الجزء الخامس والعشرين
كان هناك يقف لا يتحرك فقط يسرح شعره للخلف الاف المرات حتى اهترأت جبهته و تساقطت بعض الشعيرات بين يديه ، عينيه قانيتا الحمرة من شدة ما بكى ، نعم بكى وكيف لا يبكي وهو قد فقدها ربما للأبد ، كان هناك واقفا ولا زال يحدق بها هامدة جامدة لا شيء سوى انفاس بطيئة تخرج من صدر قد انتكس !
انحنى الى قدميها الباردتين يمسكهما بين كفيه و يخفض شفتيه ليقبلها في شغف وهو يأن و يهمس بأسف : آسف انا آسف يا ليتك تعلمين كم انا نادم اقسم بالله نادم ، افيقي عزيزتي تمارا افيقي وانا سأشرح لكِ كل شيء ، لا تفهميني خطأ ارجوكِ ، اخذ يهز ساقيها بود : تمارا افيقي ، تحشرج صوته بغم ماذا افعل بكِ الآن !
وقف في مكانه يتطلع من علو عليها ، بخبرته يعلم ان حالها ليس سيئا لدرجة ان ياخذها للمشفى ، فمن الواضح انه انهيار عصبي قد كان هو السبب الاول و الاخير به !
تركها في الغرفة و خرج الى الردهة يرفع هاتفه يفتش عن رقم يحي يطلبه و ينتظر منه الرد
الاخر الذي كان يتسطح على سريره و على حجره الاب توب ، يدير من خلاله الكثير من الصفقات المهمة و يرسل ايميلات هنا و هناك قبل اتصال آيدين بدقائق كان يرفع هاتفه و يتصل بموزعي شحنة العلاج الكيمياوي الذي وصل حديثا عبر الميناء يعطي الاوامر بصوته الرخيم : نعم يا عم كامل وزع حصص المستشفيات و ليدفعوا لك قبل التسليم مباشرتا على ان يكون المبلغ في البنك قبل يوم على الاكثر ، هل فهمت !
الباقي من الشحنة توزع على الصيدليات المتفق معها فقط ، نعم نعم ، حسنا اذهب الى عملك الآن اذا واجهتم اي مشكلة اتصل بي .. الى اللقاء
وفي تلك الثانية لفت نظره حركة خفيفة او طيف يقبع خلف نافذته
ترك اللاب على فراشه و تحرك بهدوء تام الى حيث ذلك الظل ، خرج بخفة الى الشرفة كي يباغت احدهم ولكنه لم يكن موجودا !
غضن جبينه و صار يقلب بصره الى الاسفل حيث كل الحركة و الحراس و الجو الهاديء تماما فلا حتى زكية كانت خارجا ، اوشكت الشمس على المغيب يرى ذلك بلونها المحمر الجميل ، صفن قليلا في اشعة الشمس التي اخذت تذوي و تنسحب من الافق رويدا ليحل محلها الظلام وهو التفت في تلك اللحظة الى حيث الشرفة المجاورة يرفع حاجبا !
في تلك اللحظة رن هاتفه رفعه ليرى انه آيدين : آيدين
الاخر الذي يدور مثل القط الحبيس يعض على نواجذه بقوة : يحي تعال على الفور !
اصاب القلق يحي الذي التفت بدوره الى داخل حجرته رفع جاكيتا خفيفا وهو لا يزال يرتدي ثيابه بالكامل ، ارتدى حذائه على عجل وهو يقول : نصف ساعة واكون عندك !
خرج مستعجلا قابل في طريقه الى الخارج والده الذي يقف على عتبات باب امه وهو يسمعها تقول بهدوء مميت بل مثير للعصبية : قلت لك اخرج ماعادت نفسي تريدك ، والله لولا هذا الصبي ما كنت رجعت !
كنت اسمع صوته وهو يترجاها، قد تباعد الصوت رويدا : ماجدة كفى جنونا فلنجلس ولنتفاهم
تركهم على ذلك الحال حين واجهته مليكة اسفل الدرج وكأن كل الدماء قد سُحبت من سحنتها فجعلتها باهتة و افقدتها جمالها ، كانت ترتعش وكأن ماءا مثلجا قد سكب عليها : سيدي اريد التحدث معك
نظر اليها في وجل وهو لا يقف : ليس الان يا مليكة عندما ارجع حسنا
تركها واقفة هناك لا تلوي على شيء سوى بضع دموع اخذت تنسكب على وجنتيها المتهدلتين حزنا لا تعرف كيف تتصرف : اللعنة اللعنة
انقلبت على عقبيها الى حيث مضجعها
اما في الاعلى من كانت قد خرجت من غرفتها على مهل ترتدي بنطالا من القماش الواسع و بودي يفصل جيدها الرقيق الجميل و شعرها الاسود يتهدل بين ردفيها معطيا اياها طاقة شبابية ترتدي في قدميها حذاءا رياضيا ابيض اللون ، اخذت تمشي في الممرات جيئة و ذهابا ، في الحقيقة تشعر بالجوع امسكت على بطنها التي تلوت و اصبحت امعائها تصدر اصواتا ، تذكر انها قد رفضت تناول الطعام مرتين من بين يدي مليكة التي وقفت على بابها كثيرا ، فآخر لقاء بينها وبين العائلة لم يكن جيدا ابدا بالنسبة لها ، هل هي ثقيلة عليهم و هل اجبرهم هو على تقبلها بينهم ، وصلت الى حيث يقف صالح ولا زال يجادل : ماجدة ماجدة قد افقدتني صبري فوالله قد يحصل ما لا تحمد عقباه نتيجة عنادك انا لم اعرفك هكذا ماذا حصل لك لما كل هذا الانقلاب !
لم تلتفت له ماجدة التي كانت تلف وجهها بفتور عنه و تولي وجهها تبرما و قلة صبر : يا الهي لقد فجرت لي رأسي اخرج اذا سمحت و اغلق الباب خلفك ، في تلك اللحظة رأت خيال الفتاة التي جلبها يحي فقامت على عجل و تخطت خيال زوجها الواقف كالابله ينظر اليها وهي كأنها لا تراه : ديالا يا عزيزتي هل تريدين شيئا
احمر وجه ديالا بالخجل و هي تحني رأسها فيقع الشعر على وجهها يخبأه عن ماجدة ، محرجة جدا كانت : آ اريد النزول
هزت ماجدة رأسها تفهما : حسنا يا ابنتي يمكنك الاكل في المطبخ في الاسفل و كذلك ان رغبتي الخروج الى الحديقة ففيها ما سيسر خاطرك ، في الجهة الخلفية ستجدين خيمة كبيرة بإمكانك ايضا الجلوس فيها ان رغبتِ
رفعت رأسها ممتنة وهي تدور بناظريها : شكرا لك يا عمتي ، سأنزل و انظر ما علي فعله
تابعت مشيها و هي تسمع صالح يعاتب ماجدة على تجاهلها له
في طريقها قابلت صبا صاعدة للأعلى تبدو شاحبة و متعبة بل تلهث كعجوز مسنة تصعد السلالم غضنت جبينها تريد أن تسأل حين اوقفتها صبا اولا : ديالا ، اخيرا خرجتِ من عزلتك ، صعدت درجة حتى صارت تقابل وجه ديالا الفتي : عزيزتي اعتبري البيت بيتك تصرفي كما تحبين ، لدينا حمام سباحة و حجرة للألعاب الالكترونية ان أحببت يوما ان تلعبي لا تعتبري نفسك غريبة فنحن مثل أهلك ثم ابتسمت بلطف في وجهها
ندت عن شفتي ديالا ابتسامة باهتة و هي تشكرها بصوت بالكاد يسمع : شكرا لكِ
لو كانت الفرصة سانحة لسألت صبا عما بها ولما تبدو متعبة ، فهي لم تصادقهم ولا تعرف اذا ما كان احدهم سيسر لها بما في نفسه هي الجديدة عليهم !
تخطتها صبا و تابعت هي نزولها
وصلت الى الاسفل ، كان كبر البيت غير معقول بالنسبة لها ، الممرات و التفرعات كثيرة ولكنها غير مملة و البيت فخم و رائع ترى باقات الزهور المتوزعة بين الفازات و التحف الكبيرة و الصغيرة و الاثاث الجميل الفخم المتفرد في نوعه ، اتخذت طريقا قد يؤدي بها الى المطبخ ، ابتسمت عندما كان تخمينها صحيحا ولجت وفتحت عينيها عن اخرهما ، يا الهي هذا ليس مطبخا ، هذا ملعبا !
وكأن المساحة خصصت لاربع مطابخ دفعة واحدة في كل ركن مطبخ منفصل عن الاخر ينافس اخاه في الجمال و الفخامة ، لم يكن هناك احدا فالكل منذ العصر ذهب الى غرفته و تعتقد انه وقت العشاء سيجهز و ينزلون لتناول الطعام ، فتحت الثلاجة و تناولت منها بعض الجبن و الخيار و الطماطم و اغلقت الثلاجة ثم بحثت عن الخبز حتى وجدته في علبة كبيرة اخذت قطعة و عبأتها بالجبن ثم اخذت تقضمها في تلك اللحظة دخلت خادمة كبيرة قليلا في السن ابتسمت في وجهها : لو اكلتي طعامك اليوم الم يكن افضل لكِ من هذا الجفاف
امكست بها من عضدها تجرها اليها و ديالا مستغربة فعل تلك الكبيرة التي وقفت بها امام العديد من الطناجر و فتحتها امام عينيها : هنا كل ما تحبه نفسك اللحم والدجاج و المعكرونة و الشوربة اذا اردتي
ردت عليها بكل هدوء وهي تهز رأسها : شكرا لك ولكن الان تكفيني هذه اللقمة
: اذا اردت شيئا من المطبخ فقط ارفعي الهاتف و اطلبي كل ما تريدين حسنا
هزت رأسها موافقتا ثم قالت لها في ود : سأخرج الان اريد التنفس سأذهب الى حيث قالت لي السيدة الكبيرة الى الخيمة خلف البيت !
رفعت المرأة حاجبها : رائع جدا باستطاعتك اشعال النار اليس كذلك !
اشارت برأسها وهي تقضم لقمة اخرى تمضغها على مهل : اعرف اعرف كيف اشعل نارا لا تقلقي سأتسلى وان حصل شيء سأطلب المساعدة الى اللقاء
في تلك الاثناء كان يحي قد وصل الى آيدين الذي وكأنه كان ينتظر خلف الباب فتحه على عجل : يا الهي كدت اموت من الانتظار
دخل يحي متعجبا الوجه الذي يراه ، خليطا من التشائم و الكمد !
وقفا عند الباب عندما أخذ آيدين يتكلم بكل ما حصل : تبا اللعنة قد اتصل بي زكريا اليوم وقال ان زوجته قد خطفها ايميل وانا ارد عليه ولم انتبه بتاتا انها بجانبي او قد نسيت للحظات من هو ايميل بالنسبة لها ، وجدتها قد تشنجت و انهارت
تبا يا يحي اللعنة
التفت في مكانه مثل المجنون يضرب الجدار بقبضته حتى كاد ان يتصدع ، يحي الذي وقف مشدوها يهز رأسه يريد ان يفهم ان كل ما سمعه حقيقة : مهلا مهلا ، زكريا تزوج ، متى !
دخل آيدين غاضبا و دخل الاخر خلفه : ماذا افعل الان في تماارا الهامدة بالداخل انا لن اخذها الى المستشفى ، اليوم ليلا علي ان ابدأ السفر الى الحدود كي آخذ شقيقك !
وضع يحي يدا في جيب بنطاله متوترا : كيف وصل ايميل لزكريا
التفت له
آيدين وعلى وجهه امارات التعجب و الحقد : لا اعرف لا اعرف قال لي انه في المانيا
وانه في المستشفى منذ شهور بسبب ايميل الذي حطم حياته و اخذ زوجته منه وهو لا يعرف
كيف يتصرف
ضرب على صدره بقوة و جهه محتقن بالاحمرار : انه يتهمني انا بكل ما حصل له قال ان ايميل يبحث عني انا ووجده هو وهذه رسالة من ايميل لي
اخ يا الهي لا اعرف كيف سأترك تمارا على هذا الحال الآن انه يقول يريد الدعم وعلينا ان نسافر له
جلس يحي مفكرا خافضا للرأس وهو يهزه بهوينة : انا لن اساعد زكريا في اي شيء باستطاعة ايميل ان يقتله حتى ، انا لا اهتم !
