الجزء السابع والعشرين

 




الجزء السابع والعشرين

 

يحي وانا اجلس هنا اسقي شجيراتي و افلح ارضي الصغيرة

أراك

نعم أراك

فكيف انساك ، أن انسى من استوطن جسدي

من حرر الجوارح بغزوه !

اتسائل كل يوم ،

حين آوي الى فراشي آخر نهاري

 هل هي هذه نهاية القصة ؟

ألن اراك مرة اخرى ، ألن نتهامس ، ألن تنظر لي بتنك العينان التي اعشق حتى تطبع صورتك في روحي

عندما حضرت لهذا البيت كان ويا له من زمن .. كان

كان كل شيء يسير بشكل جيد

شعرت بالحرية و الاستقلالية

شعرت انني حقا احتجت ان اكون وحيدة

ان انظم افكاري و ارتب حواسي الفوضوية

وضعت طاولة في الحديقة تحت الاشجار الوارفة

و جلبت كرسي قديم ووضعت فازة اعشاب و زهور برية التقطها كل يوم من تحت الاشجار

كنت اجلس في سلام اشرب فنجان قهوة و افتح موقع كليتي

يسير اليوم بسيطا بطيئا ساعات اخرج للشمس و ساعات اختبأ منها

تمنيت ذات يوم انك هنا تتعبط ذراعي

نتمشى سوية في الغابة

تقف لتتغزل بي فكم انا في حاجة الى فيضان مشاعرك الجياشة

كم من مرة تخيلت اننا ننام سويا و نصحو سويا

حتى شعرت مرة بالدوار و الدوخة

يحي هذه الايام أنا لست بخير

منذ فارقتك وانا اعاني ، كل صباح اتحسس نفسي ، اضع يدي على قلبي

هل اسمعه ، هل لا زلت اسمع قلبي ، ففي داخلي صوت ، صوت غريب يهمس في اذني

كتلك الليلة

قمت ُ الهث من نومي العرق يتصبب من جبيني و فمي مفتوحا

كنت عطشانة

كنت اطير بين السماء والارض او كمن يحملني على كتفيه لاطير عن سريري ، هل اصابني مرض التهيؤ !

أقوم لأشرب فأسمع صوت جدي

كان يتحدث معي بصوت عادي وكأنه امامي

يقف بطوله الفارع و لحيته البيضاء في يده مسبحة

انقطعت و تناثرت حباتها الخضراء على الارض تتراقص

تقفز وتتراقص

كنت بينها أراها صوتها كنعيق الغراب

اغمضت عيني بقوة حتى غمرها السواد و سددت اذني لا اريد ان اسمع

خطوات جدي تعبر جسدي و حبات مسبحته تنخر رأسي  

يحي الخوف يسكنني ، صرتُ اتلفت حولي في البيت كالمجنونة

هل سكن الجان البيت و امتهنوا صوت اهله !

كان الظلام يحيط بي ، غمر النعاس عيني ولكنني كنت هائمة ، فتحت عينين فوجدتني في عالم كالضباب ، تلفتت يميني فوجدت شيئا اسودا قصيرا ينفث انفاسه في وجهي فتحت عيني رعبا هززت رأسي بقوة

لا لا انا اتخيل ، سلام قول من رب رحيم ، هذا كابوس

اخذ قلبي يجري بي حتى دق معه كل عضو في جسدي المهدود عيني دمعت بلا ارادة مني  

تلفتت يساري فرأيت ذلك الوجه يحدق بي

ابتلعت ريقي و اغلقت عيني و الرعب بلغ حنجرتي اريد الصراخ فلا اقدر اريد النهوص وهناك من ثبتني

صرت اقاوم صرت ارفس صرت اطير اختفت شفتاي و اغلق فمي و صرت احاور مكاني لم استطع تحريك قدمي

صرت الهث مثل الكلب اجري على اربع و هم يجرون ورائي

هم خلفي تماما وانا لم اعد استطيع فالوقت صار بطيئا وهم يلحقونني و الان انا ارجف في سريري رجف الموت

اجري خارجة منه الى حيث الصالة هناك اقف ثم انحني راكعة وارى العرق يتسلل بين طيات صدري هاربا من عنقي

شعري مبلل كأنني متحممة

اشعر بالدهشة و التعب فاجلس في مكاني

جدي لم يعد بعد الان صوتا في مخيلتي

جدي خرج لي حيا

تمنيتك هنا بجانبي ان تفسر لي ما انا

ان تطمأنني انها كوابيس وسنهزمها سويا

صارت تلك الكوابيس تتكرر علي فيما احدهم كان يغتصب روحي

احدهم يقف بين ساقي

احدهم شعر بالمتعة

احدهم يربض فوق صدري

احدهم يرتشف رحيق حب لم اذقه وذاقه لوحده

اقوم على اهتزاز جسدي من المتعة

اقوم وكلي رعب انظر ما بين ساقي اضع يدي على صدري المدكوك دكا

صرت اخاف النوم

صرت اتحجج ، لنفسي ، اغصبها على اليقضة

صار الخوف توأما ملازما مرافقا اتلفت في كل زاوية اصيخ السمع حتى كاد الطنين يقسم رأسي و يحطم دماغي

صرت اشغل نفسي بكتابة مذكراتي ، بكتابة شعر لك ، بكتابة رسائل لك

يحي روحي تذوي في هذا المكان

امنع نفسي من الدخول على نفسي ، لا اريد ان افكر ، فالخوف قد تمكن مني

الخوف جعلني مريضة صرت احك رأسي بلا هوادة بقوة علا تلك الافكار الخبيثة الغبية الغريبة تخرج تتسلل تاركتا اياي في سلام

ولكن لا

كان الامر في كل مرة يزيد عن حده حتى شعرت بان احد ما يضاجعني

احد ما يتنفس عند عنقي فأقوم ذابلة اجر ساقي الى الحمام انظر لوجهي الذي ذبل في المرآة ، صرت بالكاد اغمض عيني ، صار الارق شريك رحلتي هذه ، صارت الآلام الغريبة كالإبر تغزو جسدي

هناك برق في معدتي ، برق يتسلل حتى صدري فيضربه ضربة يقفز منها جسدي مرعوبا مهدودا

صرت ابكي ابكي كل يوم ابكي ، صرت اشعر بالاكتئاب ، صار كل شيء سواد امام عيني

صرت امشي في البيت كالتائهة ، كثيرة النسيان ، تخيل انني نسيت ان آكل ليومين متتابعين من شدة ترقبي !

الى اين المفر

العودة اليك كالعودة الى احضان العدو !

صار شعري يبيض ، نعم فعندما رأيت اول شعرة رمادية غزت غرتي صرت ابكي ، اغلقت فمي بيدي و دمعي يجري عليها حرا طليقا

قد ابيض شعر رأسي يا يحي

صارت صحتي تتدهور رأسي تنفجر فيه البراكين و خاصرتي تتقلب على السكاكين ، و قلبي ساعة يقف كحارس و ساعة يجري كمغوار

صار الدم رفيق جسدي فلم يكف البتة عن التسلل المبكر من جسدي

وكأنه يحذرني !

