( ٢ ) آخر أنثى قبيل وصول التتار



( ٢ ) 

أخي
عند الفجر سكرانا .. 
من سماه سلطانا ؟. 
ويبقى في عيون الأهل 
 أجملنا .. وأغلانا .. 
ويبقى – في ثياب العُهر – 
أطهرنا .. وأنقانا 
 يعود أخي من الماخور .. 
مثل الديك .. نشوانا .. 
فسبحان الذي سواه من ضوءٍ .. 
ومن فحمٍ رخيصٍ .. نحن سوانا .. 
وسبحان الذي يمحو خطاياه 
 ولا يمحو خطايانا ....
ومن فحمٍ رخيصٍ .. نحن سوانا .. 
وسبحان الذي يمحو خطاياه 
 ولا يمحو خطايانا ....

لا ادري ما يحصل و الخوف يتآكلني كالحديد الصدأ 
فيحي قد دخل مسرعا كالإعصار الى حيث والدي المكفهر المسود الوجه ، قبلها زهرة التي دخلت عليه لساعة وخرجت ووجهها لا يُفسر !
ومن ثم الآن شعيب الذي وكأن الدنيا انقلبت عليه يسارع خطواته المتباعدة و انزل زوجته و ادخلها الينا دون كلمة تذكر !
اقف عاجزة قلبي يقول ان هناك امر جلل حدث !
امر يمس القبيلة لا بل امر يمس اخوتي شخصيا !
اقسم انه لمن سيمس اخوتي بسوء سأكله على فطور ولن يشعر !
لا تستغربوا 
فهذه انا صبا 
البنت الوحيدة للشيخ صالح 
على الاقل وحيدته من زوجته الاولى !
اخوتي وابي هم خط احمر في حياتي ومن يتخطاه فالموت دونه !
من اجل اخوتي انسف اي علاقة لي ولو كانت حميمة مع احدهم 
افدي اخوتي وابي بدمي !
لمن لا يعرفنا فليسأل عنا 
نحن اصحاب السلطة و الجبروت و القوة و السطوة و النفوذ
نحن كما تطلق علينا بقية القبائل .. مافيا الشمال !
كنت انظر الى السماء تارة والى زهرة الواقفة خلفي الخالية الوجه من اي تعابير تذكر 
لا ادري ما دار بينها وبين والدي 
تقبع مستندة على باب الحوش الكبير متكتفة الذراعين حول صدرها و جامدة جااااامدة حتى يخيل لناظرها انها لوحة في بروازِ ذالك الباب الذي تقف امامه لا شيء فيها يتحرك و لا حتى رمش عينيها ، تخيفيني احيانا تلك الزهرة الصامتة المنطوية على نفسها !
عروس شعيب التي دخلت علينا و ما ان جلست بقرب امي حتى احتضنتها 
امي قلبها رقيق رقة مناديل الورق !
حين جذبت رباب الى ذراعيها و غمرتها في احضانها و سقطت دموعها من اجلها وجدت نفسي امسح انا ايضا دمعي من خدي !
شعرتُ لأول وهلة حين دخلت علينا بالخوف الشديد من لمسها او تقبيل وجنتيها 
لكن ما ذنبها هي ان كانت عائلتها الوسخة قد رمتها تحت اقدام اخي !
وجهها ثابت التعابير غير لمحة الاستغراب التي لمحتها حين دخولها علينا !
يا ترى كيف قضت اولى اللحظات مع شعيب ؟!
غضنت جبيني بقوة و انا انفض افكار من رأسي فهذا ليس بالوقت المناسب لافكر بزوجة شعيب فسيأتي وقتها !!
اما الان وانا ارى البوابة الخارجية تفتح و تدخل منها اربع سيارات رباعية الدفع شعرت بالرعب و خوف شديد اجتاح كياني و قشعريرة بردت منها اطرافي شعرت بطنين في اذني و ظلمة امام عيني و ارتخاء في اقدامي فما عدت اقوى الوقوف و انهرت على الارض على مرأى من زهرة التي جرت علي و امسكت بي من تحت ابطي فهذه الحالة من انخفاض الضغط تنتابني كلما شعرت بضغط على اعصابي !
لم ارى احدا غير انني اعرف اصحاب هذه السيارات سألت زهرة ذاهلة عن حالي و انا استرجع بصري شيئا فشيئا الى ان اتضحت صورة زهرة الجالسة على الارض مثلي تشدد قبضتها على عضدي و هي تخرج حبة الضغط من جيبي و تضعها في حلقي لامضغها !
