أحلام مطلقة
بيدين مرتعشتين ادارت مفتاح الباب الخارجي لتدخل الى شقتها التي ولأربعين يوما هاجرتا اياها .
لم تشعر يوما بالحنين لهذا المكان .
حين قُتلت كل احلامها حال دخولها لهذه الشقة
منذ اربع سنوات
تحركت بعزم الى غرفتها تفتح بابها فتهاجمها رائحة عطره القوية
مسحت انفها بعنف و تحرك كفها لمسح بقايا الدموع الفارة على خديها لتمسحهما بعشوائية و هياج وهي ترفع هامتها
تتوشح السواد من رأسها الى ساقها ، وجهها خال من اي مساحيق فرحة ، البؤس هو ما يزين سحنتها العادية
فتحت دولاب ملابسها و سحبت من اسفله الحقيبة الكبيرة السوداء فتفتحها على السرير و تعود بكعبها العالي مرتدة تقبض على ملابسها دفعة واحدة و تهم بوضعهم في حقيبتها ..
عادت ..
عادت لا لشيء سوى لتكبح غضب امها
عادت فقط للحظات ستسوي فيها امرها وتعود ثانية
خطوات اخرى تتعاقب على السجاد من خلفها و صوت خشخشة مفاتيحه
ينقل البصر استهجانا الى وجهها ثم الى الحقيبة المليئة بالملابس
اما هي فلم تعبأ له ولم تعره انتباها .. ليس بعد اول يوم قد تحررت فيه من العبودية !
يأتي صوته غاضباَ : مالذي تفعلينه بحق الله ، الى اين بكل تلك الملابس ، الم تشبعي بعد من النوم عند اهلك ، يكفيكي فقد انتهى العزاء و انتهت الاربعين فلا داعي لعودتك ، ثم لما تركتي الاطفال هناك ولم تحضريهم معك ؟!!
حتى اللحظة كانت تهابه ، تخافه ، تخاف نوبة غضبه ، ولكن لا ، لن تتراجع ولابد ان تتواجه معه فحياتها على هذه الشاكلة لابد وان تنتهي حتى ولو بمأساة !
التفتت و هي ترفع حاجبا متحديا بينما شفتيها تهتزان خوفا : معك حق ، انتهت الاربعين ومعها تنتهي حياتي معك !
نطق بهمس غير مصدق لما سمعه : نعم ؟!
اكملت وهي تعطيه ظهرها و تسحب الملابس بقوة من جديد ولكن هذه المرة صرخت في وجهه وهي تلتفت له بعصبية : نعم أرحل ، أرحل عن عالمك ، أرحل عن كل شيء اكرهه فيك و منك ، تعلم ان الذي مات هو من زوجني لك ، هو من عقد صفقته معك ، هو وانت من دمر احلامي ، كنت فقط سلعة تبادلتماها دون الشعور بما تدمرانه بداخلي
انا لا اطيقك و لا اريدك وانت تعرف ذالك و عشت معي وانت تعرف ذالك
كانت تحرك يديها في كل اتجاه و دموعها تهطل بلا هوادة على وجهها حتى اظلمت عيناها و بدا ضبابيا امامها فلم تعد ترى نظرات عينيه الغاضبة و قبضة يده على مفاتيحه التي تقسم انه يريد رميها في وجهها كي يحطم فيها شيئا ،
لا تراه اذا لتقل ما تريده : سأرحل عنك الى الابد وارجوك .. اخفضت نبرة صوتها مترجية .. لا داااعي ابدا ان تحاربني او تهددني او تضربني حتى فما عقدت العزم على فعله سأفعله ، سأخرج من هنا ولن اعود ، سأخرج من هنا الى احلامي التي دمرتموها
التي سحقتموها امام ناظري
ساعود للدراسة و سأتفوق و اتخرج و اعمل ، سأحقق ذاتي و اعيش حياتي التي بترتموها بحُمق ، انا لا احبك ولم احبك يوما
ان لم تطلقني بالحسنى فسألجأ الى طرق اخرى و اعدك انني لن اكون رحيمة
فمن كان يعيدني اليك مذلولة في كل مرة قد واراه الثرى ولن يستطع احد بعد الان ان يديرني حسب رغباته .
كنت تعرف ان نهايتنا لابد وان تاتي يوما وها قد اتت ابكر مما توقعت ولكن بعد ثلاثة اطفال .. اتعلم ولو كنت انجبت منك عشرين لم اكن لآبه !
اغلقت حقيبتها بسرعة جنونية و هي تدس الملابس فيها و خرجت تجرها خلفها مخلفة ورائها خياله الذي نفضته كسراب تلاشى خلالها والذي تمنت ان يكون حقيقة كي تفجر فيه الغضب الذي فجرته في الهواء ، تدري انها جبانة و لن تواجهه و ستدع المواجهة لاعمامها و اخوالها الذين وعدوها انهم سيساعدونها في نيل حريتها لمعرفتهم الوثيقة بزوجها المُعقّد الذي لم يكن يدافع عنه سوى شقيقها الذي كان يؤمن به ، لا لم يكن سيء الاخلاق ولم يكن جيدها ايضا ، كان رجلا عاديا ككل الرجال ، رجلا قد يكون مستبدا ، قد يكون همجيا ، قد يكون رقيقا !!
ولكن هواها لم يتلائم معه ، مع عقدة المرأة مع احلامها الوردية برجل تحبه دون اجبار ، رجل من اجله قد أُجهِضت احلامها و لفظت أخر انفاسها .!
، هربت وهي تدير سيارتها برعب قد ينزل عليها كالقدر في اي لحظة ، تهرب بنفسها و اولادها و حريتها ..
لم يكن في خيالها الا حلم واحد .. الطلاق !
مرت اربعة عشر سنة من الطلاق الذي حلمت به ولم يكن سهل المنال الا بعدما دفعت ما قدمه وما اخره .. تاركا اولاده في احضانها ولم يعد البتة في حياتهم لانه لم يهتم يوما لهم ..
كبر الاود وكبرت معهم و درست و تخرجت و عملت و اصبحت رئيسة قسم في احدى الشركات المحترمة الى ان دخل عليها يوما رجل كان يراقبها في عملها و يراقب اخلاقها و تفانيها في خدمتها : نجاة هل تقبلين الزواج بي ؟!!
فما كان ردها له إلاًّ... ابتسامة !!
من مجموعتي القصصية .. آخر أنفاس العُمر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق