الجزء التاسع والعشرين

 




 

الجزء التاسع والعشرين

 

 ردت سكينة التي تكاد تموت كمدا : لقد كان مرعبا كان يصرخ في وجهي لم استطع الحركة ان امسكت هاتفي كان سيكسره فووق رأسي

يا ربي لا اعرف كيف سأمرر الخبر لابن عمي !

تلك اللحظة مر منذر الذي اتصلت به سُكينة قد يأتي و يأخذها و تحكي له في الطريق ما حصل بدل ناصر زعقت على ياسين حتى يفتح الباب فقام من مكانه متعصبا شاتما نافرا

وهي كانت تضرب اخماس بأسداس ، حتى سمعوا اصواتا عند الباب و غلقه ثم خطوات تتقدم حتى ظهر

رأى وجه سكينة اولا ثم حول نظره الى تلك الشقراء الجالسة بكل فخر على الكرسي و بكل ثقة ، بعدما فتح عينه ذهولا وصدمة ابتسم بمكر شيطاني بصوت ماكر غليظ مخيف : أخيرا العزيزة جِنين !

 

تقدم ببطء شديد رافعا يده في حركة مسرحية و الابتسامة الماكرة الحاقدة تلوي شفته : يا الله ماهذه المفاجأة الجميلة

ألا يقولون اترك البحث عما تفقده و ستجده امام عينيك

آآآآآآآآآآه كيف لله ان يكافئني بكِ أخيرا

كان الجمع متصنما

سكينة تظن انها هرطقة من هرطقاته  و ضربة جنون من عقله الذي تدهور

و ياسين وقف فاتحا عينيه الى وجه أخيه ثم وضع يدا على عقله يديره بصيغة .. مجنون ..

اما هي فجلست ساكنة هامدة جفت شفتيها بسرعة البرق تصلبت لا تقدر حتى على الرمش بعينيها كانت الصدمة عظيمة عليها فتحت فاها ماعاد انغلق

سكينة التي قاطعت اخوها وهي مندهشة من تصرفه الاحمق كما تعتقد : مابك ماذا جرى لعقلك أأنت مخمور في هذه الساعة

رفع حاجبا متوجها الى فريسته التي أخيرا وبعد طول سنين اغرقته فيها بالفجور و الخمور و الدعارة و كل ما سولت لها نفسها للعب به ثم هجره ، هكذا بكل بساطة دمرت له حياته و انهت مستقبله  بفناجين شاي و قهوة !

حين تقدم منها اخذ الدم ينسحب من جسدها حتى ترك شفتها تهتز كأنها قد ضُربت بصاعقة برق مزقها كل ممزق ، يلف يده حول كتفها وشعرها يلامس جانب وجهه و ينظر الى سكينة المذهولة بعينين محدقتين بسعادة لا يعرف كيف يصفها ولا كيف يظهرها حتى خرج صوته مرة اخرى عميقا مخيفا : جنين زميلة ، زميلة محتررررررمااااااة ياااااه لو تعرفين كم افتقدناها في عملها

ضغط على كتفيها حتى كادت عظامها تتداخل مع بعضها البعض

حبست أنفاسها في الحقيقة هي لا تدري ان كانت تتنفس اصلا فكل شيء صار ضبابيا امام عينيها

توقعت ان يهجم عليها و يشرحها تشريحا ، ان يغرز انيابه فيها و ينهش لحمها ، ان يمسك سكينا و يطعنها حتى يرى دمها ، أن يشدها من شعرها ويجرها جرا على ارض الشارع حتى يتسلخ جلدها

لم تتوقع في حياتها ان يكون منذر اخا للمجدلية فليس هذا ما تعرفه عنه ليس هذا !

لكن وقفته هذه وحركته هذه لم تتوقعها وسكينة تسأل : ماذا تقول هذه اسمها باتريشيا

لفها بقوة حتى كاد خصرها ينقسم نصفين و عينيها المرعوبتين تنظرا له في استجداء ، نعم تستجدي مغفرته وتستجدي رحمته و تستجدي حبه ان استلزم الأمر !

تلاقت عيناهما هو بحزنه و حقده وهي بالترجي : نعم نعم باتريشيا لما تخيلت ان اسمها جنين !

يا الهي مر زمن يا عزيزتي أين كنتِ

التفتت الى وجه سكينة المتوتر و الشكاك فهي صارت تنظر لهما نظرات شك و ريبة وهي تستند على الكرسي خلفها قائلة وهي تراقب كلا وجهيهما : باتريشيا كانت تخدم لدى هارون انها ممرضته !

هنا رفع نفسه عنها و اطلق جانبيها وهو يضع يده فوق رأسها على شعرها يتحسسه و يشده قليلا بنعومة : تخدمين ابن عمي ، رائع يا لكِ من خدومة !

تركها لا تصدق ان يده التي تشعر انها ستتحول الى سلاح ذري سينسفها أن تتركها

ناول مفاتيح السيارة الى سكينة التي رفعت حاجبا مستنكرا لكل ما يحصل التي مدت يدها تسمع له : خذي اخاكِ واخرجي !

هنا صرخت الاخرى بكل الرعب الذي كتمته حتى الان بكل الدموع التي سالت على وجنتيها : لا لاااا لا تتركيني معه لااااا

انتفخ وجهه واسود اكثر مما هو عليه من ذبول ، يطحن كلماته بين اسنانه طحنا : اخرجي أنتِ و اخوكِ هيا قودي السيارة بنفسك او ياسين يقودها

وقف الأربعة في مواجهة بعضهم البعض وجه سكينة الذي غام و قلبها أخذ يدق بسرعة وهي ترى حال باتريشيا التي لم تعد في وعيها فقط تصرخ و تبكي وكأن احدهم يريد ذبحها

حال اخوها الذي تغير كلية ماذا فعلت به باتريشيا يا ترى

ارتبكت جدا ، فهذه المرأة هي ثاني امرأة لليوم تراها على هذا المنظر و تتركها وحيدة

حتى سمعت صوت اخوها وهو يجرها و ينادي على ياسين بصوت عال فرقع في اذنيها صوت مجلجل صوت غاضب للموت فتح الباب ورماها خارجا يلحق بها ياسين الذي غضن جبينه ونظر نظرة سريعة الى حال باتريشيا التي تجري في اتجاههم تتطاير دموعها و الرعب يسيطر على حركتها : لا يا سكينة لا تتركيني معه سيقتلننيييييي سكينة لااااااا

وقفت سكينة مبهورة مذهولة تسيل الدموع من عينيها في صدمتها حين اغلق اخوها الباب بقوة كادت تقلعه من مكانه ، كلتا ساقيها لم تحملاها وهي تسمع صوت صراخ باتريشيا يتردد من خلف الباب وقفت طويلا لا تعرف ما تفعل لا تريد ان تتصل بأحدهم و يزيد الامر سوءا ، لا آيدين الذي لا يعلم ما يدور في بيته ولا المجدلية التي هي الاخرى في مأزق ولا يحي الذي غضب منها

اخذت تقضم شفتيها وهي تجر ساقيها تسحب اخاها معها تعطه المفتاح في يده : أنتَ ستقود فليس بي اي جهد لما حصل في هذا البيت

تكرر ببطء مميت على مسامع أخيها : لا تخبر أحدا بما حصل هنا أبدا

نظر لها شزرا وهو يلوي شفتا حائرة : وهل هناك ما يقال اخوكِ سيغتصب المرأة في عقر دار ابن عمك !

