( 7 ) آخر أنثى قبيل وصول التتار


( 7 ) 


أسائل دائما نفسي


اليوميات 

مثل أشعة الفجر .. 
ومثل الماء في النهر .. 
ومثل الغيم ، والأمطار ، 
والأعشاب والزهر .. 
أليس الحب للإنسان 
عمراً داخل العمر ؟.. 
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟ 
طبيعياً .. 
كأية زهرةٍ بيضاء .. 
طالعة من الصخر.. 
طبيعياً .. 
كلقيا الثغر بالثغر .. 
ومنساباً 
كما شعري على ظهري ... 
لماذا لا يحب الناس .. في لينٍ وفي يسر ؟ 
كما الأسماك في البحر .. 
كما الأقمار في أفلاكها تجري.. 
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟ 
ضرورياً .. 
كديوانٍ من الشعر .... 
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟ 
ضرورياً .. 
كديوانٍ من الشعر ....
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟ 
ضرورياً .. 
كديوانٍ من الشعر ....

تعلمت من الحياة أن دموعي لن تجرح سوى قلبي، لن تشعر بها سوى روحي، لن تترك آثار قهرها سوى على خدي، تعلمت من الحياة أن أكتب أحزاني وآلامي وجروحى بيدي على جدار قلبي وأجعلها كالسر المدفون بنبض قلبي لا تراها سوى عيني لا تحفظ سرها سوى روحي، تعلّمت من الحياة أنه لا مخلوق على وجه الأرض سيحبني ويخاف علي ويحافظ علي سوى أنا فقط وليس غيري
عبيركك/

في ساعات الصباح الاولى ، حين فتحت عينيها لأول وهلة 
ثم انتفضت قائمة بصعوبة ، لطريقة النوم الخاطئة فهي ساقاها كانتا تلامسان الارض و ظهرها طوال الليل ممدد على الفراش ، لم تتقلب ذات اليمين ولا ذات الشمال ، غفت عينيها كالميتة تماما 
كان جلبابها في حالة يرثى لها و شعرها متداخل و تشعر بتورم عينيها و بآثار الدموع على جفنيها و خديها ، نفضت شعرها و حركت عضلاتها و هي تهاجمها التعاسة و كل القلق و المشاعر السالبة التي اختبرتها البارحة فقط .
بحثت بعينيها عن حقيبتها ، اختفت ، لربما بالاسفل او في غرفته او في اي كان من هذا البيت الملعون ! 
شعرت بالخوف و الجزع و الباب يطرق ثم تدخل منه فتاة ممتلئة الجسد بشكل مثير ، كانت قصيرة ذات شعر اسود كثيف جدا ، ترتدي ملابس الخدم بلوزة حمراء و تنورة سوداء حتى ركبتيها ، كانت جذابة الملامح ، نظرت في وجه نجلاء : صباح الخير سيدتي ، قد احضرت لك الفطور ، بالامس كنت قد نمت بلا عشاء ! 
جاءها صوت نجلاء المبحوح بقوة بسبب تجرح حنجرتها : كم الوقت الان 
: مبكرا يا سيدتي حوال السابعة 
:اين الجميع 
قد خرجوا لأعمالهم ، و السيدة الكبيرة و السيدة الصغيرة تستعدان للخروج من اجل العرس .
تنهدت بضيق ، كيف لهم قلب بأن يحتفلوا وهي حياتها تدمرت بالكامل ؟!
سألت في حرج:  كيف حال رباب 
كانت قد وضعت الافطار ورتبته على الطاولة و تفتح الشبابيك و تزيح الستائر:  قد اخذوها اهلك بعدما اجتمعوا البارحة!
اذن هل حُل الامر ؟ ام لمجرد النقاش في كيف سيتعاملون مع الوضع و يشهرون الزواج المزعوم؛  لما لم يطلب والدها رؤيتها؛  ابتسمت بحزن مع نفسها " على من اضحك  ؛ على نفسي؛  فحتى الصادق المختفي لم يأت والدها على سيرته ابدا " 
نفخت بهم من بين شفتيها و هي تلتفت للخادمة التي تحدق بها و تنتظر اوامر منها 
هممم ما اسمك ؟! 
اسمي مليكة يا سيدتي ، 
هل انت الخادمة الوحيدة هنا 
لا و لكنني الوحيدة المسموح لها التجول في القصر و الاطلاع على اخباره ، فركت يديها " اقصد تلبية الطلبات " ، و الباقي لهم مبيتهم الخاص بعيدا قليلا عن القصر ! 
حسنا يا مليكة اريدك ان تجلبي لي حقيبتي 
تبرمت مليكة بوجهها : أخشى انني لا استطيع ان اخدمك في هذا يا سيدتي فالحقيبة في عهدة السيد ! 
ضربت بيدها بقوة على السرير وهي تشعر بالحنق رفعت رأسها لها : اريد هاتفا 
اومأت الاخرى برأسها موافقة دون كلمة .
فكرت بعمق قبل ان تسأل سؤالها : هل بإمكاني الخروج 
فجاءها الجواب متفهماً متعقلاً : لا انصحك يا سيدتي ، فلأوامر مشددة على ألا تخرجي ، وإن خرجتِ ستتجول معك الكاميرات و إن فكرت في الخروج للبعيد فالأمن سيتولى الامر ! 
فتحت عينيها بذهول " كل هذا من اجلي ؟! ، والله لو كان معتقلاً لعاملوها ببعض الحرية ! ، لربما امرهم ايضا الا تتنفس ، ذاك البائس ، شعرت بالحنق و هي تقفل الأمر و تشير بيدها للخادمة للخروج .
و لكن قبل ذالك سمعت هرجا و مرجا اقدام كثيرة تركض في البيت تصعد الدرجات ، اصوات عالية ، صراخ بعض الخادمات ، و اصوات رجال و اشهار سلاح ، ضرب قلبها و صارت ترتعد بعنف شديد و فكها يصطك و عينيها منفرجتان جاحظتان 
تراقصت ركبها بقوة و هي ترى خيالات كثيرة و بدل زرقاء تقتحم عليها الغرفة حتى صرخت مفجوعة برعب و صعدت بلا ارادة فوق السرير تحاول الابتعاد او حتى القفز من الشباك ان لزم الامر ، توافق الامر مع دخوله هو و صراخه الشديد العالي من اين جاء لا تعرف : اخرجوا هيا للبيت حرماته 
فأخذ الاخر يشرح له محاولا تبني الهدوء : قد وصلنا بلاغ عن اختفاء السيدة نجلاء معاذ بن هلال منذ البارحة و بشهادة الشهود ان آخر مكان قد شوهدت فيه هو هذا المكان ، و ها انا ارى الوجه الذي يتطابق مع الصورة ! 
كان غاضبا غاضبا جدا وجهه محمرا و عروقه تتفجر : اقسم بالله ان لم تخرجوا من هنا سيصل الدم للركب ! 
كانت فقط تراقب مفجوعة مذهولة مما وصلت اليه الامور 
حين اشهرت الشرطة سلاحها في وجهه عند دخول يحي ووالده للغرفة شديدو الحنق وعلى اعصابهم صرخ فيهم والده : ماذا تفعلون ، كيف تعتدون على بيت وسط النهار 
: يا سيد هذا ليس اعتداءا ، هذه السيدة مخطوفة ! وهنا البلاغ 
حين رأى الورقة التي هي بلا توقيع من المبلّغ 
 و بأوامر من تهجمون على البيت كالهمج 
 اوامر عُليا
:صدح صوته من الغيظ كمن يريد تفجيرهم جميعا : عُليا او سُفلى لا تهمني هذه زوجتي يا بني آدم 
نظر الشرطي اليها و حالتها المريعة يتفحصها كالصقر : واين هو عقد الزواج 
