المشهد الثالث .. حارس العذراء




المشهد الثالث

سبعينيات القرن الماضي

يتنقل بسيارته الفارهة الملفتة للنظر ففي هذه المقاطعة لا يوجد من يمتلك سيارة مثل هذه الا اذا كان يهودياً !
شاب عربي الملامح
اسمر البشرة
اسود الشعر والحاجبين والعينين
قوي البنية ، يتنفس بقوة ليسمح لكل ذلك الهواء النظيف الدخول لرئتيه
مُديراً رأسه في كل اتجاه
يا الهي فهو يريد التشبع بهذه المناظر الخلابة
كل تلك المروج الخضراء
والاشجار حتى الزرقاء منها ياللعجب
على امتداد البصر تقبع الغابات الخلابة
والانهار التي تشق مجراً لها هنا وهناك
سبحانك ربي ما كل هذا الجمال
المنازل بتفاصيلها والوانها الخلابة بالورود المختلفة الاشكال والالوان
المحيطة بتلك المنازل خُيل اليه انه يحدق في لوحة رسمها امهر الرسامين ..
هنا حيث يبعد الاف الكيلو مترات عن وطنه
في مهمة عمل عائلية
فهو ان نجح في هذه الصفقة سوف تصبح عائلته من اثرى العائلات في البلد !...
المانيا ( دويتش لاند او جيرماني )
جنوب العاصمة برلين
مقاطعة ثورينجن
رغم الانتشار الهائل للقوات الروسية في المدن وفي كل مكان
فهم يسيطرون على الجزء الشرقي من البلد بعد خسارتها الحرب العالمية الثانية .


السكان هنا يحتاجون للعمل
بعد أن حُرموا من ملذات الحياة
المنطقة غنية بالموارد والصناعات وهو قادم لهذا السبب
العمالة والمعدات !

يستجيب لزيارة أحد الأصدقاء الألمان يُعتبر من اثرياء المنطقة
في مدينة صغيرة تدعى التنبورج
بيت متوسط الحجم ذو سقف مثلث باللون الاسود فيما جدرانه اكتست باللون البني الفاتح
تحيط به الاشجار من كل الاتجاهات مشكلة سياج حوله
غرفة الجلوس الكبيرة وجدرانها المزينة بعدد كبير من الصور والملاعق الفضية
الستائر البرتقالية التي تغطي الشبابيك الكبيرة المطلة على تراس كبير من اللوح الغامق و حديقة ورود و اشجار زينة .
تلفاز في وسط الحجرة تحته طاولة بنية ضخمة جميلة الأطراف
الجزء الداخلي من الغرفة مفروش بسجادة حمراء صغيرة عليها ست كراس جلدية سوداء وبالوسط طاولة زجاجية ..
الجزء الخارجي من الغرفة تقبع طاولة طعام رخامية تحيط بها ست كراس خشبية
مدفأة رخامية بيضاء اللون نهايتها تخترق السقف !
كان تفصيل المنزل مذهلاً ومريحاً ونظيفاً جداً
جلس على احدى الكراسي الجلدية متناولاً كوباً من عصيرالبرتقال بين يديه يرتشف منه كل دقيقة
يبدأ الحفل ويتوافد الاصحاب والمعارف وهو جالس ينظر
كل تلك الحسناوات الشقراوات
حتى الرجال طوال القامة شديدي الشقار
لفتت نظره كتم انفاسه من جمالها
وهي تتحرك كالفراشة هنا وهناك
تضحك مع هذا وتسلم على ذاك