فتحت سكينة عيناها ذهولا لما قال وهي تضع يدا على فمها لا تريد التفوه الان بما يسيئه فهو لازال صغيرا على ذلك لا زال فقط في الخامسة عشرة ضربته على رأسه بقوة : احترم نفسك ولا تتدخل فيما لا يعنيك ، ان علم منذر انك قد اخبرت اي احد فسيقص لسانك !

تجهم وجهيهما وهو يقود على مهل الى البيت

اما ما خلفاه ورائهما فهو الجحيم و العذاب الاليم

حين اقترب منها بكل سرعة يملكها وهي واقفة هناك تأن و تصرخ و تحاول ان تحمي وجهها بيديها نزلت الصفعة على وجهها كالرصاصة ، صفعة لحقتها اخرى و اخرى واخرى حتى تهدل وجهها و انتفخت عيناها رفع رجلا وبكل ما يملك من عزم وجه ضربته القاضية الى بطنها

نزلت الى الارض فاتحتا فاها لا تتنفس وجهها ازرق وهو يحملها بيد واحدة ووجهه كالشيطان ينفخ فيها : يا بنت الحرام قد دمرتني ، دمرتي مستقبلي دمرتي لي حياتي يا عاهرة من ارسلك لي قولي من ارسلك

وهي تلفظ انفاسها لم تعد تستطيع التنفس وهو يجر رأسها له جرا و شعرها يتقطع بين اصابعه يهز رأسها بقوة.. قوة جبارة حتى سمع صوت عظام رقبتها تطقطق تحت وطأت الضربات نفخ فيها وصدره يعلو ويهبط بسرعة من شدة غضبه و عروق يده قد تفجرت من مسكه لها رفع قبضته  الى معدتها ضارب اياها ضربة كالمطرقة الضخمة حتى خرجت عينيها لم تعد تستطع البكاء لم تعد تصرخ لم تعد تعي ما يحصل فيها : هل ستقولي هل ستتكلمي ، فقط اشيري برأسك كي افهمك : هل ارسلك الصديق لي

كانت دائخة فالاكسجين بالكاد يصل الى دماغها الذي يتزلزل تحت يده و قبضته و صدرها قد انقبضت عظامه حتى التصقت برئتيها هي لم تعرف بعد العذاب الاليم هذه فقط هي البداية ، جنين ستذوق ما لم تذق امرأة من يدي رجل سينكل بها تنكيلا سيجعل جسدها تدريبا على كل عملياته الاجرامية الارهابية : هل كاااااان الصديق اجيبي ، كان الكلام و الانفاس تتخبط هزت رأسها نفيا

صفعها بكل قوة على خدها الايمن الذي تورم و انفاسه تتهدج عند وجهها حتى تطاير شعرها الاشقر : لا .. تكذبين يا فاجرة والله ستنطقين بكل شيء بكل عمل فعلته وبكل مؤامرة دبرتها

تعالي معي .. اخذ يجرها خلفه كالدابة من شعرها وهي تصرخ : لا لا ارجوك منذر ارحمني ارجووووووك ارجوووووك اتركني ارجوووووك بحق الله اتركنيييي

امسك رقبتها كالخروف : اتركك والله لن اتركك الا وروحك قبلها قد خرجت يا عاهرة

اتجه بها الى احد الاسرة في احدى الغرف المنتشرة في المنزل صار يفتح الابواب مثل المجنون صارت تتصافق كأن ريحا عاتية اخترقت البيت

ينظر الى اي من هذه الغرف قد يكون مناسبا للعقاب الذي ينتظرها

حتى وجد ضالته سرير بأربع اعمدة

رماها مثل الكلبة على الارض اخذت تزحف بعيدا تريد الفرار فلم تنلها الا ضربة  وجهها الى خصرها شلت حركتها وجعلتها مرمية كالميتة : تحاولين الهرب يا بنت الكلب لا والله لا والله هذه المرة لن تخرجي الا جثة يا كلبة

جاء بأربع حبال من المطبخ امسك برقبتها مثل الذبيحة ليجعلها تقف

وجهها كان خريطة بكل الالوان شفتها تورمت جدا حتى لا تستطيع بسببها الحديث عينها انتفخت و لونها اصبح بنفسجيا غامقا و شعرها قد تنتف وأفنها ينزف حتى لا تعرف كيف تتنفس و جسدها قد اهترء من ضرباته

كان يهدر كأسد ، أسد قد غُدر به ، نعم قد كان ، كان اسدا وهي جعلت منه خرقة بالية ، كان اسدا وهي جعلته فأرا ، كان أسدا و سيعود أسدا و سينتقم من غريمه اي كان من ارسلها له و دمر له مستقبله عامدا متعمدا

رفعها بقسوة يربط كلتا يديها الى الاعمدة ، و فتح ساقيها وربطهما هما كذالك صارت كالمصلوبة متدلية الرأس ليس لديها اي قوة او عزم حتى كي تصرخ الدم يقطر من بين شفتيها و الدموع الصامتة الذليلة من عينيها

وقف امامها يشد بيده على صدغها طايقا اسنانه في حقد اعمى  : ستتذكرين من ارسلك لي ام لا !