نظر اليه آيدين متفاجئا : هذا ليس عهدي بك يا ابن عمي لا والله ، ظننتك ستضرب على صدرك وتقول ابن عمي عظم رقبتي وانا سأحمل على عاتقي حمايته اعلم ان لك العديد من الصلات في اوروبا
رفع يحي رأسه في اسى ، هو لم ينسى ابدا كل ما فعله زكريا به ، كل ما دمره زكريا به ، كل ما لم يستطع ان يلمسه في غاليته قد سرقه منه زكريا ، كيف يريد منه الان ان يمد له اليد التي قطعها يوما كيف ؟!
نزل آيدين الى مستواه : يحي الامر لا يخص زكريا ابدا بعد اليوم ، الامر يخص كل العائلة ، هل سنجعل ايميل يتحكم في حياتنا و ان يشعرنا بالخوف منه وان علينا ان لا نتخطى حدود اوروبا والا انه سيقتلنا واحدا بعد الاخر !
ايميل يبحث عني انا وليس زكريا ، لا ذنب لزكريا في كل ما حصل وهو الان يعاني مما نحن فعلناه ، نحن من تعامل مع ايميل وليس زكريا وانا لن اجعل زكريا يدفع الثمن !
هز ركبة يحي الذي كان يحدق به وعيناه محمرتان بشدة فكل حرف من اسم زكريا يطعن روحه و يهشم فؤاده فكيف اذا رآه تارة اخرى كيف !
ارتد الى المقعد رافعا رأسه ناظرا الى السقف والاخر يتابع : عندما نرجع انا و شعيب سأسافر الى المانيا وليقتلني ايميل ان اراد !
وقف كالمارد هناك حين كان يحي ينظر اليه وتقابلت نظراتهما بتحدٍ حسن قال : ومن قال انني سأفرط فيك انت اقرب ابناء عمي الى نفسي لن اترك ايميل يفعل ما يشاء معك !
ابتسم آيدين بمكر : اذأ ماذا ستفعل ؟!
تنهد يحي بتؤدة وهو يعد على اصابعه : هناك ياسر و جماعته في شتوكهولم ، وهناك المهدي في تركيا و لدي عصام و جماعته في هامبورج ، الكل يعرف بعضه البعض لن يكون صعبا ان نجد ايميل من خلالهم و لكن هذه المرة يا آيدين يجب ان نتخلص كلية منه ، يجب ان نقتل ايميل !
هز آيدين رأسه موافقا ثم نظر الى ساعته وقال : بعد ساعتين على الاقل سأبدأ رحلتي ولا يجب ان اترك تمارا وحيدة
اقترح عليه بهدوء وهو يعلم انه سيغضب : لما لا تتصل بخالها !
فتح آيدين عينيه برعب حتى عندما خرج صوته خرج متحشرجا كأنه مشقوق بسكين : لا الّا خالها ان علم بحالها لن استطيع ارجاعها ابدا، الان ليس لدي اي حجة !
حسنا اذن انتظر ، اخرج يحي هاتفه من جيبه وهو يطلب رقما و يرفع صوت المكبر ثم همس لآيدين ، انها سُكينة كلمها ، مد الهاتف في يد آيدين المرتبك الذي يستمع لنغمات الرنة حتى جاءه صوت حلو هاديء جميل : نعم
سرّح حنجرته قبل ان يرد عليها ، فهو في حياته لم يعد يتعامل مع عائلة عمه سعيد ، منذ ان هجرته المجدلية ، فالجدار الذي بينهم جد عال و جد سميك ولم يرد في حياته ان يتخطاه قال بصوت مبحوح وهو ينظر الى عيني يحي معاتبا : آه سُكينة انا آيدين
الاخرى التي كانت تطلي اظافرها باللون القرمزي و ترفعهم الى شفتيها تنفخ عليهم ترد مستغربة : آيدين اهلا اهلا
رفع حاجبه : سكينة اريد ان اطلب منكِ طلبا
تابعت طلي الاظافر غير مكترثة : تفضل سيد آيدين ماذا تريد منذ زمن لم نرك ولم نسمع صوتك !
كانت هازئة وهو احمر من الاحراج حتى رفع يده الى شعره يشده الى الخلف بتوتر : سكينة اريد ان تأتي الى البيت زوجتي مريضة
تركت الطلاء من يدها : يا الهي وهل لحقت ، ارى انك لم تضيع وقتك !
اغلق عينيه و نفخ انفه بصبر يعرف تماما ماذا تقصد حين سمعها تردف : قتلت اختها وتريد ان تقتلها الان ، اهنئك ، حمدا لله ان اختي افتكت نفسها من بين براثنك ايها الافعى !
انشقت شفتا يحي عن ضحكة اخفاها في صدره والاخر شعر بالحنق وهو يسمعها كيف تستهزأ به فقال غاضبا بصوت يرجفها : هل تأتين لتبقي معها حتى حين او لا ، لا اريد ان اسمع منك المزيد !
التفتت حولها تحسب في عقلها كيف تنظم الفوضى التي حولها في دقائق ، تتحمم ، تجمل نفسها و شعرها ، لا يظن حقا انها ستلبس عباءة و تخرج راكضة له في هذا الوقت : حسنا اعطني ساعة او ساعتين سآتي و اجلب معي الدعم ، ولا تكلمني بهذه الطريقة بعد الآن حسنا ,,
غضن جبينه بحيرة ناطقا : دعم
هزت رأسها : سأجلب معي ياسين اذا امكن حسنا ، اقصد ما مدى مرض زوجتك !
قال في هدوء : عندما تأتي سأقول لكِ لا اريد ان اروي تفاصيلا على الهاتف حسنا
بلعت ريقها : حسنا ، الى اللقاء و اغلقت الهاتف في وجهه
مد الهاتف الى يد يحي الذي كان جد متسليا بهذه المكالمة : غريبة هي هذه الفتاة !
جلسا كل منهما يخطط و يدبر في عقله ماذا سيفعل في الايام القادمة ، هذا الامر يجب ان يكون طي الكتمان بينهما فقط !
اما عن ناجية التي اختبرت يوما شاقا مع حماتها
حين دقت الباب وهي تتوقع احد الصغار يركض اليها كي يفتح لها وتتلقفه بوله بين احضانها ، فقلبها كان يرقص خوفا ، ترتعش اصابعها و توتر لها عقلها ، وكان والدها يجلس في سيارته ينتظر ان يفتح احدهم الباب ، طال الوقت الى حين ان تكلم : ناجية ربما هم ليسوا هنا
التفتت الى والدها تلتمع اهدابها من الدموع : الى اين يا ابي ستأخذهم على حد علمي علاقاتها باخوتها غير جيدة و لن يتحمل احد الاولاد
ضربت على فخذيها ببؤس وهي تكاد تفقد الامل حين سمعت قفل الباب الذي فتح بشيء بسيط ترى عينين منتفختين حمراوين استشاطتا غضبا حين رات وجه ناجية رفعت صوتها بحقد : ماذا تريدين ايتها الحقيرة الم يكفي انكِ دمرت ابني و حرمتني منه
حاولت ناجية دفع الباب و الدخول و لكن الاخرى دفعته ايضا من جهتها : افتحي يا عمتي دعينا نتفاهم ، انا اريد ان اخذ الاولاد
صرخت تلك صرخة كمن يخرجون روحها منها ، صرخة تريد منها لكل العالم ان يسمعها ، صرخة فجعت الواقفة امام الباب ووالدها الجالس في السيارة : تريدين خطف اولاد ابني ايتها الساقطة اذهبي اذهبي لا اريد ان ارى سحنتك في حياتي تحلمين ان اعطيك الاولاد بعد ان اخذتي مني ابني
حاولت ان تكون متعقلة لا تريد اثارة فضيحة اخرى بعد ان لفت وجودها عند الباب عدة انظار : عمتي ارجوك افتحي و لتهدأي قليلا ولا داع للتسرع ، رؤوف زوجي كما هو ابنك
صرخت تلك : لقد طلقكك لم يعد زوجك يا فاجرة اذهبي الى ذلك الحقير الذي كنتِ معه
حسنا الان طفح الكيل وهي تنظر الى والدها الذي تركها تتصرف لوحدها مع عمتها لأنه يظن ان نزل لها سيدعسها بين قدميه على تطاولها عليهم بهذه الطريقة البشعة ، فما هكذا تحل الامور بين الاهل يا ام رؤوف ما هكذا ابدا
دفعت ناجية الباب دفعة جعلت منها عمتها تتحدرج على الارض ، دخلت وهي تحذرها وتفتح فيها عينيها : اصمتي لقد زودتها كثيرا وانا لم اعد احتمل هذا التعدي ولا الاتهام الحقير الذي الفته من رأسك علي
كانت الاخرى تتألم على الارض من وقعتها وهي تولول : يا بنت الكلب اهذا ما علمك اهلك تضربيني ، رفعت ناجية رأسها بصبر غير مصدقة : انا لم اضربك ولكن ان احتاج الامر سأفعلها صدقيني قد طفح كيلي منكِ
غضبت منها غضبا شديدا وهي تصعد الدرجات وتقول : ان سمعت منكِ حرفا او صرختِ هذه المرة سأكمم فمك و احبسك في الحمام
خافت ام رؤوف وخاصتا انها وحدها هنا ولكنها حلفت ايمانا معظمة ان ناجية ستدفع الثمن غاليا وانها ان كانت قد قطعت صلتها بشقيقها علي فهذه المرة ستجلس عند ساقيه فقط كي يأخذ بثأرها منهم جميعا !
حين دخلت على اولادها ،، جنى و تميم و سالي ،، كانوا يجلسون مقابل التلفاز وامامهم علبة بسكويت و علبة تشيبس و فاكهة مقطعة و حتى انهم يلمعون من النظافة قالت في سرها : حسنا هذا شيء يحسب لكِ يا عمتي
حين فطن الاولاد الى الظل الذي وقع فوقهم التفتوا جميعا ، تطلب الامر منهم هنيهة حتى استوعبوا وجود امهم التي اخذت تبكي بحسرة وهي تهجم على اجسادهم واحدا بعد الاخر : يا الله ما اجملكم
اخذ الثلاثة يقفزون من فرحتهم وهم يحضنونها بحب و يصرخون : امي عادت امي عادت
امسكت بأطرافهم وهي تقول تعالوا لننزل جدكم في الخارج ينتظر
امسكت بأطرافهم وكأن العالم كله بين يديها هذه اللحظة ، هؤلاء ابناء الرحم ابناء الروح و قطعة من القلب كان قلبها يخفق بمحبة و ابتسامة سرور تزين شفتيها و هي تنزل الدرج وهناك حيث عمتها اسفل الدرج تحدجها بنظرات شيطانية : افعلي ما يطيب لكِ ستدفعين ثمن كل شيء
دفعت الاولاد الى حيث السيارة عند والدها الذي كان واقفا ينتظر عندما رأى الاولاد طار فرحا وهو يحملهم الى الاعلى واحدا بعد الاخر يقبلهم و يحضنهم و يتكلم معهم ، وهي رجعت الى الداخل تحاول ان تهدأ نفسها وان تهدأ عمتها ايضا : عمتي ارجوكِ لا تشعلي بيننا حربا ، الاولاد سيبقون معي طالما والدهم غائبا وانتِ عندما تريدين تستطيعين المجيء لرؤيتهم فأنا لن احرمكِ منهم !
ولكن الاخرى كانت قد عبأت قلبها بالغل و تريد فقط التشفي وعيناها تلتمعان بالمكر : ان عتبت رجلك هذه الدار ثانيتا حتى ان عاد رؤوف سأقطعها لكِ
اغمضت ناجية عيناها في عجب على ما يبدو ان عمتها لن تتنازل و تريد حربا مفتوحة !
تركتها وخرجت حتى بدون سلام جلست مع اولادها في الخلف تكمل قبلاتها و احتضانها لهم وهي تفكر يا ترى ماذا يحصل مع والدهم !