اخذ والدها يضرب بيده محوقلا ، و يحي يجيب : لا زال في المحكمة للتصديق عليه .
توجه الشرطي اليها محاولاً جرّها من ذراعها : اذاً سنأخذها معنا الى حين اثبات صحة هذا الزواج !
لم تصدق عناد الشرطي و الى اي مدى قد اوصلهم بتصميمه على رأيه ، حتى وجد شعيب يمسك به من رقبة بدلته يرفعه عن الأرضِ مغاضباً : سأربيك و اربي من ارسلك و اقطع ذراعك التي لمست طرفا منها  ! 
اخذه تحت عيون الحراس رمى به خارج الحجرة يتوعده بالويل و الثبور و عظائم الامور 
صراخ من الخارج : نحن الحكومة اننا الحكومة 
رد ببرود قاتل برفعة حاجب مستنكر : هذا ان كنت اعترف بها و ان عتبت ساقيك البيت مرة اخرى فاعتبرها لم تكن ! 
خرجت الشرطة ثائرة،  وهم كل منهم اخذ يحدق في وجه الاخر بحنق حتى قال بغل صارخا  : اين هم البهائم الذين سمحوا لهم بالدخول !
خرج على اثرها ينتوي عقابا لكل من كان يحرس البوابة ولكن قبلها رمى بنظراته المستشيطة تجاههها و كأنه يتوعدها!  
اخرج والده هاتفه ينتظر بقلق : مؤيد اريد ان اعرف من قدّم هذا البلاغ .
سأنتظرك .
اغلق الهاتف و خرج يلحق به يحي الذي انخفض صوته بالقول : لابد انه اخاها المعتوه يريد "  لي "  ذراعنا ، 
حتى حين فرغت عليها الغرفة ،
جلست اخيرا و قلبها لا يُقارن حتى بقرع الطبول يديها ترفعهما في وجهها ترتعشان بشدة ،فما بالك بحال وجهها الذي انسحبت منه الدماء : كيف يفضحها صدّيق بهذه الطريقة الوسخة ، يفضح عرضه ، اخته من لحمه و دمه وهو من سلمها بيده ! 
 حاولت ان تمسك بالوسادة بين يديها لتخفف من حدة الموقف الذي كان جهنميا ، ارتخت بشرود شبه مميت على السرير .
.
.
.
في حين خرجت صبا و امها لسوق الذهب ، اخترن العقد الثقيل بذهب قيراط اربع و عشرين يمتد من الرقبة الى الساق ، و الخلاخيل و النبائل و الشناقيل و كثير من الخواتم الكبيرة من الذهب و العقيق و الزمرد ، اساور و خميسات و كل ما يخطر على بال من ذهب و عقود من  القرنفل ، تم تغليفهم بفخامة كي يتم عرضهم يوم الحنة ، اخترن البدل العربية من الحرير الصافي بألوان بديعة ، كن يتحركن كالنحلات في نشاط و همة ، يجمعن لنجلاء بعض الثياب الفخمة التي سترتديها في المناسبات امام الناس ، كان يوما مرهقا لكلتيهما و هن محاطات بالحرس يحملون عنهن الاكياس و السلال الثقيلة .
جلسن في استراحة يشربن المرطبات و يأكلن بعض الكيك بالكريما ، حين كانت والدتها شديدة الشرود ، تبدو متعبة للغاية ، تتنهد في كل ساعة ، و تطرق رأسها كل فينة ، علاقة والدتها بوالدها سيئة جدا و اكثر من الجد بمراحل ، تعلم ان امها لم تبقى في المنزل الا لأجلها هي وحدها ، لا تعلم هل عندما تخرج من المنزل لمنزل زوجها ان تطلب امها الطلاق : امي ان كنت متعبة نرجع للبيت و نكمل لاحقا 
ابتسمت بطيبة و بعينين تترقرقان من الدمع : انا احمد الله ان احدهما قد قرر الزواج على رؤوس الاشهاد ، قد تخطيا الاربعين و هما يظنا انهما لا زالا طفلين غضين .
اخيرا الفرح سيدخل بيتنا من الابواب ! 
صمتت امها وهي الهواجس تتداخل في مخيلتها و الطلاق المفترض !
لا فقلبها يرجف حين تفكر بذالك ، لا طلاق بعد هذا العمر و كل هذه العشرة ، ماذا سيقول عنهم الناس ؟! 
تدعو الله ان يحنن قلب امها على والدها الذي سعى مساع حثيثة من اجل ارضائها ولم يقدر ، ثقّلها بالذهب ، و كتب عقارات باسمها و قد لفظتها كلها في وجهه ، وها هي ميادة بعد عمر ولشبابها الظاهر و جمال خلقتها تحمل بطفل منه ستضعه قريبا ، يكون امام مرمى عيني امي يقهرها و يجيّش الحزن في صدرها .
صُدمنا عندما علمنا بحملها كما أُحرجنا تماما منه ، فوالدي يُعتبر كبير في السن و لكن ان نتخيله في هكذا وضع لدرجة ان تحمل بعد كل هذه الفترة من الزواج فهذا لم يكن بالحسبان ، ولكن ما حيلة والدي و امي تحرمه نفسها بعدما تزوج عليها لا بل طردته من جناحه بالكامل ، فصار يُقسّم لياليه بينهما و هو ينام في حجرة في الطابق السفلي ، لم نتدخل البتة بينهما الّا ان فعلاً طلبت امي الطلاق الذي صار يداعب مخيلتها كثيرا هذه الايام كأنها تريد أن تزيد على مشاكلنا و فضائحنا واحدة جديدة .
رفعت هاتفها الذي اصدر صوت رسالة  
رفعتها الى وجهها مغضنة جبينها و مضيقة عينيها في معاناة لابد وان الايام حلفت عليها بألا تنتهي 
إنني احفظك 
شبرا و شبرا 
وجها و ظهرا 
ساقا و خصرا  
انني احفظ فيك الشفاه 
يا اجمل من اللواحظ الضباء !
ارخت يديها متنهدة ، فمنذر لن يتركها في حالها و الى اي مدى سيصل 
هذا ستتركه للأيام !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...