اخر انثى قبيل وصول التتار الجزء الثاني عشر

 

 

الجزء الثاني عشر

اخر انثى قبيل وصول التتار

 

 

                                                                                         منذ عرفتك

وانت تقتربين من البحر

كراهبة خائفة من الخطيئة

تريد ماء بلا بلل

وبحرا بلا غرق

وعبثا حاولت ان اقنعك

ان تخلعي نظارتك السميكة

وساعة يدك

وتنزلقي في الماء كسمكة جميلة

ولكنني فشلت

 

كانت ملقاة على الشاطيء تلهث بشدة كادت تموت من خوفها وهي ترى خيال الخيل يقع بالجانب منها ثم قفز فجأة ليجري نافضا نفسه وهي تبتلع ماء البحر و تحاول التنفس بعد صدمتها من هذا الفعل الذي ان دل على شيء لا يدل الا على كرهه الشديد لها او محاولة قتلها او التسلية بحياتها

عندما القت نظره من تحت شعرها المبلل الذي يغطي وجهها و تحاول فك عقدته, نظرة تحاول ان تستشف منها تحركاته نظراته قلقه على الاقل او الجري لمحاولة المساعدة بعدما ما فعله خيله بها

تراه يتمعن فيها لا هو قلق ولا متحمس حتى ليرى ما جرى لها

قعدت على الشاطيء و ثانية حتى القت بظهرها يموج بها الماء و تتخلل المياه ثيابها ثانية و هي تنظر للسماء

تارة تشعر انه غارق فيها و يريد ان يعاشرها كما لرجل ان يعاشر زوجه

وتارة تشعر انه غير مبالي بها لا يراها و لا تعدو بالنسبة له الا حالة انتقام او غدر قام بها شقيقها ان يرد اعتباره خلال اذلالها

ولكن تعرف ايضا ان يداه طائلة فهو لا يحتاج لجسد انثى كي  يتفشش به

 

شعرت بظله فوقها الذي غطى نور الشمس الدافئة , اغمضت عيناها تشعر انها لا تستطيع الجدال ولا حتى نية لسؤاله لما حصل ذاك لما اعطى الامر لحصانه ان يغدر بها

اصبحت تتنفس بقوة و صدرها ينزل و يهبط و هي تشعر انه يتمدد جانبها

جانبها ملاصقا لها بثيابه التي تبللت بوجهه الذي لاصق ارنبة انفها و تتنفس انفاسه و يتنفس انفاسها اخذ قلبها يجري يجري يجري و الدم يتدفق الى اذنيها حتى شعرت بطنين صم سمعها و الحرارة غطت خديها

: اعجبني ثباتك امراة غيرك كانت لتصرخ في وجهي كانت لتشتمني كانت ستبكي على اقل تقدير ولكنك جميلة !

استغربت كلمته الاخيرة التي لا تتناسب مع سياق الحدث ولا الكلمات ولا مع ما يدور في راسها ففتحت عينيها تتلاقى مع عينيه في علامة استفهام !!

في تلك اللحظة انطلقت ضحكته مجلجلة استغربتها ثم سكنت حين سكن هو الاخر و نظر الى عينيها : اقصد انك ثابتة و هادئة و ذلك هو رد فعل الجميلات المتر بي اااات

هذه المرة خفق قلبها بنوع اخر من الذعر لنظرته الثاقبة نظرة سوداء و ملامح وجهه التي تغيرت الى تعبير الشك نعم الشك ثم الشك

اخذت تبتلع ريقها حتى نشف حلقها لهنيهة اغمضت عينها ثانية ثم مدت يدها لتبعد وجهه عنها تحاول ان تقوم ولكنه لم يبتعد بل قفز فوقها بسرعة النمر ثبت وجهها بين يديه يحدق فيها يصر بين اسنانه : الن تحاولي ان تمنعيني ؟

امنعيني عن ان اتعلق بك امنعيني ان انظر اليك امنعيني ان احاول ان اتجاهلك وان ارميك في غرفة و اهجرك حتى قبل ان المسك

بات صوته جياشا و عيناه غائمتان : اصبحتي مستسلمة استسلمتي بسرعة و اصبحتي فريسة سهلة.

 كانت تشعر بالهواء الساخن الذي يضرب وجهها

انفاسه الغائرة و رائحة جسده و ربوضه فوقها بهذا الشكل لا يجعل فيها ينطق بحرف اغمضت عيناها عنه وهي تهمس له : ان اردتني الان هنا على الشاطيء افعلها و لنخلص

وان فعلتها انا لن اعترف بفعلتك ولن احبها ولن اتجاوب معك وكل لن ستدور في راسك هي ما سافعل وهي ردة فعلي لانني تعبت منك ومن الاعيبك البائسة

ان كنت رجل فافعلها

هو رجل محنك يعلم ان هكذا كلمات لن تثير الشعور البري البربري فيه , يحب ان يطبخها على نار هادئة هي تريده وهو يرى ذلك يراه جليا في محاولاتها للهرب و السكون والكلام اللاذع ولكن صبرا يا جميلتي ستستوين قريبا ببساطة قام عنها و ذهب يصفر لخيله و كلبه اللذان لحقا خطواته الواسعة وهي فتحت عيناها مفجوعة و مخذولة !

 

 

لماذا ؟

أعطيك , من دون جميع النساء

مفاتيح مدني

التي لم تفتح ابوابها

لأي طاغية

ولم ترفع راياتها لأي امراة

واطلب من جنودي

ان يستقبلوك بالاناشيد

والمناديل

واكاليل الغار

وابايعك امام جميع المواطنين

وعلى انغام الموسيقى ورنين الاجراس

اميرة مدى الحياة

 

 

أيدين

لا يصدق انه و اخيرا سينام مرتاحا

نعم ذلك هو اول ما فكر فيه وهي جانبه جانبه تبكي بمرارة

لم يحاول ان يسكتها او ان يسري عنها

الان ضميره وحده من يستطيع ان يرتاح و يغفو و يفرح و يمرح و يعيش الحياة كما يجب ..كما  ينبغي

الحياة التي سودتها تصرفاته و طيشه و قلة وعيه

الحياة التي اوقعته في شراك ايميل الذي قاده لطرقات مظلمة و سيئة و بائسة و ذليلة

هو الان يشعر بالحرية يشعر انه يستطيع ان يموت ", نعم يموت فالموت الان لا يعني شيئا سوى الراحة من كل معاناته في حياته المتدهورة والتي لحسن حظه بدأت تستقيم شيئا فشيئا

يا ترى كيف تغير حالها و كيف تغير وجهها

تمارا يا وجعي يا تمارا

تنهد تنهيدة راحة حتى وصل بها الى بيته

اطفأ محرك السيارة و ضل ساكنا يستمع فقط الى تنهداتها

يعلم ان ما جرى هو اهانة و اذلال لها ان يأخذها بهذه الطريقة من بين اهلها ولكنه كان يرفض ان تدور الارض به تارة اخرى فتختفي ولا يعد يجدها هذا كان الحل الامثل لكل عذاباته ان يسرقها نعم يسرقها بقوة السلاح و الصراخ و القوة نعم القوة ان يرتاح ضميره بعد كل تلك السنين حتى التي قضاها مع اختها والتي لم تكن الا جحيم الله له على الارض لكل ما ارتكب في حياته

لا يدري الان كيف سيبدأ معها

كيف ستكون الحياه معها بعد كل ذلك

لن تتقبله ولن تستسلم له كأي امراة تتزوج لاول مرة في حياتها

وهو لن يضغط عليها او يخيفها او يتعرض لها كي يحصل على شيء منها

نعم هو لا يريد اي شيء منها . لا شيء وهذا ما يثير الاستغراب !

: هيا انزلي فلن تهنأ نفسي حتى تدخلي بيتك

اخترق صوته الهاديء المطمئن سكون دموعها و اوقف حتى نشيجها استسلمت لقفل الباب و فتحته و خرجت مترنحة لا تستطيع ان تتماسك فكل ما حصل لها في حياتها كوم وما يجري الان كوم اخر

لا تدري ما تفعل وكيف تتفاعل مع ما يحصل هل تتبعه هل تدخل معه هل ستحكي له هل تبعده عنها وهل وهل كل سؤال يضغط على صدرها و يزيد حسرتها

تعلم ان زواج شقيقتها منه لم يكن سعيدا

شقيقتها التي من بعد فترة قصيرة من زواجها منه تصاب بالسرطان و تعيش حياة تعب و مرض و حسرة , دليل على اي نوع من الرجال هو هذا الذي زوجها والدها منه

هل سيشقيها و يتعبها و يمرضها و يقضي على البقيه الباقية منها ان كان لا زال هناك بواق فيها !

كانت تتتبعه كالظل يمشي فمشت خلفه

كادت ان تمسك بقميصه كي تجاريه في خطواته وكادت تتعثر في مشيها

هذا الرجل كيف ستعيش معه ؟

هل يعلم ؟

كيف ستتعامل مع بيته ؟

مع اهله اليس له اهل ؟

هل سترى جهاد مجددا ؟

هل سيمنعها عن خالها و زوجته ؟

لا تدري كلها افكار ستكون قيد الحوار ان كان سيكون هناك حوار بينهما

صوت الباب يفتح و معه تقدمت قدماها تتبعه الى مكان دافيء نعم دافيء ذو رائحة حلوة

كان اغلاق الباب خلفهما هو اول خطوة لهما معا جعلته هو لا ينظر خلفه بل سبقها الى مكان ما و تركها وحيدة هناك خلف الباب المغلق كانت مرتبكة و ساكنة لا تدري ما تفعل هل تتقدم او تجلس حيث هي الى ان يريد الله

السواد كان يحيط بها وغطاء راسها ووجهها الذي تريد ان تنزعه عنها نزعا و ان تبلله بالماء

تريد ان تستفيق وان تستوعب انها اخيرا سقطت نعم سقطت و سيسقط قناعها امامه !

لم تبكي على قلبها ولا نفسها  فهي تجاوزت مرحلة البكاء منذ زمن طويل منذ زمن القهر

كانت تبكي فقط على كل حبيب وكل قريب وكل ماساة تحل بهم ولكن عن نفسها لا لم يعد ,

لم تكن تريد ان يدمر جهاد نفسه من اجلها ولا ان تخسر خالها و زوجته من ربتها لانها تحدت نفوذ احدهم و اوامر والدها الذي رماها للزمن يأكلها على طاولته كلما اراد !

اخيرا خلعت غطاء وجهها عنها و بدات تدور بوجهها في كل مكان و تسمع لكل همس وكل خطوة

اكلت شفتها وهي تحاول التقدم و تتنفس هواء نظيف تفكر اين يمكن ان يكون قد اختفى

حسنا الان عليها ان تدبر امورها بنفسها كانت تمشي بتمهل وهي تحاول جاهدة الا تصطدم به

نعم به من هو هذا الرجل وكيف ستعيش معه لا تعلم هي في حيرة و تقلب و تشعر بالمرض و تريد ان تستريح حتى تستوعب ما حدث

تستوعب ان جهاد لن يستطيع رؤيتها ولن تستطيع رؤيته

تستوعب انها الان وحيدة في مواجهة مصيرها الذي طالما حاول خالها ان يحميها منه و يهرب منه

ماذا سيحصل ان .......

في تلك اللحظة ارتطم وجهها في شيء لين هين جميل الرائحة نعم كان صدره الذي جعلها ترتد خطوة للخلف مشدوهة

اما هو فكان ينظر لها برضا تام على شفته ترتفع ابتسامة شيئا فشيئا

نعم انها هي ذات الوجه و ذات الرقة و ذات النظرة التائهة التي في حياته لم ينسها والتي من اجلها بقت حاضرة دائما في الذاكرة

وجهها حبيب جدا جميل جدا و حزين جدا ولا زالت اثار الدموع و حبات منها على اهدابها الطويلة

كان الصمت هو سيد الموقف ؛ هي اخفضت نظرها وهو بقي واقفا واضعا يداه في جيبي بنطاله سارحا في ماضيه ....

من ماضي ايدين

عندما نزل على تلك الارض الغربية التي تعلم منها و فيها عادات و اخلاق و تطبع بطبائع الغرب حتى كاد يغلبهم فيها هنا نتحدث عن الطبائع السيئة التي تعلمها و تمسك بها لفترة من الزمن

هناك حيث التقى برجل اسمه ايميل الذي كان لبناني الجنسية و لا يتكلم الا بلهجته اللبنانية و نادرا ما كان يتحدث الانجليزية

هناك في ذاك المبني العتيق حيث يسكن خليط من الاجناس التي تجانست فيما بينها ولم يعد بينها لا لغات ولا حدود وتلك هي طبيعة البشر كانت خطوته الاولى ان اتصل بشركة لتعليم القيادة و اتفق معهم على الموعد

في ذاك اليوم الممطر كما هو حال عاصمة الضباب ان يهطل المطر ليل نهار مع جو رمادي كئيب حيث سمع زمور السيارة التي سيتدرب فيها هرع خارجا متحمسا كأي شاب لحياة جديدة ومغامرات كثيرة بعيدا عن الاهل و تسلط الاهل

ركب السيارة التي كان يقودها رجل في منتصف العمر تقريبا ركب جانبه و بدأ يتعلم القيادة على اصولها وعلى الجانب الايسر من الطريق الذي سبب له الدوار باديء الامر

استمرت تلك الدروس شهرا تقريبا الى ان تعود على السائق وتعود السائق عليه ولكن كانت هناك اشارات لم يفهمها امثاله من هؤلاء من يعيشون في الغرب و يستحلون كل ما حرم الله

فقد كان ايدين جميلا فاتنا و ذا جسد طويل كما كان غبيا قليلا و مغفلا احيانا كثيرة و لا ينتبه للاشارات التي تصدر عمن يواجهه في حياته كأن يضع السائق يده على فخذه و يضغط عليه بأصابعه او ان يمسك يده و يتحسس اصابعه او ان يلمس بأطراف اصابعه رقبته وهو يقود السيارة عندما اخذه ذلك السائق مرة خارج حدود المدينة و توقف بين شجيرات كثيفة عندما اطفأ محرك السيارة و بدا حوارا غاية في الشهوة مع ايدين : عزيزي ايدين همممم لا تفكر بما افكر

ايدين الذي لا يعلم ما يدور في راس السائق فقال مرتبكا : لا اعرف بما تفكر ثم لماذا نقف هنا

: الم تصلك اشاراتي حتى الان يا حبيبي

كان يدور برأسه خارج شباك السيارة مستغربا الى ان سمع لهاثا قرب اذنه فز منه مفزوعا فاتحا عيناه عن اخرها وهو ينظر الى ذلك الوجه الذي يغازله و يمد يده يحاول مداعبته و عند تلك النقطة امسك يد الرجل بقوة و صر على اسنانه بشدة وهو يلوي يد المعتدي حتى سمع صوت طقطقة الذي تلوى منها ذاك المعتدي : هل تجرؤ على ذلك على تجرؤ على ذلك هل تجرؤ على ذلك

تلك الفينة كان هناك ايدين اخر روح اخرى جسد اخر

تحول ايدين الى وحش ما فتيء ان يتشبث برقبة الرجل بوجهه المحمر بقوة و هو يخنقه

لم يعرف الرجل ما يفعل فلم يتوقع ان يكون ذاك الفتى الساذج ذا الملامح الانثوية شرسا لتلك الدرجة بل يحاول الهجوم عليه فتمسك الاثنان بتلابيب بعضهما البعض في محاولة اما اعتداء او قتل !

كل منهما يريد ان ينهي الاخر على طريقته و لم تكن تنقص ايدين شجاعة الدفاع عن عرضه تلك اللحظة حين غامت عيناه وهو يضرب براس الرجل زجاج السيارة و مقدمته و ضل يضرب و يضرب و يضرب حتى كان دم ذلك الرجل يملأ وجهه و قميصه و يملأ السيارة حتى تدلت رقبته فعرف في تلك اللحظة انه قد قتل احدهم !

من صدمته لم يستوعب ما فعل حتى نفض ثيابه و تخلى عن رقبة الرجل و فتح عينيه مذهولا و ظل جسده يرتعد بقوة حتى كاد لا يتنفس لقد قتل نعم قتل !

 

افاق لهنيهة من ذاك الماضي التعيس على انفاسها التي تصل الى مستوى صدره

كانت نظراته لها رقيقة حزينة و متعبة جدا

لا يريد ان يخيفها فهذا اخر شيء يتمناه معها , يريد ان تطمئن له وان تتجاوب معه

امسك بذراعها فخرج من حلقها صوت جافل وهي تحاول التركيز على مكان ما , على عينيه مثلا تلك النظرات التائهة التي تعذبه في كل مرة يتذكرها او يراها الان

نعم تلك النظرة الشيء الذي لم يتغير ابدا فهي كما هي عدا عن كمية النضوج التي يراها في وجهها !

حركها وهو يهمس لها : لا تخافي اريد فقط ان نتحدث

جعلته يقودها الى مقعد قريب اجلسها بجانبه وهي تحاول التقاط انفاسها ففي قلبها و عقلها الان مجرد فراغ لا تحاول ان تفكر او ان تفهم فقد حصل ما حصل ولا مهرب الان من اي شيء !

جلست تنصت وهو يحاول ان يجعل صوته لطيفا منخفضا و مطمئنا قدر المستطاع : انا اسف انا جدا اسف , على كل شيء , اسف لك و لاهلك و لنفسي , تمارا , ارتعش جسدها عندما سمعت اسمها بصوت اجش لم تتوقعه فما توقعته هو الغلظة و الجلافة و القسوة

كان جسده ثابتا جانبها لا تدري كيف تشعر وهي فقط تستمع لكلامه الهاديء : انا اريدك ان تطمئني لي لا ان تفزعي مني , انا لا اريد منك شيئا !

هنا رفعت رأسها بحذر و السؤال يجول على وجهها بوضوح ماذا يقول .. لا يريد مني شيئا اذا لما كل ذاك , لما يقلب عالمها لما اخذها بالعراك و في منتصف الليل لما طاردها !

تنهد بدوره وهو يستند على مؤخرة مقعده الوثير و اغمض عينيه نعم هو مستريح الان كان يجول بباله ان يخبرها شيئا عنهما شيئا يجمعهما معا شيئ ربما تتذكره به شيئا قد يزيل الحزن عنها و يحطم كل الذكريات السيئة فيها و يجعلها ترى نور الحياة ثانية

ولكن على ما يبدو هي لم تعرفه لا من شكله ولا من صوته حتى , صوته لربمت تغير ربما اخشوشن اكثر مما كان ربما اصبح شديد الرجولة اكثر لا يدري فهو توقع بعض الصراخ و بعض الدموع وربما العتاب او الراحة حتى عندما تدرك من هو ولكن كلا !

: تمارا هل تعرفيني ؟

اقصد هل تذكرتني هل وصلت لذاكرتك

كان يحدق في وجهها حين نطق كلماته وهو يراها ترتبك و تدور بعيناها عنه ولكنها تجاوبت معه بهدوء تام لم يتوقعه منها وهو ينظر لشفتيها اللتان تحركتا اخيرا و سمع صوتها الذي يشبه هدوء الليل و سكينته لها صوت جميل نعم هو ذاته لم تتغير نبرته : ان كنت تائهة عنك فمن الواضح انك تعرفني , تعرفني جيدا لدرجة ان تتزوجني دون رأيي , لدرجة ان تتنكر لاختي التي كرهتني بسببك , ان كنت تسال انني اعرفك فانا لا اعرفك انا حتى لم اسال عن اسمك , قاطعها بسرعة وهو يرد : اسمي أيدين

قوست حاجبيها : ايدين , اسم غريب

كان رد فعلها عاديا و كانها ترد على شخص تعرفه او تعرفت عليه حالا

: اسم كردي والدي تزوج من امي في الشمال السوري تحديدا من جبل الاكراد و هناك عشت نصف حياتي !

رفعت حاجبيها استغرابا , حقا الحوار معه لم يكن سيئا لتلك الدرجة التي كانت تتصورها فهو يبدو مستريحا و مستجيبا و يبدو انه يتعامل معها بحسن نية ولكن مالا تعرفه لماذا هي هذا هو السؤال ؟!!

نطقت بحروفها ثانيتا وهي تشبك كفيها ببعضهما البعض : لماذا ؟! تحشرج صوتها قليلا : لماذا انا بالذات !!

تلك اللحظة اعتدل في جلسته وهو يقترب من وجهها و يحني وجهه لها ثم يرفع كفه و يمسك بطرف ذقنها في محاولة ان يدير رأسها اليه و انفاسه تلامس وجهها الذي نظر بثبات : لأن هذا ما حصل ولأن القصة طويلة تحتاج منك صبرا و ثباتا حتى ارويها !

على كل حال ايتها العزيزة تمارا سأتركك الان , خذي راحتك و اختاري اي غرفة تعيشين فيها !

هنا تحرك من مكانه وهو يقبل جبينها برقة متناهية اقشعر منها جسدها الرقيق وهي تدور برأسها خلف خطواته الثابتة التي اختفت خلف باب من الابواب وهي تستغرب لما يعاملها هذه المعاملة وما هي القصة التي قال عنها وما علاقتها هي بالذات بها  !