في تلك الاثناء قبلها كان سعيد قد ارسل المنذر الى حيث معتقل رؤوف و أوس الذين سجنا قبالة بعضهما البعض وجها لوجه
دخل المنذر بأمر من أمين السجن الذي كان صديقا مقربا من المؤيد الى حيث الزنزانة التي فيها الاثنان
عندما فتح الباب استقبلته رائحة نتنة رفع على اثرها قميصه الى انفه وهو يغضن جبينه و يضيق عينيه ، الظلام هنا حالك و الرائحة لا تحتمل و المكان ضيق ، لا شبابيك ولا دورة مياه هناك زاوية ليقضي فيها الاثنان حاجتهما فيها بلا ماء ولا وضوء والجدران متعفنة والرطوبة لوحدها قد تقتلك !
دخل بطوله وهو ينظر اليهما ، قد نمت اللحى و طالت و قد تمزقت ثيابهما و قد تغير لون وجهيهما نظرا اليه حين قفز رؤوف وكأن طاقة الفرج قد انفتحت له : منذر
ولكن منذر كان مثل اخوته حاقدا ناقما لا شفقة ولا رحمة في قلبه ولا عينيه ، ابتسم ابتسامة ماكرة جانبية وهو يهزأ من حال رؤوف : هل يعجبك وضعك الان ، هل يعجبك انك خربت حياتك بتهورك !
ثم نظر الى اوس الذي كان مطأطأ الرأس خجلانا : ايعجبك ان تكون وجها لوجه مع غريمك اربع وعشرين ساعة !
امسك رؤوف بعضده وهو يلفه لناحيته يرى وجهه : منذر عليك ان تخرجني من هنا فأنا بريء والله بريء انا اشتاق لأولادي واشتاق لناجية
كانت دموع البراءة و الذل هما من يلمعا في عيني رؤوف الذي ذبل وجهه و ابيضت شفتاه و تهدل كتفاه و ضمرت عضلاته فصار كجلد على عظم لقلة ما يأكل و يشرب
كان ينظر بلهفة الى رد المنذر الذي انحنى على ركبتيه الى جانب اوس دفع بكفه الى ذقن اوس يرفعه فلا يرى سوى المذلة والاهانة : تدرك ان هذا مصير من يعبث بشرف عائلة زكريا ، ان خرج رؤوف من هنا يا اوس لن تخرج انت الا الى المقبرة ، فحسابك جد عسير ايها الحقير ، ثم مسح اوس وجهه بعد ان بصق عليه منذر بكل حقد يملكه !
تمتعا بالوقت سوية فربما لن تريا بعضكما للأبد ، ودعا الصداقة التي جمعتكما و دمرتها انت برعونتك ، احدكما سيرى النور مجددا والآخر سيخرج الى ظلمة القبور !
قال كلماته بفحيح كالأفعى ثم قام على حيله و اعطاهما ظهره وقال قبل ان يخرج : بريء عِرض اختي عند صديقك يا اوس برأه!
بعدها كانت سكينة قد وصلت في كامل اناقتها و جمالها ، لا تهتم كثيرا بوضع الحجاب فوق رأسها فهو يتدلى منها الى كتفيها و يظهر جمال شعرها اللامع الذي صبغته مؤخرا بلون نحاسي يخطف الابصار من شدة لمعانه و حلاوته على وجهها ، لم تكن تتوقع البتة ان ترى يحي الذي كان جالسا في الداخل يدخن سيجارته على مهل واطفأها وهو يسحقها في المطفأة رفعت حاجبها تسليا وشبح ابتسامة حب يلوح بين شفتيها ، تشكر الله انها قد تزينت فأحسنت الزينة و تعطرت و احسنت اختيار العطر و لبست فأحسنت اللباس ، هي هنا بكل طاقتها الايجابية و حلاوتها امام ناظريه وهو صار يقيمها من ساقيها المكشوفتين البيضاوين وحتى قمة شعرها النحاسي اللماع كيف تبدو هكذا لا يفهم ، دخل خلفها اخوها ياسين الارعن الذي قال على عجل : اهلا اهلا بابناء عمي يا مرحبا
اخذ يسلم بسرعة ثم جلس على الاريكة وهو يرفع جهاز التلفزيون ويقول : هناك فيلم رائع لولا سكينة ما كنت قطعته ثم جلس منسجما مع احداث الفيلم المسمى red sparrow
اما آيدين الذي نظر اليها وهي حقا قد تغيرت كثيرا ، نضجت سكينة واصبحت امرأة ، تغيرت ملامحها وازدادت جمالا ربما مثل جمال المجدلية او ما يزيد لم يعد يذكر ولكنها ملفتة حقا للأنظار ، نطقت وهي تضع يد فوق يد وتميل بخصرها : اذن انت حقا لعنة يا ابن عمي!
قالت جملتها وارادت الالتفاف الى حيث ذاك الفحل الذي يجلس ينظر اليها بعينين ضيقتين متسليتين وهو يشعل سيجارا آخر يلمع بين شفتيه فبدا لها شديد الجذابية ، امسك آيدين بعضدها حتى التفتت الى عينيه متعجبة حركته تلك : ماذا قلتِ !
فتحت عيناها في ذهول : ماذا ؟!!
اشار الى نفسه متعجبا : انا لعنة !
قابلته حتى كاد وجهيهما يتلامسان : لا تسمح لنفسك ابدا ان تمسكني مرة اخرى بهذه الطريقة والا كسرت لك ذراعك !
ترك عضدها و تأخر خطوة وهو يرفع يديه للأعلى هازئا : آسف
القت نظرة اخرى الى حيث يجلس حبيبها الصامت ترتعش معدتها وتشعر بالاثارة لمجرد ان تراه ينظر اليها هكذا !
ارتبكت واحمر وجهها وهي تستدرك : حسنا ماذا حصل ؟!!
جلس آيدين هو الآخر بجانب يحي وهو يرفع رأسه لها في هم : تمارا راقدة في السرير اعتقد انها نوبة عصبية اريدك ان تبقي معها حتى ارجع من سفري
تقدمت بخطواتها وكل خطوة دقة قلب ، يشعر بقلبه يذوب تحت حذائها الرقيق يعبره عطرها كمسافر في رحلة ، يسحره ثغرها المتزين كالعقيق
انشغل بدخانه الذي استنشقته و تلذذت به ايما لذه
في حين كانت هي تريد تفاصيل اكثر فهذا الامر من المحتم ان يعجب شقيقتها المجدلية ان علمت انه حتى هو لا يهنأ بعيشه مع زوجته
: والى متى سأبقى فأنا ايضا لدي مواعيد و امور اخرى !
اجابها وهو يمشط شعره بيديه : ربما ثلاث الى اربع ايام لا ادري تماما !
هزت رأسها راضية وهي تهمهم : هممم حسنا لا بأس فأكثر من اسبوع لن استطيع البقاء ربما ايضا سأستعين بالممرضة التي تخدم شقيقك هارون !
خفق قلبه خفقة واحدة ، خفقة صدمة ، خفقة قد تخرج الروح من صياصيها ، هارون ، ذلك الاسم الحبيب الذي هجره منذ عام النكسة ، هارون الذي اصبح تاريخا منسيا !
ياااااااه يا الله كيف ترجعه هكذا بكل برود الى كل شيء ببساطة كذكر اسمه كيف !
ابتلع ريقه على مضض وهو مسود الوجه : افعلي ما ترغبين فقط لا تعطيها اي ادوية من رأسك !
نظر الى ساعته ثم قال ، الان علي التوجه الى العاصمة ، يشعر بالتشتت وعدم الراحة ، ان كل شيء يسير بعكس ما توقع وما يخطط ، كل شيء يغرق في الفوضى !
امسك بحقيبة ظهره الصغيرة اطلق عليهم السلام وخرج !
وهنا بقيا وجها لوجه هي شديدة التوتر وهو شديد الهدوء جدا ، هدوء لم تعرفه به سابقا ، شتتت نظرها بين اخوها المندمج مع الفيلم الذي يشاهده حين القت نظرة الى ما يشاهد رأت ما وقع منه قلبها كانت امرأة شبه عارية تُرمى على السرير و تتعرض لعملية اغتصاب ، صارت تنظر بدهشة و فجع في نفس الوقت الى وجه شقيقها المتحمس ، ثم الى وجه يحي الذي لم يلقِ بالا الى حرجها ولا الى ما يسمع من اصوات وحوار في التلفاز بل اطفأ سيجاره ببطء ثم قام من مكانه وهي تنظر اليه ورأسها منحنى الى فوق ترى ملامحه التي تعشقها حين نظر الى عينيها يشير برأسه لها ان تتبعه
خرج من الغرفة و اتجه الى الباب هناك حين لحقت به وقلبها يلحق بها راكضا لاهثا من شدة ما يلاقي من وله !
لهفة هي من كانت تسيرها ، يرفع يده ويشد عضدها حتى طرق صدرها صدره والتصقت به وهو يهبط الى مستوى وجهها يهمس لها : هل تتساهلين مع كل الرجال هكذا !
كان يحذرها من لعبها ، الا يكفي انه اصبح يهتم لامرها بل ربما ايضا مهووسا بلقياها كل مرة ، لا يحب ان يلهو ، لا يريدها للعبث
همست عند شفتيه : تغار
كانت مصدومة من هذا الاستنتاج الذي صرخت به عيناه ، صدمة رفرف منها قلبها ، اذا وصل يحي لمرحلة الغيرة يعني انه يحبها
ولكنها لا تعرف انه عندما يصل يحي لمرحلة الغيرة يصبح حبه مميتا !
رفعت كفها الى خده وهي مشدوهة الى عينيه تبحث فيهما عن صورتها ، تبحث عن اجابة ، هل هو يغار عليها ! ام انه غيرة الاقارب ليس غير !
ضغطت على خده قليلا تدفعه للاجابة : هل ... تغاااار !
نظر الى قمة شعرها اللامع الذي يجذبه بنعومته و عطره او هو رائحة الشامبو الذي تستخدمه لا يعلم لكنه يحرك مشاعر اللذة في جوفه : متى غيرتي لون شعرك !
: البارحة
انتفخ صدره من شدة ما يعاني من شوق ، لا يريد ان يخطأ مرة اخرى ، لا يريد ان يتخذها زوجة هي الاخرى فوق زهرة !
يريد ان يحفظ حدود العمومة التي بينهما ، يريد ان يتحكم في هذه العلاقة الغريبة التي اصبحت تتغلغل فيه حتى تكاد تحتله كله ، يجب حل مشكلة زهرة اولا ثم حل مشكلة غالية ثم سكينة ، ، ان يضع حدا لكل تضاده لكل مشكلاته المتداخلة
ترك عضدها وحررها منه وابتعد خطوة للخلف : انتبهي لنفسك و لتمارا ..
فتح الباب وخرج وتركها هي هناك تغرق في عرقها وفي وجدها الذي غلبها حتى انطلقت دمعة شقية من عينيها تتدحرج كاللؤلؤ حينها سمعت صوت شقيقها : سكينة اعطني كأس كولا ويا حبذا لو هناك بعض الشيبس و الشكولا !
في طريقه الى الخارج تلقى اتصالا من شقيقه : يحي اريدك ان تذهب الى نجلاء و تعطها الهاتف اريد التحدث معها !
فأجابه بقلق : الم تتأخر قليلا لعمل هذه الخطوة ، كان يجب ان تتصل بها منذ فترة وليس الان !
الآن هو يقضي آخر ساعات له في باريس ، رتب الحقيبة الصغيرة التي شملت كل شيء يخصهم لا يريد ان يحمل اكثر مما يريد ، اما عن والدها فسيبقى لثلاثة اشهر في باريس حتى موعد رجوعه للأرض التي يرغب في الرجوع اليها فلديه ما يكفي من المال ثم صرف له خادمة سيدة عجوز لترتب له حياته !
في تلك الاثناء القى نظرة الى المرأة التي سترحل معه الى دياره ، الى تلك التي سلبته حياتا يوما وها هو اليوم يرجعها الى عصمته بالقوة ينام بجانبها جسده الصغير الذي تعود على رؤيته هذه الايام ، كان قد اشترى له بعض الالعاب ووجده منسجما محبا لما يفعل خاصتا بألعاب التركيب التي كان يتقنها على سنه الصغير ذاك ، لاحظ ان الطفل يجلس مؤدبا على مائدة الطعام يأكل و يجلس منتظرا حتى ينتهي الجميع من اكله حتى تنفض المائدة ، لاحظ انه لا يحب الجلوس ومشاهدة الكارتون كما يفعل الاطفال في سنه ، ولكنه مع ذلك لم يدقق حتى الان في ملامح وجهه ، هو يرى وجه صغير ابيض دائري ويسمع صوتا رقيقا غير ذلك حتى الان يتجنب التعاطي معه او ملامسته !
