد معتد اثيم !!
ترى خالد من طار في الهواء من غرفته ليرتطم بالارض كان صريعا يحاول حماية جسده من ضربات متتالية ركلا وصفعا وبالهراوات الثقيلة ، لم يوفروا مكانا في جسده حاول النظر اليها وهم مجتمعون حوله يُفتِتُونه !!
مريم
لقد انتهينا يا مريم
تكاد عيناه ان تتدحرجا من محجريهما يريد النطق ، فأنطقوه دما وحشروا لسانه في حلقه !!
حاول الزحف اليها فاخته تهان على ايد غريبة بشعة !! وهم يقلبونه ارضا بجبروت قد قل مثيله !!
اذاقوه السم الزعاف ، وما السبب ؟!! لما هذه الغارة الوحشية
فيما الفوضى عمّت المكان وصراخ مريم التي لم تهدأ بين يدي جلادها
صرخت العون صرخت النخوة والرجولة صرخت وصرخت ولا مجيب فكل الاذان تلك اللحظة قد صُمت
ورجل ضخم يدخل المكان المزدحم بهم !! يدخل غرفتها وما لبثت ان رأت حمود بين ذراعيه !!
لاااااا حموووود
حاولت الافلات وخربشة اليد المتشبثة بقوة بشعرها الذي انتثر في فوضى حولها !!
تبكي مفجوعة تقاوم بضراوة
وحمود الذي مد يديه لها يريدها صارخا باكيا هو الاخر كأنه يشعر بلحظة الفراق جرجروهم وهي تسمع اصوات تحطيم الزجاج والمطبخ والغرف 
 كل في سيارة واهل الحي يختبؤون خلف الجدران خائفين والنساء ينوحن بالصياح على مريم !!
حموووود
خاااالد
يا الله يا الله
القوا بشقيقها في سيارة وغادروا به
ورأت الضخم يدخل السيارة الاخرى حاملا حمود المنهار صياحا
لااااا اتركني حموود لااااا
حاولت الافلات بعنف من يده حتى تقطّع شعرها وادمت جلدة رأسها يأخذوون صغيرها صغير قلبها
حمووود يا حموود آآآآه يا خالد خاااااالد قاومت وتلوّت وعضت الايادي وانزلقت بينها هي حرب
حرب الوجود والبقاء !!
وداد التي خرجت ركضا من الباب وهي تبكي هائجة وتشتم :اتركوهم ايها الاوغاد ولكن ما لبث وليد ان كبلها من ذراعيها وكمم فمها وهي تنادي مريم وترفس وليد الذي ادخلها واغلق الباب ، بالكاد سيطر عليها !!
ودااااد حمووود يا وداد
يا الله انجدنا يا الله
صراخها وابتهالاتها ادمت قلوب من خلف الابواب الذين بدأو بالصياح
دفعها الى السيارة ودخل جانبها واطلقو العنان للفرامل وهي تولول وتنتحب وهي ترى مأواهم يحترق !
ليحرق فؤادها المعتل اليتيم ! وافترقوا عنها تلك اللحظة !!
والدخان والغبار آخر مشهد جمعها بحَيها ، وقرّبها من جلّادِها

باب يفتح بقوة يجعلها تفيق من ذكراها الوعرة المحطمة للقلوب على صوته صوت المعلم المُحتد الغاضب !!


المشهد الحادي عشر .. حارس العذراء






الفصل الحادي عشر

الآن
اصبعه يعانق السماء للتشهد الاخير يسلم عن يمينه وشماله يرفع يديه بالدعاء راجياً
راجياً ان يغفر له الله خطاياه ونواياه !! يمسح على وجهه بكفيه ثم يتلمّس ذقنه . الجروح الغائرة التي لن ينبت الشعر مجددا في مكانها لحيته اصبحت مبعثرة وقبيحة انفه اصبح معوجّا ! يضحك لنفسه بسخرية
هل انتقم لك الله مني هل انتقم مني لكل خططي معكي ! فكل القصة الان اصبحت تدور حول امرأة
كل النساء سيلذن بالفرار عندما سيرين وجهي المشوّه وشعر رأسي المنتّف !! وعجز خاصرتي !!
هل كتبت وسجّلت ملائكتك كل ما جال بخاطري لكي .. كنت سأتزوجك فقط شفقة !! لم ارغب بامرأة تكشف عن وجهها وتحادث وتصافح الرجال !! لم ارغب بجاهلة لا تعرف كيف تقرأ القرآن إمرأة سأُعاني معها تفسير امور دينها !! لم اكن لامنحك الاطفال اتعلمين ذالك ؟!!اتعلمين عن هذه النية البشعة ..
لن يكون لي معك اولاد يكون خالهم خالد بسمعته وصيته وطيشه !!
كنت سأقهرك وآتي لكي بضرّة !! أتعلمين الان لماذا كان عقابي عسيرا !! لماذا كان انتقام الله جبّارا !
انتقم من كبري وتكبري !! هل سيفعلون بك وبخالد كما فعلوا بي ؟!! اسينتهكون جسدك ويستبيحون عرضك ! آه يا الله ,, اكتبت علينا المعاناة الى يوم نلقاك ؟!!
في الغرفة المجاورة حيث شقيقته تئن فكل ايامها ولياليها اصبحت عزاءًا لا ينتهي ولا يُمل !!
نفتقدكِ يا مريم !!
يمسح الدموع التي تجمعت على زاوية عينيه ينهرها ان تنزل رغما عنه !!
يا لقهرِ الرجال !!