ملابسي صارت مهلهلة على قدي ، صار الوزن ينزل بسرعة عجيبة

صارت قابليتي مسدودة ، صرت اتكوم على الفراش لأتفه سبب ، كالعجوز التي تعيش آخر أيامها

يحي انا احتاجك ولكنني اهرب منك

اريدك ان تعرف دائي و تعطني دوائي

يحي انا اعاني انا حطام

يحي انا خائفة خائفة جدا

 

طوت الرسالة ووضعتها في ظرف خاص ، قامت من مكانها الى حيث خزانة الملابس ، في الاعلى صندوق خشبي صغير تناولته بين يدها فتحته ووضعت به الرسالة لتنضم الى باقي اخواتها هناك اللاتي يستلقين كالاموات ينتظرن يوما تفتح فيه الاوراق و تقرأ فيخ الحروف و يظهر منها من الظالم ومن المظلوم !

 

 

في البيت كان الجميع جالسا لا زال الحزن يكسو الملامح التي تبدو حقا تعيسة ، حقا تشتكي الم الفراق ، مليكة لم تكن خادمة عادية و السلام !

تجلس كلا من صبا و زهرة و ميادة و ماجدة متقابلات في تلك الصالة الكبيرة ، الكل ساكن لا يتحرك ، حتى لا ينظرون الى بعضهم البعض

الكل غارق في افكاره وفي شكوكه

حتى قامت ماجدة متعبة يبدو عليها الحزن الشديد و الهم الثقيل لكثرة ما تعرف ، تخاف ، قلبها يرجف رجفا صاعقا ، هل اذا عرف احدهم بما حصل هنا سيُتهم ابنها بقتلها هل اذا كُشف مكان دفن الجثة و اخرجوها و شرحوها و ظهر حمل مليكة سيُقتل ابنها لتلك الجريرة !

صار رأسها يدور يحلل يفكر ، لا تجد بدا من الجلوس و الحديث معه مرة اخرى كي يحللا الامر سوية كي تعرف ما حصل تماما بينهما ، كي تعرف ما قصة ذلك الحمل و كيف حصل ولما حصل و هل اساسا حمل مليكة كان سببا في مقتلها ام قُتلت لسبب اخر !

يحي قتل سابقا وخرج من جريمته مثل الشعرة من العجين فكيف بثاني مرة كيف ؟!!

وان لم يكن يحي من قتل مليكة كما قال فمن تسلل اللى طرقات بيتهم ليقتل و يزهق روحا منهم و يخرج و لا يعترضه أحد !

كيف ستأمن نفسها و اولادها بعد اليوم في ان تعيش بين هذه الجدران التي اخترقها قاتل مليكة كيف !

قامت على حيلها تجر ساقها شاحبة الخلقة لا تلوي على شيء تتسحب حتى سُمع صوت حذائها الذي تجره خلفها جرا في هم و تهدل كتفين تلحقها الانظار

ثم ميادة تلك التي جلست هي الاخرى تحدق في ابنتها ترفع لها عينا ساعة و ساعة حاجبا و الاخرى تبادلها النظرات بقلة اهتمام !

قامت هي الاخرى من مكانها تتجه في سكون الى بيتها هناك حيث رضيعتها ستسليها عن هذا الوقت العصيب الذي يمرون به

اما هنا في البقعة التي تجاورن فيها ، كل منهما رفعت نظرها الى الاخرى كل منهما تحدج الاخرى بنظراتها المتهمة

رفعت صبا عينا متورمة و حاجبا وهي تلعق شفتا ذابلة تقول بصوت مبحوح : واضح عليكِ الحزن !

تضع زهرة الساق فوق الساق و تفرد يديها على جانبي كرسيها و ترخي نفسها في برود : هكذا هو حزني ، ان لم يعجبك فهناك اربع جدران !

هه .. مستهزأة خرجت من حنجرة صبا وفمها المعوج باحتقار  : غريب والله غريب كيف تموت مليكة هكذا في فراشها ! ألا تتفقين معي !

الواضح قاتلها يعرف كيف ومن اين يتسلل !

ادارت رأسها بعيدا عن وجه زهرة الذي اخذ يتجعد بقسوة : لما لا يكون قاتل مليكة قريب منها و يبكي عليها و يعرف من اين يتسلل في بيته !

لفت صبا رأسها ببطء تلوي شفتيها في هزء وهي تميل برقبتها الى جانبها الايمن : اتعجب لما ماتت مليكة بعد مجيء هتان !!

الاخرى كانت متماسكة ، متماسكة جدا لدرجة ان حتى قلبها لم يدق دقة واحدة ، كانت تدرس كل كلمة تخرج من فاه صبا : وهل تعرفين من هي هتان !

اقتربت برأسها بلؤم : ومن منا نحن الخمسة لا يعرف هتّان من تكون !

قررت زهرة ان تقرب رأسها في خبث هامسة ترد الضربة : ولما لا يكون موت مليكة بعد ان ضُربتِ في بيتِ رجل لا يدري عنه اهلك !

اخذت تفتح فاها مبتسما بلؤم تنظر الى شحوب وجه صبا الذي فر الدم منه في ثانية واحدة حتى جف حلقها : نقلت لكِ اخباري

فترد بتؤدة : واخبار كل البيت ان لزم الامر ، مليكة تعمل تحت يدي وانا من احضرها الى هنا

بهت وجه صبا و هي تحدق بكره وحقد : يا لكِ من ساقطة

ترد الاخرى ببرود وهي تقوم من مكانها : ويا لكِ من مُهانة !

خرجت يطقطق حذائها خلفها فيما اتكأت صبا على كرسيها ترفع رأسها و تغمض عينيها عبوسة مزمومة الشفتين ترفع يدا الى خدها تتحسسه وتتذكر تلك الصفعة وصوته المخيف و هيئته الغريبة وهو يحدق فيها بأسنانه المنطبقة بغل : أخاكِ هو من تسبب بمقتل ابي ، سيارته من تسببت بذلك الحادث ، قد قُتل ابي و قَتل بي الروح من بعده

ذاك اليوم حين دخلت عليها مليكة و كأن الخوف يلحقها

كانت باهتة الوجه جاحضة العينين تلف كفيها بقوة ببعضهما البعض

دخلت حجرتي و اغلقت الباب خلفها بسرعة حتى راعني منظرها فقمت لها على عجل : ما بك ماذا جرى

قالت مرعوبة : مصيبة يا سيدة صبا مصيبة

كادت مليكة تبكي

كنت انظر لها مستغربة وقلقة في ذات الوقت وقلبي يخفق بسرعة : قولي ماذا يجري

تلفتت حولها كمجنونة : قد امسك بي شخصا وهددني

امسكت بعضد مليكة بقوة اشدها الى قربي وانا غاضبة : شخص من من الذي امسك بك واين

قالت في وجل وهي تنظر الى عيني : كنت في مهمة ارسلني لها السيد يحي ، في طريقي الى البيت اوقف سيارتي شخص غريب الملامح غريب الشخصية

اعترضت السيارة بقوة سيارة مليكة التي ارتعبت و تعرق جسدها بسرعة عجيبة فهذا الرجل كاد ان يتسبب لها في حادث انزلت زجاج السيارة وهو يتجه لها بكل عزم بملابسه الرثة العجيبة ، كانت تراه وتخاف ان تضل فاتحة للزجاج فحاولت اغلاقه في وجهه ولكنه وضع يده بين الزجاج قبل ان ينغلق فاضطرت الى ابقائه مفتوحا حتى صرخت من رعبها : من انت ماذا تريد

رمى على حجرها ورقة وقال بصوته الغليظ المخيف : سلمي هذه الورقة الى سيدتك صبا هل تفهمي و قولي لها ان حساب اخاها عسيرا !

