هام



سأعود قريبا للبلوجر ، انتظر بعض الاخبار الجيدة التي تقلقني .. 

لذالك الروايات مؤجلة الى جين تلقي انباء تخصها .. 


المشهد العاشر .. حارس العذراء



 


السماء ملبدة بالغيوم والجو بارد جدا

رمادي شديد الصقيع كالذي يلف قلبها

تجلس في غرفتها متدثرة بذالك اللحاف الوحيد

تراقب قطع الجمر الملتهبة التي امامها تترائى لها فيها عينان حيرتاها !

وحمود الذي يلعب بكرة صغيرة في الغرفة

مفكرة !!

منذ فترة طويلة لم تعمل

منذ ان تركت وداد المشغل ، فكل زبائنها كانوا من طرف وداد !

تعاني مرار الحاجة ، لا زال للصبر مكان في جوفها !

جسدها ومعدتها يستصرخانها الجوع

منذ زمن وهي تربط الحزام !!

هي تحكمها المعيشة والبيئة .... والسياسة !!

كل ما لديها توفره لحمود،

وكما قال خالد هم من لا لزوم لهم في المجتمع ، هم فقط عالة عليه !!

وهو كالعادة قد اخلف وعده !!

كم من السهل علينا ان نطلق الوعود عندما نتألم او نتذوق علقم الفقد !

كان على وشك فقدانها فوعدها ، وبعد ان طابت .. رجعت حليمة لعادتها القديمة ..!!

,,,

للحظة خالت انها قد سمعت شيئا

نظرت الى حمود الذي كان يدمدم بكلمات !!



آه يا الهي

تنهض من مكانها مسرعة الى حمود الذي امسكت به من يديه الصغيرتين



حمود ماذا قلت الآن ؟

تنظر له في لهفة فما سمعته لم يكن خيالا !

تصر عليه لكي ينطق مرة اخرى : حمود حبيبي ماذا قلت الان



ينظر لها الصغير بارتباك مصحوبا بشبح ابتسامة قائلا : ما .. ما ميم !!



آه يا الهي

احتضنته بشدة حتى كاد يختنق واخيرا يا حمود قد نطقت بكلمة ..

الحمد لله

كانت سعيدة جدا تكاد تطير

طوال هاتين السنتين لم ينطق حمود بكلمة خالت انه لديه عاهة او مرض

ولكن .. ها هو ينطق بكلمة محببة .. يقول لها .. ماما مريم ..



اه يا حبيبي يا حمود تحتضنه مرة اخرى في فرح

غير مصدقة فحمود بخير لا يعاني مرضا !!

دفىء عجيب غمر قلبها وعيناها !

في هذه الاثناء تدخل وداد من الباب حاملة معها ابريق شاي يتصاعد البخار منه

وفي يدها الاخرى صحن عليه فطائر بالجبن ,,,,



تسمع ضحكات مريم الفرحة .. لم تتخيلها تضحك بعدما مر بها الفترة الماضية ؟!!!



تدخل عليها ضاحكة : مريم ماذا حدث ؟ لماذا تضحكين ؟



آه يا وداد حمود نطق بأولى كلماته



اقسمي ؟!! قالتها باستغراب : اردفت : يا الهي الحمد لله قد كنت جدا خائفة

خصوصا أن ابناء وليد الاصغر منه بدأو الكلام !!

تجلس بجانب مريم تضع الابريق والفطائر وتخرج للمطبخ تحضر الاكواب ..



جلست الاثنتان سعيدتان تستمعان الى همهمة حمود وهو يلعب ويردد ماما ميم !! ( ماما مريم )



اخذت وداد تصب الشاي الحار وتناول مريم فنجانا

ارادت البدء بالكلام ولكن هناك من قاطعهن ...



_ اه حسنا ان وداد هنا ، سأخرج الان .. اعتني بها يا وداد

وقبل ان يغادر يسمع وداد تقول : أعتني بها ؟ أنت من يجب ان تعتني بها وليس انا ! انت اخاها ..

ام انك تهتم لكل النساء ما عدا اختك ؟



تنظر له بتحدي ان ينكر ما تقول ..