اما هو فقد دخل غرفته والقى بنفسه على سريره و غاب نعم غاب فلم يعد هناك في الحياة ما يعكر صفوها او يقلقه بعد الان فما اراده منذ سنوات طويلة قد حصل واصبح امر واقع جرى خلفه حتى وصل له والان هي هنا معه يحميها !!

 

 

 

عندما قلت احبك

كنت اعرف

انني اقود انقلابا على شريعة القبيلة

واقرع اجراس الفضيحة

كنت اريد ان استلم السلطة

لأجعل غابات العالم اكثر ورقا

وبحار العالم اكثر زرقة

واطفال العالم اكثر براءة

كنت اريد

ان انهي عصر البربرية

واقتل اخر الخلفاء

كان في نيتي ~ عندما احببتك

ان اكسر ابواب الحريم

وانقذ اثداء النساء

من اسنان الرجال

واجعل حلماتهن

ترقص في الهواء مبتهجة

كحبات الزعرور الاحمر

 

على الجانب الأخر من جوانب حياة ذلك المتعثر دائما في كل نساء حياته يحي الذي لم يعد يستفيق الا على اسمها و على شكلها وعلى رائحتها و على صوتها و على شعرها و على حكايتها :

من ماض بعيد

تركوها وحيدة تعاني من ظلم الايام نعم قد ظلمت ظلما كبيرا فهي لم تكن تستوعب ما يحل بها حتى تأتي المصيبة الاخرى لتكمل مأساة حياتها

ذلك اليوم الذي اذلها فيه امام زكريا ان يتهمها بالاحتيال و السرقة أيعقل هذا ان تتهم هي بذلك امام رجلين ومن رجل  قال لتوه انه يحبها !!

جمعت ثيابها في الحقيبة مرة اخرى و اغلقت باب تلك الشقة خلفها و نزلت تجر خطواتها المتعثرة فما معها من مال ربما سيكفيها ان تؤجر احدى الشقق في المدينة التعيسة نعم تعيسة الم تتعسها تلك المدينة , الم تتحرش بها , الم تظلمها و يظلمها اهلها و اقرب الناس لها !

خرجت تجر الافكار تلو الافكار فهي لم تعد تحتمل كل هذا الضغط الذي تمارسه الحياة عليها فأي وجهة ستقودها لان تجد من يؤجرها مكانا تعيش فيه سقفا يحميها من ذئاب الشوارع مثل يحي مثلا !

وفي تلك اللحظة التي وقف لها فيها صاحب سيارة الاجرة وجدت من يقف بوجهها , كان وجه غاضب جرها من ذراعها بعيدا عن سيارة الاجرة التي تنتظر : الى اين يا جميلتي ؟

كانت العبارة بقدر ماهي جميلة بقدر ما كانت مخيفة , ايراقبها !!

حاولت التملص من يده التي تشبثت اخيرا بذراعها و يضغط عليها بغضب شديد : سيد يحي اترك ذراعي الان ما الذي تفعله , نعم سأخبرك مالذي تفعله , انه اعتداء !

كانا يحدقا ببعضهما كل منهما كان غاضبا نعم قد غضبت كيف يسمح لنفسه ان يعاملها هكذا الم يتهمها منذ برهة بالسرقة لم يؤمن نفسه معها ولا شقته فلما الان يفعل ذلك : ستدققين على كل حرف اقوله , ليس هكذا تجري الامور يا حبيبتي !

ارتعش قلبها من تلك الكلمة يا الهي كيف يستطيع السيطرة عليها بسهولة هكذا , انه يتلاعب بمشاعرها

وهو ينظر لها يكاد يفقد صبره فهو لم يتخيل ان يرجع للشقة ولا يجدها لا يتخيل ان ترحل وتختفي في مكان ما , لم يتخيل ان لا يراى محياها الجميل و ثغرها الشهي و شعرها الحرير وهو يداعب جيدها هكذا , لم يتخيل ان لا يلمسها يريد ان يلمسها ان يداعبها ان يحضنها ان يجمع اطرافها جميعا بين ذراعيه ان يقبل عنقها و ان يتنفس على صدرها

اشياء كثيرة تجري الان في راسه لم يرد امرأة قبلا كما يريدها , هي له يعلم انها لن تكون الا له يشتهيها بل يحبها يعشقها في ظرف يوم نعم يوم, ايستغرق الحب اطول من ذلك الا تعشق الاذن قبل العين فهو كذلك , الا تعشق العين من النظرة الاولى هو ايضا ذلك , نعم كل ذلك كل ذلك

: ارجوك امنحيني وقتا , امنحيني عمرا , اقترب اكثر بحميمية ارعبتها نعم ارعبتها فهي ترى كل ذلك الحب و الحرب في عينيه سيقاتلها من اجلها من اجل ان تكون له , كانت مصدومة وهي تهمس : سيد يحي انت مجنون

تلك اللحظة التي جرها فيها الى صدرها ارتطمت به و ضرب قلبها بقوة و عنف : انت مجنون , اقترب انفه حتى كادت شفتاه تلتهم شفتيها : كرريها و سترين ما سيحصل

كان زمور السائق الحانق من كل تلك الايماءات الحميمة في شارع عام وهو يقوم بسبهما معا : الا تستحيان يا لكما من وقحان لعنة الله عليكما

حين ترك يحي ذراعها و اتجه للسائق الحانق : هذه امرأتي تخصني اذهب الان و لا اريد ان ارى وجهك في حياتي والا ستدفع الثمن غاليا

ضرب بيده باب السيارة التي تحركت بغضب صاحبها الحانق الذي لم يعجبه تلك اللحظات حتى وان كانت المراة زوجته !