تركها و ذهب الى سيارته وترك مليكة تتلوى معدتها من الرعب وتمسح العرق عن جبينها

: من هذا ماذا تقولين انتِ

كانت مليكة ترتجف : والله يا سيدتي كما اقول لكِ حتى ان جسدي لا زال يرتعش منه اعطاني هذه الورقة وقال لي ان اعطها لكِ

غضنت جبيني متسائلة في قلق ، تناولت الورقة من مليكة و فتحتها ، ما مكتوب فيها لم يكن بخط اليد بل كان مطبوعا ، رسالة تحذير و ابتزاز

// أعلم ان اخاكِ قد تسبب في مقتل أبي وانا سآخذ بثأري منه ، ان اردتِ السلام فتعالي لي ومكتوب الرقم الذي يجب ان تتصل به //

صرخت فيها : هراء ما هذا الجنون اي اخ واي مكان يرديني ان اذهب اليه فيه ، هل جن سأخبر اخوتي و ابي بالامر ليتولوا امره

رجفت مليكة وهي تهز رأسها معارضتا : انا لا اعتقد انه الرأي الصواب يا سيدتي فهذا الشخص يبدو خطيرا فكيف علم من انا ومن اخدم وكيف عرف اسمك الا اذا كان يراقب تحركات كل من في البيت !

كنت اسمع لها و استوعب ما تقول وهي تكمل : كبداية اتصلي به وحاولي ان تفهمي من هو وما يريد ومن يقصد بأي شقيق فهمتي علي يا سيدتي

كانت مليكة نبيهة جدا و تعرف حقا كيف تقنع سيدتها و كيف تساعدها على فهم ذلك المخلوق !

 

مرة اخرى من لقائها به !!

قلت لكِ احضري لي كل شيء يخصه ، معلومات عن امواله وعن البنوك التي يتعامل معها ، اريد كل شيء كل شيء و الا وقسما بالله سأشرحه من حيث لا يدري ، ستأتيه الضربة وهو نائم في سريره هل تفهمين

امسك بشعر رأسها يهزه هزا عنيفا : الحياة التي عشناها بسببكم ستدفعون ثمنها غاليا رفع يده و صفعها صفعة مهينة لم تكن بتلك القوة ولكن صفعة يريها منها انها ذليلة و انه مستعد لفعل كل شيء حتى وسط بيتهم كي يصل الى ما يريد ، كان كل الاجرام في سحنته هو سيفعل ما يقول هذا ما تتوعده عيناه وهي لن تغامر بحياة شقيقها مهما تطلب الأمر !

في سريره !!

، قد جرؤ احدهم و قتل مليكة في سريرها ، ربما فقط هو تهديد منه لما يستطع فعله بهم و بشقيقها كانت الرسالة واضحة جدا و سريعة جدا و في منتهى الوضاعة !

 

في وقت سابق من يوم سابق ليلة مقتل مليكة

خرجت من الجناح تتسلل ، خطواتها خفيفة على اطراف اصابعها تمشي ، جمعت كل اطراف شعرها في لفة واحدة خلف راسها كي لا يضايقها في خفة حركتها ، ارتدت بنطالا خفيفا و بلوزة سوداء و خرجت تغلق الابواب خلفها بكل هدوء و حذر

تمد رأسها الى اسفل الدرج فلا ترى احدا ، الساعة الان الثانية ليلا و الاضاءة منخفضة و البيت هاديء و مظلمة ممراته

بدأت تنزل و هي تضع يدها فوق قلبها ، تخاف ان يراها احد منهم

كلما تقدمت درجة كلما زاد خفقان قلبها ، لا تدري لما يضعون المطبخ في آخر المنزل ، فحتى تصل له قد تقابل العديد من الخدم او اي احد يخرج في وجهها ، تابعت النزول حتى تخطت االطابق الذي يقطن فيه سكان البيت تعجلت في خطواتها وهي تلهث كالمجنونة من رعبها فلن يكون موقفها جيدا امامهم ان عرفوا انها هنا معهم وبهذه الطريقة الغير اخلاقية !

تسحبت وهي تختبأ خلف الجدران تارة و خلف الاعمدة تارة اخرى او خلف الاثاث وهي تكاد تبلغ وجهتها متناسية تماما لكاميرات المراقبة التي تدور في البيت ولا لذلك العيسى الذي وقف مشدوها من صدمته حتى حمل الهاتف في يده و بدأ يطلب رقم سيده

صار يراقب تحركاتها عن كثب ، فهي فرد في العائلة لا يعرفه حق المعرفة و لكن يعرف تماما انها زوجة السيد !

وهي وصلت الى حيث المطبخ جرت الى حيث الثلاجة فتحتها وصارت تخرج منها الاشياء التي تريدها واحدة بعد اخرى في سرعة تريد جمعهم في كيس واحد ثم تعود الى حيث تقطن هذه الايام

وهي تفكر ماذا تحتاج ايضا واذا بها تسمع خطوات تقترب من وجهتها

دق قلبها بخوف و هي تفتح عيناها فاغلقت باب الثلاجة بسرعة و اختبأت خلفها جالسة تلم ساقيها الى ذراعيها تحاول بقدر استطاعتها تصغير نفسها او حتى الاختفاء وهي تغمض عينيها و تقضم شفتيها

مليكة التي دخلت ، تؤلمها معدتها من شدة ما تقيأت اليوم ، تشعر بالدوار و عدم الراحة ، تشعر بمرارة في حلقها ، تبا كم يضايقها هذا الوحام ، فهي حتى تتقرف من ابتلاع ريقها فلا تقدر فإذا فعلت تتقيأ مباشرتا ، كانت شاحبة و هي تفتح الثلاجة تريد شيئا يسد رمقها فهي تشعر بالجوع الشديد حين اخذت ما ترغب و اغلقت الثلاجة قفزت رعبا وهي ترى خيالا صغيرا خلف الباب حتى فتحت عينيها ذعرا في وجه تلك التي اخذت تلهث خوفا وهي تهمس و تضع يدا على فمها كعلامة سكوت : اشش اشش

واقفة الاخرى مقابلها : سيدة نجلاء ماذا تفعلين  ومنذ متى انتِ هنا !

نجلاء التي قامت و رجلاها ارتخيتا تماما : ارجوكِ ارجوكِ لا تقولي لأحد انني هنا ارجووووك اخذت تتوسلها

فيما الاخرى ابتسمت بلؤم : سيسر السيد بهذا الخبر و استدارت تريد الذهاب لاخبار سيدها الراقد في فراشه

ولكن نجلاء شدت على ذراعها بقوة حتى التوت مليكة و استدارت لوجه نجلاء الغاضب : قلت .. لكِ.. لا تقولي .. لاحد ، لاتسمعين ما يقال لكِ

قالتها بغيض من بين اسنانها

الاخرى تلك، تحاول افلات يدها من يد نجلاء المتشبثة بها بقوة : ارجوك خلصي يدي اريد الذهاب

قربتها نجلاء منها بقوة : قولي اولا انك لن تقولي لسيدك شيئا

امالت مليكة رأسها ناظرتا الى قدميها وهي تساير نجلاء قائلة : حسنا اعدك لن اقل لأحد، اتركيني الان فرأسي يدور و اشعر بالتقرف !

تركتها نجلاء ووجهها لا يبشر بالخير فهي غاضبة من هذه الخادمة التي تقحم انفها في كل شيء

خرجت نجلاء بكيسها المملوء بالطعام تلحق بمليكة تراقبها بينما اتجهت مليكة الى غرفتها !

اما عيسى فوقت ما سمع بخبر موت مليكة  قام على الفور بقص المقطع الذي يجمعهما و ترك الباقي كما رآاه يحي سابقا !