فيما مريم تمسك بفنجانها تدفيء يديها به وترتشف منه

مستمعة الى الجدال الذي لن ينتهي بين هاذين الاثنين !!

والاخر الواقف على عتبة الباب

بسروال جينز ازرق اللون وحذاء رياضي وبلوفر اخضر فوقه الجاكيت البني

كان في منتهى الاناقة والوسامة ..

ينظر الى عينيها مباشرة ثم الى الابريق

متمنيا في نفسه ان يسكب هذا الابريق الساخن على وجهها

:ايتها الشمطاء الن تصمتي أبدا ، أقسم أنني في يوم من الأيام سأئدبك يا وداد ..

في كل مرة تستفزه وتختبر صبره

تشير له بيدها غير مبالية : هيا هيا اخرج نريد الحديث ولا نريدك حولنا !!



يا الهي هذه الفتاة لا يقدر على لسانها تطرده من بيته وهو واقف يتفرج !



خرج من البيت وهو يطبق الباب بصوت عال ..





لا يهم .. من يظن نفسه ؟!!

تتمتم مع نفسها فهي في حياتها لم ترى رجلا باردا و مستهترا ولا يكترث إلا لنفسه مثل خالد !!

تلتفت الى مريم الهادئة المتفرجة !

مريم ارجوك لا اريدك ان تحزني من أمر أحمد

انتي لا تعرفين ما الذي جرى له

انتي الحمد لله ما زلتي بصحتك وعافيتك وفرصة الزواج ما زالت امامك

اما اخي .. وتردف بحزن وشفقة على حال اخيها الغالي في قلبها

سيعيش حياته عاجزا

لن يستطع حتى الحلم بامرأة ولا اولاد .. اخي قد دمّر تماما !!



كيف حاله الآن ؟ تسأل في فضول !

ليس بخير ، كل ليلة يصرخ بشدة فائقا من كوابيسه

احيانا اظن ان الحي كله قد سمع صراخه

التعذيب الذي تعرض له طوال هذه الفترة دمره كلية !

صمتت الاثنتان ..

تحتسيان الشاي في هدوء ..

الى ان نطقت : وداد ، من الرجل الذي كان عندك منذ ايام ؟

اقصد الرجل صاحب السيارة الكبيرة

آه امممم وهي تضع الكوب امامها وتمضغ الفطائر : انه العم سعد يعمل احيانا لصالح السيدة حليمة التي اعمل عندها !!

تثرثر,,,

تعلمين اولاد الاكابر لا يهمهم احد ، ينطلقون بسياراتهم من الفجر الى الفجر

حتى الفتيات طوال الوقت يستخدمن السائق

والسيدة حليمة يا حرام كأنها وحيدة !!

اعلم ان شقيقها يقطن الفيلا المقابلة لهم

اهه يا مريم لو ترين تلك البيوت ستتمنين حينها فعلا الموت

واخذت تضحك مجلجلة ,,,

تعرف ان صديقتها حمقاء !

اهمم حسنا ، آه اممم ومن .. الرجل الذي كان يجلس في الخلف ؟

هه ، لا اعرفه !

ماذا ارادا منك ؟

منذ ان علمت السيدة حليمة بحالنا وهي لم تتخلى عنا ، ارسلت لنا المال لتساعد على العلاج !!

تشير برأسها تفهما ثم ..

تصمت ضائعة ، فتنك العينان قد عكرتا صفوها !

وداد التي نغزتها بكوعها في جنبها ضاحكة بلؤم : اهمم حسنا !!

.

.

.



التائه الذي كان يمشي في الحي ليس له رغبة ان يكمل مشواره



وقف الى حيث كانت تلك الايام ...

في ذالك اليوم الحارق منتصف الصيف

قرابة الساعة الثانية ظهرا، حيث الجميع في منزله مختبأ من الحرارة

وكأن جهنم تنفث احدى انفاسها اليوم ..