وهي كانت هناك تضع كفا على وجهها الذي احترق من كم الاهانات التي تلقتها خلال ساعات قليلة لن تنتهي تلك المهزلة , اغمضت عيناها التي انزلت دموعا غزيرة و التقمت شفتيها في حزن يا الهي كم قلبها ينفطر , كيف وضعها ذاك المجنون في موقف هزيل محرج امام انظار العالم الا يكفيها ما يحصل لها فهي اصبحت مشردة برجل يتقن لعبة غبية هي لعبة الحب او الرغبة او الشهوة , تدرك تماما معنى نظراته هذا الرجل سيسبب لها المتاعب ان ضل يعاملها بتلك الطريقة المربكة فنطقت : مالذي تريده مني ؟!!

نظر لها بعمق عينيه العسليتين اللتان اصبحتا تثيرا قلبها , انه رجل نعم رجل كامل الرجولة و الهيبة , جميل نعم جميل و انيق و من عائلة وهذا ما يتضح من مظهره البالغ الاناقة و الترتيب : هات عنك تلك الحقيبة و سنصعد الان الى الشقة و اخبرك بالتفصيل ماذا اريد منك

كانت عيناه تغريانها يا الاهي انه فاسق حقا فاسق انه لا يتوانى عن الافصاح عما يريده منها : اريدك انت اريدك كلك و نصفك و جلك , اريد ان اراك كما اريد ان اراك هل فهمت ماذا اريد !!

كانت كلماته هامسة و ثقيلة و مرعبة و جميلة في ذات الوقت وهي تحدق فيه والان فلنصعد و لتخبريني قصتك ومن انت.

نعم تصعد و صعدت وهي تستغرب نفسها , ماذا تفعل كيف اغواها بكل تلك السهولة و بكل تلك البراءه انه يستغل هيئته و صوته ووضعها المزري

تبعته كالغنمة وصلا واغلق الباب خلفه , لم تعد ترى ملامح وجهه فالذي قابلها هو ظهره تشعر بالحرارة تسري بقوة في جسدها , مبعثرة كانت ولا تقوى حتى على التفوه بحرف , ان تصعد معه رغم كل تصريحاته عما يريده منها هو ضرب جنون وضرب فسق !

تجمدت الى ان استدار اليها وهو يقترب منها جدا حتى رفع ذراعيه و حاصرها بينهما وبين الباب الذي تستند عليه

صار صدرها يرتفع و ينزل بسرعة و هي تتخيل انه الان سيرغمها على ممارسة شيء عيب و غامض و مثير ذات اللحظة هل سيأخذها للفراش وهل ستتجاوب معه , هل ستنام معه بمحض ارادتها او ان تتركه يغتصبها !!

ما هذا ؟

: الان ماذا يعني لك زكريا ؟!

عيناه غاويتان يداعب بأصابعه نهايات شعرها و ينظر تارة الى بروز صدرها الذي يهبط و يرتفع : لا يعني شيئا

: من الواضح انه يهتم لك , ربما يحبك ! قولي لي هل ستجرؤين على حب رجل اخر ليس انا !

تجرؤ تبا كيف له ان يسال هكذا سؤال . رجل غيره ماذا يعني !! ماذا تعني كل الرجال لها

تبا لك يا يحي لقد وضعتني الان في قفص , يحي كيف احب رجل غيرك كيف سأرمي بنفسي الى صدر رجل غيرك و كيف سأقبل غيرك و كيف سأتحدث مع غيرك , يحي قد ضل قلبي السبيل و انت طريقي , يحي اتعلم في تلك اللحظات كيف شعرت , شعرت انك انا , انك ضائع مثلي ولكن بشكل اخر , انك متعطش للحب وانا كذلك , كيف شعرت بالامان وانت تراودني لم افهم , كل شيء قد ضاع مني و لكنك انت الامان

لا تدري كيف القت بنفسها تتشبث بعنقه تلك اللحظة و ارتاحت نعم ارتاحت هناك من سيحمل عنها عاتق الخسارات !

حكايتي يا يحي ليست ككل الحكايات

اتدري انني كبرت ولم اعرف امي ولم اعش مع ابي

اتعرف ان امي وصمت بالعار

اتعرف انها حبلت بي بعلاقة مع والدي و انجبتني بعد الزواج منه بفترة قصيرة

اتدري انه كان يحتقرها و يذلها و يضربها و كاد يقتلها

اتدري انني كنت سأولد بأعاقة دائمة لولا ستر الله

اتدري ان امي انجبتني و اهملتني لانها تكره ابي , نعم بعد كل زنا و حرام تحبل المراة و تنجب و تلقي بأولادها في الشارع او ان تحملهم ذنب اقترفته هي بيديها , كان ابي يحبسها في البيت على غرار ان فعلتها معي ستفعلها مع رجل غيري , ابي لم يحترمها ولم يهتم بها ولم يهتم بي , كنت يتيمة بين ابوين , هل رضعت من امي لا ادري حقا هل ارضعتني ام لا هل ضحكت معها ام لا هل لعبت معها ام لا هل دللتني ام لا , لا اذكر لا اعلم , صار ابي شكاكا جدا وصار مهووسا بمراقبتها و ضربها وكانت تصرخ تصرخ حتى يختفي صراخها تحت وطء الضربات و الاغماء , هل قررت امي الهرب , نعم فعلت , في ليلة يفتقد فيها البدر اختفت امي و حملت انا ذنب كل شيء , زواجها , خطأها , انجابها , هروبها , عارها , كل شيء كان ذنبي باختصار , حملني ابي الى بيت جدي حيث كانت هناك فقط خالتي التي حاولت ان تهتم بفتاة رضيعة , جدي حقد علي حتى انه حاول على قول خالتي ان يرميني في دار للرعاية ولكن خالتي ابت الا ان اكون بين ذراعيها اكبر شيئا فشيئا تحت نظرات الغضب و الذل من جدي وتحت الحماية الضعيفة التي توفرها لي خالتي