 

اما عن يحي الذي تماسك اخيرا وقرر ان يرتب اموره

فارتدى ملابسه التي خلعها وتركها مرتبة على السرير

نظر الى نفسه في انعكاس المرآة

الى عينيه

نفخ هواءا حارا من انفه

فهو هذه الليلة قد نام في المزرعة يجاور قبر مليكة

لا يريد ان يتركها وحيدة في ليلتها الاولى في العتمة !

قرأ عليها الفاتحة و زرع حولها الورود و الصبار

ضميره ثار عليه

تبا له لن يصمت أبدا

ألم يتعلم بعد كيف يخرسه

كيف يهيؤه لكل المصائب

ألم يتعلم ذلك من جده زكريا

ان للضمير شهوة يجب قتلها !

بعدما يتفرغ من امره اليوم سيحرث غرفة مليكة حرثا

خرج من الغرفة يتناول هاتفه يفتحه فتصله رسالة من الهادي

// بعد صلاة الجمعة سنحضر مع الشيخ //

ارتفع صدره يلتقط انفاسه ثم اخرجها سما من بين شفتيه

مغضنا الجبين

هناك امور عديدة سيبدأ في ترتيبها

كي تترتب حياته التي غرقت في المتاهة

وكي تصعد روحه ثانيتا الى حيث من المفترض أن تكون

في قبضة يده !

نادى على العم صبحي الذي يستيقظ عادتا مبكرا جدا

على صلاة الفجر يتوضأ و يجلس امام كوب شايه الكبير الاسود المُر

ينتظر الى حين سماع صوت الآذان حتى اذا صدح الصوت الجميل ترك ما في يده و ترك كل شيء و توجه للصلاة

ثم يبدأ بتحضير الفطور لنفسه من جبن و بيض مقلي و حليب بالشاي و بعض الخبز يجلس على الارض يفطر على نسمات الصباح الاولى حين يتنفس الصبح و يطلق روائع عبق الارض مارا عليها يحصد جذورها و يهز غصون اشجارها ثم تلحقه خيوط الشمس الذهبية التي تخرج على استحياء محمرة ، يحب هذا المكان جدا يذكره ببلده و بالغيطان في الصعيد ياالله يا الله

خرج عليه يحي : صباح الخير عم صبحي

فيرد الاخر بابتسامة لا تفارق تجاعيده فتهبه وهجة : صباح الخير يا سيد يحي ، هل تطلب مني اي خدمة

فأجابه الاخر : لا سآخذ سيارة الجيب من الجراج لا تقلق من الصوت العالي فلمدة طويلة لم يستخدمها اي احد !

نظر الى اطراف المزرعة يشملها بعينيه يتنهد ثم انطلق الى حيث الجراج

هناك كانت السيارات مغبرة فالعم صبحي لا يستطع الاعتناء بها ولا غسلها وهم تركوها على حالها

فتح الباب ، صعد ، اغلق الباب وهو يضع المفتاح في مكانه و لحظات حتى شخرت السيارة عاليا كأسد غاضب

تحرك من مكانه و خرج الى ما بعد الأسوار ، الى حيث المدنية و المدينة استغرق وقتا حتى يصل الى اطراف المدينة و هناك حاول جاهدا ان يتذكر ذلك الطريق الذي عبره من سبع سنوات ، الى حيث هناك ، الى البيت الذي طُردت منه مُهانة مرمية بحقيبتها على قارعة الطريق !

اخذ يلتقط انفاسا متلاحقة و هو يفتح زر علوي يحرر عنقه !

اخذ يعبر الشوارع وذاكرته عادت به للوراء فصار يرى الطرقات كما كان يراها قبل سنين غير انها قد تغيرت كثيرا ، فهي مدمرة ، دمرتها الحرب و السيارات و الشاحنات ، يرى المنازل التي تتقدم حتى تكاد تبتلع الطريق العام ، يرى البيوت التي بُنيت فوق بعضها البعض بفوضوية ممنهجة ، يرى الاشجار التي قُطعت وبُني بدلٍا عنها اكشاك يسترزق منها العباد بعد الحرب و الغلاء !

رفع يده يحك رأسه عند عنقه و يتحسر في قلبه على مدينته الحبيبة

حتى وصل الى ضالته الى ذلك البيت الذي يزوره لأول مرة

لم يزره في حياتها و قد عاد اليها مجبرا يجر خطاياه الواحدة تلو الاخرى

خطايا تجاوزته لتتغلغل في حياته و حياة من حوله

وقف هناك ، يراها كأول مرة يراها فيها

وضع يده يضغط على صدغيه  عيناه تترقرق من دمعها

فكم هي رقيقة روح يحي و كم هي رهيفة

يراها تحكي لزكريا كل ما فعلته خالتها بها

كل ما اتهمته به

ابنها يحاول الاعتداء عليها

وخالتها شككت في اخلاقها و طردتها

كيف سيواجه هؤلاء الوحوش الذي غيروا مجرى تاريخ ابنتهم

كيف سيواجه من اخطأؤوا في حقها و رموها تغربلها الدنيا غربلة

كيف هانت تلك الجميلة ان تمرّغ على قارعة الطريق

رائحتها تلك الساعة تسللت تعانق خياشيمه فأغلق عينيه يتلذذ بها تتطاير بين حنايا صدره تدخل كل خلية فيه تملأ رئته

ياااااااه يا غالية كيف ان الدنيا صغيرة ياه !

نزل جارّا جسده و روحه تلحق به يرفع يده ويدق بابا

واصل الدق حتى سمع خطوات تقترب

فتحت تلك المرأة التي تجاوزت الخمسين الباب بنصف عين تسأل : من !

كان يحدق في وجهها ، يراها فيها ، تشبهها ، خالتها

أهكذا كانت ستكون ملامحها حين يكبرا سويا !

يا الهي كم ستكون ساعتها جميلة ، كان الحنين يطرق مقلتيه طرقا

تغرقا في ملامح تلك الكبيرة التي تنظر اليه في عجب : عفوا ماذا تريد

افاق من غيبوبته يهز رأسه يبعد شبحها الواقف امامه عنه : اذا سمحتي لي اريد الحديث معك ِ

فتحت الباب على وسعه تقف هناك بقامتها المديدة تواجهه : ومن انت !

صار ينقل نظره من عين الى اخرى : انا كنت .. زوج .. غالية !

فتحت فاها و هي تشهق و تضع يدا على فمها ثم انزلتها تقول في ذهول : زوج !

كرر على مسامعها بكل ثقة فيه : نعم زوج

نعم زوج

نعم زوج

ألم يكفي كل ما عاشه معها كي لا تكون زوجته !

ألم يكفي انها تحيا به كي تكون زوجته

ألا يكفي عشقه لها و الروَع الذي يسكن خافقه كي لا تكون زوجته

ألا يكفي انه مزق العالم بيده من اجلها كي تكون زوجته

لا

لا يكفي

من قال لا يكفي

انزلت رأسها وهي تقول : فليرحمها الله برحمته

تفضل تفضل

مد ساقا تلحقها ساق الى حيث داخل مظلم ، بيت مغموم ، واسع متعدد الحجرات التي تتوسط صالته ولكنه مغموم اثاثه بني و جدرانه بنية و فرشه بني و الشبابيك مغلقة و التهوية تضرب جنباته بالبرودة !

تضايق صدره من المكان لم يعهدها تعيش هنا ، على الاقل رآاه ، كيف كانت تعيش ، في احدى تلك الغرف كانت تنام في هذه الصالة كانت تجلس من هذاالباب تدخل ، روحها تقطن هنا و الجدران تتنفسها  !