تحاول ان تتكلم ، ان تنطق ولكن حنجرتها المضروبة قد سُدت : أنا ... أنا .. كان ينتظر منها ان تُخرج حروفها فهو لم يعد يطق صبرا ..صفعة اخرى ناله وجهها المتهدل عن كتفيها جعل شعرها يلف حولها تسمعه يقول بحسرة تخرج من صدره صادقة ..حسرة حزينة ..حسرة مهمومة حسرة قهرته ..كان يطرق على صدره بقبضته بصوت عال خرم اذنها بغضب وصل احشائها : لقد احببتك ، احببتك ، قد تعلقت بك ، قد ادمنتك ، فأجدك قد طعنتني في ظهري ، اجدك قد خدعتني وما كل ذلك الا تمثيلية وسخة ، لو طلبتِ مني ذاك الوقت الزواج كنت سأتزوجك ، ضرب مرة اخرى بقوة اكبر على صدره حتى شعر بعظام قفصه تأن تحت وطأة ضرباته العنيفة لنفسه : كنت نعم كنت ..كانت نواياي تجاهك نظيفة لم اكن حتى اريد ان اعاشرك بلا زواج تخيلي انني خنت حبيبتي لأجلك ، دمرت زواجي منها بسببك و من اجل عينيكِ

دار على نفسه بتلك الثياب الرثة التي يرتديها قميصا مفتوحا حتى سرته و بنطالا من الجينز متهدلا و حذاءا رياضيا اسودا كانت الثياب واسعة جدا عليه من شدة نحافته التي وصل اليها وشعره لم يهتم له ايضا كثيرا حتى صار طويلا يعقده فوق رأسه ، تغير منذر عن ذاك المنذر الطبيب الراقي الخجول المعطي ، لا يوجد اي وجه تشابه بينه حديثا و قديما ، كأنه انسلخ عن روحه خرج عن ذاته !

جِنين قد اخرجت الوحش الذي يرقد في اعماق منذر قد ايقظته !

كان يصرخ في دورانه : لما انااااااا لماااااا لم اخترتني انا بالذااااات

سمعته يخلع حزام بنطاله رويدا رويدا ، في عينيه دمعا ، ترفع رأسها تقابل عينيه فيشد وجهها الى وجهه تتلاقى انفاسهما : من شدة وقاحتك انكِ بقيتِ في البلاد ، من شدة وقاحتك انكِ تخدمين ابن عمي ، من شدة وقاحتك تقفين وتتحدثين مع اخوتي ..ألهذا الحد وصل بك الاستهتار بحياتي ألهذا الحد وثقتي أنني لن اجدك و لن افعل لكِ شيئا ألهذا الحد لم تعتبريني رجلا !

حين رفع الحزام عليها و صار ينزل على جلدها كالسوط يهتكها.. وجهه محمرا بارزة عروق جبهته رؤيتها امامه الان صارت تشفي غليله مستمتعا بصراخها مستمتعا بألمها قال داهشا لاهثا وهي تهز رأسها هزا متواترا رافضا لاااالاااا : تخافين على جسدك ، ألم تخافي على جسدي الذي دمرته خلية خلية من الداخل

حتى توقف لهنيهة : تعرفين ماذا

اقترب بهمجية يقطع عنها ملابسها وهي تصرخ خائفة تموت من خوفها وجهها محمر من شدة ما بكيت و من شدة ما لم تستجب له حنجرتها تهتز شفتيها المبللتين بالدموع و ترمش بسرعة الرعب الذي في قلبها الذي دوختها نبضاته الحروف تخرج متقطعة مهموسة بلا حيل وبلا جهد  : منذررررر ارجووووك ارجوك

لكن لم يفلح ترجيها في جعله يتراجع عما ينوي فعله بها فجسدها ثأره ، نعم ثأره ألم تبدأ بالجسد اللعبة التي لعباها ، ألم تغوه بعريها ، ألم تغويه بصدرها الذي فكر فيه اكثر من نفسه وجعله يسقط صريع هواها !

صار صوت الجلد يتردد بينهما في تلك الغرفة المقيتة ينزل السوط كي يعلم عليها ، كي يفتت جلدها ، كي يسرب دمها ، كان صراخها موسيقى في اذنه كان جزعها يطربه كان بكاءها يضحكه : قبل ان تقولي لي من ارسلك لن احررك بل ستموتين حيث انتِ هنا معلقة بلا شراب ولا طعام ، بلا حرية ، بلا اغواء ، اقترب اكثر منها حتى حمل ثدييها بين يديه يضغطهما بحقد و قسوة حتى يخيل لها انه سيقتلعهما من مكانيهما وهو يهمس كالمجنون : بلا حب !

 

 

من تاريخ آيدين

في شهر رمضان !

لك شو بيك ، شو بيك ، نازلي بهالنسوان ضرب و لحش و قتل

لك مو هيك يا حبيبي مو هيك راح تطفشلي الزباين لك العمى بقلبك العمى اللي بيشوفك ما بيظن أن كل هالشر بقلبك يا زلمي

جلس وهو يطقطق على الطاولة : موتت القاضية ما كانت سهلة و ما قدرنا نخليا على فراشا وكل اثارك عليا ، كان لازم نقطعها و نحرقها لك انت عم تورطني مع العالم

كان الآخر يجلس متكأ على الاريكة رجل تلامس الارض و الاخرى يثنيها حتى تلامس صدره ،يلبس شورتا قصيرا و صدره بفانيلة تكشف ذراعيه وشعره مبلول سرحه باصابعه للخلف  يغضن جبينه و يزفر أنفه و رأسه دائخ من الكؤوس التي شربها و من تدخينه للحشيش الذي يتطاير حوله حتى نعست عيناه فصارتا نصف مفتوحتان وهو يطلق الباقي منه من صدره ليلف حول رأسه : لم يقدر أحد على جلب المعلومة من القاضية سوااااي

فرد عليه ايميل موافقا : اي اي بعرف ، لكن يا حبيبي خليك شوي رايق ، شوي لين لك استمتع يا زلمي انتِ ما عم تحسبا منيح

لم يكترث لما يقول فرد عليه : هذا العمل لا يناسبني كنت مجبرا

رفع ايميل كأسا الى شفته ثم طارقا به مجددا الطاولة : لك والله ما بيلبق لحدا غيرك و غمز له بعينه

فيما اكمل آيدين باقي الحشيش الذي تطلقه انفاسه حتى شعر بالمتعة

سمعا صوت قطة صغيرة تمؤ

فنظر الاثنين اليها وهي تتقدم لهما على مهل ، قطة بيضاء صغيرة جميلة ناعمة كانت تائهة : لك العمى هي من وين دخلت

مال برأسه في اتجاه الباب فوجده مفتوحا على مصراعيه فصرخ في وجه آيدين : لك يخرب بيتك الباب مفتوح ازا حدا سمعنا شو عم نقول،  لك والله لنخلل بالسجن سوا !