بفستان قصير اخضر اللون يبرز لون عينيها الرائعتين

تتوقف عنده ناظرة له في خجل
لا تعرف لماذا فملامحه لفتت نظرها واربكتها
تحينت الفرصة لتقترب خطوة كل مرة
الى ان وقفت أمامه محيية مرتبكة
بماذا ستبدأ الكلام ففضلت السؤال : هل تتحدث الألمانية ؟
يبتسم وهو ممسك بكوبه يقلبه بين اصابعه يومىء برأسه : قليلاً
ما اسمك ؟! وتجلس بجانبه ناظرة متفرسة في وجهه لأول مرة تقابل شخصا بهذا الشكل وهذا اللون !!
ليرد عليها ولم ينظر لها بعد هارباً بنظراته عنها في كل اتجاه : محمد
: هل انت عربي ؟
: نعم
: لقد قرأت الكثير عن بلاد العرب لم اتخيل بعد شكل الصحراء التي يتحدثون عنها في الكتب !
هل صحيح أنها مليئة بالرمال ؟!
نظرة تعجب تمر على عينيها ترفع حاجبيها منتظرة اجابة
وفي هذه المرة ضحك عالياً حتى إن بعض الاشخاص قد التفتوا له : هل تعرفين البحر ؟! صحرائنا أشبه بالبحر !
تشهق ناطقة : أحقاً ما تقول ! يا الهي اتوق شوقاً لرؤية ما تتحدث عنه !
تلتفت لأحدهم وهو ينادي عليها : رجينا تعالي هنا اريد ان اعرفك على بعض الأشخاص
تتحرك من مكانها معتذرة على المقاطعة تقف متجهة لوالدها .. صديقه .!
افتقدها .. احبها ..أرادها
ويلتقيا من جديد
وبدون أي مقدمات : رجينا هل تقبلين الزواج بي ؟!

رجينا المبهوتة من طلبه الزواج
فمن في هذا الوقت يطلب الزواج من إمرأة للتو التقاها !
كيف ستوافق أن تتزوج رجل لم تعاشره قبلا ؟!

هي لا تعرفه وهو لا يعرفها فقط مرة واحدة التقيا
هي مغامرة
عربي جميل
الصحراء
الملابس الغريبة
العادات المختلفة
وطن آخر وحياة أخرى ..
وافقت !!
يتقدم لخطبتها
تصدم العائلة من الطلب فهو مسلم وهم لا دين لهم !
سيأخذها بعيداً وقد لا يروها
ستُغير ديانتها وحياتها
لا ضمان لأي حياة ستعيشها معه
رفضوه !

واقفاً منتظراً في بهو المطار
مصطحبة حقيبة صغيرة جمعت فيها ذكرياتها
صورها
كتبها وأوراقها
وانطلقت معه !

تزوجها قبل أن يصل الى بيته
يُفاجأ الجميع بامرأة شقراء جميلة متأبطة ذراعه
لم تغير إسمها فقط غيرت إسم عائلتها
ونسبت نفسها اليه !

اصبحت الزوجة الثانية وضرة لإمرأة لها العديد من الاطفال
لم تكترث فهي مجنونة بحبه
أرادت طفل منه وحملت !
اختلفا على الإسم اراده ( علي ) ولم ترد ان يُميز عنصرياً عندما يذهب الى ديارها
فسموه ... يوسف ...(جوزيف)
بعد سنتين لحقت بها اختها التي عاشت معها لفترة ليست بالطويلة
حتى تزوجت رجل من رجالات الدولة
وأنجبت ابنة سموها .. ياسمين ...(جازمين)

اربع سنوات تغيرت فيها معاني الحياة
عرفوا فيها الحب والمودة والدين !
أربع سنوات عشقته واطاعته وربت طفله !
ليفارق الدنيا بحادث سيارة اليم !
لم تصبر على فراقه ...

من سيتولى حضانة الصبي فهو صغير
وهي أجنبية سيتشبع بعاداتها
لن يلتزم بدينه
سيضيع

وكما هربت مع والده قبل اربع سنوات
ها هي تهرب به مودعة زوجها وحبيبها بدموع خاشعة !
ليكبر ويتربى ويتعلم في أحضان امه !
الخالة التي كانت تحضر كل صيف للزيارة محضرة معها
الصغيرة المشاغبة الشقراء .. ياسمين ..
ملئت حياته حبا وشغفا

يتذكرها بتلك الخصل الجميلة وعينيها الخضراوين الغاضبتين
تمسك به من ثيابه وترمي به ارضاً ..

هي زوجته .. ياسمين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...