لم يهتم احد لملابسي ولغذائي و لحالتي النفسية عندما اكتشف كل ما يحصل حولي كيف سيكون موقفي بين اقراني الذين بالتاكيد يعرفون حقيقة قصة امي , امي التي هربت لا ادري احدهم يقول انها وجدت رجل اخر كان يأتي اليها للبيت فهربت معه !

هل تفهم ذلك يا يحي .

ان تتزوج خالتي و اعيش في كنف جدي الذي يكرهني , نعم يكرهني رغم انني كبرت في خدمته اطعمه احممه و اهتم ببيته ونفسه كل ذلك كان يقابله بالجحود والنكران فلم ارى منه خيرا , لكنني جاهدت تعلمت كبرت على الاهانات , تفوقت على الاهانات , و عملت على الاهانات , نعم في كل مكان اذهب اليه وكأنهم يعرفون قصتي كاملة فالكل يتهامس و الهمس يخترق اذناي و يؤذي مشاعري , كبرت محطمة !

لم تحمل خالتي بسهولة فلذلك جاءت الى جدي و اخذتني منه عنوة , هل تحبني خالتي , اعتقد ذلك اعتقد لا ادري !

بعد سنوات حملت خالتي و انجبت ذكرا , كبر ذاك الذكر على قصص وحكايات الخالة الهاربة و قبلها الزانية , فلم يكن في قلبه رحمة , كبر وانا الاكبر منه كبر ليذلني و يراقبني و يضربني و يشتمني , كبر الذي كنت احمله على ذراعي اهدهده ساعة نومه . الذي كنت اسهر على راحته , الذي كنت الاعبه و اضحك له ومعه و احبه , كبر و اصبح ذكرا متمردا لم يتذكر لي ساعة واحدة حلوة معه , كان يسبني و يهينني !

الى ان وصلت له قصة زكريا , زكريا ذاك الفتى المتنفذ الذي يراني واراه و اخرج معه ترفيها عن نفسي , صارت ايامي لونها اسودا نعم اسود لم يكن شيء جيد فيها

زكريا سرى عن نفسي وانا استغليته واستغليت طيبة قلبه رغم انه من الواضح من عينيه مالذي يكنه لي , زكريا كان يحبني !

في يوم من الايام وجدته فوقي اتعلم ما كان يريد وماذا قال لي الذي هو تربى على يدي : مثلما فعلت امك ستفعلين معي يا غاليتي !

صرخت صرخت بكيت انهرت ماهذا ماذا يحصل الهذه الدرجة وصلنا !

خالتي اتهمتني اخيرا انني من اغري ابنها و انها ترى بعيناها اللتان سيأكلهما الدود كيف اغريه بطريقة كلامي و ثيابي و مشيتي و شعري و كلي على بعضي !

خالتي التي ربتني

ان كان هناك خطأ فهو تربيتها وليس انا , الانني انثى سأتحمل كل اتهامات الذكور و امهاتهم !!

هذه انا يا يحي هذه انا !!

 

 

 

جميع ما قالوه عني صحيح

جميع ما قالوه عن سمعتي

في العشق و النساء

قول صحيح

لكنهم لم يعرفوا انني

انزف في حبك مثل المسيح

 

هارون الفتى الفذ الحاذق البالغ المكر كالثعلب تماما

كان هارون وجه اخر للرجل , الرجل الشرقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى

غليظ , تعيس , حانق , يحب النساء و لا يطيقهن , يكرههن و يحب ان يعاشرهن

فتى مدلل اخر قفز للعائلة التي لا ينقصها ذاك النوع من الرجال

ورغم انه قد كبر و تربى في بيئة تختلف كلية عن بيئة عائلته الا ان هذا الاثر الذي خلفه التاريخ للرجل لم يمحه كونه قد ولد هناك على ارض سورية كردية

كان هارون يقف في الحياة ما بين البينين !

يحب حياته في سوريا و يكرهها لانه كردي ولانه اقلية , لا هو ينسى انه ليس كردي بل ليبي ولد وعاش في كنف والدته التي يتركها و يعود اليها والده كلما خطرت بباله تلك الانثى التي ارادت ان تتزوج رجلا و كفى !

جاء ابي سائحا الى تلك التلال كان يريد ان يغير .. جوه .. كان يلف المدن و القرى لا اعلم ربما بحثا عن طريدة توفرها له نقوده و ملايينه التي يحملها في جيبه

التقى بتلك الفقيرة المعدمة الهوية و المعدمة الشخصية في ثوان تزوج و انجب و ترك ابناءه

في بيئة غريبة و لغة غريبة و عادات اغرب

كل ما احبه هارون هناك كان الموسيقى كانت جميلة و معبرة و تعبر عن اختلاف ذاته

كان مختلفا عن شقيقه ايدين ذاك الفتى المتصالح مع نفسه وذلك ما يظهر للعيان , لم تعجبه ليونة شقيقه ولا نظرات النساء ولا الرجال له , كان يلاحظ كيف ان الجنسين ينظران له على انه وجبة سهلة تخلع له سرواله و كفى !