كان رافعا رأسه الى السقف يحلق مع متعته وحيدا يبتسم الى نفسه يحرك يديه في الهواء فالحشيش اثر على عقله كثيرا

بالكاد استطاع ان يستقيم مرة اخرى وهو يرى خيال يتقدم ناحهم

فتاة

بنت

شقراء شعرها ناااااعم طويل جدا يرفرف كأجنحة الملائكة بين ردفيها الناعمين و بطنها تظهر منه سرتها و خصرها الابيض الرقيق و صدرها كان في ثورة فورانه كان حديث العهد بأنوثتها يبرز من ذلك القميص بدون اكمام الذي ترتديه كانت خضراء العينين ساحرة الشفتين

كانت تتقدم على مهل حافية القدمين في ذلك الجينز القصير الذي يكشف عن تدوير ساقيها

كان مثل السكران وهو ينظر اليها يفترسها بنظراته صغيرة جدا و شهية تنادي بصوت رقيق : أوشي أوشي تعالي

كان الاثنان فقط يراقبانها وهي تقتحم البيت بهذا اللطف وهذا الجمال

كان ايميل يفتح عينيه متسليا اما هو فكان يفتحهما رغبة

يتذكر هذه الهيئة التي يراها في ممر المبنى كلما اراد ان يصعد الى شقته

يتذكرها وهي تلعب مع قطتها و تطعمها امام باب شقة في الطابق الاول

كيف لا يتذكرها و اول ما لفته شعرها و نظرة عيناها و ابتسامتها البيضاء النقية

كلما تقدمت و برز جسدها له اكثر كلما ابتلع ريقه و كلما داعبته دغدغات قاتلة يتخيل نفسه دائخا فوق سرتها يتخيل نفسه يلعق شفتيها يتخيل نفسه قد وصل لرحمها كانت كل الخيالات تتطاير فوق رأسه تحرضه حين عض على شفته بأسنانه يشكو لهبا يتسرب الى خاصرته

كانت تدور خلف صوت اوشي التي تمؤ ، كان المكان هاديء جدا جدا ، لم يتنفس اي منهما لم تنبس عنهما بنت شفة  او حركة فقط الجمود الذي اشعرها انها وحيدة هناك رغم انها تعلم تمام العلم انها قد دخلت الى بيت احدهم ولكن طالما لا صوت لمن ينادي فهي ستلحق بقطتها الحبيبة التي اخذت تقفز في المطبخ تارة ثم في الصالة بين الاقدام تارة اخرى و هي تتطأطأ الجسد بحثا عنها حتى يبرز صدرها فيعض شفتيه و يرفع رأسه للسماء مغمضا عينيه ، آهة لذة خرجت من عقله كان شيئا غريبا ..شيئا غريبا ..شيئا روحيا شيئ هز روحه لا يدري لماذا ، ظل في سكرته يتبعها بنظراته التي غمرتها النشوة حتى انتفخ جسده وهو يتخيلها بين يديه

كانت طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، لم تكن ترى شيئا ، لم تكن تعي شيئا ، كان العالم هذه اللحظة بالنسبة لها مختصرا في قطة  في كائن حي يمؤ ذهب عنها وتبحث عنه

تركها ايميل تبحث و تمدد على الاريكة دائخا متعبا من العمل و الشرب يضع مرفقه يغطي به عينيه لم يكترث البتة بها او بقطتها

ولكن ذلك الغر الذي تداعب الرغبة الحارقة جنباته و افترسها بنظراته لم يكن ليتركها هكذا

ترك الحشيش من يده و تخبط في مشيته لها بخطوات رشيقة تسلل الى حياتها الى روحها الى جسدها

وقف خلفها وهي قد لفت بسرعة برعب ظهر في عينيها المفتوحتين عن اخرهما تنظر الى وجهه تلك النظرة التي قتلته ، النظرة التي حفظها في روحه عن ظهر الغيب ، النظرة التي دمرتها النظرة التي كانت بصمة !

كانت مثل البحر عيناها و شعرها يدور حولها مثل الطاحونة في الماء يا الله عذبة صغيرة رقيقة جميلة خرجت دهشة ممزوجة بوجع من بين شفتيها رفعت كفيها تتلمس طريقها فلم يلمسا الا صدر رجل يقف امامها قد غطت الشهوة عينيه كان وقع يدها على صدره القشة التي قسمت ظهر رغباته رفع كفه غم على ثغرها و الدموع تبلل يده يلف يده حول خصرها الصغير و يدفع بها الى هناك الى تلك الغرفة الى ذلك المنفى الى سلب الحياة و الحرية ، كان يهمس في اذنها : هشششش

ولكنها ماتت في روحها ماتت الدنيا في عينيها وهي تهز رأسها المكتوم بلاااااا لااااا كان صراخ الروح موجوعا هادرا شاقا انفاسا و هادما للذات

كمم فمها و لف يدها خلف ظهرها و ازاح ثيابها على مهل يستمتع بكل عضو يظهر امام عينيه فتظلم روحه ويصير شيطانا

كانت ترعد كانت تستنجد لا يا عينيها لا

اغتصبها مستمتعا وكأنه كان يمارس الحب معها بإرادتها

كان يحبس انفاسها و يحرر معها روحه

لما اعجبته هي بالذات من بين نساء الارض

لما وهو الذي عاشر كل من هبت ودبت و تمايلت و تغنجت

رأى فيها الطهارة التي فقدها ، رأى الطيبة التي نسفها ، رأى العفة التي دمرها ، حتى قضى الليل كله مع بنت اسمها تمارا كان ثديها يقيم مع البحر حوارا وكان ان غرق في اللذات ممرغا في الشهوات وهي قد اصابتها ثورة عقلية جنون بصر و بصيرة صار اللعاب يتسرب من فمها و عيناها تشخصا للسماء وهي ترى جسدها ينتهك ان لا تصبح عذراء ان يسلبها شرفها بسبب قطة !

حتى نام خامدا جانبها لا يشعر بما فعل و كيف فعله وكيف سيطر عقله عليه وهي مكممة غارقة في الغيبوبة !

عندما فاق من نومه قبالة الفجر متعبا مرهقا بالكاد يفتح عيناه الحمراوان و رأسه ثقيلا جدا يطرق من جانبين لا زال يدور من تأثير الحشيش نظر الى جسده فوجده عاريا فلف وجهه بكسل الى الجهة الاخرى من السرير ، الى تلك التي رُميت مكممة الفم تبدو كالميتة جاحظة العينين لا روح فيها قام ببطء من مكانه يستوعب ما حصل وضع يده على رأسه يشد شعره بقوة و يضغط على شفتيه حتى كاد ان يدميهما احمر وجهه و تعررق جسده و حتى عيناه غامتا بالحزن و الدمع ناطقا بغير تصديق : لا لا تباااااا

لبس سرواله و قميصه بسرعة وهو يجلس جانبها ، كانت ميتة هذا ما رآه لقد قتلها قتلها

اخذ جسده يرتعش من الصدمة لا يعرف كيف يتصرف

عاد الى وجهها يقلبه هي كما هي بلا حياة مكممة جسدها مزرق و متورم لا يذكر ما فعله بها لا يذكر ابدا