الحي هادىء

يمشي مسرعا يريد العودة الى البيت

ولكن اوقفه عن الحركة صوت همس انثوي يناديه

التفت يمنة ويسرة لا احد

تحرك واذا بالصوت يخرج اعلى باسمه

التفت الى ذالك الجدار وتلاقت نظراته مع تلك العينين ..



تهمس له في لهفة : خالد ؟!! كنت انتظرك !!

ينظر لها في استغراب ودهشة ناظرا حوله فربما احد سيراه يتحدث الى الجدار !



فيما تابعت : خالد هل لي ان اراك هنا في بيتي ؟!!



حاول التهرب من السؤال .. ومن الاجابة ..

شعر بالخجل فيما احمر وجهه ووضع يده على رأسه دليل ارتباكه

نطق بكلمة : ماذا تريدين ؟

أريدك أنت !! قالتها في كل وقاحة ودلال !

تنحنح وبدأ الشيطان الذي يشبه امرأة يعتلي كتفيه

احممم حسنا سنرى

فر من امامها وهو فرحا لا يصدق نفسه

فهذه اول مرة احدى النساء توليه انتباها !

النساء بالنسبة له لغز لم يستطع حله واراد الاقتراب منه اكثر !

آه ما اجمل النساء !!

هي

كانت اولى تجاربه في النساء



اولى تجاربه في الخيانة



تزوجها رغم عدم رغبته بها بعد الان ..

تعلم منها الكثير

تعلم منها أن لكل إمرأة طعما مختلفا وشكلا مختلفا

تعلم منها كيف ينام في احضان نساء غيرها

وهي تعلم

تشتّم رائحة النساء فيه وترى علامات الخيانة واضحة جلية

وتسكت عنها لأنها هي من علّمه ..!!



:

:





في مكان أخر يتقلب على فراشه كأنه على جمر

يلتهب جسده لتذكر عينيها السوداوين الدعجاوين !

فر النوم من اجفانه

لم يفهم مالذي جذبه لها ..

نظرة البرائة في عينيها ام دموع عينيها ام تلك الهالة من النقاء التي تحاوطها ؟!!

تبدو كطفلة ولكنها انثى !!

يغمض عينيه في يأس يا الهي ساعدني ما هذا الذي يحدث لي !!



جلس على فراشه مشتاقا حالما مربتا على الوسادة التي تستلقي بجانبه

الوسادة الميتة التي لم تعرف معنى رأس إمرأة تهمس له فيها !

كأنه يستشعر انفاسها على وجهه

ليغرق وجهه في كفيه فهذا مستحيل !!



سيبدو امامها وكأنه والدها بكل ذالك الشعر الرمادي

وبطوله وعرضه اللذان لن يعترفا بحجمها !

ولكنها اسرته !

اذا ضمن وجودها معه سيعدها

يعدها انها لن تنام الا على حكاياه

سيصبح لها شهريار المتفنن في ايقاضها

لا لن يدعها تنام ستنصت له ، الى كل كلمة سيتغزل بها

الى كل تفصيل سيرويه عنها



ولكن اولا عليه ان يتأكد انها حرة وحية !!!



فقلبه اصبح يتنفس عشقها ..

مريم ,,

ولابد ان يبحث عن السبب !!

سبب مشاعره الغير قابلة للتفسير

وسيبحث عن حقيقتها بنفسه !!



ارتدى ملابسه في الصباح مبكرا جدا بنطال كحلي اللون مع قميص ابيض وجاكيت كحلي ،

ساعة روليكس تلتف على معصمه الرجولي وخاتم فضي يزين أحد اصابعه

حذاءه وعطره

وشعره الجميل حتى وهو في حالة فوضى يمشطه بيده !

يحمل على ذراعه معطفه الأسود

ويخرج بحثا عن سعد



يجده يجلس على سفرة طعامه البدوية !

يأكل بأصابع يديه مفترشا الأرض

صحن من البيض المقلي وبعض الطماطم والبصل وصحن فول !!

مع قطع من الخبز البلدي الساخن

اممم نظر الى الأسفل الى حيث يشير العم سعد وجلس بجانبه

يضحك عليه

يشير له العم سعد لكي يأكل لقمة فيبدأ الأكل ولكنه لم يقرب البصل !