،،،
بصعوبة استطاع ترتيب ثيابه في حقيبته لا يحب للخدم ان يلمسوها موعد رحلته الى المانيا لابد وان يجري جراحة ثانية على فخذه المُتهتك !! لا يستطيع ان يبتلع المسكنات كل الوقت ! فلم يعد تناولها مقتصرًا على الم فخذه بل وعلى الم خافقه المتصدّع غصة في حلقه يداريها بعجز ولكن على الاقل سيرى الغالية سيرى امه التي يتآكل قلبها قلقاً تبكي له همه وبُعده وغربته عنها وغربتها عنه عُد لي يا ولدي فلم يبقى في العمر الكثير
سعد الذي اسرع في حمل الحقيبة الى السيارة للمغادرة يصعد بجانبه مشوشاً .. ضائعاً ..
يقترح سعد عليه في هدوء يوسف ما رأيك أن أسأل صديقتها عنها ؟!! كي نعرف تفاصيل اكبر
يومئ برأسه حيرانا فهل ينفع الان معرفة اي شيء عنها فكل ما حدث حصل في غيابه اثناء حادثه وجراحاته ولم يعلم !!
لقد تخاذلت في انقاذك من ذالك الجُحر يا مريم !! يرد بهمس وحشرجة . لا ، لا اريد لاحد ان يعلم بهذا الموضوع يا سعد حليمة اذا علِمت ستقلب الدنيا علينا لا اريد ان افعل شيئا قبل ان اجدها !! وانت ايضا انتبه عندما تذهب الى الحي فالعيون الخبيثة كثيرة هم يراقبون الداخل والخارج اكيد ومن ثم يبلّغون !!
لا اريدك ان تقع في المشاكل والمصائب بسببي يسرح بنظره مخترقا كل تلك المباني العالية الى حدود المدينة المظلمة !! فتقلّب الحنين والمواجع ,,

الى أن خرج رجل المنزل الذي سمعها تتجادل مع احدهم :مريم ماذا يحدث هنا ؟
ارتبكت فهي تعرف جشع اخاها وقد يحرجها الآن أمامهم
يحيّ بيد ممتدة الى العم سعد وعلى وجهه ملامح سرور لرؤيته شكره كثيرا على خدمته لهم قبل ايام
العم سعد الذي ارتبك لم يدري ماذا يفعل الان هل يعطيه المال ام يتراجع ويودعهم؟! نظر مراراً الى السيارة والى الرجل الجالس خلف الشبابيك المعتمة فهم الاشارة وهمّ بالنزول !!
يقترب من الباب المُشرَع على مصراعيه يمشي بثبات ملتهما المسافة في خطوتين ناظراً بحاجب مرفوع الى مُحياها المرتعب كأرنبٍ مُحاصر !! نظرات الخوف والرهبة التي ملأت عينيها الثائرة
تختبئ خلف الباب ناظرة بعين واحدة مترقبة الى ذالك الجسد الضخم الذي غطى قرص الشمس
حتى خالد بجانبه بدا ضئيلا !! تبسّمت لنفسها في نفسها بخجل !!
ويبتسم ابتسامة صفراء في وجه من ظن انه زوجها مادّا يده يسلم وكأنه سيصرعه !
تستمع الى صوته العميق الغليظ الواثق النبرة يبدو مخيفاً وقادراً !
ضم خالد يده الى جنبه بألم !! كان فرحا لقدومهم هم الفئة المرموقة في المجتمع تسأل عنهم ؟!!
غطى بجسده العريض فتحة الباب التي القت بظلاله عليه يشعر بيداه مثلّجة من الاثارة وترتعشان من هذا القرب الجنوني يضعها في جيب بنطاله كي لا تكشف ما به ولكن العِرق النابض بعنفوان في صدغه لم يستطع اخفائه 
..انتي هكذا كلما اراك واقترب تنقلب موازيني ينقلب عالمي اصبح طفلا يتمنى ان تحمليه بين ذراعيك وتضميه الى صدرك ! يتهدهد على نبضك
كلمات قليلة لم يفهم منها شيئا ينصت الى ثرثرة خالد وضحكاته وحديثه مع سعد
وانا ويا انا اكاد اخترق الباب او اكاد ادفعه لأُبصرك حطمتي بلا جهد سدود قلبي لتدفعي بمائك العذب وتغسلينه من همّ السنين ايا طفلة مسحت على صدري لينجلي عنه سواد المحن ! بعد ان نظرت الى عالمي من زاوية العميان !
الطفل الصغير الذي جاء يجري من الحي هو نفسه يهرول شادّا طرف بنطاله بيديه كي لا يقع وجهه محمّر ولاهث من اللعب يدخل متجنبا لهم جميعا يبحث عنها عن ماما مريم
ماما مريم؟!!
اذا هي الحقيقة ولا مجال
مُحال !!
انها امه
يا ويل قلبي منكِ
اغمض عينيه في حسرة وكدر نطق بالسلام وغادرهم كسير الظهر !
يكاد يخر باكيا صارخا ممزقا صدره وملابسه فحبيبته ام وزوجة !!