جلس و جلست مقابلة له و هي تمسح الدمع عن عينيها كأنها قد علمت للتو بخبر وفاتها : رحمة الله عليها حياتها كانت جدا قصيرة

قال وراءها : ومظلومة !

: ماذا تقصد

: اقصد ظلمك وظلم ابنك لها ومحاولته الاعتداء عليها

هكذا يضعها امامها كاملة .. الحقيقة !

رفعت صوتها تتحداه نافية : ابني لم يعتدي عليها

اتكا في مقعده هازءا : لا لم يفعل بل حااااااول و هذا يكفي ، وكان سببا في تشريدها و رميها في الشارع ، اذا نسيتي سأعمل على تنشيط ذاكرتك حتى انك رميتها و اغلقتِ الباب خلفها بدلا من ان تخرج من هنا معززة مكرمة !

ادارت رأسها حرجا : ماذا تريد مني بالتأكيد ليس نقاش ما حاول او لم يحاول ابني فعله ، فهو الان بعيد عني يعيش مع زوجته في مكان ما ، لم تعد هنا من اجل الثأر لها بعد كل تلك السنين و لا لتعكر صفو حياة ابني !

رفع حاجبا يلوي شفتا : هه تركك !

تجاهل ردها او ما على لسانها : لا يهم لا يهم

انا هنا ليس كي احاكمك و ليس كي اعرفك اخطاؤك تجاه ابنة اختك التي عاشت بين يديكِ كبرت في كنفك و كنف جدها

فتاة ارادت يوما الامان فسلبتها اياه

ارادت ان تعيش بسلام فطعنتها ورميتها تنهشها الكلاب !

هل يعتبر نفسه من تلك الكلاب

لا بالطبع لا

هو كان الحارس الامين الذي فداها بعمره

الرجل الذي عشقته و كانت ستتزوجه لولا فتنة  الوغد زكريا

حك كفيه بعضهما ببعض و هو يطأطأ رأسه ببؤس فهذا ليس ماهو هنا لأجله

رغم ان الجروح قد فُتحت و الحروق قد أُهملت

فهذه المرأة كانت غالية على غاليته

وكل غال على غاليته هو غال عليه ايضا

لا يريد ان يقلل من احترامه لها ولا ان يعيب فيها ولا ان يحملها ذنبا قد قُتل منذ زمن !

سيدة جازية انا لست هنا لافتح دفاتر الماضي

انا هنا ولدي عدة اسئلة لو تفضلتي و جاوبتني عليها

تقدم برأسه ناحها : ما كان اسم ام غالية .. أليس مهرة !

غضنت جبينها : نعم اسمها مهرة ، لماذا

غرق في افكاره ، اسم ام ديالا هدى ، اسم ام غالية مهرة !

الابوين ابو غالية لا زال على قيد الحياة ، ابو ديالا قد توفي حين ضربته غالية بسيارته التي سلمها لها تلك الفترة كي تستعين بها في تسهيل حياتها !

لا يفهم لا يجد ما يربط بينهما

ما قصة مهرة هل تتكرمي علي و تقوليها :

اقصد قصتها وقت هروبها من زوجها ، هل تعرفين الى اين هربت ومع من هربت او ربما من الممكن انها لم تهرب مع احد ، لا نعلم !

كانت تدير رأسها بحرج فهذا الموضوع يوترها ولا تحب الخوض فيه مع اي كان فالسيرة تمس الشرف !

: انا لم اعرف بخبر هروبها الاعندما جاء زوجها لنا يلقي علينا بإبنته قائلا انه طلقها طلاقا بائنا في المحكمة للعار الذي ارتكبته في حقه

لم نعرف انا وابي كيف نبحث عنها ، كانت الشائعات تقول انها هربت مع رجل من جيرانهم والله اعلم

طأطأ رأسه مفكرا : اعطني اذن العنوان الذي كانت تعيش فيه المهرة ، ثم اعطني عنوان بيت والدك !

قالت متنهدة بحسرة : مهرة كانت تعيش في منطقة الحدائق قرب النفق ، بيت ابي مالذي تريده منه فمنذ زمن بعيد لم ندخله لم ازره ولا يوجد احد فيه

عارضها : بل اريده ، اريد رؤيته اعطني مفتاحا له اذا

سمحتي !

ردت بهدوء : أتدري أنت لست اول من يسأل عن بيت ابي

اثاره الفضول حتى تقدم في جلسته يقرب رأسه بسرعة منها : من ايضا

قالت : قبل سنين جاء رجل هنا يدعى زكريا

 

ذلك الوقت

ضرب عال و متواصل على الباب و صراخ غليظ مخيف غاضب : افتح يا خالد افتح الباب

قام الاثنان الام وابنها خالد الذي فزع من فراشه وقام يجري الى حيث الباب

فتحه وهناك دخل عليهم زكريا الثائر يمسك رقبة خالد الذي لا يعرف ما يجري ، كان وجهه كارها مجعدا حقودا وهو يجر جسد خالد ناحه في عصبية : اين هي اين هي بنت الكلب بنت خالتك اين

فتح خالد عينيه برعب فهو قد احمر وجهه من ضغط زكريا على عنقه حتى كاد يقتله : لا اعرف لا اعرف من اين لي ان اعرف مكانها تلك الساقطة

ازداد اسوداد وجه زكريا وانتفخ من غضبته المتفجرة : اعطني عنوان جدك بسرعة هيا اعطني عنوانه

قد كنت هناك واقفة خائفة لا اعرف ما يجري ولا كيف تطور الامر

كان الرجل سيقتل ابني و انا تحت تأثير الصدمة

قال له خالد بسرعة عن العنوان فتركه و خرج طابقا الباب خلفه

حتى صرخ ابني في وجهي : انظري ماذا تفعل بنا تلك الساقطة.. كأمها تماما

حذرني وهو يصرخ في وجهي : حتى لو ماتت ، لو ماتت لن نحضر عزائها !

هذا كل ما حصل

نظر مضيقا عينيه و الغليان يجري في صدره

زكريا سبقه اليها كيف لما

اللعنة عليك ان كان ما افكر به صحيحا يا زكريا

يريد ان يتماسك ان يمنع صدره من الهبوط و الصعود بتلك الانفاس المريعة يسيطر على نفسه بالقوة يغلق عينيه لوهلة

قال في هدوء يعاكس ثورات روحه : احضري لي المفتاح من فضلك كي اذهب !

قامت من مكانها بطولها الفارع و جسدها الذي لا زال مشدودا في هذا السن ينظر اليها متمعنا يا الله كم تشبهها ، بحة صوت غاليته بحتها ، انفها شعرها الاسود الذي يتدلى من تحت غطاء الرأس و بياض جيدها و تدوير رسغيها ، انتفخ صدره بالحنين اليها ، كم من امرأة سيراها في حياته ستشبهها هكذا ، أصارت كل النساء نسخة عنها !

جاءت متقدمة تمد يدها بالمفتاح : اذا ذهبت و رجعت احضر لي المفتاح مرة اخرى ، البيت في شحات، اسأل عن بيت السيد طاهر ال.....

وقف مواجها لها ينقل بصره الى كل لمحة الى كل نظرة الى كل عين و حاجب فهي من دم تلك الحبيبة ، مد يده بود فوضعت يدها في يده

سلّم

سلام عليكِ يا روحها

يا من احتضنتها يوما

يا من ابكيتها يوما

سلام عليكِ

 حرر يدها ثم التف على عقبيه تاركا اياها ينهشها ذنبا ارتكبته في فتاة اعتبرتها يوما بنتها !