صار يدور حول نفسه في الغرفة كالتائه عيناه تذرفا الدموع

هذه البريئة الصغيرة الطفلة ماذا فعل بها ماذا

نظر الى ملاءة السرير فوجد برائتها قد لطخته

كاد يصرخ وهو يضرب على رأسه بعزم حتى صعدت الحرارة الى نافوخه

ولكنه فكر بسرعة ، لا يريد لإيميل ان يصحو من النوم و يراها هكذا ثم يرميانها سويا في مكان ما

فتش في الادراج حتى وجد مخدرا ملء به منديلا ، اتجه بخفة الى حيث ايميل ينام على الاريكة وضع بخفة المناديل امام انفه حتى رأى ان جسده قد ارتخى ، تقدم منه و حمله من تحت ذراعه يجره جرا وهو يتعرق من التوتر و القلق، لاهثا رمى به فوقها ثم خلع ملابسه كاملة ورماها على الارض

جرى الى الخارج لا لا يريد ان يفهم لا يريد ان يتذكر ، كل شيء اصبح عدما ، كل شيء سرابا ، كل شيء حلم نعم حلم او هو كابوس

جرى الى حيث شقته نظر بسرعة من خلال الشبابيك الى الخارج الى حيث سيارات الشرطة ربما التي قد تحاصر المبنى بحثا عنها او ربما لن يفعلوا قبل مرور اربع وعشرين ساعة لا يعلم ما كان حال خالها و زوجته لا يعلم حجم الدمار الذي خلفه

حمل جواز سفره وضعه في بنطاله و اخرج المبلغ المالي الكبير الذي جناه من عمله مع ايميل و يكفيه لعبور عشر دول ان اراد خرج ثانيتا يعبر السلالم بسرعة عجيبة كأنه يطير كل شيء ساكن كل شيء هاديء حتى الطابق الاول لربما كان هناك احد يبكي او ينوء

احد قد غُدر بشرفه  

،لكنه طار لاهثا  الى الخارج جدا الى هناك الى البعيد الى الطائرات حجز الى وجهته الى مصر ثم ليبيا و قبلها كان قد رفع هاتف تبليغ عن حادثة في شقة رقم 105 ، اغلق على اثرها الهاتف المثبت و ركب الطائرة و رجع الى بلاده محملا بالخطايا و الذنوب و سلب شرف بنت صغيرة اسمها تمارا !

 

 

للتو كان قد اغلق الهاتف مع موظف من السجل المدني يطلب منه البحث في امر امرأة مفقودة اسمها مهرة طاهر ال....

استجاب الموظف لطلبه و وعده بالبحث في السجلات

ان كانت من الوفيات قبل مولد الصغيرين فهي لا صلة لها بهم

وان كانت لا زالت حية فهذه كارثة عظمى !

أيجب ان يبحث عن هدى ، لم يجد لها اي صورة ، في الحقيقة نسي ايضا ان يطلب من جازية ان تعطه صورة لمهرة ، و لكن هدى لا ، لا هدى و لا زوجها لهما صور مع الاولاد !

يا ليته فكر في الذهاب الى بيت الجد قبل زمن

يا ليته ما جعل زكريا يسبقه اليها

هو من فرط فيها وهو من كف البحث عنها

استسلم لمشاعرها ، قالت له قف فتوقف هكذا ببساطة

 

طرق رأسه مفكرا ، يريد ان يحل هذه المعضلة

قبلها كان قد دخل غرفة مليكة

وحده يدور فيها ، يبحث بين الثياب ، يفتش هاتفها الذي تركته مفتوحا ، لا يوجد به ما يريب ، السرير خاويا من الفراش ، يقلب نظره حوله  الشباك الصغير هناك لا يكفي لدخول اي شخص منه الى الغرفة !

صار يسحب قدميه العاريتين فوق السجاد العجمي ، يفتش ببصره كل ما هو عالق ربما

يغضن جبينه متحيرا ، قلب السرير و فتش تحته ، رفع السجادة و فتشها كان يتقهقر في مشيته حتى داست قدميه على شيء ، انحنى ليحمل ذاك الشيء بين اصبعين يرفعه الى مستوى عينيه يدقق فيه حتى غمره كله في كفه طابقا اصابعه حوله نافخا صدره زافرا انفاسه خرج طابقا الباب خلفه !

اتجه اولا الى غرفة المراقبة آمرا عيسى : عيسى افتح لي على ليلة مقتل مليكة

صار عيسى يدور بين التسجيلات حتى فتح ، كان الممر هادئا جدا لا يتحرك وغرفتها مغلقة بعدما دخلت اليها وهي راجعة من المطبخ

وقف طويلا يحدق الى الهدوء الحاصل واضعا يد على ذقنه و يد في جيب بنطاله مفرقا ما بين ساقيه لاويا رقبته صار يحدق و يحدق و يحدق الى ان اكتفى فقال لعيسى حسنا هذا كان كل شيء !

خرج الى الهواء الطلق و الشمس فوق رأسه قد بهتت قوتها صارت حمراء تكاد تسقط مغشيا عليها من كثرة ما اشرقت واحرقت هذا اليوم

رافعا الهاتف الى اذنه جاءه صوت بروين المشغول و جدا : عمي يحي

قال له على عجل : بروين هل تستطيع ان تخترق المواقع !

غضن بروين حاجبيه و هو يرفع النظارة الى عينيه ويرمش كثيرا صار يدق بيده على الطاولة امامه قال في تردد : نعم !

قال له يحي وهو يتجه الى سيارته يركبها و يغلق بابها و يتجه الى البوابة : اعطني عنوان عملك سآتي إليك

توجه بالسيارة نحو البوابة فُتح له الباب و خرج وعلى مسافة ليست بالبعيدة من البوابة خرج عليه رصاص هادر رصاص وُجه الى سيارته السوداء صار الزجاج يتلقى الضربات عن صاحبه الذي انزل رأسه بسرعة وهو يحاول ان يجذب سلاحه الذي معلق في خاصرته

لم يتوقف الرصاص عن الغدر فأخذت السيارة تتأرجح في الشارع الذي خرج له ، سُمع الصوت عاليا وصل الى آذانهم داخل المزرعة حتى خرج اهل البيت جميعا من منهم على الشرفات ومن على الابواب

خرج صالح يجري مذهولا صارخا : اخرجوا السلاااااح

صار الحرس يجري ناحية البوابة ركبوا السيارات بسرعة و خرجوا على عجالة خلف سيارة يحي الذي لم يبتعد كثيرا و لحسن حظه ان سيارته ضد الرصاص رغم ان الزجاج يكاد ان يتحطم من شدة ما تم الرمي عليه