بالكاد خرجت الكلمات من فمي و انا اشعر انني قد جريت في هذه اللحظة مئات الامتار اشعر بوهن و تعب و الم شديد في قلبي !
و شعرت بدمعي يجري على خدي و نشيجي لم يقوى على كبت نفسه الا وخرج متراكضا انفثه من حلقي : من جاء لا تقولي انه ....... 
صمت لا اريد ان اعرف !!
لترد زهرة في هدوء و صوتها اجوف تماما !
فصدمة زهرة في شعيب و في زواج شعيب بهذه الطريقة لا اتخيلها !
فكرت لوهلة هل ابي كان يعلم مسبقا بهذا الزواج ؟! فانا لم ارى منه اي رد فعل حين دلف خارج غرفته و لحقت به زهرة ثم يحي ؟!!
اجلت افكاري المتلاحقة قليلا احتاج الى الراحة من التفكير 
فـــ همّي الان كبيييير و قلبي لم يكف عن الجري وكأنني في حلبة سباق !
اعمامي ..
مسعود و سعيد و امحمد !
و ابني عمي سعيد .. منذر و مؤيد !
عمي سعيد هو الاكبر في اخوته و ابي هو الاوسط بينهم !
عمي محمود رحمه الله كان يقطن الفلة الملاصقة لنا ليس بيننا وبينهم جدار !
الان ارملة عمي هي زوجة ابي و زهرة و حنان و زكية الصغيرة ..  بناتها !
اما زكريا سمي جدي و حفيده المقرب وشقيق زهرة  قد هاجر بعد موت غالية بأيام ، لا استطيع ان اتخيل تلك الايام التي مرت على كليهما .. يحي و زكريا ! 
لم يرغب احد بمشيخة القبيلة بعد جدي زكريا رحمه الله الذي مات في سجنه ظلما و عدوانا ، الذي كان ساعده الايمن و عضيده و الرجل الحقيقي امام الصعاب هو والدي اطال الله في عمره وهو من اختار اسماء اخوتي شُعيب و يحي لهما تيمنا بالأنبياء ولكن اخوتي ليسوا بأنبياء ولا بتابعين حتى !
ابي شديد البأس و القوة كلمته كالسيف ، ان اخرج كلمة من فمه فهي كحكم الاعدام لا رجعة فيها !
منذر وآآآآآآآآآآآآآآه والف اه من منذر !
في غمرة افكاري تزلزلت الارض و خرج صوت مرعب اطاح بقلبينا و جعلني اكاد افقد وعيي بين ذراعي زهرة التي تمتمت بالتعوذ من الشيطان !
هرج ومرج اعتلى المجلس الخارجي و صوت الصراخ المرعب لم يكف !
اعرفه جيدا .. انه صوت منذر !
شعرت انه سيوشك ان يحطم الجدار 
كما حطم احلامي الواحد تلو الاخر !
امسكت بقلبي بشدة وانا ابكي وقفت و جررت رجلي الى حيث حطام رجل يكاد ان يبلغني بأحد شظاياه !
في كل خطوة قلبي يزداد طرقا و لكن لغرابة مشاعري توقفت عن البكاء !
مسحت وجهي جيدا و في كل اقتراب مني تقفز جملة من فم احد اخوتي يريدون وقف جنون ذاك المجنون .. منذر !
سمعت ما دار بينهم ولم اجد نفسي الا وانا اقتحم المكان و عيني تدور في تلك الوجوه الواجمة المحدقة في كل على طريقته 
منذر من استشاط غضبا لرؤيتي رأيته يتقدم في اتجاهي 
كنت صلبة، صلبة كالحديد !
رفع يدي الى شفتيه وهو يقبلها بنهم دون خجل ممن يقفون ورائه 
اول مرة ارى دموع منذر 
انه يبكي 
خرجت الكلمات من فمه بنشيج رجل لم اسمع له مثيل قبلا ! : صِبا كنتُ اول من حملها على يدي عند ولادتها ، نظر الى عيني يرفع خصلة من شعري وراء اذني كان في حديثه شجن لم اسمعه منذ زمن الازمة بيننا ! : كنت اغني لها ما طاب لها من اغان طفولية !
كان يدمدم بها و صوته يتردد بشجن مميت لقلبي مؤلم هذا الشعور بالوحدة و العجز 
مؤلم رؤية رجل احلامي وعيناه تفيض من الدمع من اجلي .
انتهى اخيرا كل شيء يا منذر 
انتهى دون وداع ودون كلمة ودون انذار !