كان يحتقر شقيقه و يحتقر انه شقيق لشقيقه , حاول ان يخشوشن وان يغبر نفسه و يظهر بمظهر القاسي الذي لا يغلبه شيء

كان حانقا على كل شيء وعلى كل الاحوال , لم ينالهم شيئا من ذاك الوالد الذي خلفهم و ذهب ربما لينجب اولادا اخرين في مدينة اخرى او بلد اخر لا يعلم الا ان هذه الحياة لا تناسبه , هو يريد ان يملك كل شيء ولكنه لا يملكه !

يعلم ان والده من اغنياء بلده و مترفيها فلمَ هم يعيشون هكذا كالشحاذين بين هؤلاء الغجر

نعم هو ينأى بنفسه عنهم عن هؤلاء الذين كبر و ترعرع بينهم ولا يتكلم الا بلغتهم , ما هذا التناقض ولكن لا حيلة له , فهو لا يعلم كيف هي لهجة والده , لا يعرفه الا من خلال الصور البسيطة القديمة البالية وهم اطفال رضع , هل تركهم لانه لا يريد ان يتحمل مسؤوليتهم !

كيف ترك ايدين تريد ان تعبث به يد الرجال قبل النساء !!

هارون كان ثوريا كثير المشاكل , يتضارب مع اقرانه في كل جيل مر به , يريد ان يكبر و يسيطر , يريد ان يكون واصلا و مترفا و غنيا كما اباه .

لم تلفت نظره النساء كبداية فخشونة طبعه لم تكن تخلي له فرصة التعرف عليهن , بل كان يمقتهن و يقرف منهن خاصتا حين يسمع ما يتداوله الصبية حول موضوع الدورة الشهرية

يا الهي لا يتخيل ما هذا الشيء , انه قرف قرف لا يستطيع تقبله

فكان ان قابل امراة او فتاة كان يحتقرها بنظراته و يهينها بكلماته , لذلك هارون لم يجد من يصادقه في حياته ولا حتى اخاه

فكلما رأه كان يسخر منه و من شكله بل انه مرة هجم على ايدين يريد ان يقطع شعره او ان يدمر له خلقته , ان يجعل في وجهه خرابا تهجره النساء و الرجال من اجله , ان يشوه وجه شقيقه هذا ايضا قد فكر به مع توفر المواد التي ستسهل له تلك الحالة , لا يريد ان يقولوا عنه انه اخ لذلك الشاذ . رغم ان اخاه لم يكن ليفطن في حياته بما يفكر فيه الناس عنه فهو كان بسيطا يضحك مع هذا و ذاك ولا يشك في نوايا احد تجاهه !

جعل هارون من حياته جحيما في عقله و قلبه !

جاء الفرج حين جاء ذاك الرجل الغريب المسمى امحمد والذي يدعي انه والدهما , جاء اخيرا ليحتضن اولاده و ياخذهم معه الى قصر من قصوره في بلده , الم يشعر هارون في سوريا بالغربة , حسنا الان الامر اشد غرابة مما كان يتخيل , لهجة اهل البلد الغريبة و المدينة الاغرب و المتصحرة تقريبا , لا يوجد جبل هناك قريبا مثلما كان في سوريا , لا يوجد خضرة مثلما هناك , يوجد هنا الشمس ثم الشمس ثم الشمس , انعزل عن والده و شقيقه رغم ان العائلة حاولت ان تدمج الولدين في حياتهم الصاخبة مثل اللقاءات العائلية و الخروج و الصحبة و الافراح و التجمعات الرجالية

هنا وجد هارون ضالته , فالمجتمع هنا اشد تشددا بكثير و خاصة فيما يخص النساء

هنا تظهر بطولة الرجل و قوته على تلك الضعيفة

هنا تجبر النساء على ارتداء الحجاب و الستر

هنا العالم الرجالي المثالي , فالشوارع مليئة بالرجال و المقاهي بالرجال و تلك المقيتة في البيت تضرب و تتزوج و تنجب و تخدم بيتها و زوجها و اولادها

هنا حكم القبيلة هو السائد , ان قتلت اخرجتك القبيلة , ان زنيت دافعت عنك القبيلة لانك فحل ذكر , ان طلقت فالقبيلة في ظهرك وهكذا

يا له من مجتمع مثالي لأمثال هارون المتسلطين الذين لا يرون قوتهم الا على جسد المرأة وفي ذل المرأة

كبر هارون عنجهيا بعيدا عن اخاه الذي غادر ليدرس في احدى الجامعات اللندنية

هو لا يحب الدراسة ولكنها وسيلة كي يرى نفوذ اهله , لم يكن غبيا بقدر ما كان مهملا

السلطة و النفوذ هما السبب الاول و الاخير في تفوق هارون

هارون تفوق حتى على شقيقه و اخذ منه امرأته

الم تكن المرأة عار ووحش و قرف

هنا لا فالامر كان تحديا و اظهار نفوذ اكثر من كونه كان يسرق زوجة اخاه !!

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...