 

حين دخلت زهرة الان عليها

على تلك التي تشبهها فيموت الشبه بينهما فلا يعرف من منهما غالية ومن منهما ديالا

دخلت بكامل جبروتها و عنفوانها على تلك الدخيلة التي جعلت زوجها هي ، يحي ، يتسلل من بين يديها كالماء الجاري !

دخلت لتجدها راقدة ممددة في سريرها ، شاحبة

يتهدل شعرها بين جنبيها

تراها ، ترى تلك الجميلة ذات البشرة الوردية

هل تعرف ديالا بعد ان يحي متزوجا !

لا تعتقد زهرة انها تفهم ما يعني ان يكون هناك رجل هو ملكها

وهذا ما جاءت من اجله لتفهمها اياه

رجل زهرة خط احمر بل تجاوز الخطوط الحمراء بكثير

ما كان يحي رجلا عاديا وما كانت تعرفه حق المعرفة كي تعطه حقه في التقييم !

لكم كانت منبهرة بشخصية شعيب و طوله وعرضه وجماله

ونعم كانت تفضله على يحي في كل وقت

ونعم تمنت ألا يتركها و يحررها من عهدها به

ولكنها حين عاشرت يحي اكتشفت كم هي مخطأة

فجفاف شعيب لا يقارن برقة يحي

وكره شعيب لا يقارن بمحبة يحي

و جلافة شعيب لا تقارن بليونة يحي

مع يحي تاخذ و تعطي

تستطيع ان تتحدث ان تقول ما في خاطرها

مع شعيب حتى لم يعطها الوقت كي تعبر عن ذاتها بل كان يخرسها بكل قسوة يملكها و يهينها و يضربها فعل كل ما تكرهه المرأة في الرجل معها وكم اذلها وكم حقرها امام اهله

اما هذا يحي فهو لم يتعدى عليها الا حين تغضبه فقط

تعرف ان لسانها اصبح طويلا

فقط كي تدافع عن نفسها ضد هذه الهجمات العاتية التي تأتيها من كل مكان ومن كل بيت

قهرتها سُكينة و قبل ان تخطط لاستبعادها عن الحلبة دخلت ديالا كي تقطع الحبال و تبقى الحلبة مفتوحة على مصراعيها ترفع كل واحدة منهن سلاحها في وجه الاخرى حتى غمت البصيرة فلا يرين من الضحية !

كانت ديالا تلحق زهرة بناظريها الى ان استلقت الاخرى بجانبها

يثقل السرير بهما

ترفع ديالاوجهها الذابل الى وجه زهرة المتورد المليء بالحياة التي تفتن بابتسامتها وهي تزيح شعرات عن وجه ديالا بأصابعها الرقيقة : نأسف لك ضيفتنا العزيزة ان افسدنا عليكِ متعتك في الرقص بين ارجاء البيت

غضنت ديالا حاجبيها تقول بضعف : عفوا من أنتِ !

كانت رقيقة ضعيفة الحركة و الجسد فاتنة هذا ما تراه عينا زهرة فاتنة كتلك تماما ، الجمال الذي لفت نظر يحي مرة ها هو يأخذه منها مرة اخرى

تدور و تفترس بنظراتها ملامح ضرتها هذه الاخرى التي اخذت تنافسها على قلب حبيبها من بعد سُكينة !

همست في وجهها : أنا زوجته !

اخذت تتسلى بالمشاعر التي تجري على سحنة ديالا التي لم تستوعب ولم يصل لعقلها ما تقول  فلعقت شفتيها : ماذا ، من تقصدين !

اخذت شعرة طويلة من شعر ديالا وهي تلويها بلطف حول اصبع من اصابعها المطلية و المحناة بحنة قانية الحمرة فاتنة الرائحة : يحي من غيره

احتفظت ديالا بملامح وجهها جافة جامدة نظرت الى امامها لم تلتفت الى تلك التي نفثت سمها عند رأسها وهي في هذه الحالة ، الصدمة وحدها الصدمة قلبت حالها ، صدرها اخذ يأن و عرقت اطرافها

فيما تابعت الاخرى : تظنين انكِ هنا لسواد عينيك

بدأ السم يخرج رويدا من لسان الدفلى ليسمم عروق ديالا ، كان يجري ، يجري ، يصل قلبها يظلم روحها و يحبس نفسها و يسلبها حياتها : هو جلبك لانكِ تشبهين عشيقته السابقة ، امرأة كان يحبها ، تعرفين ما كان اسمها ، نفث الحقد انفاسه : اسمها غاااااالية ، تشبهينها بل انتِ نسخة عنها هل ترغبين في رؤية صورتها ، رفعت هاتفها بصورة قد جهزتها مسبقا لتريها اياها وها هي ترفعها في وجهها لتسحب كل قطرة دم بكل برود كمصاص دماء سلبتها حياتها و هي ترى وجهها في انعكاس وجه آخر ، وجه اكثر نضجا ، وجه اكثر جمالا ، وجه هو وجهها تماما !

ألهذا ؟

عشيقة سابقة ، هي تشبهها ، نسخة عنها ، يسميها غاليتي كما سماها

عمها يحي يراها في وجه امرأة اخرى و قلبه وهبه لها متعلق بها

رفعت يديها الى شفتيها منبهرة ، وشفتاه لامستا شفتاها بدل شفتي

أراد ان يأخذ مني عمري بدلا عنها !

كنت سأهبه كل شيء

ذلك الحبيب العم يحي

كنت ممدة معه سأعطه روحي سأعطه اغلى ممتلكاتي

ليضمها الى ممتلكات امرأة اخرى !

كان الماضي يجري امام عينيها في كل حركة و كل همسة قالها لها و كل نظرة وجهها لها ، لما يا يحي لما !

فيما اكملت الدفلى : اتدرين ماذا فعل بها !

اقتربت من اذنها جدا حتى ضربت انفاس زهرة عمق روح ديالا المصعوقة : قتلهاااااا

التفتت بسرعة الى عيني زهرة البريئتين ، كانت تنظر لها بكل براءة الارض و حق الملائكة ، حركت كتفيها بلا اكتراث : انتِ لستِ سوى ظلُ لظلها!

قامت من مكانها ليخف السرير بها و تتركها عالقة تطبق الجدران على صدرها تسحقه فلن تتعامل بعد الان برحمة مع من سينافسنها على قلبه بل ان المفاجآت ستنزل على رأسه كالمطر !

غالية ، الصعقة زلزلت جسدها اي زلزال ، عمتها غالية التي قضت معهما سنتين من حياتها ، كانت عشيقته ، قتلها !

جلست على سريرها تدفعها الصدمة دفعا للاستقامة لتمالك النفس

كل شيء يعود الى الذاكرة التعيسة

الى حيث كانوا كلهم معا ، لا تستطيع ان تجمع وجه غالية على حقيقته في مخيلتها كما رأتها ، قد نسيتها ، ملامحها ضبابية ، تذكر الهيئة و الصوت واللعب لكن الملامح قد محيت من الذاكرة ظنت انها نسيتهم

ظنت انها ابتعدت عنهم بإرادتها كما ابتعد هو عنهم

ظنت انهم تيتموا للمرة الثانية حين تركوهم وحيدين في سن صغير و خطير

قتلها

يحي يقتل ومن .. غالية

كانت جامدة كتمثال فقط الدموع تنزل منحدرة تبلل حتى قميصها

الصدمة شلت عيناها و جعلت روحها تحت الاقامة الجبرية

لم تتزحزح كتمثال شمع بقيت

فقط ما يدل على حياتها هي تلك الدموع الهادرة

فاجعة موت العمة الغالية لا يساويها شيء أمام ما قالت عن زواجه منها

زهرة سلبت من ديالا الروح سلبتها كلية !!