صبا الوعد الذي وعدتموني به قبل ان ابلغ !
رفعت يدي اليمين ببرود الى يده التي تحتضن كفي اليسار و فككت اصابعه منها ! قلت بهدوء : انت من تركني يا منذر !
اجل تركتني معلقة تماطل في الوصال 
كما ماطل شعيب مع حنان حتى ماتت 
وكما ماطل يحي مع غالية حتى ماتت 
وكما ماطل شعيب مرة جديدة مع زهرة حتى ذبلت !
هل تنتظرني ان اموت او ان أُقتل كي تبكي على الاطلال 
كي تتأكد حقا انك تحبني و انني كنت حبك الوحيد كما فعل اقرانك ممن يقفون خلفك ؟!
رفعت وجهي الى اخوتي و اعمامي و ابي و انا اقول : انا موافقة على الزواج من صدّيق ! 
كنت كمن رفع خنجرا و طعنه به مرارا و تكرارا كنت باردة باااااردة مستعدة ان اسحق اي حشرة تقف في طريق ابي و اخوتي حتى ولو على حساب نفسي !
جلس والدي يستغفر !
اما يحي و شعيب فكانا اسودي الوجه !
اما هوفكانني سحبت الهواء من رئتيه وجهه احتقن بسواد مرعب و عيناه جحضتا فبان احمرار جفنيه نظرته كانت ستشطرني انصافا تضاعف حجمه حتى شعرت انه سيسحقني و قبل ان يخطو خطوته القاتلة تجاهي امسك به يحي و شعيب بقوة وجسده يندفع تجاهي وانا تصنمت و كانني اشاهد مشهدا سينمائيا كان جسده الهائج يبتعد عني وجسدي اخوي يطبقان عليه و صوت هيجانه وصراخه بعثر اخر قطعة تركيب في كياني !
واعمامي فكل منهم اخذ ينفث انفاسا حارقة شعرت ان جوو المجلس اصبح ساخنا لا يُطاق فخرجت راكضة الى حيث غرفتي اغلق بابي علي و انتحب بهدوء مميت !
.
.
.

دخلتُ الى بيت العائلة و اغلقته خلفي وانا ادير المفتاح في القفل وما ان استدرت حتى سمعتُ صوتها القوي النبرة ، كم يرتج قلبي بين اضلعي حين اسمعها تناديني بهذه القوة ، التفتُّ لها ببطء شديد انظر الى عينيها من كانت حااااادة كحدة موس حلاقة ! تضع الخمار الثقيل الاسود براحة و هدوء فوق وجهها الأسمر بينما تقول و هي تتجه نحوي في تؤدة : خذني الى رباب !
احيانا تزرع الخوف في نفسي بتلك النبرة وذالك المظهر تزعزع قناعاتي و تشككني في نفسي  ، لأقول وانا انظر الى وجهها المغطي بالكامل وكأنها قد قررت انها ستخرج الان برفقتي او بدوني ! : ليس الوقت وقت زيارات يا نجلاء !
وضعت كف فوق الاخرى ورأسها يرتفع الى مستوى نظري وتقول بصوتها ذو البحة الخالصة : انا لست ذاهبة للزيارة ، ذاهبة لاعطيها ادويتها و علاجها و مواعيد مستشفاها ، ام اننا ايضا سندعها تموت على فراشها كاليتيمة ! ، جاوبني يا اخي يا ابن امي وابي !
اغلقت عيني بقوة فنبرة التحقيق و التحقير لا تنفك تخرج من بين شفتيها في كل كلمة ، اخذت اقول : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم !
لترد في سرعة بديهة : اجل تعوذ من الشيطان لعله في يوم ما سيستمع اليك و يخرج من جسدك العفن !
وجدت يدي تمسك بخناقها بقوة تكاد ترفعها من الارض و عروق يدي قد برزت و مفاصلي اصابعي قد ابيضت و هي تختنق و يداها الاثنتان تمسكان بيدي بقوة كي تبعدهما عنها ، كنت اشدد قبضتي عليها وهي تحرك رأسها تحاول تحرير رقبتها لا ارى ملامحها المغطاة و لكنني اقسم ان وجهها اصبح كالجمر و عينيها مبحلقتان برعب صارت تضرب يدي بهوان و حنجرتها تخرخر كأنها ستخرج روحها الى ان ارخيت قبضتي عنها وانا اتنفس الصعداء بقوة و برود : لا تتحديني يا نجلاء فالأمر ليس في صالحك !
لم تنطق الا بجملة واحدة بحزن كبير خرجت منها ، الجمتني : هداك الله يا صدّيق هداك الله !
انتزعت مفاتيح الباب من بين اصابعي و فتحته وخرجت، اضطريت للخروج خلفها والاذعان لمشيئتها !.
اخي انت كما قال فيك القباني : 
عند الفجر سكرانا .. 
من سماه سُلطانا ؟. 
ويبقى في عيون الأهل 
 أجملنا .. وأغلانا .. 
ويبقى – في ثياب العُهر – 
أطهرنا .. وأنقانا 
 يعود أخي من الماخور .. 
مثل الديك .. نشوانا .. 
فسبحان الذي سواه من ضوءٍ .. 
ومن فحمٍ رخيصٍ .. نحن سوانا .. 
وسبحان الذي يمحو خطاياه 
 ولا يمحو خطايانا ....
ومن فحمٍ رخيصٍ .. نحن سوانا .. 
وسبحان الذي يمحو خطاياه 
 ولا يمحو خطايانا ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...