ينتهيا من الأكل وينطلقا الى المستشفى !!

ينظر سعد الى المرآة كل دقيقة فهو يشعر بشيء متغير في سيده !

نظرات عينيه اصبحت سعيدة ومتشوقة !

ملامح وجهه قد اضاءت وكل ذالك التعب الذي كان قد تلاشى فجأة !

لسنوات طويلة عاش على ذكرى واحدة مؤلمة !

المستشفى الى حيث الفتاة التي جلبناها منذ ايام !!

مالذي تفكر به يا يوسف ؟!



وصلا الى حيث اراد ناظرا الى الخارج

الى المكان الذي احتضنها بدلا عنه !

يلتفت اليه سعد في هدوء مستمعا : إذهب واسأل عنها !!

سعد ينظر له في ذهول : ولكن لا نعرف اسمها ؟!

ليقول في شوق وهمس وكأنه يتلذذ باسمها على لسانه : مريم !

حسنا هل ادخل الى هناك واقول مريم فقط ؟!

ستجد من يدلك عليها اذا لازالت موجودة سأنزل واذا لا سنتجه الى منزلها !!





يهز العم سعد رأسه في فهم .. فسيده ينوي على شيء مع هذه المرأة !



لم تكن في المستشفى فقد غادروا ذات اليوم مساءا !

قالوا له انها بخير

ولكن

هو يريد رؤيتها مرة اخرى !

اتجها الى الحي



توقف العم سعد امام المنزلين المتقابلين ناظرا الى سيده في تساؤل : والآن ؟



يخرج من جيبه ظرفا مغلقا يناوله لسعد انزل واعطها هذا !!

*| لم يدري بأنه بهذا السلوك الذي يتبع به شقيقته قد يجرح عزة نفسها !!

ينزل العم سعد ويطرق الباب ..!!

وها هي وللمرة الثانية يختبر هذا الشعور

ينظر لها وخافقه يعتصره طرقا كاد يبكيه هو مرهف المشاعر !

يبتسم مع نفسه بحب

ياالهي انه يحب !

ما اجمله من شعور .. وهذه الفتاة اعجوبة قد خلقها الله ليحيا من جديد !

لم يسال نفسه لماذا هي ؟ وكيف ؟ وما السبب ؟!!

اتبع قلبه الذي لن يخونه هذه المرة هو يعلم !

اتسعت ابتسامته فيما كان يحدق الى السواد المحيط بها

يحدق الى عينيها التي اسرته

الى اهتزاز شفتيها وفجأة اظلمت عيناه !

فهي تكاد تبكي .. ها هي تتبرم من العم سعد ماذا يحدث ؟!!



في الطرف الاخر من السيارة

لا ارجوك انا لا اقبل مال من شخص لا اعرفه !

يا ابنتي خذي المال فهو للصدقة ارجوكي

فيما كانت تطلق نظراتها باتجاه السيارة

ما السبب ؟ لماذا يحضرون لها المال ؟ هي لم ولن تشحذ المال من احد ؟ ولماذا هذا الرجل بالذات ؟

أحست بالاهانة تغلفها

رغم فقرهم هي طوال عمرها لم تطلب المال من احد ! حتى مال الصدقات لا تقبله !!

فيما وقف العم سعد يترجاها ان تأخذ المال

وهي طوال الوقت تدفع الظرف بعيدا عنها غير راغبة فيه !



الى أن خرج رجل المنزل الذي سمعها تتجادل مع احدهم ..

مريم ماذا يحدث هنا ؟

ارتبكت فهي تعرف جشع اخاها وقد يحرجها الآن أمامهم

يحيّ بيد ممتدة الى العم سعد وعلى وجهه ملامح سرور لرؤيته

شكره كثيرا على خدمته لهم قبل ايام

العم سعد الذي ارتبك لم يدري ماذا يفعل الان هل يعطيه المال ام يتراجع ويودعهم؟!

نظر مرارا الى السيارة والى الرجل الجالس خلف الشبابيك المعتمة

فهم الاشارة وهمّ بالنزول !!



.

.