اما هي فصارت تنام حزينة ، لا تكف عن الدمع ، لا تكف عن نظرة التأنيب التي ترمقه بها ، ذنبه ..هو ذنبه كل ما يحصل معها ، و انفصالها عن والدها وهو في هذا العمر هو خيانة !
كان ينتظر مكالمة من اخيه الذي استغرق وقتا كي يصل الى بوابات القصر التي فتحت له على مصراعيها ، كان الظلام يغمر المكان سوى من بعض لمبات اضاءة على طول الطريق بين الاشجار ، عندما وصل وفتحت له الخادمة الباب الرئيسي دخل و اتجه الى حيث الجناح الذي تقطن به نجلا
هناك وقف وهو يطرق الباب : نجلا انا يحي افتحي فلديك مكالمة من شعيب !
كان يتصل بشقيقه الذي فتح على الفور و انتظر على لهيب الشوق ان ترد عليه ، ان تخاطبه من جديد وان تعاتبه وان يسمع بحة صوتها الشجي يسمع صوت طرقات اخاه على الباب : نجلا افتحي الباب لو سمحتي
طال انتظاره حين رفع الهاتف الى اذنه : لا ادري ربما نامت او لا تريد ان تفتح
فرد عليه بجمود : حاول ثانيتا لابد ان تفتح
هنا حاول ان يفتح الباب فلم يستطع : شعيب الباب مغلق من الداخل
اغمض عينيه لهنيهة : يحي خذ مفتاحا بديلا
اتجه يحي الى المكتب الكبير الذي يحمل مفاتيحه وهناك في احدى الخزانات كانت علاقة المفاتيح التي يتدلى منها عدة انواع و اشكال اخذ احدها و اتجه من فوره الى الغرفة هنا حيث قال متضايقا : تعرف ، لا احب كل هذا ، تريدني ان اقتحم عليها خلوتها ، لا احب ذلك لا احب !
: حسنا اطرق عليها مرة اخرى فان لم تفتح افتح انت الباب
مد يحي يده و طرق عدة مرات وهو ينادي عليها ولكنها لم تجب
وفي تلك الفينة وضع المفتاح في الباب و فتحه ، الهدوء التام هو ما كان مسيطرا على المكان ، رائحة عطرَة و ظلام
ارتبك وهو يغمض عينيه هو لا يطيق ما يفعل مرتبك كان
فتح الاضاءة و اخذ يقلب بصره في المكان ، هاديء تماما لا حركة ، توجه الى حيث غرفة النوم و فتح الاضاءة وهناك ايضا كان لا شيء ، الفراش مرتب كان احد لم يمسسه ، تحركت ساقاه بسرعة وهو يبحث بين الابواب وبين الغرف عندما قال لشقيقه لاهثا : اخشى انها ليست هنا
وقف الاخر مفجوعا فاتحا عينيه : كيف ماذا تقول
اقول لك انها ليست في الجناح ربما في مكان اخر في القصر
اخذ قلبه يدق بسرعة عجيبة : يحي ابحث عنها في كل مكان
:دق يحي جرس الانذار في القصر وفتح الاضاءة حتى هاج القصر وماج جاءت الخادمات يجرين اليه في هلع اجتمع الجميع صفا واحدا امامه سألهم : أين السيدة نجلاء
اخذ الجميع يهز رأسه : لا نعلم
امرهم بحسم : فتشوا عنها
انطلقت الارجل تعبر القصر جيئة وذهابا فتشوا في كل بقعة وفي كل خرم ولم يجدوها : شعيب لم نجدها ابدا
خرج على فوره جمع الحراس : هل خرجت السيدة من القصر من رآها
فردوا عليه : لا يا سيدي لم نرها فهي لم تخرج ابدا من القصر
كاد ان يحطم الجهاز بين يديه: شعيب لم نجدها
امر الحراس : اشعلوا الاضاءه في الحديقة وفتشوا عنها في كل مكان
الاخر الذي كان يغلي وكأن الدماء تجري في عروقه بعكس مسارها ، كان رأسه دائخا وكان يتحمر على لهيب الغضى اسود وجهه واحمرت عيناه كيف كيف اين ذهبت : يحي اتصل باهلها اسأل عنها
حين عارضه يحي قائلا : لا اعتقد انه في هذا الوقت يجب ان نفتح عين اهلها عليها وعلى ما يحصل معها ، تريث قليلا يا اخي لا تاخذك العجلة بالندامة !
تنفس الصعداء وهو يحاول ان يفكر : يحي نجلاء لا زالت في القصر ابحثوا عنها جيدا لابد ان تجدها
دخل مجددا الى القصر كمن يركض وينادي : ها ماذا حصل هل وجدتموها
كان الجميع مرتبكا فقالت كبيرة الخدم : يا سيدي هي حتى رفضت ان تأكل كانت طوال الوقت في الجناح لم تخرج منه ابدا ولا ندري ماذا كانت تفعل في اوقات فراغها فلم يطلب منا مراقبتها !
عبس بعينيه : اريد كل رقعة صغيرة وكبيرة في القصر ان تفتش شبرا شبرا هل فهمتن
خرج مسرعا الى حيث غرفة المراقبة التي فتحها بكل عنف وهو لا ينتوي خيرا فواجه ايوب الذي يراقب الكاميرات بكل حذر ، كل شيء مفتوح امامه : ايوب فتش لي عمن خرج الى الحديقة اليوم او كل يوم لا اعرف
اخذ ايوب يراجع السجلات وتحركات الداخل والخارج من كل ابواب القصر حتى وجدوها هناك في البعيد جدا خلف القصر عند اصطبلات الخيل تقف عند البوابة الخلفية تدور في المكان ثم ترجع الى القصر كما رصدتها الكاميرات ، لم يكن ليظهر منها شيئا فهي كانت ترتدي جلبابها الاسود و خمارها ، اما عن كاميرات اليوم لم تسجل لها اي تحركات خارج القصر !
رفع الهاتف الى اذنه الى الاخر الذي جلس لم يعد قادرا على الوقوف وهو يضغط على عينيه بأصابعه حتى يكاد يخرجهما من محجريهما لشدة غضبه : هل سمعت
اجاب : سمعت سمعت
اغلق الهاتف في وجه يحي ووقف عند الشرفة فتحها وخرج الى حيث الهواء البارد اخذ يدلف الى اذنيه يحدث فيهما عاصفة وصفيرا ضم قبضته بغل : قسما ستعاقبين اشد العقاب على فعلتك هذه يا نجلا !
اما يحي فقد صار ينظر مغموما الى هاتفه و رفع بصره الى كل الارجاء يهز رأسه اسفا : لما دفعتها الى الهروب يا اخي لما !!
ركب سيارته وتوجه الى البيت كان الشارع شبه فارغ بضع رجال يقفون في مجموعات هنا وهناك وبعض المحلات لازالت مفتوحة لم تمت الحركة كليا في الشارع وهو يحك رأسه ويستند بمرفقه على نافذة السيارة المشرعة التي تدخل الى رئتيه هواء رائقا محملا بعشقه لهذه المدينة ، في حين ان الكل يتمنى الهرب منها و التوجه شمالا الى اوروبا ، في حين الكل صار يهابها و يخافها ، في حين انها احتلت من العصابات ، ولكنها تجري في دمه ، يحبها كحبه لأمه تماما ، لا يشعر بوجدانه سوى بين شوارعها و لا يرتاح الا اذا شم عبقها ، ولا يشعر بالوجد الا اذا احب نسائها ، هي هكذا بكل بساطة !
عندما وصل فتحت البوابة امامه ، اقترب حتى وصل الى الباب الرئيسي فتح الباب و خرج يعبر الداخل الى حيث غرفته حين قابلته الخادمة : العائلة قد تعشت منذ ساعة هل ترغب بالعشاء سيد يحي
اشار برأسه نفيا ثم تركها و اعتلى الدرج حتى وصل الى غرفته ، فتحها واتجه الى الشرفة هناك يقف دائما يحب هذه البقعة من غرفته وهذا المنظر الذي يطل عليه من حديقتهم هناك يحب ان يطلق العنان لأفكاره وخيالاته و كل ماضيه
حين دخلت تتسحب مليكة ، فطن لخطوات تقف خلفه ، التفت ورآها كما لم يفطن لها من قبل ، لا زال الرعب على وجهها و الدموع في عينيها تتقاذف كالأمواج العاتية : ما بك ماذا حصل ؟!
كان صوته قلقا فهو في حياته لم يرها الا لعوبا و شمطاءا و مراوغة ولم يرها يوما بكاءّة مغمومة مثل هذه اللحظة فاستغرب امرها
كانت شفتاها تهتزان لعظم مصيبتها فهي لن تثق في احد سينقذها من ورطتها سوى السيد يحي ، اخذت تدعك كفيها ببعضهما ثم تارة تمسح بعنف اثار دموعها ، بدت مرتبكة لا تعرف كيف تبدا الحديث : سيد يحي انا في عرضك !
استقام متأهبا في وقفته قلقا قد اثارت حفيظته : قولي ماذا بك
صارت تتقهقر في خطواتها حتى كادت ساقاها تلامس السرير ، لا تريد ان يضربها ، ان يصفعها ربما ان يغرز اصابعه في رحمها ليخرجه لها امام عينيها ، هي تنتظر منه الرأفة و التفهم ان استطاع
تقدم ناحها رويدا وفي كل خطوة يرتعب قلبها و يتهدل تنفسها حتى صار كل شيء اسودا امامها فلم تعد تقدر على الوقوف في تلك اللحظة التي حاول ان يمسكها الا تقع اختل توازنه ووقع فوقها وهي مغمضة العينين
وبين تلك الفينات القليلة التي تحصل فيها الحركة و تتقدم فيها الاقدام و يصبح السمع صائخا تفتح عينيها ببطء في وجهه وهي تقول : أنا حامل
حينها فقط سمع شهقات خلفه ، الان لم يستوعب اي شيء يحصل
امه تقف على عتبة الباب قد سمعت جيدا ما نطقت شفتا الخادمة ، و ابنها يستلقي بكامل جسده فوقها وهي تقول له انها حامل
كانت صدمة لكل الاطراف المجتمعين في تلك البقعة المظلمة
امه تتقدم وهو لا زال مستلقيا فوق جسد مليكة التي فتحت عينيها عن وسعهما وقلبها وقف على اعتاب حلقها حتى كادت تختنق
اما هو فقد قفز مثل النمر واقفا امام امه التي بدت مخذولة ، بدت منهارة ، كان يهمس بين شفتيه : اللعنة
كان صوتها غائرا مكبوتا حزينا : انت يا يحي ، انت يا من كنت اطهر الرجال ، انت يا ابن بطني تفعل هذا وبمن ، بالخادمة !
لم تنقل نظرها الى مليكة نهائيا التي جلست على السرير لا تدري ان قامت ستقع مجددا وهي مرعوبة
: اتوقعها من كل الرجال حولي ، من اخاك ، من اباك ، حتى من اختك ، لكن انت!
حين رفعت مليكة نفسها واقفة خلف سيدها بخطوة وكأنها تحتمي به بل شدت بقبضتها على قميصه من ظهره فشعر بمدى رعبها : أمي مليكة ملك يميني
شهقة من حنجرتين خرجت تصدح بين كل الجدران و صفعة نزلت على خده حتى ادارت له رأسه ، لم يكن يوما ليرفع نظره في عين امه ، لم يكن ليتحداها ، امه تستطيع ان تفعل ما ترغب به ، ان تضربه او ان تقسمه لنصفين !
امسكت بقمة قميصه تهزه بخذلان و هي تبكي : في اي عصر انت ، ماذا تقول ، اي يمين واي شمال ، الخادمة حامل منك ، لم اظن يوما انك بهذا العُهر صدقني انت صدمة عمري !
التفتت واعطته ظهرها : ماذا انت فاعل الان ، يجب ان تتزوجها
رفع رأسه بصبر وهو يغمض عينيه : امي على مهلك ليس هكذا تجري الامور
نظرت له مرة اخرى : ماذا ماذا ، ماذا تريد بعد ، الفتاة حامل حااااامل و قريبا سيظهر حملها ، لا اريد فضيحة في هذا البيت ، تزوجها قبل ان يظهر حملها اليوم قبل الغد
اخذت تضرب كفا بكف يا الهي عندما تعلم زهرة ، والفتاة التي احضرتها الى هنا كنت اظن انك ستتزوجها ، وماذا عن تلك الاخرى التي كانت معك مشيرة الى سكينة التي شكت في امرها معه !