صار يجري بالسيارة ببراعة فائقة الى الخلف في اتجاه من يرمون عليه و هناك فتح شباك سيارته و وجه سلاحه الى نقطة معينة و ثانية اخرى حتى اشتبك طرفان ، طرف يساند يحي و طرف يهاجم السيارة بكل ضراوة ينوون قتل من بداخلها

كان الغبار يتطاير و السلاح قد سُمع صوته في كل ارجاء المدينة حتى خاف الناس ودب الرعب يحسبونها ثورة اخرى او عراك مليشيات اخر لن ينتهي حتى يودي بعشرات الارواح

كانت سيارته قد تغربلت تماما و صوت العجلات وحرقها يُسمع بكل وضوح كان وجهه مكفهرا غاضبا وشعره كان يتطاير امام عينيه

تم تبادل النيران حتى وقت متأخر من صلاة العشاء خالط صوت الاذان صوت الرصاص الذي يزأر في كل المدينة التي اختبأ فيها الرجال قبل النساء في البيوت ، كان شيء مرعب صوت صواريخ و اصوات رشاشات كان الناس يعرفون بالضبط اي نوع سلاح قد تم استخدامه في هذه المعركة كان زجاج السيارة الجانبي قد تحطم و صار الرصاص يخترقها بكل حرية وصالح يصرخ من خلف الاسوار شادا في يده مسدسا يدور مثل الاسد صارخا في كل الرجال ان يتوجهوا الى الخارج وهو يركب اللاند روفر و يخرج معهم حاملا سلاحه

وماجدة كانت تصرخ و تبكي : يا ويلييييييي يحيييييييييا

صارت النساء تجري في المزرعة كالمجانين هجمت زهرة على البيت مفجوعة تصرخ فيهم من خرج على من يطلقون النار كانت كمن جنت و صارت صبا تندب وجهها : يحيااااا يحيا للتو قد خرج من البيت  يا ربييييي اخييييييي يحياااااااا

صار الجميع يدور في دوائر ..القهر و الخوف يقتلهم.. وهم يسمعون لكل تلك الاصوات التي لا تنوي الا قتل كل من في البيت ان تطلب الامر

تحركت سيارات الدعم و النجدة بأقصى سرعة ممكنة الى المكان الذي تصدر منه اصوات الرماية صوت الاسعاف ايضا خرق المدينة و جري السيارات في كل ناح هاج الناس و ماجوا ولا يعرفون ما سبب كل هذا ومن هجم على من !

 

في بيت عائلة سعيد و ناجية التي كانت تندب وجهها تضرب بقوة وتصرخ غير مصدقة صراخا مبحوحا مفجوعا : سالييييييي سالييييييييي

تخرج تجري الى الحديقة هناك لا يوجد احد ابدا و لا حتى ناصر كان موجودا ..تجري الى البوابة وهناك في تلك اللحظة دخلت سكينة و اخوها منها ترى منظر ناجية المتبعثر و دموعها و صراخها

كان وجهها محمرا بقوة وهي تدور في الحديقة تضغط على صدرها بقوة و قهر : لقد خطفوهاااااا خطفواااااا ابنتي  خطفوا روحيييييي

نزلت سكينة بسرعة قبل حتى ان تتوقف السيارة و يجري خلفها ياسين الذي ثار هو الآخر يتجها ناحيتها و امها تبكي هناك على الدرج وهي تضع وشاحا على عينيها صرخت بفم مفتوح و دموع حارة حارقة صادمة : خطفوااا سالي يا سكينة خطفوا ابنتي يا سكينة خطفوا ابنتي يا ياسيييييييين أوس خطف سالي خطفهااااااااا 

صارت تصرخ في السماء تقطع ثيابها لا تعلم ما تفعل تكاد تجن لا لا تتخيل البتة ما الذي يمكن ان يفعلوه بابنتها

لا تتخيل ما الذي يمكن ان يحصل لها لا لن يقتلوهاااااا لاااااااا

اقشعر جسد سكينة التي بدت تبكي هي الاخرى ترفع هاتفها بسرعة بيد مرتعشة الى حيث يحي ولم يرد اطالت الاتصال ولم يرد

هناك في بيت صالح تطرق ابواب الجميع ولم يرد احد منهم عليها

صرخ ياسين الذي اخذته الثورة و توحش وجهه دخل الى البيت هناك الى غرفة المؤيد صعد الدرج كل  اثنين او اربع يقفز قفزا : والله لاقتلنهم اولاد الكلب والله لاسيل دمائهم الليلة والله

دخل مسرعا الى حجرة اخوه  حمل في يده الرشاش الذي يربض خلف الباب امسكه بيده و خرج من الباب يحمله في يده

ما جعل النسوة يقفن في ذهول يصرخن له ياسييييين يا ارعن ماذا تفعل

كان يجري باتجاه السيارة والله لاقتلنهم واحدا واحد

كانت امه تصرخ و تبكي و تجري وراءه : ياسين توقف توقف يا ياسيين

و الاخريات يجرين خلفه لا يعرفن ما يجري كان قد ركب السيارة و احرق عجلاتها و استدار بسرعة قصوى يلف بها و الرشاش بجانبه

صار يجري في الشارع مثل المجنون من لم يعد يتحكم في اعصابه وفي ثورته لا يرى سوى الموت امام عينيه لا يرى سوى الدماء فوالله لن يمر ما فعلوه مرور الكرام لن يفعل

دخلت العجلات الى منطقة عائلة اوس تحرق الشارع حرقا فالناس لا زالت تسمع اطلاق الرصا ص و الرماية الكثيفة التي تحصل وهو هنا امام بيت اوس عدل الرشاش و فتح زجاج السيارة هو الآخر و بدأ يرمي في كل مكان يصيب اي شيء الابواب الشبابيك و الجدران كان الرشاش يطلق ناره على البيت بلا رحمة رصاص متواصل اختلط الحابل بالنابل في كل مكان حتى ظن الناس ان الحرب قد بدأت

ام اوس و ابوه و اخوته كانوا في الداخل قد تمكن الرعب منهم، الجميع ينبطح على الارض.. الجميع يصرخ.. الجميع يمر الرصاص من فوق رأسه فإن رفع رأسه اخترقه الرصاص و صار في عداد الموتى دب الخوف و الذهول فيهم حتى صرخت امه : كله منها من بنت الكلب عفااااااف

رغم انه في الخامسة عشرة فقط لكنه مدرب جيدا على حمل السلاح ليس هو و حسب بل كل اقرانه من حملوا السلاح ايام الحرب ضد تنظيم الدولة او الحرب ضد النظام ، الجميع يعرف انواع الاسلحة و يعرف كيف يستخدمها ببراعة كان واقفا لم يمل و هو يلقم الرشاش و يضرب حيثما اتفق و يصرخ بصوت غاضب مميت : هاتوا ابنة اختي يا اوغاااااااد