سيد يوسف

سيد يوسف





التفت الى الخادمة التي احضرت طعام الغداء

شوربة ودجاج وسلطة

داعبت الرائحة انفه وشعر برغبة في الاكل

فكل مرة يتذكرها

تعيده الى حيث ينتمي

الى ارض البشر !!


المشهد التاسع .. حارس العذراء








الآن
يجلس في شرفة غرفته التي لا يكاد يغادرها
والهواء البارد يلعب بخصلات شعره وبجامة نومه القطنية البيضاء !
يستمع لحركات الخادمة الخافتة التي ترتب ملاءات السرير !
منذ مشكلة تلك المرأة وهو متعب جدا
جسده منهار ومريض ..
نعم يعاني مرض الفقدان
فقدانك يا مريم !!
رجله حالتها من سيء الى أسوأ !
يجلس ناظرا الى زرقة السماء وخضرة الحديقة ،..
هذه الغرفة اصبحت سجنه
منزله اصبح سجنا لا يطيقه !
أصبح اسير كرسيه المتحرك !
والسجان كان انتي يا ياسمين !!
يلتفت الى مكتبته والى كل تلك الكتب التي على الأرفف
تنتظر من يفتحها ومن ينفض التراب عنها !
ينظر الى مكتبه الذي نقله الى غرفته وليس له رغبة في الجلوس خلفه
كوب القهوة الذي اصبح باردا امامه !
حتى القهوة كرهها بعد ان كانت الشيء الوحيد الذي يستسيغه صباحا !
الجرائد والكتاب الوحيد اللذان يستلقيان بجانب القهوة منذ ايام !
منذ الحادث الشنيع لم يأتي أحد ليسأل عنه
لم يأتي احد ليطمئن عليه سوى شقيقته الصغرى .. حليمة ..

كلما يتذكرها يبتسم
حليمة اسم على مسمى تشبه في حنيتها عليه أمه و.. مريم ..!

الشقيقة التي هددوها بقطع علاقاتهم معها اذا استمرت في رؤيته !

نعم هذه عائلته
العائلة التي طردته من املاكه ومن املاك ابيه !

بدون رحمة !

كان صغيرا وجاهلا !
استطاعوا ان يضحكوا عليه ويستغلوه !
يظنون أنهم قد خدعوه !!
ولكنهم لا يعلمون أنه يخبأ لهم المفاجآت !

فهو لم يعد يوسف من ذي قبل
فهو الآن رجل قارب الأربعين
غزا الشيب رأسه ولحيته
اصبحت عيناه أكثر جلادة بالخيوط الخفيفة حولهما مع ذالك السواد الذي تتشح بهما !
شفتاه اصبحتا اكثر قسوة واستقامة !

ليس ذالك اليوسف الذي نُفي من بلاده !
ويعيش منفيا في بلاده !


وياسمين التي زرعت خناجرها في صدره خنجرا بعد آخر
لن ينسى ذلك اليوم الذي اتصلت فيه خالته لتخبرهم بحالها

تخبرهم انها قد تزوجت ابن عمها !!

لم يمضي على طلاقنا الا فترة العدة يا ياسمين !!

يفق من ذكرياته على صوت قرع الباب
يدفع سعد الباب ويدخل في هدوء
يجلس مقابلا له !
يرمي بتلك التذكرة على طاولته فها قد حان وقت الرحيل

يلتقط التذكرة بيديه كان سيمزقها
سيرحل بدون ان يجد مريم !

يسمع صوت سعد سائلا : يوسف ! ما الأمر !
لقد تردت احوالك كثيرا ، سنجدها ان شاء الله !
ينظر له يوسف متأملا : نعم سنجدها ..أو هي من سيجدنا !
سعد الذي غص بسؤال كم من مرة اراد معرفة جوابه !
تردد قليلا قبل ان ينطق : سيدي مالذي تريده من إمرأة متزوجه ؟!
لم يجبه .. هو نفسه لا يعرف مالذي يريده من إمرأة متزوجه !!
فلولا إيمانه كان ليستعين بشياطين الانس والجن لكي يعرف مكانها !!