اخذ يدعك صدغيه بتؤدة : امي اتركي كل هذه الامور سأحلها ، هذا الامر يجب ان يكون بيننا نحن الثلاثة فقط ارجوكِ لا اريد اي تعقيدات الان !
امه تكاد تصرخ بصوت عال و قلبها يغلي : كله منه كله من والدكم الذي فلتكم كما تريدون، الم تكفنا فضيحة زواج اخوك من نجلا و شقيقتها ، اتريدون قتلي اتريدون ذبحي
اقترب منها يحضنها فنفضته من حضنها : سأعطك يومين يومين فقط كي تحل هذه المشكلة هل فهمت
خرجت كالصاروخ من الحجرة و هو التفت هذه المرة الى مليكة و قد انفجر الان كل الغضب الذي وفره عن امه تجعد كامل وجهه من غله وغضبه و هو يرفع يده يشدها من ناصيه شعرها حتى انحنت بجذعها الى الامام كالراكعة : حامل حامل يا بنت الحرام ، مِن مَن ، حامل مِن مَن
اتخونين البيت الذي يأويك يا مليكة اتحولين البيت الى بيت دعارة وصلت بك الى الحمل يا فاجرة قسما بالله سأخرج هذا الحمل من رحمك سأنتزعه انتزاعا ان لم تعترفي وتقولي من فعل بك هذا
كانت تبكي مقهورة وهي لا تحتمل شده لشعرها حتى كادت جلدة رأسها ان تنفصل عن جمجمتها : سأقول والله سأقول انا هنا لأقول
رفعها و هزها حتى صار رأسها يرتج و لا زال شعرها بين يديه : هيا قولي اعترفي مع من كنت تخونيننا يا عاهرة
: المؤيد السيد المؤيد
هنا ترك شعرها مصدوما : مؤيد ، هل وصلت به الوقاحة ان يفعل ما يفعل معك الا اذا كنت انت من فتح له الطريق و فتحتي له ساقيك معها
رمى بها بقوة على الارض وصدره يعلو ويهبط من شدة الامر ، كيف يفعل المؤيد هذا بمن يخدمن تحت يدهم والله ان علم والده سيحرم هذا البيت على عمي سعيد شخصيا ، اللعنة عليك يا مؤيد
لم يحتمل حتى ضربها برجله على ساقها فأخذت تتلوى على الارض : انتِ امرأة تافهة رخيصة قولي لي ماذا انا فاعل بك الان ، هل ارميك تحت قدمي المؤيد والذي بالتأكيد لن يوفر عملا اجراميا لن يفعله بك ، عملية الاجهاض تطلب ولي امر ، وضع يده فوق رأسه تبا لك يا مليكة والف تب سأقتلك سأقتلك
اخذت تزحف و تمسك بكفه : ارجووووك سيد يحي سأفعل كل ما تريد فقط خلصني من هذا الحمل ارجوك ارجوك قبل ان يعلم والدك و قبل ان يعلم المؤيد فوالله سيذبحني
رفسها عنه مغتاظا : الان فقط تفكرين ، الم تحسبي حساب الحمل بفعلتك السوداء تلك
هزت رأسها باكية بحسرة : والله كنت اخذ الحبوب ولكن لم تنفع فوجدت نفسي هكذا
: اخ ياربي اخ رأسي سينفجر سينفجر ففيه ما يكفيه من مصائب يا ليتك لم تقولي لي و رحلتي وكفى الله المؤمنين شر القتال بسببك ربما تتوتر العلاقات بيننا وبين عمي سعيد للأبد انتِ تعرفين والدي ياربي ارجو ان لا تزلق امي امامه بالكلام فوالله سيحصل مالا تحمد عقباه
اخرجي يا مليكة من خلقتي اخرجي لا اريد ان اراكِ
اختفي عن الانظار حتى اطلبك ابقي في غرفتك هل فهمتي !
قامت بعجز وهي تمسح وجهها و تعدل هندامها تخرج متهدلة الكتفين وهو يزفر زفرات ملتهبة : عليكِ اللعنة انتِ والمؤيد
كانت طوال فترة بعد العصر جالسة في الخارج على المفارش الارضية التي تتزين بها الخيمة العربية ، اشعلت النار وجلست امامها تدثر نفسها بغطاء صوف رغم دفيء الجو الا انها تشعر ان جسدها يرتعش، في يدها تحمل عودا تقلب به الجمرات و تبحر بخيالها الى عالم آخر ، عوالم لا يعرفها سواها وسوى شقيقها ، آه، خرجت من بين شفتيها يا الهي كم تشتاق له توأم الروح ، عليها ان ترتب اولوياتها هنا ، دراسة القانون ليست بالشيء السهل الذي يمكن تجاهله ، عليها ان تكد وتجتهد لتنال مرادها وتتحصل على شهادة عليا رفعت يدها وجمعت شعرها الى يمين عنقها وهي ترفع هاتفها و تطلب رقما حتى رد عليها همست : بروين
كان لا يزال يجلس في مكتبه وراء جهازه يدقق و يصمم و ربما ايضا يخترق بعض المواقع النتية : ديالا
ترك مافي يده و اتكأ على الطاولة : اخبريني عن حالك
ردت في بؤس : ملل يا اخي ملل ، فكرت ان ارجع الى البيت
تقدم في جلسته في توتر و يداه تتعرقان : لماذا ، الا يهتم بك العم يحي ؟!
لوت عنقها وهي تبحث في الفراغ عنه ، عن العم يحي الذي جلبها وتركها : العم يحي يا بروين غير متفرغ
حاول ان يفهمها : ديالا حبيبتي ، العم يحي رجل اعمال يعني مشغول حتى انفه وانت هناك ليس كي تقابلي وجهه اربع وعشرين ساعة ، انتِ هناك في امان هل تفهميني يا اختي بيتنا لم يعد مكانا آمنا للعيش تعرفين ما حصل !
قاطعت كلامه : بروين تعال اذن وعش معي هنا ما رأيك
رفع كمي قميصه الى ما اعلى مرفقيه و التعرق يزداد و يقطر منه وهو يرفع اصبعا يعدل به نظاراته : لا يا ديالا لا ، لن اعيش في بيت ليس بيتي سأتقيد بهم !
ندت عنها همزة حزينة : تعال وستعرف انه لا أحد هنا ينظر ماذا يحصل للآخر ، الجميع هائمون ، حتى عمك يحي !
سألها بقلق : ديالا ما بك !
سقطت دمعة حزينة من جفنيها المثقلان بالدموع : لا اعرف يا اخي متضايقة اشعر انني غير مرغوب بها
جادلها : تعلمين انكِ متناقضة ، كيف تقولين لا يعلمون عن الاخر و تقولين في نفس الوقت غير مرغوب بك ؟!! ، اما انهم لا يرغبون حقا او انهم لا يرون ما يدور حولهم ولا يهتمون اصلا فأيهما انتِ؟
انتظر منها ردا وهي محتارة ، من ناحية يعجبها البيت و جماله وهدوءه ومن ناحية لا يوليها عمها يحي اي اهتمام وهذا ما يضايقها و يهم قلبها : اخخخخ يا اخي لو كان لنا عائلة مثل العالم ما كان حالنا كذلك مشتتين خائفين!
ترك مقعده والتفت بجسده الطويل الى حيث النافذه العملاقة التي تطل على بحيرة المدينة ، هناك يرى القليل من السيارات في وسط العتمة و القليل من الشبان يمشون على جنبات البحيرة : اصبري يا اختي اصبري فربما قريبا سأستطيع تأمين بيت صغير لنا ، ولكن البيت الحالي لن ترجعي له هل فهمتِ يا ديالا !
عضت شفتيها بأسى و هي تهز رأسها بطاعة : نعم يا اخي فهمت !
اخفض يديه الى جنبيه و عاد الى جهازه و يفتح موقع احد البنوك و يحاول محاولته الثالثة والاخيرة !!
اما هي فقد وجدت .. عمها .. يحي .. واقفا هناك يحدق فيها ، في انعكاس النار على وجهها ، في سخونتها ، في عمق عينيها ، كان يشعر ان حلقه مكتوما ، لا يستطع النطق ، يجر ساقيه اليها جرا ، قد كان متوجها الى حيث الدفلى ولكن في مروقه لمح النار فتوجه لها ورآها هناك تتدثر بغطاء بني لا يظهر منها الا وجهها و شعرها الذي ينسدل عن يمينها ، يا الله ما اجملها ، لعقت شفتيها بقلق و خجل و هي تتهرب بناظرها عنه فكل مرة تراه يحدق فيها بهذه الطريقة تقسم انه عاشق لها ، فيصير قلبها يتخبط بين اضلعها حتى يشتتها و يربكها فلا تعرف ماذا تفعل ، فعمها يحي كما تبين لها رجل محنك و معرك وهي ليست كذلك ، لا خبرة لها في الرجال ولا بما يشعرون.
حين جلس جانبها يهمس : لما تجلسين وحدك !
قلبت بالعود بضع جمرات ملتهبات : احببت الجو هنا
نظر الى جانب وجهها المكشوف له حتى عنقها ، اذنها الصغيرة معلق فيها عدة حلقات للأذن و فصوص لامعة و على رقبتها تتعلق سلسلة تستغيث بجيدها ، رفع يده الى شعره من ناصيته وحتى نهاية عنقه يسرحه بتوتر و ينفخ ما في صدره من كتمان ، ضل يحدق في اللهب و الشرارات التي تتطاير منه : هل انت متضايقة في البيت ؟!
هزت رأسها نفيا وهي تنظر للنار و ظلها
: لا تحبين ان تكوني هنا ؟!
هزت رأسها نفيا
: هل تريدين العودة الى بروين ؟
هزت رأسها نفيا
الى حين ان مد يده و لمس ذقنها و لف وجهها اليه و هو يتفرس في عينيها و هي تتهرب من عينيه لا تريد ان تقع بهذه السهولة في المصيدة لا ليس بهذه السهولة ، لا تفهم ما يحصل لها من اول ما قابلته ، قلب كيانها وعالمها لا تعد تدري ما تريد منه ، يحفز قلبها و يجعلها تشعر انها انثى ليس لها مثيل : اذن لما انتِ شقية !
ابتلعت ريقها ببطء حتى كادت الدمعة تفطر لها قلبها ، لا ليس هكذا ، لا تريد ان تثير شفقته ولكن الدمعة اندفعت مجبرة اياها على الخضوع ، اغمضت عيناها بحزن : لا ادري هكذا هي انا
مسح بطرف اصبعه الابهام الدمعة عن وجنتها : الا تريدينني بجانبك ؟!
هنا القت برأسها بعيدا عن يده تدير رأسها و تعض شفتيها حتى تجمع شعرها خلف ظهرها و صار يلمس الارض و يغازلها بحرية
: قولي لي ، ماذا افعل فيكِ انا في حالة ادمان
قولي لي ، قولي ما الحل فأشواقي وصلت لحدود الهذيان !
وقعت الكلمات عليها كوقع السحر على الفؤاد ، التفتت اليه و شبح ابتسامة يهز شفتيها و يضيء منه عينيها : هل تقصدني !
رفع حاجبه مؤكدا بغمزة عين همس لها تعالي اقتربي ، لا تدري ما يجعلها في هذه الامسية مسيرة له ، هل هو وقع لهيب النار ام ظلمة الليل ام هي مشاعرها المتصحرة من يتمنى، لا تفهم ولا تريد ان تفهم ففتحت له الغطاء من جانب واحد تدعوه : تعال انت !
كانت تشاكسه اما هو فعض على شفته تتلوى امعائه من قربه منها يتقدم ليجلس معها في نفس البقعة الدافئة يلفهما غطاء واحد و يتلامس جسديهما وهي شعرت بالقشعريرة لما حصل ، قلبها عليلا ، حين اخذ خصلة من شعرها بين يديه يلويه بين اصابعه : شعرك قد طال ، طال كثيرا يا غاليتي !