 ابنة اختي يا ولاد الكلب

كان صوته يختلط بصوت الرصاص كان ابو اوس يتحرك زاحفا ناقما : كله منكن يا غبيات تردن موتنا يا بهائم صار يسب زوجته و يبصق و لم يترك شيئا ولا كلاما مسيئا لم يقله لها و البيت قد تغربل من كثرة الرصاص الذي اخترقه : لقد دمرتن البيت دمرتنه

صرخ وما عاد صراخه مسموعا حتى سمعوا الهجوم الذي حل على الباب الرئيسي ياسين يحاول ان يخترق البيت اختراقا يضرب برجله على الباب و يطلق عليه الرصاص والناس تجمهرت حوله لا يجرؤ احد على الاقتراب الجميع ينظر لا يريد التدخل في امور عائلية ولا حتى الموت في سبيل اي أحد فما فقدوه في حياتهم حتى الآن يكفي حتى فُتح امامه و دخل عليهم الباب  !

 

 

حانت الآن لحظة مرور عائلة شعيب الذي قاد تلك المسافة على روحه،  كان يقود كالفاقد ، لا يعرف كيف وصل الى هنا كيف استطاع التحكم والسيطرة على نفسه ، فكل ما حصل مؤخرا ضغط على اعصابه

هو الرجل الصنديد الذي يجب ان يكون دائما مستعدا لكل المفاجآت ، ان يستعد لكل العراقيل ، ان يفتح صدره للمشاكل و يحلها بكل صبر كما كان ،

حانت الآن لحظة العبور الى الطرف الآخر ، الى بلاده ، هنا يقف عند معبر وازن سلم الجوازات و ختمها ثم خرج من الحدود التونسية الى الحدود الليبية و ما بينهما توقف لربع ساعة خرج من السيارة اخذ جوازات السفر الاسرائيلية في يده و تناول ولاعة و رفع الجوازات امام وجهه و صار يحرقها حتى صارت رمادا تأكد من عدم وجود ما يدل على هوية الشخصين ، استدار على عقبيه ثم ركب السيارة متجهما امسك الهاتف بين يديه يتصل بآيدين : آيدين انا على وصول نعم انني هناك ارى البوابة ، لا تترك مكانك الساعة القادمة

تغضن جبينه بقلق و هو يلتفت اليهما ، الطفل نائم و رأسه يميل باتجاه امه التي تحضنه ، طوال فترة القيادة لم يتحادثا ، كل شيء يقلقه ، يشعر بفزع غريب لم يشعره قبلا ، كان مشتتا من كل الجهات

وصلت السيارة الى خط وقوف الجمارك البرية هناك رأى آيدين من مسافة بعيدة كان يتقدم بلباسه العسكري المهيب من بين السيارات و من بين الناس ، اشعره وجود آيدين بالراحة كثيرا حتى اغمض عينيه يشعر انه الآن يستطيع ان يستلقي ان ينام يا الله كم كانت هذه الرحلة مرهقة

تقدم آيدين حتى وصل بطوله الفارع يرتدي نظارة شمسية يطرق بتسلية على شباك السيارة وهو يبتسم

فتح الشباك و رفع له حاجبا ، قال له : اعطني جواز السفر

سلم له الجواز و ذاك يحدق و يدقق و ينظر الى وجه شعيب المغموم الذي يرفع كفا يفرده على فمه ويحدج آيدين بنظرات شريرة ، كان الآخر يتقدم و ينظر بوجهه الى الداخل الى حيث امرأة مختمرة و طفل ينام على حجرها ، رفع حاجبه ثم اعطى الجواز لشعيب مبتعدا عن السيارة قليلا يمنحها المجال للتحرك الى الامام ، سار في طريقه الى أن عبر البوابة بلا اي مشكلة ، هنا توقف جانبا على الطريق يمسح العرق عن جبينه و يتنهد مغلقا عينيه

انتظر ساعة صامتا صمت الاموات يراقب تحركات آيدين الذي اخيرا كان قد ركب سيارته هو الآخر ، اعطاه اشارة ضوئية فبدأ كليهما القيادة

شعيب يسير امام آيدين ، سارا حتى وصلا استراحة توقفا عندها ، نظر اليها : اذا كنتِ تريدين الحمام فاخرجي !

نظرت اليه في هم من خلف خمارها تشعر بالثقل الشديد في روحها جرت ساقيها وعدلت وضع الصبي ثم نزلت امامه وهو يحدجها بنظراته القلقة حتى غابت عن عينيه اما هو فأشعل سيجارا انتظر حتى وصلت سيارة آيدين الذي نزل متجها اليه ، احتضن احدهما الآخر بقوة

استند كلاهما على سيارة شعيب حين قال آيدين : يا الهي صحيح انني اعرفهم لكنني حقا لم اعد آمن لأي جانب ، الحمدلله ان كل شيء جرى كما نريد

هز شعيب رأسه موافقا وهو ينفث دخانه ويلوي ساق على ساق : مردودة يا ابن العم

حين اشار آيدين برأسه الى راعيل وابنها قائلا : حسنا اخبرني ما القصة

همس له : كما ترى ، جلبتها هي وابني ترى كم عمره ، لم اعلم به الا منذ وقت قصير

رفع حاجبه متسائلا : ولما بلا جوازات سفر

نطق متعجلا وهو يراها تعود الى السيارة فتحت الباب ثم اغلقته ثانيتا : قد احرقت جوازات سفرهما بين الحدود !

استغرب آيدين جدا فقلب شفته : لماذا ؟!

طحن سيجاره تحت حذاءه و هو ينفث آخر نفس : جوازات اسرائيلية !
لم يستوعب ، لا يصدق ، لا يفهم

غضن جبينه بقوة حتى بان الغضب على وجهه و احتقن و بان احمراره بالكاد استطاع السيطرة على انفعاله : اللعنة ماذا فعلت

قال في هدوء : الامر ليس سهلا علي انا ايضا ، انا انقذ ابني انقذه ، لا تعلم كيف جائني بأي هيئة ! كدت اجن يا رجل و الله حتى الان لا اعلم كيف لم اقتله !

انزل آيدين رأسه للأرض : والعائلة

حرك ساقيه واقفا معتدلا واضعا يديه في جيبي بنطاله : ستكون بعيدة عن العائلة ، لا اريدهم ان يعرفوا عنها

تواجه معه : ولكنه حفيدهم اول حفيد لهم ، يا الهي يا شعيب ماذا فعلت ، اول حفيد من امرأة يهودية بماذا كنت تفكر !