وهناك في البعيد يلوح له خيالها ..

.
كان يجلس على ركبتيه بين وروده
يحمل - في يده التي ارتدى عليها قفازا جلديا اصفر اللون- مقصا صغيرا
ينظر الى تلك الورود الحمراء يقتلع هذه ويعتني بتلك
انها هوايته !
امه التي علمته كيف يعتني بالأزهار فصمم لنفسه حديقة صغيرة يحبها !
ينتعل في رجليه حذائا مطاطيا عالي الساقين

يلتفت على صوت سعد : سيدي سأخرج لساعات السيدة حليمة ارسلتني لتأدية بعض المهام
يستمع له ومازال منهمكا في عمله وقطرات العرق التي تلمع على ذراعيه المكشوفتين وخصلات قصيرة قد غطت جبينه المندّى !
ينهض من مكانه : حسنا ولكن حاول ألا تتأخر !
فيما العم سعد اقترب منه وعينيه تلتمع بالإثارة : ما رأيك أن اريك شيئا لم ترى مثله في حياتك ؟!
نظر الى العجوز كما يسميه وعلى شفتيه ابتسامة محبه يخلع قفازيه
حسنا انتظرني أريد ان ارى ما لديك ايها العجوز !!

وفي سرعة كان قد قفز الى السيارة يجلس في المقعد الخلفي للسيارة العالية الكبيرة جدا !!
في اثناء القيادة كان العم سعد يخرج من طريق ويذهب الى آخر حتى أصبحوا على أطراف المدينة !
كان صبورا ينظر هنا وهناك خصوصا انه لا يخرج كثيرا الى القرى الصغيرة على جانبي المدينة !
الى ان دخل العم سعد الى ذالك المكان
أحياء مدقعة الفقر
بأزقة ضيقة جدّا لا تكاد السيارة تعبر منها
البيوت التي خال انها منذ القرون البعيدة
مبنية بالحجارة ومغطاة بالصفيح !
اغمض عينيه لا يصدق
ما هذا المكان أهناك بشر يعيشون هنا .
فهم بالسيارة قد يدمرون هذه الأكواخ !
الى اين يذهب العم سعد !
اخذ يتأمل وينظر وفعلا هو شيء لم يرى له مثيلا في حياته
كل حياته كانت مرفهة
بين هنا في قصره وبين وطنه المانيا التي تشبه الجنة !


اخذت السيارة في الارتجاج بقوة الى اسفل واعلى مارين على كل تلك الهضاب التي تملأ الطريق
البرك الكبيرة بل بحيرات من المياه المتعفنة
أكوام القمامة في كل مكان ورائحتها العفنة تسكر الأنوف !
والأطفال يا إلهي
إنهم يلعبون في القمامة وفي هذه البرك بملابسهم البالية ووجوههم المليئة بالطين والأوساخ
يركضون هنا وهناك وكأنهم في ملاهي ! يتسآئل اذا يعرفون ما شكل الملاهي !

أخذ يدعك عيناه بشدة غيرمستوعب لما يرى
أفي هذا الزمان توجد هذه الحياة !!

الى أن وصل العم سعد الى مبتغاه
يوقف السيارة بين مجموعة من البيوت التي يكاد يرى من داخلها !

يخرج العم سعد من السيارة يدق على أحد الأبواب !

وها هي قد فتحت الباب
تلتصق بعينيه
خيط رفيع من السحر ربط بينهما
رجلاها تسمرتا عن الحركة
تاهت في صفاء مقلتيه وتبحرت في اعماق عينيه
ابتلعت ريقها مرارا ساحبة انفاسا حارة تليها شهقات بصفير تنذر بعاصفة !
قوة مغناطيسية كبيرة ربطت بينهما كما وان الارض قد توقفت عن الدوران !
عيناها مبللتان بالدموع .. وانفها احمر قان .. وشفتاها استحالتا الى لون الدم !

تبدو عذبة وشهية !
نضرة ونقية !
تحمل على ذراعيها طفل جميل !