وجهها كان يحترق و وجنتاها تغليان وغامت عيناها من قربه هذا ، تشم عطره الرجولي الذي يخترق حواسها كاملة ، عطر يجعلها تذوب هائمة ، عطر متمكن كأنه صُمم على مزاج صاحبه ، اما عن وجهه فهي تحبه كيف لا تحبه ،هي انثى تعشق الرجل الجميل ويحي جميلا ،كان جميلا يا الهي و له سحر خاص شيء يجذب كالمغناطيس تجدها تلتصق به.
عندما فطنت في لُجة هواجسها الى اين وصلت اصابعه التي كانت تداعب عنقها برقة تدغدغ جوفها فتشعل فيه صواعق تضرب بلا رحمة حتى وصل الى حلمة اذنها يشدها برقة بين اصبعين يمررهما على كل حلقة معلقة تلمع مثل الياقوت ، كان جسدها يقشعر حرارة لكل حركة يقوم بها ، كانت انفاسه المحملة برائحة السجائر تندفع ساخنة الى عنقها والى داخل اذنها فترتعد و يرتعد خافقها
تنتظر فقط ماذا يفعل وكيف يحاربها في ذاتها وهي تسمع الى طقطقات الجمر و انبعاث اللهب تحاول الهدوء والتماسك
اما هو فقد كانت كل خيالات الحب تمر عليه حرفا حرفا حركة حركة
كيف سيكون ردها ان اراد الساعة ان يضاجعها هنا ، هل يبالغ في تأملاته ؟!
كيف يراها تبلورت هكذا ، كيف يرى وجهها الغالي ولا يقبله لا يلمه لا يحضنه كيف ، لا يريدها ان تفزع ، لا يردها ان تهرب عند اول محاولة جديدة من كليهما ، كان خافقه يذوي في قفصه يحرر شحنات هوى قد انطفات منذ زمن، شيء غال حلو حبيب يخصها ، شيء لا يريد ان يضعه في كيس مرة اخرى ، شيء سيجبرها على فعله حتى يشفي غليل الصبابة في قلبه : اقتربي ، هكذا همس عند اذنها : التفتي
كانت كلمات قليلة ولكن مرعبة التفتت وعيناها غائمتان التقيا وجها لوجه في قرب مميت : لا اريدك ان تجزعي ، اريدك قربي مرة اخرى
رفع اصبعه يمرره بمداعبة حبيبة على شفتيها : ثغرك صغير كحبة العنب الحلوة
وشعرك كليل تصهل فيه الخيل في البيداء
كانت ترتعش و خافقها وصل الى مسامعه غامت عيناها من تدافع دقاتها
لا تعرف ، فهي تكسر كل القواعد و تتخطى الاعراف و تدمر القوانين التي نشأت عليها ، فقط لأنه يغويها
فقط لأنه يعجبها كرجل عربي حر أصيل يتقن العشق و يجيد الوصل
تريدين ان تجربي القُبلة !
والله لاقتلن الليلة الحب فيكِ
همس في شفتيها اللتان تكادان تلامسان شفتيه وكانت فقط النار التي اخذت تذوي تعكس خيالهما بين السنتها الهامدة شيء سحري وحرارة من آتون كانت تتدافع بين انفاسهما المشتعلة ، تريد نعم تريد ان تجرب ، ان تعرف كيف هو ملمس شفتيه وان تعرف كيف تلتهم بانفها انفاسه وان تعرف كيف سيعلمها الحب نعم تريد ان تجرب فهزت رأسها وابتلعت ريقها حين اندفع الى شفتيها مغلقا عينيه يتلذذ وهي قد اغلقت عيناها تتعمق بروحها في قبلته وبين انقسامات شفتيه وحلاوة ريقه الذي اندفع مع لسانه الى عمق فمها كان يقتحمها بكل قوة ومشاعرها خائضة في غيها تتبعها كالضريرة
قد حرر نفسه اخيرا ، كان يتوق منذ زمن لقبلة كهذه معها ، ان يمتص رحيق ريقها ان يبتلع شفتيها وكل الادرنالين كان قد اندفع محررا شهواته المكبوتة فرفع يده يتحسس جيدها يعتصره بكفيه يلمس جلدها الدافيء و يصل الى قمة ثديها لم يعد يأبه للزمان ولا المكان فقط ان يحرر رغباته المقتولة فيها ان يحبها كما اراد دوما ان يحبها ، يريد ان يعلمها كيف ان حبها قطع قلبه كيف انه يعتصر جوارحه كيف ان حبها مميت ولن يرجع إلا بوصالها
ان يعلمها كل ما تجهله معه في الحب وان يحررها هي كذلك من تعنتها و جمودها الذي طالما عاملته به عندما كان يقترب منها يريد ان يخطف قُبلة
حين كان هيجانه قد وصل ذروته و حاول تمديدها على الارض التي تتحمل لهفة الشوق بينهما ، في تلك اللحظة هجم الم الم مباغت مزق روحه ابتعد فجأة كالممسوس عنها ، يغمض عينيه بقوة الم وصل لدماغه يقسمه نصفين الم يفتك بخاصرته يهشم عظامه و يقطع امعاءه شيء يسحب الروح منه حتى سقط الى جانبها غارقا في السواد لا يرى لا يسمع لا يشعر سوى بطلوع الروح وهي تنظر له مفجوعة مفتوحة العينين خائفة مرعوبة من منظره يعصر بطنه بيديه بشدة يتلوى و تصدر عنه آنات محبوسة في حنجرته همست مذعورة بصوت باكٍ :عمي .. يحي
يحي
يحي
اخذت ترتجف و هي تخلع الغطاء عنها وترميه عليه و تتمدد جانبه تحضنه بين ذراعيها تضم رأسه الى صدرها بقوة كأنها تحبسه بين طياتها تبكي و صوتها يتحشرج : يحي ماذا حصل لك
يحي على هونك
حتى همدت حركته تماما و روحه غرقت في الظلام ارتخت اطرافه كالميت اغمض عينيه بتعب ونام بين جنبيها لا يفطن لشيء حوله !
عند الساعة الثالثة فجرا ، فتح عينيه فهو يشعر انه نام نوما عميقا جدا ، شيء سحبه الى عمق الارض الى المالا نهاية من الحياة ، كانت هذه المرة تشبه تماما المرتين اللتان داعب فيهما زهرة و سكينة ، كلما اقترب من امرأة و تعمق فيها يحصل هذا الشيء المرعب في جسده ، نظر حوله انه لا زال في الخيمة و النار انطفات منذ زمن و اصبحت رمادا ، اما تلك التي التفت اليها فكانت غارقة مثل الملائكة هادئة مسالمة جميلة قريبة الى روحه اكثر من قبل ، التفت بكامل جسده حتى استلقى على جنبه يتفرس فيها ثم اخذ الغطاء الثقيل و رتبه فوقها حتى غطاها حتى ذقنها اقترب يلثم خدها و تنفس بعمق ثم قام منتصبا يخرج من جيب بنطاله هاتفه الذي طلب فيه رقم طارق الذي في الحقيقة لا زال سهرانا في بيت الهادي يلعب معه الورق فطارق قد طلق اخيرا و الهادي بيته مفتوح للعب الورق حتى ساعات الفجر الاولى : اه هذا يحي
رفع الهاتف مبتسما : يحي اين انت يا رجل
رد عليه بهدوء : طارق تعال الان واجلب معك الهادي اريدكما في امر مهم
ضيق طارق ما بين حاجبيه قلقا : هل هناك ما يسوء
نفخ بشدة من بين شفتيه وهو يسرح شعره للخلف : تعال عندما تأتي سأشرح لكما
رد بسرعة وهو يرمي ورق اللعب : حسنا حسنا انا في الطريق
حين التفت الى الهادي : قم قم يبدو ان يحي ليس بخير انه يطلبنا
رمى الاخر اوراق اللعب من يده و رمى ايضا سيجاره في المطفأة وهو يقوم يفتش في جيوب بدلته عن كل بطاقاته و مفاتيحه التي لا تنتهي : حسنا حسنا اخرج الان و دعني اقفل المجلس
خرج الاثنان على عجل يقودا بكل راحة في الشوارع الفارغة كان كلاهما قلقا فهذه اول مرة في حياة يحي يطلبهما في عز الليل وهو لا يسهر معهما !
وصلا الى حيث البوابة التي فتحت لهما وولجا و سارا في طريقهما الى ان وصلا الى النافورة هناك وقفا وهما يجدا يحي متهدل الكتفين جالسا يغمر يده في المياه الدافئة ، نظر لهما في بؤس حين تقدما وكل القلق على وجهيهما : يحي ما بك
قال بذات الهدوء تعالا ، لحقا به الى ان وصل بهم الى المجلس الخارجي ، دخل الجميع و جلس هو متعب مرهق بل العرق يتصبب منه و يرفع يده و يمسحه عن جبينه ، تقدم له الهادي يلمس جبهته : انت غير محموم ولكن لما كل هذا العرق ، هل تشعر بالسوء
جلس طارق بجانبه هو الاخر ينتظر ان يقول يحي شيئا
: اجلس يا هادي اجلس
جلس الهادي هو الاخر وهو ينتظر على الجمر فما في صديقهم لا يسرهم ابدا ، رفع رأسه و نظر في عيناهما : هناك شيء يحصل معي لا افهمه
تقدم الاثنان في جلستهما متأهبين لما يقول : هممم
حاول ان يصوغ كلامه بصورة تجعلهما يفهما تماما ما يقصد ، بألا تحور الامور عما يعتقد ! : منذ زمن ، زمن ليس بالان حتى ، منذ سنين ، وتوقف عن السرد
فيما كان الهادي يأكل شفتيه خوفا ورعبا هل يحي مريض مرض لا شفاء منه فكل عقله ذهب الى هذه الناحية حتى كاد يدمع من شدة تأثره فلم يعد يطق صبرا : ماذا قل بالله عليك لقد اتلفت لي اعصابي
حتى ربت طارق على فخذه يحثه على التماسك و الهدوء فهو لا يقل قلقا عن صديقه
تحشرج صوت يحي و هو يحك رأسه : لا ادري ، كلما اقتربت من امرأة ، تابع في حرج ، يعني تعلما كيف الاقتراب يكون ، ثم وضع يده على صدره يعتصره وعيناه تحمران ووجهه يسود شيء هنا يطبق على صدري الم كأنه السواطير تقطع خصري و تطحن جسدي لا اعد ارى امامي لا اعد اسمع شيئا كأنني في غيبوبة لا ارى سوى السواد رأسي ينفجر و عيناي تحترقان فلا اجد نفسي الا ملقى على السرير بلا حركة كالميت تماما متعب لا اجرؤ على الوقوف انام حتى النهاية
هذه الحكاية تعتصرني يا رجال والله لا اعرف ما يحصل
ظل الاثنان صامتان ينظرا اليه في جمود ، فما يقوله يبدو حقيقيا ، و على وجهه تظهر علاماته ، يحي غارقا في عرقه وفي تعبه حتى بالكاد كانت الكلمات تخرج من حلقه
حين نطق الهادي : يحصل هذا فقط حين تريد مجامعة امرأة ، ام يحصل ايضا في اوقات متفرقة بعيدا عن النساء !
تفرس فيه وهو يؤكد : فقط حين اقترب من امرأة !
طارق الذي زاد : قلت منذ سنين ، و لما تسكت على حالتك هذه ان كنت تعاني من سنين
اجابه في كمد : منذ سنين كنت احب امرأة بدأت معها هذه الحكاية وعندما اختفت لم اعد اكترث حقيقة بالنساء ولكن حصلت اول مرة بعدها عندما تزوجت ابنة عمي ، لم اكن افطن ولم اربط ما يحصل لي بقربي من النساء ، كنت اظن انه عارض وافق مضاجعتي لإحداهن و لكن تبين لي اليوم حقيقة الامر !
وضع وجهه مغموما بين كفيه و الاخران نظرا الى بعضهما البعض في هم يفكرا كيف يستطيعا المساعدة ، حين طأطأ الهادي رأسه والذي كان على خبرة بالكثير من الامور : يحي اعتقد والله اعلم انك تحتاج الى شيخ عالم جليل كي يفسر لك ما يحصل !
رفع يحي وجهه له في سؤال ماذا يقصد ففهم الاخر و اكمل : اعتقد والله اعلم انه سحر او عين !
هز رأسه وهو يضحك ببؤس : لا ماذا تقول يا رجل ما هكذا تحل الامور !