ادعو الله ألا يعلم اي أحد البتة بجنسيتها او دينها فسنكون في ورطة حقيقية !

سأضعهما مؤقتا في شقة تخصني ثم سأهيء لها مكانا آمنا ، لن اعرفها على الاهل قبل ان تسلم

نائت ابتسامة جانبية عن ثغر آيدين : يا الهي هل تتوقع منها ذلك !

ضيق عينيه مصمما : ستفعل صدقني ستفعل

ابتعد كلا منهما عن الآخر ، آيدين يتجه الى سيارته و شعيب يركب سيارته و يتجها نحو المشرق !

 

في وقت بعيد قبل سنين ، قبل ان يخرج من البيت ، قبل ان يهجرهم جميعا ، قبل ان يتوعده بالثبور و عواقب الامور ، كان يلف في حجرته يجلس على سريره ، يأكله القهر أكلا ، لم يعد يحتمل ، لم يعد يريدها ان تكون انسانة طبيعية ، هو سينهي مستقبلهما

 هو سيدمرهما نعم سيفعل ، هو وعدهم هؤلاء الخونة و سيفعل

حين دخلت مليكة عليه الحجرة تغلق الباب كما من المفترض ان تفعل حين يكون هناك اسرار تقدمت ناحه وقفت امامه ، لم يكن ينظر اليها ، لم يكن يهمه سوى ما يريد منها أن تفعل ، قد طفح به الكيل ولا حل سوى هذا ، في يده صورتين ، صورة كاملة ليحي بجانب خيله ، صورة لوجهها الذي يقتله عشقا

كان يحدق في كليهما اللذان لعبا لعبتهما من وراء ظهره

كيف تجرؤ كييييييف على ان تعامله كأنه ليس رجلا

انه ليس موجودا

لم تعمل له اي اعتبار

استصغر نفسه امام يحي و هي هي هي قد صغرته امام نفسه

تقول له لست رجلا

لست من ارغب

لست ما اريد

لست كفاية

تقول له ، يحي هو الرجل هو المغوار هو الحبيب ، قد فتنت به  بمظهره  يعلم تمام العلم ان يحي جميلا ، انه رجل حقيقي ، رجل محنك معرك عاش في الحياة اطول مما عاش ، يعرف مدى جاذبيته ، ومدى غموضه ، قد جذبها له و التقمها كلها ولم يترك له منها شيئا

اي شيئ

ظلت تنظر اليه حين نطق بصوت غائر حزين : مليكة اعلم انكِ كنتِ تعيشين في حي يقطنه الغرباء ،

تنظر اليه في صمت تدعه يكمل حديثه : هل يوجد هناك في ذلك الحي من هو يستطيع ان يفرق بين هذين الزوجين !

رفع الصور في وجهها ، وهي رفعت يدها الى فمها مذهولة تخرج اهة صدمة من حنجرتها كانت فاتحة عيناها من ذهولا : ماذا تقول سيد زكريا !

قال في تصميم وهو يحك رأسه بقوة : قلت اريد ان افرق بين هذين الاثنين ، هل تساعديني !

ارتبكت و جدا و احمر وجهها ، هي تعرف نعم تعرف ، هناك ساحر مغربي يقوم بكل انواع السحر ما يخطر ومالا يخطر على بال

لكنها لا تريد ان تؤذي سيدها يحي لا تريد

قام من مكانه ينظر بغضب و شزر في عينيها يشد رقبتها بقوة : هل تعرفين ام لا !

هزت رأسها بنعم رغم ان رأسها قد خالف اوامر عقلها : خذيني اليه !

خرج و لم ينتظر منها اي رد ، هي وقفت مكانها تكاد الدموع تطفر من عينيها لا تريد هذا الامر لا تحبه ولا تثق فيه ، كيف يفعل زكريا هذا في يحي كيف !

صرخ من الخارج : مليكة هياااا بسرعة

خرجت تجري الى حيث يقف ، هناك سيارته تقف ترددت هل تجري الى بيت سيدها صالح و تخبر يحي بالامر ام سيعتبرها متواطئة

لف لها حتى وصل اليها رماها في السيارة وهي ترتجف وتقول له : سيد زكريا راجع نفسك ليس هذا امرا يفرح المرء بعمله ستدمر حياتهما

رد بلؤم و حقد جلي على وجهه : وهذا ما اريده ان ادمرهما ان لا يجدا من يحبهما ان لا يجدا من يعاشرهما ان يتفرقا ان يترك كل منهما الاخر هكذا انا اريد

قطعوا كل الاحياء حتى وصلا الى هناك ، اخذت تدق الباب ، حتى فتح رجل كبير ملتح ذو ملامح شريرة و عين واحدة عوراء كان منظره مخيفا  يرتدي عباءة بنية عليها انواع عديدة من السلاسل المصنوعة من الخشب مثل المسابح تماما و في اصابعه كل اصبع به خاتم كبير الحجم فضي و على رأسه طاقية و عمامة يلفها حول الطاقية قالت له مليكة : يا شيخ .. نعم فالكل شيوخ حتى الساحر .. السيد يريد الحديث معك

رحب بهما وهو يدخل قبلهما بقامته القصيرة و جذعه الضخم  الى حيث غرفة ، كانت مظلمة ، غامقة ، روائح غريبة تعبق بها ، بخور يتطاير ، شمع في كل مكان ، جلسة ارضية و طاولة و عدة السحر التي امامه ، جلس و جلسا

لم يتردد زكريا البتة فيما يفعل بل كان الحقد يسيره الكره يقوده كالأعمى ، لا شيء سيشفي غليل الخيانة سوى ان يراهما يتألما امام عينيه !

ما اسمك سأل الساحر

فرد زكريا : زكريا

زاد البخور فطار و توهج في جمره الملتهب : ما طلبك يا زكريا

اخرج زكريا الصورتين في يده و مليكة ترتعد من خوفها و تغلق عينيها تكاد تبكي على فعلتها هذه ، لما لم تقل لا ، لما لم تهرب منه ، كيف سولت لها نفسها خيانة سيدها الذي تحب كيف !

: هذين الاثنين اريد تفريقهما

ثم زاد ما جعل مليكة تصرخ من رعبها : واريد سحر ربط جنسي له !

رفعت يدها الى حلقها وجهها مكتوم مكلوم مسود لم تتوقع ان يفعل هذا سيدمر حياة يحي سيدمرها وهي واقفة تتفرج

اخرج رزمة كبيرة من المال ورماها امام الرجل الذي اخذ الرزمة لجانبه يدسها تحت عباءته و يلتقط الصورتين وهي خرجت من المكان تاركتا اياه يخطط و يدبر و يحطم و يدمر !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...