وانتهى السحر باليد الصغيرة التي دفعت وجهها في اتجاهه
تلقي عليه نظرة ممزقة بحاجبين معقودين !
وتتحرك الى المنزل المقابل تفتحه وتدخل ..

تابعها بنظراته
قلبه الذي قفز الى حلقه راكضا بسرعة جنونية !!
هل للسماء ان تنطبق على الأرض فتبعثره الى الف قطعة كما فعلت هذه الصغيرة توا ؟!!
تنفس بعمق ومرارة فمن الواضح انها مرتبطة !
التفت الى العم سعد الذي كان يتحدث مع فتاة اخرى ويعطيها ظرفا !!
يا اله العباد !
كم كانت بارعة في صعقه بشحنات كهربائية عجّلت بإنقاض بقايا حياته !
:
:
:
في الجانب الآخر من الأبواب .....
دخلت المنزل وهي لا تكاد ترى ..
تختنق بانفاسها المتلاحقة
كاد الصغير ان ينزلق من بين يديها
شعرت بدوار عنيف وصدرها الذي ضاق فجأة
وكأن صخرة عظيمة استراحت عليه

حاولت التنفس ولم تستطع

اخذت تبحث بعينيها عنه !
صدرها يرتفع وينخفض بسرعة محاولة التقاط بعض الهواء
هي تموت
ببطء شديد
خيال حمود الذي يجري في المكان

غمامة سوداء غشيت عينيها
وانهارت على الارض مرتخية مستسلمة
صوت صفير و شهيق عال يخرج من بين شفتيها
ووجهها الذي بدا يفقد لونه
حمود الذي بكى بصوت حاد عندما رآها مسجاة على الارض وكأنه يطلق زمور النجاة !
خالد الذي يجلس في غرفته يرسل بعض الرسائل الوسخة لصاحبته !

يسمع صوت حمود الحاد

يخرج ليرى ما به واذا به يصدم باخته تلفظ انفاسها
يركض لها صارخا في خوف باسمها
مريم مريم
يضربها على خدها لعلها تستيقظ
ينهض مسرعا الى غرفتها باحثا عن البخاخ الذي تستعمله لمثل هذه الحالات
ارتبك ولم يجده
يرجع لها في سرعة يحملها في رعب فاخته تموت بين ذراعيه

لا يا مريم لن تموتي الان
ما زلت صغيرة ، انا وقذاراتي من يجب ان يغادر عالمك !

مريم حبيبتي افتحي عينيك ارجوكي !
اعدك انني ساتغير فقط افيقي !
يخرج بها من الباب مسرعا

رأى تلك السيارة وهي تحاول الاستدارة في الحي الضيق

يصرخ بأعلى صوته وشقيقته بين يديه : انتظر ارجوك انتظر

العم سعد الذي كان مشغولا في محاولة الدوران وها قد نجح اخيرا لم يسمع الصراخ
بينما الآخر الذي يجلس في الخلف يشعر بشيء مختلف داخله
يسمع ذالك الصوت والصراخ
ينظر الى الوراء يرى ذالك الرجل الذي يحمل فتاة بين ذراعيه
يركض في اتجاههم
فتح النافذة التي بجانبه اكثر واخرج رأسه ليرى ويسمع نداء الاستغاثة !

يا الهي انتظر انتظر يا سعد

فيما سعد نظر الى حيث ينظر سيده
يتوقف خالد لاهثا تعبا لا يكاد يستطيع التحدث
ارجوك... خذني للمستشفى ...ارجوك
افتح الباب يا سعد ..

يحاول ان يجلس في الكرسي الامامي وشقيقته على ذراعه

ينظر الى الرأس المدلى بين يديه
يغمض عينيه مذهولا
ياالهي انها نفس الفتاة !
شعر بالخوف يتملكه !
ومن هذا الرجل الذي يحملها !
براكين غيرة قاتلة تفجرت في اعماقه !!
رجل يلمسها ؟!!
كاد ان يتهور ويزيح يداه عنها !!
ولكن بأي صفة قد يفعل ذالك فهو للتو قد علم بوجودها !
انطلق سعد في سرعة مطلقا بوق السيارة الى اقرب مستشفى
بينما الاخرى كانت قد فقدت الوعي تماما !

اه
يضمها بين ذراعيه باكيا
مقبلا عينيها ووجهها
متمتما .. مريم حبيبتي لا تموتي لا !!
مريم !


لم ينطق بكلمة كان مفجوعا
للتو رآها
للتو كاد ان يلمس محياها
للتو شعر بقلبه يتمزق حبا !
فقط منذ لحظات !

وذالك السحر ما هو ؟
ينظر الى وجهها ثانية فيما كان يغرق في حناياه حالما
ينظر الى شفتيها بامتلاك لا يكاد يدير عينيه عنها !

متمنيا ان يمنحها قبلة الحياة !
أفاق من غيبوبته أخيرا وهو يزيح كل تلك الأفكار الرديئة عن رأسه
يفكر في تقبيل إمرأة تكاد تموت بين ذراعي زوجها !
إنه جنون !

ابتعد بحدقتيه بشرود !
في حين توقف العم سعد امام المستشفى بقوة
ينزل خالد يركض نحو الداخل ..

فيما العم سعد واقفا بجانب السيارة مشدوها
والاخر جالسا مصدوما !

ركب سعد وانطلقا بالسيارة الى المنزل في جو ظاهره الهدوء !!
.
.
.


وداد التي سمعت صراخ خالد في الحي خرجت مسرعة
ترى مريم مجثاة بين يديه وهو يركض بها
تركض خلفه تبكي
مريم !
تمسك بحمود الذي كان يجلس امام المنزل بيدها وتدخل منزلهم وهي تدعو لمريم

فهي تعرف ما حلّ بها !!
.
.
.


مريم التي اسعفوها قبل فوات الأوان كانت في انفاسها الأخيرة
فنوبة الربو هذه المرة كانت قوية ولم تأخذ البخاخ اللازم

تفتح عينيها ببطء تخال انها في مثواها الأخير
ولكنها تشم رائحة تعرفها وتحفظها .. رائحة المستشفى !!
تفتح عينيها اكثر تشعر انها في دوامة
تحاصرها النظرات الخضراء من كل مكان
تحاصرها كلمات وداد التي قتلت آخر أمل لها
أمل الزواج !
:
:
تجلسان بجانب بعضهما البعض فيما كانت وداد جدا هادئة
لم ترد التحدث
منذ يومين قد خرج احمد من المستشفى
وهو الان يكمل علاجه في المنزل
احممممم كانت تصفي حنجرتها فما ستنطق به الآن سيقتل صديقتها !
وبصوت مبحوح : مريم !
تنظر لها مريم في تساؤل فحال وداد لا يسر


تواصل وداد الكلام وهي تشتت نظرها في كل اتجاه متضايقة ومحسورة على كليهما !
نافثة هما ثقيلا من صدرها فلابد ان تخبرها !
مريم .. أحمد لقد عذبوه بشدة في السجن هذه المرة
أرادت ان ترتاح من هذا الثقل في جملة واحدة
لقد افقدوه رجولته في السجن .. بينما تستدير برأسها متهربة ناطقة دامعة ..
هو يقول لكي بأنكي حرة !!

فيما الذهول والحسرة عبرت عنهما بشهقة من حنجرتها !
افقدوه رجولته في السجن !!
افقدوه رجولته في السجن !!
دموع لم تحسب لها حساب تقاطرت
تريد ان تلحقها اخواتها بـإصرار
لم تعقّب على شيء
وضعت وشاحها فوق رأسها وحملت حمود وخرجت !
تأسرها عينين خضراوين
تسمرت مكانها لم تستطع الحركة
حاولت ولكن لا لم تستطع ان تحيد بصرها عنه !
رعشة تملكت يديها
كتمت انفاسها واستيقظت على يد حمود الصغيرة على خدها
ابتعدت في بؤس
تلقي بنظرة اخيرة على صاحب العينين الخضراوين
لم تستطع التنفس
ها هو آخر امل قد اولاها ظهره !

فيما حملها اخاها بين ذراعيه تتمنى الموت فها هي لحظة الخلاص قد حانت !!

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...