اطرق طارق برأسه متجاوبا مع اقتراح الهادي : انا اوافق الهادي فيما قال ، لما لا نجرب ، نتصل بشيخ و نجلبه لك !
رفع رأسه الى السماء : هل وصلنا لدرجة الروحانيات الان يا رجال
فهز كل منهما رأسه : ما تقوله ليس له اي تفسير سوى ما نقول ، الله اعلم انه سحر
غضن جبينه و كتفاه يتهدلان غير مصدق : سحر !
اما عن شعيب الذي لم ينم الليل من شدة ما يلاقي من افكار تتزاحم في عقله عن اين هي تلك القصيرة التي قلبت له يومه ، الا ينقصه هي ايضا ، ام انها غلطته من البداية ان يأخذها الى القصر !
كان شديد التوتر و هو يعبث في شعره حتى بدا منظره كالمشرد و الشعر متطاير و متداخل و متهدل ، يمسح على وجهه كل دقيقة نافثا انفاسه الحارقة يفكر في اين من الممكن ان تكون
في تلك اللحظة افاقت تلك التي نامت مع ابنها مبكرا جدا ففتحت عيناها وما عادت ترد النوم فهي الان مستيقظة تماما اخذت تقلب عينيها في الظلام حتى وقع على ظله هناك مقابلا للنافذة جالسا لا يلوي على شيء فقط يفكر وهو عار الصدر لا يرتدي سوى سروالا صيفيا قصيرا يبرز ساقيه المعضلتين والمشعرتين بغزارة ، على وجهه يسقط بعض ضوء ابيض يخترق النافذة
تركت السرير و انزلت ثياب النوم حتى ساقيها ترفع نفسها و تتجه اليه حين لفتته خطواتها المكتومة على السجادة التفت لها يراها فأغمض عينيه و ادار رأسه عنها وهي همست : ماذا ؟!
تابعت عند رأسه : هل حصل شيء لا تبدو بخير
يشعر انه مكتوم لا يستطيع الكلام فكل شيء فيه اصبح ثقيلا جدا، اثقال تربض فوق صدره فتمنعه من الحركة ولا حتى الكلام حين سمعها : هل ستجيبني ام تتركني مثل البلهاء هنا انتظر منك جوابا !
في تلك اللحظة مد يده و جذبها بهدوء اليه حتى سقطت على فخذيه جالسة تقابل وجهه ، احمر وجهها حرجا و خجلا وهي ترى عيناه المتألمتان تنظرا اليها هكذا بهذه الطريقة التي ان دلت على شيء تدل على قل الحيلة ! همست له : مابك لما انت مهموم
شدها اليه من خصرها و شعرها يتهدل بين جنبيها : غني لي منذ زمن لم اسمع صوتك الحلو بأي نغمة ربانية
ادارت رأسها قليلا عنه وهي تعض شفتها السفلى : وهل ان طلبت منك ان ترقص لي ستفعل !
غضن جبينه بحيرة حين ردت : كما كنت ترقص في حفل ذاك المساء !
رفع رأسه دليل فهمه : اولا انشدي لي ما ترغبين
لكنها عارضته : الانشاد يحتاج مني ان اغني بصوت عال حتى تظهر طبقات صوتي ، اما هنا فالصغير نائم ووالدي في الحجرة المجاورة و الليل يسدل ستاره
نظر متفرسا في وجهها : اذن اهمسي لي
: تدري انك تحرجني اليس كذلك ، منذ زمن لم نجلس سويا هكذا ولم نتحاور !
اسقط رأسه عند كتفها كمن يحضنه : انا لا اريد جدالا يا راعيل انا فقط أسألك ان تنشدي لي شيئا بصوتك ليس إلا !
كيف اذا مولاك لم يصلكا وقطع الارحام قطعا بتكا
يبري مع الباري ولم يرشكا و الارض لو تملك لم تسعكا
ولا تهيبه ولم يهبكا ما لامرء افك قولا افكا
لم تكن أنانا ولا ملتكا يا ابن الرفيع حسبا وسمكا
انتهت من همسها وقد انسجم معها اشد الانسجام حين انتهت مال عليها قائلا : سلمتِ
اخذ يتفرس في ملامحها وهي تبادله النظر في وجل قلبها اخذ يسارع دقاته : ان كنت لا تريد شيئا اخر سأخرج !
شد على خصرها وهو يمسكها بين كفيه يثبتها مكانها حيث تجلس حين همس في وجهها : قولي لي ، أحقا لم تشتاقيني !
ابتلعت ريقها خوفا
مما قد يسير عليه الامر بينهما خاصتا الان وقبل اتمام الزواج رفعت شعرها الى الخلف
فتدلى ورجع يهجم على وجهها كالشلال وهي تتهرب بعينيها : زين ارجوك لا تدخلنا في
دوامة !
غريب كيف تبدو متماسكة في مشاعرها و متحكمة فيها ومسيطرة اكثر منه ، هو من بدأت
تنهار حصونه ، فهو يراها في كل وقت بجمالها هذا الذي تهابه العيون ، يرى جسدها
المتفجر حتى ان حاولت ان تخفيه عن انظاره بأطنان من الملابس ، يقاوم ذاته و يحاسب
نفسه في كل مرة تنحني فيها روحه امام جبروت جمالها
لكنه في تلك اللحظة في حاجة لامرأة تشده الى صدرها ترضعه حنانا و تهبه طمأنينة ، امرأة تمنحه روحها بلا شروط ولا تعقيدات
فاشتياقه لنجلاء بلغ اشده و اختفاءها سواء داخل القصر او خارجه شتت عقله وتركه حائرا في امره معها لكن عندما رفعت كفيها ترتب له شعره وتهمس : شعرك بدوي بجدارة فوضوي هائج ، اخذت ترجعه له الى الخلف رغم بعض الخصل التي أبت الا ان تسقط حتى عينيه ، كانت لمساتها ترخيه فيميل الى جيدها يستكين عليه و يغمض عينيه في تعب
ترفع رأسه بين كفيها معاتبة : لم اعهدك انهزاميا هكذا ، قل لي ما يثقل كاهلك ،، اخذت تخمن بنفسها ، فالضعف الذي تراه فيه ، و الحنين الذي ينعكس في مقلتيه لا يدل غير انه يشتاق الى احدهم فقرر ان يتعاطف معها او يتساهل كي تنسيه ذاك الاشتياق
فتح عينيه و وجهها قريب جدا منه و لا زال وجهه بين كفيها : تشتاق لزوجتك !
نقل نظره من عين الى اخرى فيها ، عيناه تحكي لها انها على حق و لكن لسانه يأبى ان ينطقها ، ربما لا يريد ان يجرحها ، ربما لا يريد ان يقحمها هي في علاقته مع زوجته فهي حتى الان لا شيء سوى ام لابنه الذي حملت به بالحرام هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة المُرة التي تصارح بها نفسها حين تراه على هذه الهيئة كأن الشوق كله يعبث بخلايا جسده كأنه لا يطيق فراقها و مهموم عليها فلن يجعله على تلك الحالة سوى امرأة قادرة تمكنت من صياصي قلبه !
لا تعلم لما شعرت بالاحباط ، الاحباط الشديد حتى ان شيئا قد هوى في اعماق نفسها ، شيء قد همد في مكانه : أنت عاشق !
لا تعرف كيف تخرج منها كلمات عن امرأة اخرى في حياته ليست هي ، امرأة يعشقها هذا الرجل الذي تجلس فوق فخذيه و يشدها بيديه من خاصرتها ، أليس منتهى الاهانة و التعذيب ما يحصل لها ؟!!
اغلقت عيناها في وجوم حتى كادت الدموع تطفر من بين مقلتيها قشعريرة غزت جسدها وهي تقوم بلا اي مقاومة تاركتا اياه غارقا في احزانه ، يلتفت اليها وهي تغادره هكذا تتركه باردا خاوي الاحضان تتجه الى سريرها و ترتمي عليه كالميتة تتمدد بجانب ابنها تحضنه تغمر نفسها به كأنها تطلب حمايته من والده الذي يمعن في تعذيبها !
عند آيدين الذي لم ينم طوال فترة قيادته للسيارة ، قد قطع ربع المسافة على الاقل حتى الان ، يعلم ان شعيب سينام ليلة على الاقل في تونس حتى يرتب الجميع انفسهم لما يريده ، في الحقيقة هو لا يعرف تماما ما يحصل مع شعيب فهو لم يعطه تفاصيل قال له فقط : آيدين لدينا مهمة على الحدود مع تونس عندما اصل تونس بلا اي تعقيدات سأخبرك !
هكذا كان وها هو في الطرقات الخطرة التي لا تخلو من المجرمين و قاطعي الطريق ولكن سلاحه بجانبه و رشاشه ايضا يربض على المقاعد الخلفية ان شك في اي شيء سيتحرك من فوره و يطلق عنان فوهة رشاشه فلتلتقم في طريقها ما تلتقم !
يفكر ، لا يحب ان يتصل بسكينة الان ليسألها ان استفاقت تمارا ام لا ، فقلبه يأكله عليها و يشعر بالوهن من اجلها ، يعلم تمام العلم ان كل ما حصل معها ليس سهلا كي تتخطاه بكل سهولة لمجرد انها قد تزوجت منه ، ففي قاع الوجدان لا زالت الكارثة حية تماما !
في مطعم محترم جدا بل راق ، ارتدى الاثنان الملابس الجدية و جلسا الى طاولة واحدة طلبا شرابا مسكرا : شوف ، هنيك ، هديك المرة اللي قاعدة لحالا ، شفتا
هز برأسه .. نعم
: هيدي يا حبيبي قاضية
فتح عينيه استغرابا وهو يتجول بنظره الى منظرها ، سيقان طويلة تلمع و تنورة قصيرة سوداء حتى فخذيها ، و جاكيت تحته قميص ابيض مفتوح يكشف عن مفرق ثدييها و اظافرها ملونة بالاحمر القاني و عنقها طويلا و شعرها قصيرا حتى اذنها في قصة ناعمة تغطي جبهتها و عينيها خضراوين و ترتدي حلي غاية في الجمال و الاناقة ، تفرس فيها وهي ترفع الشراب الى ثغرها تبتلع القليل ثم تهز كأسها و ترجعه الى حيث كان و تنظر حولها : شفتا ، هيدي يا سيدي مو مثل ما نت شايفا ، ابدا ، هيدي وحدة جاية هون لتصطاد فريستا !
نظر له لا يفهم تماما لا يعلم ما يعني : ايميل ارجوك اختصر علي الامر ماذا تريد منها او ماذا تعني لك !
شرب كأسه : ما تعني لي شي ، بس بيا يعنيلي !
قرب رأسه منه : حسنا
لفتة منه اليها وهنا التقت نظراتهما وهي تمسك بالكأس طالت النظرة بينهما حتى رفعت له كأسها رفعة بسيطة دليل التحية فهز رأسه لها : منيح كتير هيك غمزت السنارة
شوف آيدين هالمرة / المرأة / مانا سهلة بالمرة ، انا بدي ياك تطلع معا و تعمل شو ما بدا !
غضن جبينه فهو حقا لا يفهم ما يقصصه ايميل على رأسه طوال الوقت : ادخل ارجوك في الموضوع
: طيب : هاي المرة بتحب الشباب الزغار متلك ، تحب الرجال الحلوين فهمان عليي ، ولكن طريقتا معن مختلفة ، يعني بتحب تكون هي المسيطرة فهمان علي ايش عم قول !
قال وهو قد بلغ الغيظ عنده مبلغه : ماذا تعني ، سادية !
رفع ايميل وجهه عن الطاولة وهو كأنه يحتفل : عليك نووووور يا عيني
اخذ ينقر على الطاولة : بدنا معلومات عن بيا وينو .. بيا من سنين دخل برنامج حماية الشهود و بدي اعرف مطرحو وما راح نعرف الا منا شخصيا !
قال مستفسرا : ما قصة ابوها لما يهمك معرفة مكانه ، هل شهد ضدكم !
هز ايميل رأسه موافقا : اي شهد بيا ضد عمي كان عم يشتغل معو و بعدين لقينا عم يشتغل ضدنا مع الحكومة و بلغ عن عمي و صار تحت الحماية !
يعني عمل لعمي كمين ما عرف يطلع منو وعمي مخلل بالسجن !