 

عمة ناجية سامية التي توجهت منذ الصباح الباكر الى بيت اخيها علي

الاخ الذي خاصمته لسنوات عدة ، لعدة أسباب ، الميراث و ابنتها مارن !

لا شيء يسيّر عقلها إلا الإنتقام من تلك الفاجرة التي اقتحمت عليها بيتها و سلبت منها احفادها و سجنت لها ابنها بتهمة يستحيل ان يخرج منها إلا بطلوع الروح

علي كان احد قادة القوات التي حاربت تنظيم الدولة  ورغم تقاعده فهو لا زال مسموع الكلمة عند القيادة فلذلك ستمنح علي كل ما يريد و ستأخذ منه كل ما تريد !

ضربت الجرس بكل اصرار تملكه في روحها مصممة على الاخذ بالثأر فكما تدين تدان يا عائلة بن زكريا كما تدين تدان !

لا زال الوقت مبكرا حتى فُتح الباب و دخلت ثم التفتت برقبتها الى تلك الواقفة خلف الباب فتحت عينيها في دهشة : أمي !

نظرت لها نظرات شزر : اين خالك يا بنت !

اغلقت الفتاة الباب اولا ثم التفتت الى حيث امرأة قد تبرأت منها يوما فقط لأنها تزوجت رجلا من غير رغبتها !

 

في الحقيقة لم تكن بين الاثنتين اي مشاعر ، صحيح هن ام وابنتها ولكنهما تتعاملان في حياتهما كأنهما غريبتان و غريمتان !

قالت باستهزاء : ما جاء بكِ إلّا امر جلل

تطلعت فيها امها بمكر : جلل و أنتِ ستدفعين الثمن !

وضعت الفتاة يدها في خصرها تتأفف رافعة رأسها للسماء تقول : يا صبح يا فتاح يا عليم !

صرخت فيها : خالك في الداخل

مدت يدها الى الباب : ادخلي نعم في الداخل

دخلت كأنها تجري ووجهها عليه كل علامات التشفي رافعة الرأس حين وجدته هناك امام التلفاز يلبس عباءة بيضاء و يضع طاقية بيضاء على رأسه امامه سفرة للشاي و كعك ليبي يغمس و يأكل وضع يده فوق طاقيته .. يعكرها .. عندما رآها هناك واقفة على الباب تمد خطواتها باتجاهه رفع حاجبه متعجبا : سامية !

قالت بإصرار : نعم سامية سامية هل فقدت البصر !

جلست امامه وهو مستغرب تماما وجودها هنا بعد كل تلك السنين من القطاعة وان تدخل هكذا بهذه الطريقة الفجة شيء اثار فضوله و لكن قبل ان يبدأ الكلام : قطعة الارض التي على البحر اعتبرها ملكك

تيبس في جلسته فاتحا عينيه فيها غير مصدق ، لا ليست هذه سامية ، فقطعة الارض الان تساوي اكثر من اثنين مليون دينار !

قطعة الارض المتنازع عليها في المحاكم بينهما تهبها له هكذا بلا احم ولا دستور !

ترك الكعك و الشاي من يده و اعتدل في جلسته حتى انسدلت عباءته البيضاء الى ساقيه و رفع يده يدلك لحيته المبيضة و ظهر المكر في عينيه : و المقابل

انحنت اليه : ان تخرج ابني رؤوف من السجن و ان تنتقم لي من عائلة بن زكريا

اخذت تنفخ حتى تضخم انفها و تكوم الهواء في صدغيها و ظهر الحقد الاسود جليا في مقلتيها : بنت الكلب زوجته اريد ان اربيها

انحنى حتى كادت رأسه تقع بين ركبتيه : عائلة بن زكريا ليست شيئا سهلا ، ما تهمة ابنك

نطقت من بين نواجذها المنطبقة : دبروا له مكيدة و سجنوه في قضية مخدرات !

اتكأ على مقعده مفكرا : له له له قضية كبيرة هذه يا سامية

وضعت يدها فوق فخذه تضغط عليه بحقدها : ليس عليك ، تخرج لي ابني و اعطك قطعة الارض و اريدك ان تترك مارن لي !

فتح عينيه فيها : ماذا تريدين منها

قالت التي تقف متكتفة عند الباب تلوي ساق على ساق و تسمع لكل حرف تقوله من تدعى امها : نعم ماذا تريدين مني !

قالت لها وهي تمد رأسها الى ما بعد رأس شقيقها : سأزوجك من شقيق ناجية !

 

 

في مطار تونس الدولي

اخيرا قد قربت المسافات بين ارض الوطن و بينه ، هو المشتاق

طوال فترة بقاءه في فرنسا شعر بالجوع ، الجوع الى ذاته بين حبات تراب وطنه وها هي اول ريح تهب من هذه الاراضي الطيبة

رفع راسه لها هي التي تجر عربة بها يجلس تاج ، و متغطية بالكامل ، كان الدخول متيسرا بلا اي مشاكل تذكر ، هو دخل لوحده بجواز سفره و انتظرها خلفه على نار تقدم جواز سفرها و سفر الطفل كي يتم التصديق عليه و دخولها الى الاراضي التونسية

رفع رأسه للسماء يشكر الله ان كل شيء حتى اللحظة سار كما يريد

متحمس لأخذ الحقيبة الوحيدة التي يسحبونها خلفهم جميعا يرتب اوراقه و يدفن بعضها بين طيات جيوب بدلته السوداء التي تغطي جسده الطويل بين ممرات المطار و التجمهرات التي فيه ، تلفته اللهجة الليبية من المغادرون والقادمون ، يا الله كما هي كما الحان الموسيقى ، عبق تاريخي ، روح حرة ، سلام داخلي !

في حين كانت تلحقه في صمت بالغ تجر العربة امامها وفي ثورة عقله يسمع اسمه نعم اسمه بصوت لم يسمعه منذ سنين

صوت لرجل ذو شعر ذهبي و عينين خضراوين ماكرتين و وجه جميل يجر نفسه على كرسي  يجلس عليه و خلفه تقف وعلى شفتيها ابتسامة ماكرة تكتف ذراعيها تلفهما على بعضهما وهي تلوي فمها : هارون

قالها مذهول مصدوم كيف بحق الله من بين جميع خلق الله لا يرى سوى هذين الزوجين

نعم هارون و المجدلية اللذان يقفان هناك هو يسحب كرسيه بيديه وهي خلفه تجر حقيبة صغيرة باهضة الثمن بمظهرها المنفتح الجميل شعرها حرا يتحرك بحلاوة حول وجهها المتزين بجماله و ملابسها غالية الثمن فخمة بنطال واسع حتى ما تحت صدرها و بلوزة بيضاء حريرية تلف جيدها و تبرز امتلاء ثدييها بدت مثيرة لفتت العديد من الانظار ، اما هو فيرتدي قميص تركوازي يعكس لون عينيه و بنطال اسود يتدلى ما بقي منه الى ما حتى عجلات الكرسي

وقف الجميع يحدق الى بعضه البعض

ولا في اسوأ احلامه

كيف للعنة الله ان تنزل عليه هكذا تضربه كالصاعقة

حتى تيبس ما عاد يتحرك من ذهوله

اولا كيف و لماذا جاء هذا الثنائي الى هنا

ثانيا ما يراه على سحنتيهما لم يبشر بالخير

التفت الى ما وراءه وهنا تكلم هارون : ألن تسلم يا ابن عمي

اقترب منهم اكثر حتى تواجه معهم بطوله الفارع و جسده العريض و وجهه الصبوح و غمازته المبهرة التي تذكر هارون بملامح شقيقه آيدين

وقف واضعا يديه في جيبي بنطاله فاتحا ما بين ساقيه مائلا برقبته ثابتا في انفعاله : هارون ، مر زمن !

رفع هارون يديه عن كرسيه : ليس بالطويل يا ابن عمي ليس بالطويل

سأل شعيب : الى اين العزم !

ضرب على كرسيه بتصميم: كي اقهر هذا الكرسي كي اقف من جديد ، الى المانيا

هز رأسه يزم شفتيه نافخا صدره : كل التوفيق لا نتمنى لك غير ذلك

 

 مال برأسه جانبا متطلعا الى ما بعد جسد شعيب الرابض كالفهد يحدق فيه : أرى انك تسلك سلوك أبي !

نائت ابتسامة جانبية عن شفتي شعيب التي برزت منها غمازته كثيرا : ألم تسلكه قبلي !

: بطفل ؟!! ,, طقطق بلسانه : وحدك من يفعلها !

فيما لم تتحرك المجدلية قيد انملة عن نظرتها له فهي بدت كأنها تخطط في عقلها في كيف من الممكن ان تستفيد من هذا اللقاء التاريخي : أرى ان العائلة لا تعرف !

وجه نظرته لها محذرا بعينيه و بكلماته : ولن تعرف !

رفع هارون رأسه للمجدلية فابتسم الاثنان الى بعضهما البعض

يا الهي كيف يرى الان ان كلاهما يشبه الاخر

كيف هو الرابط الذي بينهما يراه رؤى العين

كيف اعتقد يوما ان المجدلية من حق آيدين

هي من الواضح انها قد خُلقت من ضلع هارون

هما من وافق شن طبقة

نظرا له معا ذات النظرة : كما ترغب يا ابن عمي عندما نعود نجلس و نتفاهم !

كان عقدا بصريا وقعه كل منهم على بياض فالويل كل الويل لمن سيخل ببنود هذا العقد !

التفت الجميع عن بعضهم البعض من يريدا الطيران الى المانيا كي يبدآ عملية تأهيل ساقي هارون للأرجل الجديدة كي يقف مرة اخرى و يصبح رجلا يمص الدماء ، وآخر توجه الى الخارج مستأجرا سيارة يركبها و يتوجه من ساعته الى الجنوب الى حيث الملتقى مع ابن عمه آيدين !

التفت لها وهي تربط حزام الامان حول الطفل : هل كل شيء على ما يرام

هزت راسها رويدا موافقة هي حتى الساعة لا تستطيع الحديث

ان تسلب روحها من بين ذراعي والدها سلبا

ان ترى الدموع التي غمرت خديه

ان تسمع صوت بكاءه وهو يودعها قائلا : ان سمعتي في يوم انني قد مت ، لا تأتي !

احتضنته بين جنبيها تتنفس عرقه ، تتنفس حبه ، تتنفس طيبته تقبل يده ، انفصلت عنه كما تنفصل الروح عن الجسد ، هو كوقت الموت تماما

لا حيلة لها ابدا في صده او في الترجي بأن يطول وقت الحياة أن تتنفس القليل منه بعد لا تطلب الكثير !

قالت مبحوحة : أبناء عمك لا ينوون خيرا

التفت لها غير مبال : لا يهمك امرهم

رفرف الخمار من انفاسها الدافئة المتخبطة به : سيبتزونك وهذه ليست بداية جيدة لنا كلنا

التصق حاجبيه ببعضهما و هو يزم شفتيه : لا اريد ان افكر بهما الآن ، لكل حادث حديث نحن اتفقنا !

ناءت الى جانبها تنظر للخارج حيث كل شيء قد تغير

البيئة و الجو و منظر الناس و السيارات كل شيء مختلف كل شيء حتى روحها اختلفت

اما هو فبعد نصف ساعة من القيادة يتصل بآيدين الذي تأهب منذ ليلة البارحة بالاتفاق مع ضباط صف واحد على دخول شعيب من معبر وازن الجنوبي  

رفع هاتفه يطلب رقم آيدين الذي كان يجلس مع عدد من الضباط الذين جمعته بهم صداقة قوية وقتما كان في الجنوب ثم تفرقوا ليؤدي كل منهم خدمته للبلاد نظر الى الهاتف ثم رفع نظره الى الجميع يستأذن منهم : اطلب العفو منكم

خرج و ابتعد كي لا يسمعه احد : شعيب هل جرى كل شيء على ما يرام

رد شعيب مؤكدا : كل شيء بخير سأعطك اشارة عندما نصل

غضن آيدين حاجبه متسائلا : مع من !

فأجاب باقتضاب : زوجتي وابني

رفع آيدين في توتر كفه الى شعره يسرحه بقلق متنهدا نافخا اوداجه : انت للتو قد تزوجت

فرد عليه : اعلم

التفت في مكانه : ولما عبر معبر وازن

متسائلا في فضول

: آيدين لا تكثر من الاسئلة فقريبا سنرى بعضنا و اروي لك ما حدث على الهاتف لا اريد ان اعطي اي تفاصيل

تفهم الاخر ما يقول حتى اردف شعيب في قلق : رأيتُ هارون

خفق قلب شقيقه على الملأ لما صار اسمه يتكرر على مسامعه كثيرا هذه الايام لا يفهم

تنحنح كي يصفي حنجرته المغلقة : أين

رد : في مطار تونس متوجها الى المانيا عملية لساقيه

طار عقل آيدين من رأسه صرخ حتى هز الارض من تحته : لا لا تتركه يذهب الحق به الحق به امنعه من السفر يا شعيب ارجووووك

دق قلب شعيب وهو يسمع صراخ آيدين الغير معقول حتى فجع : ما بك قل ماذا يحصل

يا للعنة يا للمصيبة : ايميل في المانيا نكل بزكريا و خطف زوجته و ينتظرنا

صار يضرب الارض بقديمه بقوة صدره سينفجر تطاير شعره اللعنة اللعنة

اغلق شعيب الهاتف في الحال و دار بالسيارة على عقبيه يجري بأقصى سرعة يقدر عليها متخطيا كل الاشارات المرورية ، ليس لديه ارقام اي منهم لا المجدلية ولا هارون ولم يخطر بباله مَن مِن المعقول ان يكون على تواصل معهما

كان الضغط في قلبه قد وصل مواصيله والاخرى خلفه تشد بيدها بقوة على مقبض باب السيارة يكاد قلبها يطير من مكانه من الخوف وهي تنظر و تقلق على سلامة ابنها قالت صارخة : على مهلك لما العجلة ستقتلنا جميعا ،، فالسرعة كانت جنونية و صوت ابواق السيارات المتخطية لهم كان يشعر انه يطير

لم يكن يسمعها كان عقله في كامل انشغاله بعيدا عنها لا يسمع سوى ما قاله آيدين ايميل نكل بزكريا نكل به !

 كيف يحصل هذا ، كيف لم ينبهه احد منهم قبلا للاحتياط ، اللعنة ماذا سيفعل الان ، مرت خمس واربعين دقيقة لا يعرف ان كانا لا زالا هناك قبل دخول بوابات السفر ، يجب ان يمنعهما من السفر يجب !

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...