،،،

الآن

يقف امام مرآة غرفتها يزرر البدله العسكرية ذات الرتب الثلاث ينظر الى انعكاسها تنام على بطنها على السرير الكبير ذو الاعمدة الخشبية الايطالية وحولها تلك الوسائد والاغطية الحريرية يغطي ظهرها العاري شعرها الحريري الذهبي لقد صحبته الى فراشها بنفسها ، فقدَ رغبته فيها بعد كل تلك الكلمات البذيئة التي خرجت من بين شفتيها الورديتين يعلم انها لم تكن في وعيها !!
  لقد تغيرتي كثيرا
لقد غيرتُك بيدي هاتين ، شكّلتك بمزاجي ولم يطب لي شكلك بعدها ! 
اصبحتي تشبهينني !!
 لم تعودي تلك الملائكة التي حلّقت يوما في سمائي ولكن ما زلت احبك حب يائس وبائس يا ياسمين !!

،،،


كانت في غرفة مريم تنتظرها لتغسل لها شعرها هادئة ، تحاول نزع بعض الخيوط البائدة من عبائتها
لابد وان تشتري واحدة جديدة وكذالك لمريم . يقضيان وقتا ممتعاً في السوق 
نظرة خاطفة الى يسارها،الى النمر الرشيق الذي يحاصرها في داره يحوم حولها مقتربا منها بقفزة واحدة،  بسرعة وقفت اصبحا متقابلين ينحني لها ويرفع اصبعه السبابة ويمر به على خدها الذي فقد لونه يهمس لعينيها المرعوبة الجاحظة الدامعة خوفا: متى سترضين عني ؟!!... اعلم انك تحبينني !! وحرارة انفاسه تلفح وجهها الشاحب وصفعة علّمت باصابعها الخمس على خده ليقف مستقيما ويعطيها ظهره ويغادر مهزوماً !
تركها خائرة القوى انحنت راكعة حاضنة نفسها بذراعيها !! تحاول تنظيم انفاسها المختنقة بيديه !
الملائكة امثالك لا يجب ان تنجّس لا يجب ان تلوّث بلمسات امثالي !!
ولكن
احبك
حب يائس وبائس يا وداد!!
،،،

فاردة شعرها على طوله الذي عانق الارض الحجرية تمسك بالمشط بين اناملها وتبدا بتسريحه تصيخ السمع الى حمود الذي يجري فرحا في المكان وترفع بصرها
حذاءُ لامعُ ملطخاً بالوحل بنطال اسود بحزام بني يغطي ساقين طويلتين قميص رمادي لصدر عريض
وفك قاس وشفتين مزمومتين وعينين خضراوين تعاني مرّ حبها !
شهقة قصيرة ضعيفة خيالية ينزلق المشط محدثا صوتا مكتوما يلفتها !! ترفع نظرها ولا تجده
لقد كان خيالا
صرت اتخيلك امامي في كل مكان ورائحة عطرك التفّت حولي كعناق !
دعني المسُك ايها السراب لِأُحولك الى حقيقة ! دعني بلمسة ارتكب معصية
حلّفتٌك
ألّا تتركني إلا وقد دعكت جسدي لتزيل عنه ... لوعة الحرمان !!

حور من حوريات الجنة
العذراء التي اتمنى !
احبك
حب يائس وبائس يا مريم !!
وكانت تلك بداية النهاية !!

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...