التفت اليها مرة جديدة ولاحظ انها لم تكف عن النظر اليه و التفرس فيه ، وهي في هذه المرة تحمل سيجارا تنفثه في اتجاهه على مهل حتى عيناها غامتا بالرغبة وقت ما طارت ضبابة السيجارة بينهما
: لا افهم كيف لها ان تكون قاضية اذن ، هل يعلم الناس بما تفعل وعما تفتش و ما ميولها ؟!!
رد عليه ايميل وهو يشعل سيجارا كوبيا يشفطه ثم يحرره : هون يا حبيبي مو متل عنا ، هون حرية الجنس مكفولة ، حتى راقصة التعري ازا بدك راح تصير شرطية ، كلو اكل عيش وكلو بيبرر لكلو كيف راح ياكل هالعيش ، فما تدقق كتير ، هون ما الن رب يفكروا فيه ولا قانون يردعن و حرية الجنس وانو تعمل شو ما بدك بجسمك هيدي مشكلتك الشخصية وما لاحدا دخل فيا
: ماذا تريد مني ان افعل الان ، ان ارتمي عند ساقيها !
نادى على الويتر كي يجلب لهم الطعام : اي بدك تعمل هيك ترتمي عند رجليا و تاخذ منا اللي بدنا ياه بالقوة بالطيب بالعنف ما بيهم لما تستفرد بيا اعمل شو ما بدك بس جيبلي عنوان ابوا في اي بلد هوي !!
شوف حبيبي ازا راح تروح معا لازم تتحمل اللي راح يصير فيك ، اشربلك شي قوي والا خذلك شي جرعة ما راح تحس انت شو عم تعمل ولا شو عم ينعمل بيك
: ايميل لم تجرب من قبل معها ؟!
ضغط بسيجاره على المطفأة : اييييه يا عمي جربت كتير وما عرفوا يتصرفوا معا لك طلعتن من عندا هالبنت الكلب خالصين ع الاخر حتى ما يعرفوا يمشوا فكيف بدك ياهن ياخدوا منا معلومة !!
ارتخى بكامل جسده على الكرسي خافضا لرأسه ، المرأة تعجبه حقا تعجبه فهي جميلة و نظيفة اما ما تفعله وما يتخيله منها لا يخطر له ولا يستطيع كرجل شرقي ان يتحمل فعله ، هو من تكون في يده دائما زمام المبادرة و القيادة في الفراش والا فلا!
نظر اليها مرة اخرى وهنا تحرك من مكانه يسمع كلمات ايميل من خلفه : وحششش لك يقبرني قلبك
اتجه لها فاستقبلته بابتسامة واسعة بريئة لا تعكس ابدا ما قيل عنها ، تمكن آيدين تلك الايام من لغته الانجليزية فأصبحت تماما لندنية فخمة لا تشبها شائبة كذلك مظهره لا يوحي ابدا انه عربي بل يبدو خليط غير متجانس من اعراق مختلفة تميل اغلبها للأوروبية جلس ملاصقا لها لم يعد يأبه لعيني إيميل الذي يستمتع من بعيد يرى تلك المتعة في عينيه لكنه تجاهله وركز على المرأة الجميلة التي مالت عليه في دلال : رأيتك تنظر لي من بعيد !
فقال في صدق : ومن ذا الذي يراكِ ولا يلتفت لكِ فأنت ِ امرأة جميلة و جذابه وانا محظوظ الليلة لكوني ضيفك على الطاولة !
التفتت له بكامل جسدها : آهه ، فقط على الطاولة ، اعتقدت ان عيناك قالتا اكثر من ذلك !
مال عليها حتى كاد انفه يلمس عنقها : نعم قالت الكثير فلنتعارف اولا : انا جاك !
مدت يدها باتساع الابتسامة : وانا ماريا !
: حسنا يا ماريا من اين نبدأ ، هل تريدين مشروبا فطاولتك على حسابي الليلة ، ومن ثم العشاء !
مالت عليه هامسة : ما رأيك ان نتوقف جميعا عن الشرب و نخرج الى حيث بيتي هناك سنشرب و ناكل و نتمتع بوقتنا ما رأيك
رفع حاجبه مرحبا : حسنا لا مانع عندي تفضلي يا سيدتي !
فتح لها الطريق و تركها تقوده الى حيث شاءت ، كانت تملك سيارة لمبورجيني تقف في الخارج مبهرة بتفاصيلها ركب بجانبها وهي تقود لم يتبادلا الكثير من الكلمات بل كل كان يفكر في امر يخصه ، هي في كيف ستسحبه الى الفراش فهو مخطيء ان كان سيكون سيد هذه الليلة وهو يفكر كيف سيجعلها تفعل ما تريد به !
عندما وصلا لبيتها الذي يقع في شارع هان ويل ، كان الجو لطيفا فهم في عز الصيف ، نسمات هواء عليلة و الشوارع مكتظة و الليل يفرد اجنحته على المدينة بكاملها ، اوقفت السيارة و امنتها و نزلا كلاهما منها ، هو قد بدأ التوتر يغزوه ، وهي كانت باردة كقطعة ثلج تفكر و تخطط فقط اشارت له بيدها التي تحمل فيها المفاتيح : مرحبا بك يا جاك تفضل من هنا
دخلا ، كان البيت كبيرا و جميلا وذا اثاث عتيق و يطل على حديقة غناء و بحيرة صغيرة في قلب الحديقة تحيطها الاشجار الوارفة ، اخذ يجول بعينيه في المكان وهو يلمس القطع و التحف الاثرية بيده حين رآها تتجه الى البار و تسكب كأسين ثم تقدمت ناحه مدت له كأسا و شربت هي جرعة من كأسها : أين تسكن يا جاك وماذا تعمل !
اجاب وهو يطاطأ راسه حين شربه : انا لا زلت ادرس في الجامعة
هزت رأسها برضى : لطيف وماذا تدرس
: امم وهو يبتلع ريقه : ادرس محاسبة فربما اعمل في بنك في المستقبل
رفعت كأسها متمنية له ما يحب : في صحتك يا جاك
رفع كأسه قليلا لها وهو في الحقيقة يريدها ان تدخل في الموضوع مباشرتا فطريقة التسويف في العلاقة مقيتة مملة محرجة وتفقده الرغبة
وضع كأسه على الطاولة وهو يتقدم ناحها في سرعة يخلع الجاكيت الذي ترتديه في وسط ذهولها : اعتقد اننا انا وانت نعرف لما نحن هنا فلا داع لتضييع الوقت ، اخذ ينزع عنها ملابسها في لهفة و هي سمحت له ان يفعل ما يريد اولا حين اخذ يقبلها بهمجية و يرفع يده يداعب ثدييها حتى جعلها تدوخ من حركته فيها فيما اخذ هو الاخر يخلع عنه ملابسه واحدا تلو الاخر حتى جذبها للسرير القاها هناك وصار فوقها و لكنها في حركة واحدة سريعة حرفية منها قلبته وصارت هي فوقه ، طقطقت له بلسانها اللعبة تجري حسبما اريد انا ، تركها تفعل ما تريد حتى انها قيدت كلتا ذراعيه في السرير و قيدت ساقيه ولم تكن غبية فيما تفعل قد كانت متمكنة حتى انها قد جعلته يأن مرات عديدة حتى وصلا للنشوة معا حين مدت يدها تضربه على صدره بقوة كصفعة رنانة : هل اعجبك
كان يغمض عينيه عنها وهو لم يحتمل ما تفعله به فقد تزهق روحه ان فعلها مرارا معها اخذت تزيد في ضربها بين ساقيه وبين فخذيه و على صدره ثم قامت لتجلب لعب اخرى اكثر وحشية ، كان تعذيبا جسديا اكثر منه جنسيا ، كان يصرخ بها : كفى حرريني يكفي لا اريد المزيد هيا حرريني يا لك من متوحشة ،
هزت رأسها وشعرها كان يهتز معه جيئة وذهابا : اصبر اصبر نحن فقط في البداية الست رجلا لتحتمل كل ما يحصل لك ! ها قلي الست رجلا وهنا صفعته على وجهه بقوة وهي تهجم على شفتيه
قد احتمل كثيرا كل ما فعلته حتى مرات تققيدها له في تلك الثياب السوداء حين كممت فمه و اغلقت له عيناه و صفدت له يداه الى الخلف حتى صار راكعا نال جلدا حاقدا كانها تضع غلها به كأنها تكره الرجال و تتفشش بهم وتظهر قوتها عليهم ونال ايضا دغدغة و حب لم يجربه في حياته و لم يخطر له يوما على بال حتى انتهت من كل امرها وحررته و جعلته يجلس على السرير هالكا متعبا يريد النوم فقط يمد يده الى طرف فمه ليرى الدم على اصبعه حتى انفه كاد يتهشم و عظامه تأن من قوة دفعها له وهي استلقت جانبه تنظر للسقف متعبة لاهثة : يا الهي كم انت مسياس و مطواع !
اغلق عينه فوالله الذي نفسه بيده يريد الان ان يلتفت اليها كي يلف يده حول رقبتها و يخنقها حتى الموت ولكنه تمالك نفسه : هل تعيشين هنا لوحدك !
هزت رأسها : نعم سابقا كنت اعيش مع صديق ولكنه تركني !
: ألكِ اي صلات اخرى اب او ام او اخوة
انكرت بسرعة : لا ليس لي اي صلات ، ابي تركنا منذ زمن و امي ماتت ولم يكن لدي اخوة
اغمض عينيه بصبرفهو في الواقع لم يعد يحتمل ان يستلقي هنا ولا اي ثانية اخرى يشعر بالقرف و انه سوف يستفرغ كل ما في جوفه بسببها : تكذبين
التفتت عليه بعينين مصدومتين حين كرر: تكذبييين
التفت اليها الان وكل عيناه شرار و نار : اين هو والدك
قفزت بسرعة من السرير ارتدت عليها روبا ملق بجانبها : ماذا تقول من انت !
قفز هو الاخر متجها لها يحصرها بين السرير و الخزانة : قلت لك قولي لي اين والدك !
اتسعت عيناها رعبا فحاولت تخطيه ودفعه ولكنه شدد من مسكه على رسغها حتى كاد يهشمه : قلت لك قولي قبل ان يحصل مالا تحمد عقباه
صرخت به : وماذا ستستفيد ، بمجرد ان تخرج سأتصل بالشرطة و يسجنونك و يغيرون مكانه لا تكن ابلها !
رفع يده الى رقبتها يضغط عليها بكل حقد : تعرفين ستدفعين ثمن كل ما فعلته بي الان ، صفعها صفعة التوت لها رقبتها ورمتها على السرير مصدومة حين شد شعرها من الخلف يشدها اليه : الن تقولي اين ابوكِ كان يشد على اسنانه و وجهه منتفخ من الغضب فجلده لا زال مزرقا من جلدها له و عضوه يؤلمه من كثرة ما مارست معه بغير ارادته هزها هزا مريعا وهو يلوي ذراعها : قولي او اكسر لك ذراعك قولي هيا
صرخته كانت مجلجلة وهو يرفع الروب عنها و يهمس بحقارة عند اذنها : تدرين اغتصابك لي لن يقارن بما سأفعله بك ، هل تعلمين كيف يغتصب الرجل المرأة حسنا ستختبرين ذلك هذه الليلة ايضا
صم لها فمها بيده ضاغطا بقوة كادت ان تخلع لها فكها و كادت ان تفقد النفس و احمرت عيناها كانها الدم و هو كان يغتصبها بلا رحمة نالت منه ضربا عنيفا حتى صار لونها بنفسجيا و تهتك جلدها لم تعد قادرة و الدموع تنهمر بلا رحمة تنسكب على يده : صرخت بصوت عال مخنوق سأقول سأقول انه في التشيك في التشيك دعني الان دعني ولكنه لم يدعها حتى لف يده حول رقبتها انتقاما : هكذا نكون متساويين ايتها العاهرة اتظنين انني ساتركك وانت الشاهد الوحيد لا ليس كذلك يا عاهرتي
ضغط حتى خرجت اخر انفاسها ثم تركها بقرف يبعد يده عنها يبصق فوق جثتها الهامدة و يتصل بإيميل الذي كان على احر من الجمر رفع الهاتف ملهوفا : بشر
: اجلب لنا رجلا مخمورا وارمه فوقها بينما انظف الفوضى و امسح الاثار !
فتح ايميل عينه عن اخرها : قتلتا ، وينو بيا
: في التشيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق