الحادي عشر
تشبه الشتاء ، تشبهه جدا ، وجهها غائم ، في عينيها إنكسار ، ضياع ، صدمة ، كانت تمطر في ملل !
وهو كان يضع يده على قلبه يا الله لماذا ؟!
أول مرة في حياته يراها
سمع عنها الكثير ، كامرأة يعشقها ابن عمه ولو لم يقلها جهرا .
كان حديثه الدافيء عنها و خجله بنطق اسمها يجعلان منه رجلا غامضا ، علم انه يحبها ، يحب تلك الاستاذة التي فُتن بها ، كما افتتن بها باقي طلابها و أصدقائها و كل من اجتمع بها ، كان شعرها اول شيء يجذب الأنظار إليها ، أسودا لامعا لمعة جميلة غريبة كأن النجوم اتخذت من خصلاته مستقرا ، كان يتهدل على كتفيها تسقط غرته لتغطي حاجبيها ، وجهها كان طبيعيا محمر الخدين متوردا اغلب الوقت و يزداد تورده كلما انشغلت بعمل ما ، دراسة ، درس ، محاضرة ، تجدها تذرع الممرات جيئة و ذهابا بقامتها المتوسطة الطول و جسدها الممتليء و بخاصة صدرها الذي كان يجذب الأنظار اليه بعد شعرها ، كانت ساحرة وكان الكل يتمناها ، عندما سمع من زكريا عنها أول مرة قال له وهو لم يعرفها بعد فقد كانت غامضة ، منطوية ، قليلة الكلام ، مستمعة جيدة لطلابها فهي قريبة جدا من أعمارهم لأنها تخرجت قريبا و عملت معيدة لإحدى المواد الصعبة بالكلية فصارت تُدرّس من درسوا معها و تفوقت عليهم و تخرجت معهم .
كان منظرها يوحي للجميع أنها فتاة مستهترة ، جاهزة للفراش فمن لم يتخيلها بين أحضانه ولو كانوا مراهقين !!
قد كانت تسمع و تبصق من أذنيها ، لم تهتم ، فليظنوا بها ما يظنونه
فمن منهم عاش كما عاشت ؟!! ، من ؟!!
كافحت و اجتهدت و ها هي تعبر ممرات كانت يوما طالبة فيها لتصبح إحدى أعضاء التدريس بمرتبة الشرف رغم أن الإتهام بأنها قد اغوت عددا لا بأس به من الأساتذة و الدكاترة و المسؤوليين و مارست مع بعضهم الحب و خرجت مع البعض الآخر يلاحقها أينما حلت ، فلم يصدق ولن يصدق أحدهم يوما أنها ذات ذكاء حاد و منافسة قوية شرسة رغم نعومة و جمال و فسق مظهرها !
حسنا من هي المرأة التي كانت تكتسب الجمال و تعرف مواطنه في نفسها و جسدها و لم تبرزه !!
زكريا لم يكن طالبا عندها ولا قريبا ولا صديقا بل كان شخص عابر التقاها في ظروف استثنائية .
حين كان يوما يجلس وحيدا على طرف بحيرة المدينة يحدق في مائها و يلثم هوائها بأنفه و يحدق بالناس العابرين الى أن عبرته هي .
كانت تمشي بتؤدة تنظر باستقامة لم تلفت امرأة في حياته انتباهه كما فعلت غالية الغريبة في حياته !
صار يتتبعها بناظريه الى أن جلست ليس ببعيد عنه تحدق مثله في زرقة البحيرة ، هل كانت تحدق ؟! لا لا يعرف فلم يبدو أن العالم من حولها مثير لاهتمامها وهي من لفتت انتباه كل الرجال هناك حتى كادوا ان يقفزوا امامها في الماء قفزات استعراضية للفت الانتباه .
تبا كم اغتاظ لرؤية كم فتى و رجل و شاب و كهل يحومون حولها كالدبابير ، فقد كانت اجمل زهرة رآها في حياته ، واجمة المحيا ، تحنطت في جلستها فلم تعد تستدير أو ترمش أو تتنفس ، كانت مهيأة لتكون نصب يوضع في مركز المدينة ليزروها العابدين و الشاكرين !
زكريا كان له الحق فيها أليس كذالك !
لا لم يكن . لي أنا فقط الحق ، أنا انتزعت قلبي و سلمته لها بيدي هاتين و دماؤه تسيل و جوفي مفرغ ، أنا كنت عاشقا ولم تكن لتستوعب عشقي عشق رفعني و انزلني و دهسني و قهرني .
مالذي جمعها بزكريا و لما اتصلت به تلك اللحظة حين كان معي ، يوم ولادة قلبي !
انزل هاتفه من اذنه بذهول يشد ذراعي : لقد طردتها بنت الكلب
قد كان وجهه مكفهرا يشتد قتامة مع كل نفس و حركة بالكاد كان يسيطر على نفسه صار يضرب بقبضة يده على باب السيارة التي اقودها متجها الى عنوان لإحدى الأحياء المتوسطة الحال ، زكريا كان سينفجر و لم اهتم ولم ادرك فقد كنت اقول له : اهدأ فلا شيء في هذه الدنيا يستحق كل هذا الفوران الذي سيطيح بقلبك !
و اراه الآن يستحق !
عندما وصلنا وجدنا تلك الفتاة الملاك تجلس على الرصيف بجانبها حقيبة ملابس كبيرة ، كان شعرها يتهدل على وجهها الحزين الباكي ، لم يكن بالوجه الذي سيسرك أن تنظر اليه في هكذا حال ، كانت شفتاها متوردتان نديتان مليئتان بلعابها تلمعان بشدة و اهذابها تجمعت كالسيوف الحادة النصال بفعل دموعها التي تستميت لمسحها كل فينة بظهر كفها ، تلملم كرامتها المحذوفة على الرصيف و تستعين بغريب لباها راكضا غاضبا ، كانا يتهامسان ، هل كانت تشتكي له ؟!
عندها عند هذه اللحظة شعرت بالتملك لهذه المرأة ، انها فتاتي أنا لابد أن تكون وان انتزعتها من زكريا انتزاعا ، وان لم ترغب ، وان قاتلتني ، وان رفضتني ، شعرت بقوة جبارة في صدري وصرت اشد على مقود السيارة حتى ابيضت مفاصلي ، شعرت أنني متعب ، تبا بل اريد البكاء نطقت بكلمة انجليزية ارددها فقط عندما اقهر
Fuck !
خرجت مني بغل لم احتمله ، زكريا يربت تارة على كتفها وتارة يدفع شعرها خلف اذنها و تارة يمد اصابعه ليمسح دمعها
Fuck
اريد ان احرق يدي زكريا و عينيه و قلبه و لسانه
صرت حاميا و الحرارة تندفع بقوة الى جسدي لتغذيه بحقد و غيرة عمياء حمقاء وقتية على فتاة اقابلها اول مرة تبكي لابن عمي ، انها حبيبته التي طالما اشتكى لي منها ، الحبيبة التي تصده و تعتبره صديقا ، زكريا يعشقها و يريد الموت من اجلها ، وهي تديره في يدها كما تريد ، انها حقيرة صائدة للفرص ، وها أنا اقع من اول نظرة في شراكها و اقرر أن ادمر ابن عمي من اجلها ، استغلالية تبا انها لكذالك ، فهي تعرف بالتأكيد نفوذ و مركز عائلة بن زكريا والا فلما تصاحب زكريا دونا عن الرجال ؟!!
صرت اتنفس بعنف خيل لي أنني سأخرج من السيارة اشدها لصدري ابعدها عن ذراعي زكريا او ان اقتله هنا في مكانه ، ألم يطيلا النقاش ؟!!
تبا ماذا يقولان ؟!!
زكريا كان فتيا يصغرني بأعوام عدة يقربها في السن و يتفاهما بسهولة حسبما ارى ، نعم يبدو فتيا حتى ملابسه كذالك كملابس شباب الشوارع لا يهتم كثيرا بتفاصيل التأنق بل يواكب موضة جيله ، ألوان ملابسه فاتحة عكسي تماما ، احذيته رياضية عكسي تماما ، جموح رغباته عكسي تماما ، يصادق النساء عكسي تماما ، منفتحا في افكاره عكسي تماما ، أنا نقيضه في كل شيء ربما ما يجذب لي النساء هو غموضي و انطوائي و قلة كلامي ،، و شكلي !!
تبا يا زكريا
بحياتي لم أقارن نفسي بأي رجل و الآن أفعل !!
تحركا و حمل زكريا امتعتها الثقيلة " الفتاة المطرودة " ممن و لماذا ؟!!
لم اعرف وقتها تلك التفاصيل ، استفقت من لجة افكاري على فتحها للباب اول ما غمر انفي و تفنن في ايذائي نفسيا هو عطرها ، ما اطلق عليه يا الله قطعة من الجنة ، شعرت بحرارة جسدها تغمر السيارة فتزيدها دفئا ، كان قلبي غريبا ، غريبا جدا ، قسما شعرت أنه يتلذذ بدقه لا ادري شعور سعادة و خفة غمرتني فحملت يدي الى صدري اتحسسه هل حقا ؟!!
لم تكن دقائق او حتى ثوان ما قبعتها معها لوحدنا ، بل سنين دهور ، شعرت أنها تنتمي لي ليحي .
تأوهت و لم أدر أنها سمعتها الا بعدما التقت نظراتها بعيني في حدةٍ غريبة سرعان ما لانت فابتعدت و استندت الى شباكها الذي احتضن اصبعا يداعب زجاجه ، كانت تشبه الشتاء ، تشبهه كثيرا .
لم تتوقف كفي عن طمأنة قلبي على قلبي ، يارب لا احب شعور الخسارة الذي يلوح حين افكر بمن يجلس جانبي و من قهره يشعل سيجارا يدخنه بنهم حتى أصبح داخل السيارة ضبابة معتمة تدور فيها و تسبح الأفكار الغريبة ، كنت في عالمي الحالم بأنها لي ، لا ادري بما يفكر زكريا و لكنني كنت أفكر بسرعة و بمداهنة بدلا عنه خرج صوتي ثابتا قدر استطاعتي لم ارد ان تملأ نغمة الحماس ما ألفظ حتى لا يشك بأمري و تعرف نواياي : سنذهب إلى شققنا المفروشة !
التفت لي زكريا بسرعة فاتحا عينيه ، الظاهر أن زكريا لم يكن يفكر في أي مكان بل كان يريدنا أن ندور في الشوارع و حمدت الله أن رأي أعجبه فلي نية انوي أن اجعلها قيد التنفيذ الليلة قبل أن يطلع علينا الفجر !
اول خطوة سارت كما ابتغي ، يا الله على شعور الراحة هذا ، مددت له مفاتيح الطابق السري و الذي يدخله أنا أو شعيب فقط !
اردت ان اكون المسيطر على الوضع بأكمله و حتى لا يفوتني تفاصيل فهذه المرأة التي تترجل الآن من السيارة سأعطها وقتا حتى ظهور النجوم كي تحبني .
تركناها وحيدة لا ادري على أي حال ، مطرودة ، حزينة ، محطمة ، ربما ستفعل كما كل النساء سترمي بنفسها على الفراش و ستغمر وجهها في الوسادة و تنهار بالبكاء ، لدي فرصة أن أنام على نفس الوسادة ، لدي فرصة أن استشعر نعومة شعرها المغري في كفي ، لدي رغبة كبيرة في تقبيلها
Fuck
كيف حدث لي هذا بهذه السرعة بسهم واحد وحيد ؟!
و زكريا ؟!
تبا لزكريا !
مراهق سيجد يوما فتاة تشاركه ميوله و همومه
اما انا فقد وجدت من سأفرض عليها هموما و غيوما و سأمنحها نجوما .
لم اعرف غالية من هي ، لمن تنتمي ، ما قصتها ، كل ما فكرت فيه نفسي و رغباتها و كفى !
كان زكريا غارقا في اوهامه و ربما احلامه حين خرجنا و تركناها تصارع الحياة وجها لوجه وحيدة تماما ، ربما هو مثلي سيفكر ان يزورها الليلة و يفرض عليها شروطا و ربما سيلقي عليها عروضا كالزواج مثلا كي يصبح في نظرها المغوار المنقذ ، ولكنني سأكون حجر العثرة و السد المنيع و الرصاصة القاتلة لكل احلام زكريا الغارق فيها ، فلم ادخل في صراع حياتي مرة و خسرته !
تبا
هل علي حقا أن أفكر بالخسارة ؟!!
هل مال قلب تلك الجميلة لزكريا و سترتبط به حتى تخرج من مأزقها ؟!
تبا
الغضب تصاعد حتى حلقي حتى كاد يخنقني فصرت اصرخ بلا وعي كالمجنون زكريااااااااااا ، لن تأخذها مني ، لن تفعل ، اقسم أنك لن تفعل يا ابن عمي .
صارت حشود الصبر تثنيني و صرت اشكيها لوعة الشوق
صرت افكر ، هل حين كان زكريا يسهب في الحديث عنها ، حين يصفها لي بتفاصيلها بذاك الشغف المجنون ، حين يتحدث عن عينيها و حين تمنى أن يلعق شفتيها ، هل تمنيتها لحظتها ؟! ، لما رغبتها هي بالذات ألأن الأذن تعشق قبل العين كما يقال ، هل اخطأ زكريا حين بالغ في العشق أمامي حتى بت اشاطره ذاك العشق ؟!
تنفست عميقا و غرقت في ظلمت جفني كل تلك الخيالات تتزاحم في عقلي أستطيع أن افعل بها و معها ما أشاء ، أهكذا تخيلها زكريا أيضا .
قد ظلم نفسه زكريا ، قد ظلم نفسه .
عدت إليها محملا على نار الوجع ، اتخبط في التمني و في الذنب و في الخيانة ، فكلها تمثلت فيها و أنا الومها !
طرقت باب الشقة القابعة في آخر طابق من هذه العمارة الباذخة
دقائق حتى فتحت لي بلا تحفظ
لا ادري كيف تحركت يدي لتمسك بصدري ما باله قلبي اصبح رهيفا هكذا ، ما بال رأسي يغلي ، ما بال أحشائي تتألم
كانت تحدق في بارتباك بعينيها المبللتين بالدموع ، تبا ، لا زالت تبكي حتى أضحى وجهها كالوسادة المنتفخة ، حمراء الجفنين و الخدين و الأنف ، كانت حزينة ، حزينة جدا حتى يخيل لي أنها لن تبرأ من حزنها ، ربما تفكر الآن أنها عالة و ثقل على رجال تعرفوا عليها حديثا و قبلت معروفهم بلا نقاش ، المهم أن تجد فوقها سقفا و تحتها وسادة !
اردت ان ادفعها للداخل بقوة و اخذها في احضاني لأطمأنها و لأهون عليها و لأقول لها أنها ستكون بخير ما دامت معي ، يا الله على الشوق الذي يخرم قلبي
بالكاد نطقت و انا انظر اليها من علو : هل بإمكاني الدخول
و عينيها تتحرك بلا وعي في كل مكان تفكر هل تسمح و لكنها أخيرا فتحت الباب ، فلربما ملكي لتلك الشقة جعلها تفيق على هذه الحقيقة : انني المالك و هي الضيف الثقيل "
اغلقت الباب ووقفت هناك بلا حيلة ، اول باب يقفل علينا كلانا ، انا و هي
كانت قد غيرت ملابسها بملابس اكثر راحة لها فستان اسود ضيق يناسب مزاجها مكشوف الذراعين و ذو فتحة عنق مربعة كان لونه موحدا مع لون شعرها المنساب حتى فوق كتفيها و غرتها مشدودة للخلف ببضع دبابيس ووجهها نظيفا لامعا حيويا متوردا او زاده البكاء توردا لا ادري ولكنها تمثل حلم كل رجل يقف امامها كانت بديعة الجمال
كنت متحفزا لردات فعلي المتوحشة حدقت في جسدها : هل اعجبك المقام !
لعقت شفتيها بتؤدة وكأنها تغريني للتقدم و الشقة كانت حميمية ، حميمية جدا اثاثها بين البرغندي و الاسود ، كنا نقف في الردهة نحدق في بعضنا او هذا ما خيل الي ، الى ان التففت و مشيت خطواتي و هي تلحق بي الى ان دخلت غرفة الجلوس المفتوحة على المطبخ و حجرة الطعام و ممر ليس ببعيد يفضي الى حجرات النوم و الحمام الكبير
لم استطع الجلوس فكلي يحترق و لم اسمع منها حرفا لربما كان خجلا ، لربما حرجا من ان تسالني لما اتيت الساعة للشقة و انا أعلم انها تقطن فيها حاليا ، قد كنت لئيما حين اقتربت منها وهي ترفع ذراعيها تغطي بهما كتفيها العاريين ، اقتربت حتى كدت التصق و اخفض رأسي لمستوى أنفها : هل سمعت سؤالي ، هل أعجبك المقام ؟!
رفعت عينيها تحدق في شفتي تارة وفيما انطق و في عيني تارة اخرى كنت ارى رعشة شفتها السفلى و لكنها تماسكت وانا لا اريدها ان تتماسك بل اردت ان تضيع حتى تجد الامان بين ذراعي اردتها ان ترتمي هكذا بلا مقدمات و تطلب مني ألاّ اغادرها ، ان احميها ، ان تطلب الدفء من حضني المتحرق لحضنها اجابت : جميلة الشقة جميلة جدا
اردت ان اقول في حياتي لم ارها جميلة الا حينما دستها بقدميك تقدمت الخطوة الباقية و بلا شعور رفعت يدي اضع احدى خصلاتها خلف اذنها الصغيرة ، ارتفع صدرها بحده و التقمت الهواء بصوت مسموع كالشهقة اخذت تنظر لعيني في ذهول ، نظرت و طال تحديقها ولا ادري ان كانت الكلمات خرجت بوعي من شفتيها ام انها نتيجة سُكرة ما عانت منها حين اقترابي همستْ : عينيكَ عسلية ، يا الله كم احب لون عينيك
ولا ادري كيف نطقتها انا : وانا أحبك
كانت لحظةُ إفاقة لكلينا
تراجعتُ على اثرها مصدوما كما فعلت عينانا متوسعتان بشدة ، ثم اغمضتها مؤنبا نفسي ، كيف قلتها ، كيف فعلتها ، ماهذا الضعف !
وهي اطلقت ناظريها مرتبكة او منزعجة في كل ركن و زاد انطباق يدها حول جذعها كأنها في حالة دفاع مستميت
كانت لحظة ابدية ، لحظة صمت ، وطال ذاك الصمت ، تبا انني احبها نعم احبها !
خرجت اصوات لتسريح حنجرتها متتالية عالية كأنها تريد الاستيعاب حين نطقت : انا لا اعرف اسمك !
نعم نعم شخص غريب يدخل عليها يريد مقابلا لايوائها ، لا تعرفه ، لا تعرف اسمه و يعترف لها بحبه ، اي غباء ذاك ، اي سذاجة هي تلك ، اكل الرجال مثلي ؟!!
وان كان اسمي عائقا أمام هذا الحب فأنا مصمم على ازالة تلك العوائق : يحي ، اسمي يحي
والان هل استطيع الارتماء على صدرك ؟!
هكذا نطق قلبي و لكن تلك اللحظة هُدمت حين دق الجرس فانتفضت و لكنها لم تتحرك بل ضلت واقفة تحدق في عيني او في لون عيني وكنت انتظر ردا على سؤال قلبي الصامت اخفضت رأسها مع استمرار دق الجرس فاندفعت خارجة تجر خطاها و ثانية حتى سمعت صوت زكريا ، اخ تبا اللعنة ، ماذا هل ينتوي الاختلاء بها و طلب ان تلمه هو الاخر على صدرها ، تحركت مبتعدا الى حجرة النوم هناك حيث وجدت امتعتها مفتوحة و معداتها توزعت على الطاولة اجهزتها الالكترونية و حقيبة يدها ، فتحتها و عبثت بمحتوياتها بلا خجل ، فمن هي غالية ؟! التي اعترفت لها للتو بحبي و منحتها قلبي ؟!
مفاتيح ، مواد تجميل ، اقلام ، بضع حفاظات نسائية رفعت حاجبي ، كتيب صغير ، سماعات اذن ، و جواز سفر بلا تردد اخذته و خرجت من الغرفة فالتقي بهما في منتصف حجرة الجلوس حيث كانا واقفين هي مرتبكة جدا بل مرعوبة ربما تتوقع قتالا ، نظراتها اثارت شفقتي و لم تقل حدة عن نظرات زكريا و قبل ان ينطق رفعت جواز سفرها امام عينيه : جئت من أجل هذا ، أتظن أنها ستسكن هنا بلا مقابل ، و هل نضمن أنها ليست سارقة ؟!
رفعت يدها تسد بها حلقها ، قد دمرتُ تلك اللحظات الحلوة التي بدت في عينيها الان لعبة وسخة ، لم اهتم لصوت زكريا الذي حاول تهوين الامر عليها : الاستاذة غالية انسانة شريفة و نظيفة استأمنها على شقتك ولا تخف !
يا لبراءة زكريا !
انها سارقة ، سارقة القلوب التي لا زلتَ تطلق عليها لقب استاذة و انت غارق حتى اذنيك في حبها ، انت لست مغوارا لتنال قلبها يا زكريا ، خرجت دمعة على حين غفلة منها ذاهلة جرت كاللؤلؤة على خدها
اقترب زكريا منها بسرعة و هو يتميز غيضا مني يريد ان يمسح خدها و لكن لا تبا لن تفعل ، وقفتُ بينهما و انا اشد على ذراعه اسحبه معي للخارج و اغلق الباب خلفنا مدعيا : حسنا سأعتذر لاحقا دعها الان لترتاح فاليوم كان متعبا لها . لا ادري كيف لم اقفز عليه لابرحه ضربا فمن الان و صاعدا لن يلمس تلك المرأة غيري ، غير يحي حبيبا لها لن يكون .
،
،
الساعة منذ ان اعطي المهديء بالقوة و هو يغمض عينيه ، لا نية لديه لمواجهة نفسه او ماضيه ، لا نية لديه ان يحيا ، ان يتنفس ، ما كل هذا الاذى الذي تلحقه به الاقدار ؟!
كم هو سهل الخذلان و سهل الهوان !
: لا هو على حاله ، لم يفتح عينيه ، لم يشرب قطرة ماء منذ البارحة ، لا سأبقى جانبه حتى يستيقظ
و تمددت كما فعلت عندما رأت حاله و شمت دماؤه ، كانت قمة الاهانة ان تسمعه لا زال يشتكي لوالده منها ، تلك الميتة تحت التراب الحية في قلبه و جسده و روحه ، كيف لها ان تتخلص من اثار غالية و من تأثير غالية ، كيف لها أن تبعد روحها عنه ، روحها التي تتطاير حوله اينما مضى و كلما حاول أن يصلح علاقته بها !
كانت ممدة جانبه تتمسك بظهره ، لا تدري ان كانت تتسلح به ، ان تمنحه هي او هو يمنحها الامان ؟!
ارتخت رقبتها و اسندت جانب خدها على خده يحي ايها الحبيب ألن تشعر بي أبدا ، ألن يكون لي ثغرة أنفذ منها إلى قلبك ، أو فكرة أثبت بها في عقلك ، أين مكاني بالنسبة لك ؟! ، ظرف تحاول الالتزام به ، شدت على ذراعه المختبأة تحت الغطاء و دمعة خذلان وحيدة سقطت من جانب عينيها لتبلل له أهدابه السوداء ، فحتى حياتها المهنية تهدد بالانهيار ، اصبح كل شيء يخصها على المحك ، تشعر بأن صراعاتها لن تنتهي أبدا و ستموت و هي تدافع و تقاتل عن حق من حقوقها
هذا الصباح اللعين الذي علمت تبعاته فور خروج تلك المعلمة من المدرسة ، المعلمة نجوى المصرية التي جائتها كفرد متمرس نال شهادات عليا في مجاله ، امرأة متمكنة من اللغة العربية ، من الشعر و النحو و الفصاحة ، فأسلمتها أمور الصفوف الأخيرة السنة الرابعة الابتدائية كي تعلمهم اللغة العربية و التربية القرآنية
و بالأمس فقط صعقتها بأنها مسافرة دون رجعة الى بلدها ، هكذا بلا اي موعد مسبق ، ورقة موقعة ، استقالة و هروب !
نعم نجوى هربت بعدما وضعت مدرستها وكل مهنتها و حياتها في خطر و الان هي مهددة بدعوات قضائية ستقضي على البقية الباقية بعدما سحب الاباء ابناءهم من المدرسة !
كان الأمر حين دخل ولي أمر هائج يسبها و يسب مدرستها و يصرخ فيها و يتقدم نحوها بشكل هائج حتى ظنت أنها سيلكمها و يكسر فكها ، كان وجه الرجل مسودا : أنا ، أنا ابني يستقبل السرير و يركع ليصلي ليختم صلاته بعلامة الصليب على صدره ، أنااااا
كان صراخه لا يصدق حتى اجتمع الطلبة من خلف الابواب و المعلمات يراقبن الحدث عن قرب وهي تقف هناك مذهولة لا تصدق ما يقول ، تحاول ان تتحدث بتعقل و لكنه لا يجدي مع ثورته فرفعت صوتها لمستوى صوته حتى يسمعها : لو سمحت لا داع لهذه الجلبة ، مالذي تقوله ، ارو لنا ما حصل بروية فأنا لم افهم اسباب ثورتك و لا معنى كلامك !
تنفس الرجل بقوة و هو يضرب على صدره : ابني ، ابني ، يصلي للمسيح ، أنا سلمتكم امانة ، تعلمون الاولاد الدين المسيحي ، الا لعنة الله عليكم و على من وثق بكم ، انا سأجرجرك للمحاكم سأجعل سيرتك على كل لسان سأحطم مهنتك و سأتهمك بالتبشير بالمسيحية .
خرج هائجا لا ينتوي خيرا
سقطت على كرسيها فاغرة الفاه
كيف تفعل نجوى بها ذلك
نجوى مسيحية
حين استجوبت الطلبة قالوا لها أن المعلمة نجوى تقول أنه سر بيننا لا يطلع عليه سوى الرب و هو سيحبنا لذلك !
شعرت برجف قلبها ، خوف كبير ، كبير جدا ، كيف استغفلتها نجوى و استغلت ثقتها بهاذا الشكل
هي حقا لم تسألها يوما عن اي دين تدين به ! ولكن لما تفعل حين تحفظ القليل من القرآن و تحمل شهادات عليا في اللغة العربية !
كان اليوم في بدايته ولم ينته على خير و كان الرجل قد بلغ عن المدرسة و حضرت الشرطة و ابتدأت التحقيقات ، و اجتمع اولياء الامور و المدرسات ، وهي كانت في موقف لا تحسد عليه حين صرخت في المحقق : وانا ما ذنبي ، انه ذنبكم من سمحتم لها بدخول البلاد و جعلتموها تعمل و اعطيتموها الحق ، انا ليس لي سوى الظاهر ، انا لا اعلم مافي النفوس ، ارحموني ارجوكم !
ولكنها و رغم دفاعها بلغها المحقق : انسة زهرة قد حققنا مع طلبة صفوف السيدة نجوى و قد اصدرنا محضر احضار بحقها اذا لم تغادر البلاد و امامنا انت المسؤولة الوحيدة هنا .
لا حل امامها الان رغم انها تعلمت في حياتها كيف تواجه المشاكل و تحلها بنفسها ، ولكن ما يحصل الان فهو خطير و ربما سيُتخذ ضدها اجراء سيدخلها السجن ، فلا بد ان تتصل بكل عائلتها لحل هذه الأزمة .
كان اتصالا وحيدا لشعيب اولا الذي لم يتوقع الاتصال ولا ما يحمله من كارثة ، ثم المؤيد الذي سيحمل على عاتقه جلب تلك الساقطة نجوى ، ثم عمها الذي سيتولى بنفوذه امر تلك الدعاوى المرفوعة ضدها ، اما من تشاركه السرير الان فهو مسؤول عن منحها الطمأنينة التي تهرب اليها في احضانه رغم انه حقا لم يكن يحتضنها بل كان غارقا في عالم خاص به ، عالم معقد لا تجرؤ يوما على فهمه ، اقتربت اكثر تغلق عينيها في هدوء فعائلتها ظهر قاس لها و سيخرجونها من ازمتها ، ولكن الحقيقة تقول ان مدرستها قد انهارت سمعتها !
صوت اخر يهمس بقلق و سرعة : انسة زهرة الآنسة سُكينة في الاسفل و تنتوي الصعود لرؤية السيد يحي .
استنفرت من رقدتها و غامت عيناها و رفعت رأسها تتكلم وهي تصر بشدة على اسنانها : تلك اللعينة انها فرصتها الان كي تثبّت قدمها و لكن لابد و ان تزل ، انا خارجة لها ، تحركت بسرعة من السرير تاركة رجلها مستلق هناك ، اما مليكة فقد كانت هذه فرصتها اليتيمة للاقتراب من سيدها ، رغم ان حال الحجرة يرثى له فلا زالت اثار التحطيم قائمة ، و رائحة المطهرات تثقب انفها ، تقهقرت في وقفتها لتطل من فتحة الباب لتراقب اي احد قد يخطر له المجيء و لكن الممرات كانت خاوية على عروشها هادئة جدا ، فرصة نادرة جدا و السيد ليس في وعيه ، بحماس شديد اقتربت بسرعة حتى جلست امامه على حافة الفراش ، تنهدت بلوعة و هي تمد يدها الى خده تتحسس وجنته برقة ، مررت تلك الاصابع عبر شعيرات لحيته ألم تطل قليلا هذه الايام التي حبس فيها نفسه ؟!، تبسمت مع نفسها بشغف و عيناها ترسل نظرات وله و حنية ، لو طلبها يوما ستكون له ستمنحه نفسها كما لم تفعل مع رجل غيره انه فاحش الرجولة ، صارت ترسم في مخيلتها حلم انه تقبلها و تزوجها و سافرت معه الى اهلها لتقدمهم له بفرح سيشل عقلها
ولكن الحلم توقف لهنيهة حين كان يحدق فيها من بين اهدابه الكثيفة
صرخ قلبها و هاج خوفا و رعبا لم تستطع حتى ان تبعد يدها التي هي لامست شفتيه و سببت دغدغات أصابت روحه فأوقضته ، تحرك المفرش تحت جسده و اخرج يده يمسك فجأة بأطراف أناملها وهي كانت تحدق مفجوعة و شيئا فشيئا شعرت بالألم يفتك بأصابعها ، تلوى وجهها و اغلقت عيناها وصارت تقول بوجع : لا لا سيد يحي ارجوك انا لم اقصد
ولكنه لم يهتم حين دفع الغطاء بأكمله عن جسده و قام مواجها لها جسده يكاد يلتصق بصدرها النافر تحول للوحشية و قبضته تحكم زمامها على منابت شعرها خلف رأسها حتى انحنت مع انحناءة رأسها للخلف : لا لا سيد يحي ارجوووك ارجوك اعدك انني لن اعيدها اعدك
و لكن هو كان بعيدا كل البعد عما تقصده و ستكون حقا اسفة فصار ينطق بحقد في اذنها : كنت تعلمين طوال الوقت انها حية ، تعلمين انها هناك تعيش و لم تخبريني ، استغفلتني يا مليكة و عقابك سيكون شديدا
شعرت برعب شديد يجتاحها حتى بدأت تبكي : سيد يحي لا اعلم عما تتحدث على من تتكلم أفهِمني ارجوك انا لا افهم
هز رأسها مرارا بشدة حتى ارتج دماغها و لم تحاول ان تدفع يداه عنها ، انها تستلذ ان تكون يده عليها ، تستلذ ان يؤلمها و لكن لسانها لا زال يقاوم : عمن تتحدث
اقترب اكثر حتى تدافعت انفاسه الدافئة الهائجة على خدها و الهب وجهها المحمر من الاذى : غالية اتحدث عن غالية تعيش مع بروين و انت كل اسبوع هناك و لم تكلفي نفسك اخباري بهذا الامر الذي تعرفين عواقب اخفاءه
فتحت عينيها بدهشة على وسعهما ولا زال رأسها يعاني الانحناء : لا لا انا لم ار غالية هناك لم ارها البتة من اخبرك بذالك ، اقسم بالله انني لا ادر عن شيء
: حسنا الان سنعلم صدقك من كذبك ، خرج من السرير ساحبا رأسها كالخروف خلفه و هي منحنية بشدة تتأوه و تستنجد به : ارجوك سيد يحي اتركني قليلا لم اعد احتمل
حتى دخل بها الحمام ، كان جسده لا زال عاريا يرتدي بنطال الجينز ذاك ذو الازرة المفتوحة و يداه ملفوفتان بالشاش و لكنه لم يهتم و رجله ترى الدم ينفذ من خلال الشاش الملفوفة فيهما و كذلك لا يهتم ، فهو مخدر كلية عن كل شيء ما عدا هذا الشيء " غالية "
عبث في اشيائه الخاصة حتى اخرج موس حلاقة و هنا رفع رأسها بقسوة و امسك بذقنها ، كان مخيفا جدا يبدو حقا شريرا و مجنونا سيشوه وجهها هذا ما ينويه ، وجهها الشيء الذي تفخر به سيشوه الجمال الذي تجذب به رجال العائلة ، ارتعشت حتى اصطكت اسنانها و لم تعد الكلمات تخرج منطقيا من حلقها : لاااااا ممممم ماااااذا س س سيييي د يح ييي ارجووووك ، وضعت يدها على فمها في حلفان : اقسم بالله اقسم بالله والله والله لا اعرف انها هناك و الله ، خرجت الاخيرة بنحيب مجنون و هو يقرب موس الحلاقة من وجهها كأنه سيحرثه لها : حتى عندما تكذبين و تستغفليني فكري مرتين يا مليكة
آآآآه دوت صرخات مجنونة منها و هي تلقي بيده بقوة من وجهها و تفر من امامه فيخرج جريا خلفها حاملا موس حلاقته و هي تفر بوجهها منه تجري و تلتفت خلفها حتى ارتطمت بجسد امرأة اخرى كانت تركض هاربة لحجرة يحي و التي كانت تلاحقها جريا ايضا زوجته شرعا
دخلت سكينة تجري و لحقت بها زهرة التي كانت تجري خلفها منقطعة الانفاس توقف الجميع في قلب الحجرة ، كان مظهر يحي لا ينبيء بخير
و مليكة مرعوبة كفأرة مسلوخة و سُكينة تبتسم بانتصار و زهرة تتنفس بعنف مقهور و حاقد ، بسرعة البرق فرت مليكة بجلدها مخلفة ريحا خلفها ، لم يرد الجري خلفها و سحبها و ذبحها
بل وقف يحدق في تنك الفتاتين المتنافستين علنا عليه
جُرأة سُكينة اثارت غيظ زهرة الواقفة خلفها حين تقدمت منه توقفت أمامه ترفع له رأسها و كانها دعوة لقُبلة تذكره انه قد نالها قبل يومين على الاقل في عرس شقيقه فلما سيرفض عرضها الان و لكنها حقا كانت ماكرة حين قالت و إصبعها يمر برقة على صدره العاري : الحمدلله على سلامة قلبي ! ظننت انك مت من وصف المنذر المقزز لك !
نعم ومن غير المنذر الذي ضمد جروحه و خاطها بمهنية تامة و لا ينسى انه هو من كان يعطيه الحقن المهدأة !
تحرك متجاهلا لمساتها العلنية حتى وضع موس الحلاقة من يده على الكوميدون بجانب الفراش و كلتاهما تتابعا حركته ، حتى في حاله المزري و جروحه لا زال جميلا و مغريا هكذا تراه كلتاهما فعيناهما تعبّرا عما يحصل في عقليهما المتشابه الافكار و التصرفات .
رفع نظره لزهرة المغتاظة التي رفعت صوتها وهي تشير بإصبعها على سُكينة المواجهة لها : انها وقحة لا تحترم احدا ولا تحترم انني زوجتك
اما هو فقال في هدوء متلاعب : وهل احترمتِ انتِ انكِ زوجتي ؟!
فتحت عينيها استغرابا : ماذا تقصد ، انظر اليها كيف اتتك راكضة غير عابئة بعمي الذي تركته ينظر اليها و لا بشقيقها الذي تركها تلحق بك ، ما هذه الوقاحة
ندت تنهيدة مثيرة عن صدر سُكينة سرت منها قشعريرة في جسده ، اغمض عينه لثانية عبرت فيها صورتها تلك الليلة مخيلته " يا الهي ان كنت فعلت فعلي بها لكانت ميتة الان على يدي ، هو كان سيقتلها بعدما تخسر شرفها معه " تبا كيف فكر فيها بهذه الكيفية حتى انه قبّلها ، تبا نعم لقد فعلها قبّل ابنة عمه و هو لم يتمم زواجه بعد من الاخرى ، مهلا هي حتى لم تحاول اعتراض سبيله حينما قبّلها ، قد سعت لهذا الشيء نعم خدعته لم تكن تحتاج لأي صيدلية ، فتح عينه اثر استنتاجه المتأخر ذاك وهو يسمعها تهمس بانتصار لمن يُقال أنها زوجته : قولي انك تعرفين انه ليس لكِ
تقدمت منها بجنون حتى تكاد تضربها بكفها على وجهها : انت انسانة عديمة الكرامة و في قمة الانحطاط اخرجي من هنا هيا الان ، لن تحصلي عليه إلاّ على جثتي
اقتربت الاخرى منها في سكون فسُكينة باردة جدا و استفزازية جدا ، تشقلب عينيها ، و تلوي شفتيها بطريقة تجعلك تريد القفز عليها و نحرها من شدة ما تحقّرك بانفعالات وجهها ، رفعت اصبعها تضرب به على صدر زهرة الفاقدة لأعصابها كلية فهي حين رأت ما ترتدي فتحت فاها مصعوقا ، نعم الزيارة لابد و ان تكون للإغواء و إلّا فما فائدة ذاك الجسد المتفجر ! : لا يا ماما نحنا عقدنا اتفاقا إمّا انتِ او انا و لدينا شهود !
لا يضر ابن عمي أن تكون له " و رفعت اصبعين في وجهها " زوجتين ،، صاحبها هزات متتالية من حاجبيها و ابتسامة جانبية من ثغرها الفتان فأكملت في تلاعب : كبرتي كثيرا ولم تطولي بلح الشام و الظاهر أيضا لن تطولي عنب اليمن ! هكذا انهت تهكمها على سن زهرة و اذلالها من قبل شعيب بطرقعة اصبعين !
لم يكن لزهرة اي استراتيجية ممكنة او متعقلة للتعامل مع سُكينة التي بدأت تخطط و تنفذ أمام ناظريها ، رغم أنها تثق في نفسها ولكن للحظة شعرت بالخوف ، الخوف من فقدان يحي هو الآخر لكم هي آسفة الآن للإتفاق الغبي الذي عقدتاه ، كان لزاما عليها أن توقفها في ساعتها عند حدها لا أن تضع يدها في يد سُكينة و تقول " هيا اخطفي زوجي وأنا سأجلس و أتفرج " ، رغم انها ايضا قد تلعب على وتر الحب الذي ينقص يحي و تلعب دورها جيدا معه كزوجة ، ولكنها ايضا كزوجة لن تستطيع اغواؤه بكل الاسلحة الانثوية الممكنة قبل أن يُطلق عليها لقب عاهرة من قِبله !!
لقد لاحظت عيني يحي و نظرته و حركة جسده عندما تنهدت سٌكينة ، انها تخسر و هي التي لم تتقبل الخسارة يوما ، ولكن يظهر ان كل شيء اليوم يسير حسب قانون مرفي فالمصائب تأتي ثلاث وها هما مصيبتان و تنقص الثالثة !!
في هذه الثانية يعيد النظر كيف و متى و لما فكر في زوجة مثل زهرة ، فسُكينة مسلية أكثر منها و ستكون حياته سلسلة متفجرات معها ، حقا لما لم يفكر بها و هي التي اعترضت سبيله و اغوته مرارا بلا خجلٍ يُذكر ،، نعم هو ذاك ،، الخجل ،، فقلة خجل و حياء سُكينة يبعدها عنه و لو كان كل ما تفعله هو من اجل نيل حبه هو وحده رغم انها كانت كزهرة ينجذبن لشعيب اولا ثم حين ان يصفع احداهن يترامين عليه ، قد كان هو دائما الخيار الثاني للنساء ، كل النساء ، حتى غالية كانت لكل الرجال و حين فقدت امان زكريا حولت وجهتها له هو ، و زهرة بعد أن كانت خطيبة شقيقه لسنين عديدة تنازل عنها له و هو تقبلها بروح و صدر وسع ، لماذا ؟!!
ما كل هذا الذي يجري في عقله كيف يفكر هكذا ، بل هذا هو المنطق هو عين المنطق !!
ينصت لشتائم و تهديدات احداهن للأخرى و دمه يغلي
لا يدري كيف وصل الوضع لهذا الانحطاط
ألا تخجلا مما تفعلا ، أمامه على الأقل هكذا " عيني عينك " !! فكلتاهما حتى اللحظة لا تمتان له بصلة غير زهرة بكتب كتاب و الاخرى ابنة عم ، مالذي تفعلانه ، لم يخطيء في حدسه حين علم في قرارة نفسه انه اتفاق بينهما !
رغم انه يقر ايضا انهما فاتنتان و بشدة و كلتاهما تهتمان بتفاصيل صغيرة مثيرة كأن تظهرا بمظهر الانوثة الصارخة او الطفولة المشاغبة كشعر زهرة الطويل المفروق من المنتصف و المظفر على جانبيها ما يجعلها طفلة نقية لا تشوبها شائبة !
ولكن في لجة ما فيه تحول الوضع الى عراك بالأيدِ تطلب تدخله بسرعة و نهره بشدة و فصلهما عن بعضهما لا بل سحب كلتاهما من يدها و قال بحنية و كأنه في حلبة مصارعة و سيرفع يد احداهن بالفوز : تعالن معي سنناقش امركن الذي يخصني في مكان اكثر هدوءا و جمالا
هدأت الإثنتان : سخيفة
فردت الأخرى : عديمة شرف
: كفى كفى يا صغيرتاي سنرى الآن من لديها الحق منكما
خرج بهما الى الشرفة الواسعة فتطل وجوههم جميعا على الحديقة الخضراء ، كان المنظر من هذا العلو جميلا ، مريحا د عليلا ، مليئا بالتفاصيل و ألوان الازهار ، صوت نافورة المدخل الذي أمامهم مباشرة و سور الحديقة البعيد الذي يحيط بجميع القصر فيصبح عازلا لجميع الأصوات و الحركة في الخارج .
بالأسفل كانت سيارة المنذر ، و المدخل كان يهم حراسه بفتحه لتدخل منه سيارة اخرى و في تلك اللحظة صدر صراخ عال لكلتيهما و هو يشد مؤخرة رأسيهما بشدة و يميل بهما على حافة الشرفة سيرمي بهما لولا انهما لا زالتا تتمسكان بايديهما بشراسة بجسده و الحائط القصير : يحي يا مجنون ستقتلنا ، عمييييييي
و نادت الاخرى : منذرررررر يحيا اتركني اتركني ارجووووك
بل كان يدفعهما بعنف لم يهتم حتى لو وقع معهما للأسفل
كانت اجسادهما ترتعد خوفا تتعرقان رعبا تستنجدان بأحدهم و هما توشكان ان تهويا لتتحطم رأسيهما على الاسفلت في الاسفل ، كان يقول بحقد و غل و تحذير : المرة الاخيرة التي تتفقان فيها ضدي ، المرة الاخيرة التي اجدكما سويا في مكان واحد ، هز جسديهما و هما تبكيان بل تنتحبان رعبا : يحيا تعقل ارجوك ، كانت الارض تقترب منهما بسرعة لا يا يحيا لا
: تبا قولاها ، قولا انكما لن تتعقباني بشروركما مجددا ايتها الشمطاوين
كان صراخ زهرة ناعما رغم محاولاتها لتغليظه و نيل شفقته : انا زوجتك ستترمل من بعدي !
صرخت سُكينة برعب : لا لا لن افعل اتركني منذررررررر هذا جزائي اني أحبك ، تبا يا الهي كم هي وقحة جريئة و لا مناص من تأديبها
كان هناك صراخ اخر في الاسفل هز القصر و اثاثه هزا مريعا : اين هي امي اين ، امي من ثلاث ليال لم تنم في البيت ، لم تفعلها في حياتها ، هل علمتْ هل عرفت بالوسخ الذي نتنعم فيه ، قل لي اجبني هل فعلتْ
اريد امييييييي ارييييييدها احضرها لي الان
كان يقف امامها بلا حيلة ضعيف مشتت ، صبا ستجن لن تعيش في القصر بلاها ، بلا ماجدة ، لما الان يا ماجدة ، صرخت في وجهه وهي تبكي بجنون : قلها ، قل انها تركتنا ولن تعد
اقسم انني لن اتزوج بدونها اقسم
كان منذر يقف خلفها متفرجا بذهول و خوف على ثورتها و هي تقف على الدرج تحدق في والدها الذي يقف عاجزا في الاسفل رافعا رأسه اليها ، تحرك يدها و بحت حنجرتها : مليكة قالت انها ذهبت بسيارتها قبل الفجر ، مالذي عرفته قل لي ارجوووووك ، سأذهب لها الان اينما تكون لن ابقى معكم هنا ابدا
في تلك اللحظة اختارت الصغيرة زكية الهرولة الى داخل القصر تضع يدا على صدرها لتلتقط أنفاسها و هي تشير بكل براءة الى الخارج : أبي، أبي ، أمي تقول أنها في حالة ولادة
انتقلت أنظار الجميع لها
ولكن صبا المذهولة التي حين تخرج عن صمتها تصبح سلاحا فتاكا صرخت في الفراغ و في وجهها كل الحقد وهي ترفع يدها في حركة انتقام : حتى في هذا ، حتى في هذا ، لما تختار اليوم كي تلد لمااااا ، اذهب اليها ، اركض الآن افرح و غن لطفلك القادم بعد أن تجعلا هذا البيت خاو من أهله ..
نزلت بسرعةِ الجري عن الدرج تحدق بحقد في والدها الذي انهار على كرسيه يلحق بها منذر الذي اقام اليومين الماضيين بسبب يحي معهم خرج يجري خلفها يحاول ان يمنعها و هو يمسك بشدة بعضدها يلفها بعنف اليه : هل جننتِ كيف تحدثين عمي بهذه الكيفية ، اسمعيه ، ناقشيه ، لا ان تحمّليه الذنب ، والدك كاد يموت من صدمته بثورتك الم تري وجهه
منذر كان غاضبا بشدة منها ، كان متعقلا لأول مرة منذ زمن ، ولكنها نفضت يدها بعنف والتفتت صارخة بهيجان : هل استيقظت ، دفعته من صدره حتى ارتد خطوة اثر انفعالها : هل عدت لرشدك يا زير النساء ، اتركني لا شأن لك بي و لا بعائلتي ات ر ك ني
ولكنه لم يفعل بل قاوم و صمم : لن ادعك تذهبين وانت فاقدة لعقلك
قربها اليه وهو يشد على عضديها حتى التصقا فمن يراهما سيظن انهما يتعانقان .
فتحت عينيها على وسعهما : انا فاقدة لعقلي ، وانت من تكون ؟!! ، أنت أصل الضياع و فقدان العقل و الوزن و القيمة ، أنت لا شيء يا منذر لا شيء ، و كأنها قررت ان تنتقم من هروب امها من خلاله ، ان توجعه ، ان تضربه ضربات متتالية تصيبه بالخرس : أنت لا تعني لي شيئا و لن تعن ، زان حقير ، إن كنت تظن أنك ستستغل وضعي فسأقول أنك مخطيء و قد سلكت الطريق المسدود
نفث انفاسه بصبر وهو يحدق بالبوابة التي تُفتح : لا تفتحي الدفاتر و لا تبحثي في الحسابات كلانا نعرف ماضينا
ولكنها قاطعته بقرف : ماض وسخ و ستظل دفاتره مفتوحة للأبد طالما لن تستقيم
وحتى في اهاناتها له لا زال حنونا محبا خائفا عليها : حسنا أنا إنسان سيء و منحط الأخلاق و لا يناسب مقام سيادتك و لكن انتبهي لصحتك !
: هه هازئة خرجت من اعماقها : ومن سبب لي ذاك المرض يا منذر ، من !
عيناها كانتا قطعتا حجر جامدتان و مخيفتان و لا تنسيا أبدا ما رأتا !
وصلت السيارة و التي كان الصديق يقودها يحدق فيهما كلاهما و بالأخص في المنذر ، يتميز غضبا يريد ان يستدير ليدهس المنذر بلا رحمة ، نزل من فوره يقف بينهما : ماذا تريد منها لما تلاحقها
سينشب عراك اخر دامٍ بينهما و كلٌّ استنفرت عضلاته و نفخ صدره : من منا يلاحقها يا محترم ، رفع حاجبا مستفسرا ، اريد أن اعرف هذه اللحظة لما اخترت صبا بالذات !
قل لي انها تكملة لسلسلة جرائمك في عائلتنا و التي نتغاضى عنها عن طيب خاطر ، لكن ثق أنني أخبيء لك مفاجأة !
ابتسم بمكر على اثر كلماته التي رأى تأثيرها الجلي على وجه الصديق الذي بدأ يرتبك ، منذر ذكي خبيث و لابد أنه يخطط لقتله !
دفعه بقوة من صدره : ايها البائس تهددني بعدما دمرت وجهك في المرة السابقة
رد له الدفعة بأقوى منها : أنا فقط اذكرك بعواقب افعالك وان نتائجها قريبا ، اعدك قريبا جدا و أمام عينيك
لم يستطع الصديق سوى ان نفخ صدره و دفع المنذر بشدة من صدره حتى تقهقر بقوة و كاد يقع على الأرض و هناك لمعت عيناه و تحرك مسرعا تجاه الرجل المستنفر للاشتباك الحتمي
تبادلا اللكمات على مرأى منها هي التي كانت تقف متفرجة كالتمثال تضع يدها فوق رأسها في يأس ، ركضت مبتعدة الى ان وصلت سيارتها دخلتها و هربت و هي تسمع صوت صراخ نسائي حاد متقطع مستنجد : منذررررررر
اما الرجلان فقد تمكن منذر للحظة من شدة غضبه من الصديق الذي كان مرميا تحته صار يهزه : اين هي جِنين اين هي انت من سلطها علي ، انطق قل اين هي ، اعلم عنكما ، اعرف علاقتكما ، انطق اين هي سأقتلها قبل أن اقتلك اقسم بالله سأقتلك
دفعه من فوقه بخفة لشدة نحافة المنذر رغم محاولاته أن يكون المسيطر على الوضع حتى استقام في وقفته ينفض قفطانه الابيض و يرتب شعره المشعث : لا اعرف عمن تتحدث ، من هي جِنين ؟!
قاطعه و هو يصبّر نفسه : انكر الآن هوية تلك الفاجرة و لكن وعدا علي انك ستدفع ثمن كل ما فعلته حتى اللحظة
التفت حينها للأعلى حيث شقيقته المعلقة الصارخة الباكية و الاخرى التي تستميت في التمسك بيد يحي المتفجرة بُغضا : يحي ارجوك لاااا
تحرك الاثنان على اثر تلك الفاجعة بسرعة ليعبرا الممرات ليخلصا الفتاتان من امر محتوم !
و قد خرج صالح لزوجته الثانية راميا خلفه لهنيهة كل المصائب في ذلك البيت !
هناك في تلك اللحظة و تلك الليلة ، ليلة قطع الرؤوس و العويل و العزاء ، لحظة المرارة التي غلفته ، لحظة الذهول التي جمدته ، انها الفتاة صغيرة القد ذات الشعر الاسود المتدلي على جنبيها و القفطان الذي لا يغطي ساقيها و الوجه الحبيب الذي قيل له أنه دُفن تحت التراب
كيف ، من ، حلت الصاعقة عليه فلم يدرِ كيف اقترب منها بتلك السرعة الشديدة ام هي من جرى اليه تتحرى عناقا !
كانت أمامه ترفع رأسها له ، ذات العينين النجلاوين ، و ثغر الفاكهة ، و تدويرة الوجه ، ذات الرقة و الجمال انها هي حية ترزق انها حية حية هنا بين يديه في منزل هجره لبضع سنين ، منزل لم يعلم انها لازالت تزوره و ترقد فيه و تدلل أطفاله ، هجم على وجهها ووضعه بين كفيه يقلب فيه يرفع شعرها بهمجية يدير رأسها " ال لا " التي ابت ان تخرج من شفتيه تكررت في صدره حتى افحمت احشاءه ، ثغرها كان مفتوحا قليلا او انها كانت تقول له شيئا " عمي يحي " لم يكن يفقه أو يسمع ، غالية موتها كذبة لما ، تحول وجهه و يداه للعنف و هو يشد شعرها و يلوي رقبتها كانت تصرخ مستنجدة ببروين الواقف الذي يحاول ان يستوعب ما يحصل ، يشاهد شقيقته التؤام التي يكاد عمه يحي ان يفصل رقبتها عن كتفيها كانت تبكي بشدة و رعب رسم كل ملامحها الفتية جحظت عيناها و انفرج فمها بالبكاء بالكاد تنطق : بروين بروين
هجم على يحي و هو يهزه يحاول تفرقته عن اخته : عمي يحي اتركها اتركها ستقتلها ماذا تفعل
عمي يحي
كان يحي غارقا في تاريخه ، في ماضيه ، في بطنها المنتفخ ، في حملها ، في زكريا ، في الرجل الخمسيني ، في القبلات التي لم ينلها ، في تلونها كالحرباء كان يقول بغلٍ فجر ملامح وجهه ، كان الحقد يدفع بدمه للجنون تضخم يحي حتى أصبح كالمارد الذي يريد سحق ما يدوس عليه : ما زلتِ حية ، كيف ، لا ، حلم لا كابوس ، غالية ، بلا ادراك زاد حقده : ستموتين سأقتلك و هو يزيد من ضغطه حول رقبتها الرقيقة الصغيرة
تختنق انها تختنق انه يقتلها بدم بارد انه ينهيها حشرجات عالية و كحة و دموع موت محتوم متتالية و لكنه هو فقد النفس هذه المرة كانت هناك يدان تضغطان بقوة حول عنقه شيء اجرامي يحدث له احدهم يريد قطع رأسه تراخت يداه عن عنقها و تقهقر في وقفته ولا زالت اليدان تشدان على عنقه حتى هوى على الارض و صراخ مفجوع لأنثى تنتحب : بروين اتركه اتركه بروين ستقتله ستقتل عمي يحي بروووووووين
: ادخلي ادخلي و اغلقي عليك الباب بسرعة
فرت هاربة تلتفت خلفها وصلت و اغلقت الباب باحكام و هناك خلفه سقطت على الارض فرجليها ماعادتا تحتملا الوقوف انهما ترتعدان هلاميتان تلاشت العظام رفعت يد الى عنقها تتحسسه بلهفة تتنفس انها حقا تتنفس كادت تموت ، عمها يحي اراد قتلها اجهشت في البكاء العالي ، عمها يحي ذاك الرجل الفذ الجميل الخُلق الذي اخرجها و اخيها من غيابات الفقر و الحاجة ، الذي اعتنى بهما كأبناء له من أجلها من أجل غالية ألم تقتل هي والدها ؟!! ، العم يحي لم يكن ملزما بهما و غالية لم تكن تملك المال و لولاه ، لولاه هو لصاروا يشحذون في الشوارع لقمة العيش ، كل هذا البيت و اثاثه ، المال الذي تغرف منه يوميا لتذهب به للجامعة ، الملابس التي ترتديها ، السيارة المرفهة التي توصلهم يوميا لأي مكان يحبون ، الملاعب و الاندية و المطاعم و كل تفصيل كل شيء هو منه ، من عمها يحي ذاك الرجل الصالح الذي لم يطالبهم يوما بأي مقابل بل يعطي و يعطي ولم يحسب وكله من أجلها من أجل غالية !!
كفكفت دموعها ليس من حقها أن تغضب منه أو عليه ، لابد أن عمها يحي واجه ظروف صعبة جعلته يتصرف معها كما الآن ، اغمضت عينيها و استندت برأسها على الباب خلفها و رفعت ركبتيها لمستوى صدرها و لمت كفيها حولهما و عضت شفتها و نهرت نفسها : لا هو عمك ، هو رباك !
: لا هو رجل لم ترى في حياتها مثله !
: لا هو يعتبرني كابنة له ، في اسوأ الأحوال كحالة انسانية استدعت تدخله !
: لا هو رجل لم يتزوج بعد كما تقول مليكة !
: عمي إنه عمي
: لا هو لا يمت لي بصلة قرابة او دم ، انه رجل كغيره من الرجال !
: انه رجل ليس كغيره انه استثنائي !
وهنا تبسمت مع نفسها رفعت قمة قفطانها تستنشق عطرُ ما علق بها من شدة التصاقه و تنهدت بقوة حتى فرغ صدرها من شحناته و تضاده همست " عمي ،،، يحي "
و في الخارج كان قد استفاق على نفسه يتوسد الارض ينظر للسماء و الى وجه بروين الغامق الذي كان مابين المتوجس خيفة و المتأسف على ما فعلته يداه ، رفع نظارته يقول بتوسل : سامحني سامحني فقد كدتَ ان تقتلها !
ولكنه أطال النظر للسماء ثم حرك ساقيه و استند على كفه ليقوم ، متعبا ، صاغرا ، منهكا ، غائبا ، حالما ، ربت برفق على كتف الفتى ثم أعطاه ظهره و ترنح في مشيته حتى وصل الباب ثم فتحه بهدوء شديد ، عبر خلال الرجال المتجمهرين و أصوات النساء النائحات حتى وصل سيارته ، خيوط الفجر قد ظهرت و ابتسامة مجنونة شقت شفتيه وهو يقود مبتعدا : غالية .... حية ،،
مغضوب عليه
مغضوب عليه
كانت هي الكلمتان اللتان تترددا على مسامعها منذ أن وطئت منزل عمتها ، أو بلأحرى منزل أهل عمتها ،جديها ، فهي لا تعرف لما رحلت عمتها عنهم ؟! ، لما تخاصمهم ؟! ، لما تقيم في منزل أهلها وليس منزل زوجها !!
كانت تتنفس بحرقة و اخيرا بكت على راحتها ، بكت ولا تدري متى سيتوقف البكاء .
صالح كان ابن العمة الذي تعلق قلبها به حين خطبها من أهلها ، كان صالح مغرما بها حد الجنون ، كان يلاحقها من و الى المدرسة ، كانت تتزين من أجله كي لا تلفت نظره فتاة غيرها ، كانت رشيقة جميلة مليحة الملامح هادئة و متزنة و لكن في صالح أصابها القليل من الجنون الذي اندفعت له معه ، فقد خرجا عدة مرات سوية بلا علم أهلهما ، ولم يكن أحد على علم أنهما على علاقة حب ، علاقة بريئة ، عفيفة ، جميلة ، كان صالح ذاك الشاب الوسيم يلاحقها هي و يحبها هي ، كان يتحين الفرص و المناسبات للالتقاء بها في بيتهم حين يشرب الشاي و يظل يحدق فيها بعينيه المولعتين قائلا : لا أدري إن كنت سأتذوق أجمل من هذا الشاي في حياتي !
ولكن صالح ذاق و ذاق و ذاق و اكتفى بما لعق من كأس ميادة ، تلك الجميلة المدللة المعتدة بنفسها و المبرزة لجمالها الخارق في كل مناسبة تكون هي فيها صفر شمال ، كن النساء يتحدثن عنها بفضول مميت ، كن يتمنينها حتى وهي متزوجة من محمود ان تكون زوجة احد اولادهن ، كانت ميادة تعيش بين ،، ليت و لو و لعل ،، وكانت علاقتهما متوترة دائما ، تخلو من الراحة في الحديث أو الانبساط في اللقاء و ما صعّب الأمر هو أنها تسكن معها في نفس قطعة الأرض يحوطهما سور واحد و لم تدرِ يوما أن هذا السور سيكون صالح بنفسه .
كان عظم الخيانة من صالح لا يغتفر
تذكر حين صرخت فيه متخلية عن طيبتها ، تحرقها غيرتها : كيف ، كيف تفعل بي ذالك ، اتركها تتزوج احد اخوتك ، اتركها تتزوج امحمد الذي يتزوج من كل بلد امرأة ، اتركها تعيش كما تريد ، ان تبتعد او تسكن مع اهلها لا أن تحضرها لي في بيتي و تعاشرها كما تعاشرني انا لا اصدق لا اصدق ، احترمني يا صالح ، احترم سني ، احترم العمر الذي قضيته معك ، بكل بساطة ستتزوج " غريمتي " قبل الزواج و بعده .
كانت تجلس مرهقة تضغط على قلبها بمرارة تبكي تبكي بوجع صامت لا تتخيل ابدا لا تجرؤ لا لا ظلت تنفض الفكرة و الخيالات من عقلها زوجها بعد ثلاث اولاد شباب يريد الزواج من اخرى بحجة ان لا يخرج ابناء اخيه لبيت اخر ، لما يخرجون ، فليبقى الاولاد سأربيهم كما اربي ابنائي سأحافظ عليهم لكن لا تذبحني يا صالح لا تفعل ، ولكنه كان مصمما رأيه حين قال : ماجدة النحيب لن يفيد فقد خطبت وهي وافقت !
جن جنونها وهي ترفع رأسها بصدمة : يعني أنكما خططتما لكل الأمر و تأتي لتقل لي الخبر كأنه سيكون و هو قد كان و فات ، ضربت كفيها ببعضهما علامة نفاذ الوقت : يعني لا قيمة لما اقول ، لا قيمة لي أنا ، أنا يا صالح ، ولكنه برر لها : مااااااجدة لا تخلطي الأمور ، لابد وان تبقى العائلة مع بعضها البعض لا اريد حساسيات او صراعات اريد ان نحيا جميعا في وئام .
ضحكت من بين دموعها : هه ينقص ان تغنِ لي ، اذهب يا صالح تزوج ميادة و اجعلها بديلا و اعلم أنك من هذه اللحظة محرّم عليّ ، اخرج ، كانت كلماتها باردة قاطعة كحد السيف لا اثر للندم فيها لا تراجع ، ان اردت فهو هكذا سيكون .
: ماجدة
خرجت منه الكلمة مصدومة بغير استيعاب
ضغطت على كلماتها بثقة و ثبات بروح خاوية : اخرج يا صالح هذا الجناح مُحرّم عليك ان تدعسه بقدميك ، اقفل الباب خلفك لو سمحت .
هكذا اغلقت ماجدة كل السبل للصُلح الذي سعى اليه مرارا
ولكن هيهات ، يا الله يا الله ابريء جرحي يا الله ، طعنة صالح كانت معوجة اصابت الوريد فقطعته انسحب حبه من قلبها طيلة السنوات العشر الاخيرة من حياته ، عانى جفاء ابنائه و حقد صبا التي دخلت في صراعات مع زهرة و حنان و ميادة و حتى زكية الصغيرة لم تسلم منها .
عمتها التي كانت ممددة على فراش ارضي بلغ عمرها الثمانون او يزيد سقطت بعد ان كانت امرأة يعرف بقوتها القاصي و الداني ، سقطت في ليلة ظلماء ، لم تعد عمتها الجازية ترى بين عينيها سوى شيء واحد ،،،
انظري ، حدقي جيدا ،
ترى امام عينيها ورقتان ، ورقتان باسمين مختلفين ، التاريخ واحد ، و اليوم واحد ، و الموعد واحد ، نطق الشخص : تمعني فيهما ، انها آسيا ، اسمها آسيا
قالت نفس الكلمات بذات الهمس : واجهيه تفرسي في ملامحه اسأليه من هي آسيا يا صالح و سترين الذنب ، الذنب وحده !
كانت تهز رأسها بغير فهم ، تائهة ، بغير تصديق ، لا ، لا ، هذا تزوير ، تلاعب ، خدعة ، انها خيااااانة ، انه الموت
ولكنها رفعت رأسها بعينين غائمتين غائرتين و تهدل جسدها و انهارت روحها و كبرت مائة عام : خذي اوراقك و اخرجي لا اريد ان اراكِ في حياتي بعد الآن !
ولكنها قالت : لا يهمني ان اعود ، المهم انكِ تعرفين الحقيقة .. و خرجت
كما خرجت روحها تلك اللحظة و لم تصدق إلّا حينما واجهته و سقط عند رجليها يُقبّلها يريد الغفران و العفو ، يريد السماح ، صعب صعب يا صالح ، مغضوب عليك ، مغضوب عليك حتى الدموع تلك الفينة كانت غالية ، غالية جدا .
كان نفس السؤال يتردد عند رأسها من ماجدة التي تربت أصابعها على شعر عمتها شديد الإحمرار جرّاء الحناء التي تصبغ بها كل اسبوع حتى وهي طريحة الفراش : من هي آسيا يا عمتي ، أعلم أنك تعلمين ، أنا لا اريد تخمينات ، لقد تعبت ، لم يعد في العمر متسع للمزيد من الالغاز و المؤامرات لا اريد ان اخمن انها زوجة او عشيقة ، لا اريد ان اخمن انها ابنة ، لا اريد ان اخمن انها شخص استخدمه لغرض قذر ، لا افهم اخشى انني استسلمت !!
اتكأت برأسها المتعب على رأس عمتها التي هلت دمعات قهر من عينيها المحاطة بكم هائل من التجاعيد ، العينان التي رأت مُر الحياة و حلوها و ذلها ، رأت موت زوج و انحراف ابناء !
كان الهدوء يعم البيت الصغير الى ان اقتحم خلوتهما المريرة و قطع الدموع دخول صبا المعقدة الصغيرة !
وهناك في مكان بعيد ، بعيد عن صراعات العائلة
اثنان اختارا أن يبتعدا بحياتهما و مشاكلهما عن كل شيء
عن كل شخص و خاصة من طردوهما من حياتهم !
المجدلية تلك المرأة الجميلة ذات التاريخ المُحتقَر و الشخصية المتمردة
وربما هذا هو ما يجمع اولاد سعيد بالعموم ، التمرد ، القتال من اجل نيل ما يرغبونه ، الخباثة ، العم سعيد الذي انجب من الاولاد اربعة ومن البنات ثلاثة ، لم يزوج منهم احدا سوى المجدلية و ناجيّة ، المجدلية التي كانت منذ زمن تسميه بالسحيق زوجة لآيدين ابن عمها امحمد ، نعم زمنا سحيقا كانت فيه وردة متفتحة مبهجة للناظرين ، مغرورة بذاتها ، زواج كرهته و كرهه زوجها الأول آيدين و من ثم كان لزاما عليها أن تتزوج من شقيقه الأصغر سنا منه و الذي يكبرها بسنوات قليلة " هارون "
المجدلية سببت صدعا كبيرا و فراقا و كرها و أُبعدت بزواجها عن العائلة .
تقف أمام المرآة كل يوم بالساعات
تحدق في نفسها و في ملابسها
هذه المرة اختارت فستان نوم ناعم شفاف قصير
عبأت شفتيها بأحمر شفاه
و عينيها برسم و كحل
و خديها بلمعة براقة
و اغرقت نفسها في عطر ديور
وجلست
تتعرف على نفسها في المرآة
أحيانا تمد ذراعها كي تلمس جزء فيها
من وجهها
كانت امرأة شديدة النظافة و شديدة العناية بنفسها
رغم ان الرجل الذي تزوجته فصل نفسه عنها !
جعلها كل ليلة تتحسر على جمالها الذي يذوي
تتحسر على روحها التي تبهت
تظل تلمس جسدها و تتأوه في لوعة ثم تستفيق على نفسها فتخلع ثيابها و ترمي بها ارضا و تتمدد في فراشها و تحدق في السقف
مكالماتها مع شقيقاتها سُكينة و ناجية تتم في سرية تامة فإن علم احد اخوتها بأنهن يحادثنها سيريّن العذاب الأليم
فالمجدلية كما خرجت من كُراسِ العائلة بصفة متزوجة ، خرجت منها بصفة مغضوب عليها !
أليس من الأجدى الآن أن تتحسر على تلك السنة التي عاشتها مع آيدين ؟!
كان غارقا فيها ، يحبها ، يعشقها ، ذلل كل الطرق ليجعل من حياتها حلوة تلائم شخصيتها .
أما هي فأجبرته أن يكره نفسه و أخيرا بأن يتزوج عليها امرأة اسمها " يارا "
أحيانا تسأل في الخفاء عنه ولم يسرها ما تسمع
ولكنها الآن عالقة مع هارون ، الرجل المجنون ، الذي تدوس كلما داهمتها الرغبة على ذاتها لتنزل له و تعرض شيئا منها عليه و لكنه يلتفت عنها في صمت مهين ناهيك عن نظراته التحقيرية او كلماته المسمومة كالخناجر الضاربة : لقد اصبحتِ عجوزا ، لا تليق بكِ الملابس ولا " الركوب "
تعتصر قلبها بيديها و تنهمر الدموع على خديها ثم تستدير وهي تعض أصابع الندم على كل ما جرى
على كل حياتها البائسة
هارون كان ، وما ابعده من فعل ،، كان ،،
كان رجلا عاشقا غارقا محبا قبل الزواج و بعده صار ناقما كارها لدرجة أن ينظم للتنظيمات الإرهابية متحديا كل أهله بل مهددا لهم على الملأ أنه سينفذ فيهم عمليات تصفية جسدية ، وثم ماذا حدث ؟!
تحولت حياته هو الى جحيم و صار حبيس غرفة ضيقة تخدمه ممرضة استأجرتها لتلبي له طلباته ، فكلاهما لا زالا يعيشا معا و لكن بانفصال تام .
تنفست الصعداء و استقامت و لفت حول نفسها و رفعت ثدييها تبرزهما قليلا من فتحة الفستان و رشت المزيد من العطر ثم فتحت الباب و خرجت
لمست أصابعها ترابزين الدرج و نزلت خطوة خطوة في ثبات
نهاية الدرج كان كنهاية اختبار ، راحة و ارتباك و خوف
مشت الهوينة حتى رأت بابه مفتوح قليلا ، كانت الغرفة مظلمة
دفعت الباب وولجت و قلبها يقرع بشدة على اعتاب صدرها حتى ارتبك تنفسها
وهو كان هناك جالسا يحدق فيها بعينيه المخيفتين ، اغلقت عينيها و بلعت ريقها و ثبتت نفسها و اتجهت له في عزم ، كان يتبعها بنظراته الباردة الجامدة في كل خطوة ، كل تفصيل من جسدها الفج الظاهرة انحنائته بلا خجل من تحت الفستان
استدارات حول الطاولة و هي تمرر أظافرها المطلية على حافتها باغراء ادار وجهه ناحها في اللحظة التي وقفت جانبه تحدق في شعره الفاحم
رأى ساقها تعبر فوق فخذيه لتستقر على الجهة الأخرى من الكرسي
هكذا جلست مفرقة ساقيها يلتصق جسدها بكل تفصيل من جسده
لا زالت تخاف الرفض
تخاف الاهانة
ولكنها اندفعت بكل الألم الذي ينبض في رحمها
وجد وجهه أسير قبلاتها الساحنة تقبل شفتيه قبلات متتالية و تمرر شفتيها على حاجبيه برقة و على ارنبة انفه و يديها تشد قليلا على منابت شعره
لم يفعل ، لم يرفضها ، لربما هو ايضا يتوق لها
لهذا الرجل الذي علمها كل تفاصيل للحب معه ، علمها كيف تشعر بجسدها .
رفعت كفه فوضعتها على صدرها تضغط بهما عليه ولكنه كان كالماكنة الميتة ، بلا وعي ولا شعور ، بلا رغبة و لا شوق
اخذت الدموع تنساب بحرج و قهر من عينيها و هي تلصق جبهتها على جبهته تهمس بوجع : ارجوك ، هارون ، ارجوك
صارت تحرك جبهتها يمينا و يسارا و كفها تتحسس وجهه : لا تقتلني معك ، انزلت يداه الى مستوى رحمها ضغطت بهما عليه : ارجوك اشعر بالوجع الذي هنا ، لا تجعلني استجديك اكثر من ذلك ، ارجوووووك
كان العقاب هو التجاهل ، عادة ما يدفعها عنه او يشتمها و لكن هذه المرة العلاج كان التجاهل و البرود التام .
احتضنته بقوة و اخذت تجهش في البكاء حتى سال كحلها على خديها فجعلها يائسة بائسة محطمة رأسها يبرز خلف رأسه : لا تدمر البقية الباقية ما دمت تذكر ما مضى من حياتنا ، انا ارجوك ارجوك
ولكنه همس في اذنها : اخرجي الآن .
يدري في قرارة نفسه أنّ فعله هو عار على الرجل داخله ولكن كبحْ جماح الرغبة هو شيء تدرب عليه حتى أصبح فطرة !
تراخت أطرافها و ابتعدت تحدق عينيها في عينيه القاتمتين ، دفعت شعرها الى الخلف بروية و عضت شفتها و اغمضت عينيها و قامت
يرى ظهرها المنحني و كتفيها المتهدلان و خذلان جسدها الجميل حتى اختفى خيالها فمع هارون قد ضاعت الكرامة !
طأطأ رأسه و مد يده يمسك بقلم يطقطق به فوق الطاولة و ما لبثت ان تحولت الحركة الى غرس شديد لسن القلم في الطاولة ما يعبر عن جموح الأعصاب الذي يعتري روحه
و هناك سمع اللكنة : أنت بهذه الطريقة تجبرها أن تسلك طرق أخرى لنيل مبتغاها !
رفع رأسه ولمعت عيناه و ندت عن شفته ابتسامة جانبية : وانتِ الخبيرة !
كتفت ذراعيها و حدقت بجرأة في عينيه الغائمتين المحتقرتين : انتبه لزوجتك و اخرج عن سخطك في الدنيا الذي تجلد به نصفك الآخر !
فتح عينيه بقوة و تراخت أصابعه حتى سقط القلم من يده على الأرض و اخفض رأسه و تمتم : اجلبي لي القلم اذا سمحتِ !
تحركت في سخط بملابس عملها والتي تكون عادة بنطال جينز اسود و بلوزة بيضاء ذات رقبة عالية و شعرها الاشقر القصير مجعد بطريقة انيقة و وجهها مزين ببعض مواد التجميل الذي تبرز تفاصيله بلا مبالغة
تقدمت بخطوات ثابتة ولم يلتفت لها ، كان يحدق في الارض و في قلمه بسهو حتى حين نزلت على الارض ووضعت يدها و القت نظرة على القلم الملقى تحت قدمه خرجت من حنجرتها صرخة مدوية جعلت المرأة الأخرى تنزل مسرعة من الدرج ، كانت تصرخ وهو يضغط بجسده بشدة على رجل الكرسي التي نزلت كالصاعقة على اصابعها ، كان يتفجر غضبا و سخطا و كأن كره العالم يخرج بذبذبات مميتة من جسده لتصيبها بلا رحمة : آه آه اتركني ايها المعتوه انت انسان مجنون مجنون صارت تضرب بيدها الاخرى فخذه بقوة : اصابعي .. يدي .. كسرت يدي ايها المجرم المختل
حتى الان تتماسك ولم ترد البكاء و لكنه امسك بقمة شعرها و شده بقوة اقتلعت شعيراته : وسخة مثلك عاهرة لا تجرؤ ان تسدي النصح ، قام بسحب رأسها حتى قابلت وجهه و عيناها مغمضتان من شدة الالم بل عبرات الدموع بدت تنهال وهي تقرص شفتيها : لا تتدخّلي فيما لا يعنيكِ ، ما ترينه و تسمعينه يبقى بيني وبين زوجتي ، صرخ بعنف ،، فهمتي
هزت رأسها بسرعة : فهمت فهمت اتركني ايها السادي
دفعها بعيدا بكره واضح على محياه الغاضب : قومي اخرجي انت الاخرى لا اريد ان ارى وجهك ، قومي
دفعها من كتفها وقام قليلا ليحرر اصابعها التي انسلخت وصارت تحرقها وهي سقطت بجانبه على الارض تنهار باكية ترفع اصابعها تحتضنها ثم تقوم راكضة عابرة للمرأة التي تفرجت على كل ذاك
رفعت عينها له بجمود تحرك شفتيها بآلية : لا تندمن يوما على سوء أفعالك ، اطبقت الباب خلفها و اتجهت لباتريشيا لتعاين لها أصابعها المدماة و تركته هو يجر الحسرة على ماض كان جميل في نظره .. يوما ما ..
إن عاش" ، هي الغرفة التي قطن فيها لما يقارب العام "
عام بأكمله ملفوف جسده في الضماد
فهنا مكسور ، وهنا متهتك وهنا مسلوخ وهنا مشوه
تلك الجثة الطائرة لرجل عربي عبرت النوافذ المفتوحة في تلك العمارة
حتى صرخت امرأة عجوز بشدة وهي ترى الجسد الهامد الذي ضرب بقسوة على الأسفلت قرب نافذتها التي تراقب منها الجيران و العابرين
اول ما فعلت أن ركضت الى هاتفها لتحضر الشرطة و الاسعاف و هناك في المشفى جاهدوا لعمل ترقيع و اعاشة لهذا الدماغ المتفجر
ذاك الوجه الجميل كان لزكريا
هذه المرة كان حوله كل الأطباء الذين عملوا على جسده
طبيب وراء الآخر يشرح له بالصوت و الصورة ما حدث و كيف ترقع جسده
زكريا لا زال يستطيع المشي و هو معجزة تستحق الاشادة فرأسه أو وجهه بالذات تحمل ثقل السقطة ولم يعد وجه زكريا كما كان
: سيد زاكاري نحن في الحقيقة لم نحاول أن نصلح شيئا من التشوه الذي طال الوجه و لكن تركنا لك حرية القرار و الخيار فإن شئت جهزنا خطة العمل حتى يعود وجهك لشكل طبيعي .
الوجه الملفوف بالكامل لا يظهر منه سوى بؤبؤيه و جزء صغير جدا من شفته ، الأنابيب موصوله بفتحتي أنفه و مغروسة في حلقه
كان فقط يدور بنظره ، يتطلع الى الأطباء الذين ينتظرون منه اشارة البدء في عمل يحبونه " تجميل للوجه "
لم تتدخل الشرطة بعد والتي تركت الأمر الى أن يستطع السيد زاكاري تجميع افكاره و ذكرياته ، عمن دفع به من وراء الشرفة في الطابق السادس ؟! ، هل شخص يعرفه ؟! ، هل يستطيع أن يتعرف اليه من خلال الصور ؟! ، ما الحوار الذي دار بينه و بين الجاني ؟! ، من هم أهل زاكاري ؟!
وتفاصيل كثيرة معقدة
بعدما اخذوا منه حبيبته من بين ذراعيه لم يعد يهم شيئا
لم يسأل أحد عن إيمان ، الرفيقة ، الصديقة ، العشيقة
المرأة التي جلبها معه الى ألمانيا لترى برج برلين و ما لبثا سوى ليلة كي تُخطف و يُرمى هو من الطابق السادس .
مالذي يتذكره السيد زاكاري !!
لا شيء
لا
الصورة جدا مشوشة
رجل ضخم ، لهجته لبنانية : لك وينو آيدين ؟!
آيدين و قرابته سببت دماره و انهت حياته و قتلت عشيقته إيمان التي تنتظرها بناتها في بقعة ما في الشمال !
بكا تحشرج صدره و بكا ، بكا بغلظة ، عجز و قهر
الم تسأل الشرطة عن رفيقته ، أمن أخبار عنها ؟! هل افتقدها أحدهم ؟! ما مصيرها ؟!
صار رأسه يدور بسرعة شديدة حتى استفرغ خلال شفته و صار القيء يتسرب على جانبي الشاش الذي يغطي وجهه و دخل فتحات انفه و هنا احدث جلبة كبيرة بين الأطباء و الممرضات .
عند البحر الأزرق والذي يبدو اليوم رماديا
الغيوم الكثيفة تغطي الشمس والله أعلم إن كانت محملة بالغيث أم مجرد غيوم عابرة ، تشعرك بالحزن و الرغبة في الوحدة ، و الأمواج المتلاطمة تسمعها اليوم بوضوح كأنها تهدر عندها في الغرفة
لم تحاول مجرد المحاولة أن تستطلع المكان أو أن تخرج الى الشرفة
كان البكاء و الحزن المفجوع ديدنها
تجلس بالساعات على الأرض تواجه القبلة ، تصلي في خشوع حتى تفقد الوقت ، فقط مناجاة لخالقها ، الواحد الباريء ، المنتقم الذي تدعوه أن يستر عليها و تستودعه نفسها ، تضل ترفع يديها بالدعاء حتى تشق الدموع خديها و تبلل غطائها الأبيض ، بعدها تقرأ ما تيسر من القرآن ، الآيات التي تبث في نفسها القوة و الراحة و الطمأنينة فتشحن روحها المتعطشة للأمان لعدة ساعات ما تلبث أن تتوتر و تفقد السيطرة على الذات حين يقف على عتبة الغرفة بقامته المديدة و أنفاسه التي تجعل الحجرة حارة و رائحة عطره المخيفة ، نعم مخيفة ، فعطره يمثله ، يمثل شخصيته ، عندما تشمه يخترقها بكل بساطة رغم جبروته فتغمض عينيها ، تخاف أن تستدير ، لا تريد المواجهة ، تريد القليل من الراحة البدنية ، تريد أن تعد نفسها جيدا لما هو آت و لما سيقدم على فعله ، فتصرفاته معها مريبة ، و صبره عليها يثير حيرتها و يجعلها ترتعد في كل فكرة قد تخطر عليها من شأنها أن تخلخل الهروب المدبر الذي تسعى اليه ، تشعر بوقوفه هناك أنه يخترقها و يعرف تماما ما تفكر فيه ، حتى عندما يكون في الخارج و تراه يلتفت لها عن بعد يحدق في عينيها بطريقة مفزعة و كأن له عينان ليزريتان قادرتان على رؤية كل انفعالاتها من كل هذه المسافة بينهما ، فتضطر للتراجع و إعطائه ظهرها و لكنه يظل يحفر و يحفر حتى يخترق احشائها فتصيبها القشعريرة فترمي بنفسها خلف السرير منكمشة على ذاتها ، في قرارة نفسها " هذا ليس الوضع الصحيح لرجل مع زوجته "
لا تشعر أنها زوجته ، بكل هروبها و خجلها و ان كان العقد شرعيا ، تشعر أنه اتخذها عشيقة ، شيئا ليسرّي نفسه به ، انه رجل حاذق ، مجرب ، وان انكر فالظاهر يقول انه خبير بالنساء و هذا شيء آخر يخيفها ، يعني أنه اختبر كل أنواع النساء و يعلم تماما الضعيفة من القوية ، الخبيثة من الذكية ، الساذجة من الطيبة ، والتي تخطط من وراء ظهره !
التقطت أنفاسها بقوة حينما انتبهت انه وراءها ، وراءها تماما ، منحنيا بركبتيه و رأسه خلفها تماما ، الالتفات سيكون حركة رخيصة يرى فيها رعبها ، يرى أنها تحدق فيه بذهول ، وكان يرتدي ملابس بحر مريحة شورت لركبته ذو لون اسود و تيشرت يكشف ذراعيه حتى اكتافه فتظهر عضلاته و بروز عروقه ، كان يحدق في رأسها المغطى و ساعة في عُقل أصابعها التي تقوم بالتسبيح بها بعد كل صلاة ، لقد كثرت صلواتها في هذه الأيام ، فكلما دخل عليها وجدها تركع و تسجد و ترفع يدها بالدعاء " لربما تدعو عليه من قلبها " غضن جبينه و هو يلاحظ هزة كتفيها و هي تسمع صوته الهاديء : لو كنا في الحرم ما كنتِ ستجلسين كل تلك الساعات في العبادة
أمرها : التفتي إلي
اطبقت شفتيها على بعضها البعض و اغمضت عينيها بقوة و قلبها يرجف ، يخفق بسرعة شديدة ، تريد ان تبتلع ريقها فلن تستطيع ، لما تخاف لا تعرف : التفتي
كان الأمر اكثر حدة و حينها التفتت في جلستها بجسدها كاملا وهي على وضعها كل شيء فيها مطبق بشدة ، صار يتفحصها بروية لما تبتلع الشفتين التي يحبها !!
امسك برقة ذقنها و انفاسها تخرج هائجة من أنفها : ألن تكفي عن النحيب ، نستطيع أن نعيش في سلام و بمجرد أن تتخطي مشكلتك ، اريدك أن تحدثيني ، أن تبادليني الحوار ، ضغط قليلا بأصابعه : قبل أن ينفذ صبري !
فتحت عينيها ببطء شديد وهي ترى خياله يظهر شيئا فشيئا كاملا أمامها ، إنه كامل ، نعم كامل ، سبحان من صوره ، وهي ممن يحبون الجمال فالله جميلا يحب الجمال و اذ لم يكن الله يحبه ما كان ليخلقه جميلا " تبا ما هذه التخاريف " حمقاء ، نعم رباب ، رباب ، لابد و أن تستحضر رباب في عقلها ، تبحث عنها في كل ركن و زاوية فيها ، و هو تبسمت شفتيه ووصلت الإبتسامة لعينيه : هل تركبين الخيل ؟!
يا الله قربه بهذه الطريقة يفقدها جادة الصواب ، ما بين البُغض و الاعجاب ، فمن سيراه ولا يعجبه ؟، له مهابة عظيمة حتى بطريقة نظرته الضيقة تلك ، استوعبت السؤال الذي وصل بعد عديد المطبات العقلية فهزت رأسها نفيا
فتحت عينيها عن وسعهما و تجمد كل شيء فيها حين مد يده و نزع غطاء رأسها اولا لينتثر شعرها حول كتفيها ، صدرت من حلقه " اوف " قصيرة لا تدري ما موقعها ، ثم امسك بيدها و نهضا سويا ، وهي كانت مسيرة لا مخيرة ، معه لوحدهما وله اليد العليا حتى وان قاومت فلا معين هنا و لا ظهر يسندها .
هي وهو وجها لوجه انزل جسده الضخم قليلا لينزع عنها تنورة الصلاة التي تغطي نصفها السفلي ، لا تدري لما كانت مستسلمة تماما لكل حركاته ، شيء من الهدوء و الطمأنينة بُعِث فيها جعلها رهن يداه ، سقطت التنورة على الارض و ظهرت الآن بكل ملابسها المستورة التي تتعمد ارتدائها أمامه ، بنطال بيج فضفاض و بلوزة حريرية وردية ذات اكمام حتى رسغيها و لكنها قصيرة بالكاد تصل لأردافها و وجهها خال من المساحيق كانت بالنسبة له جدا رقيقة صغيرة قصيرة ضعيفة شهية !
رفع رأسها بأطراف أصابعه و أخذ يتفرس في تفاصيلها ، حاجبيها ، اهدابها ، انفها ، شفتيها ، عنقها ، جسدها حتى أطراف أصابعها ، كانت البلوزة تتحرك عند صدرها جراء تنفسها المريع و قلبها الأهوج ،تجذبها عيناه الحادة شديدة السواد و الغمازتين اللتين تمتدا حتى صدغه ، جذب يدها و جرها خلفه : حسنا لنركب الآن الخيل يا جميلتي !
اتجها للباب و جره جانبيا و هنا للمرة الاولى منذ ايام ترتطم حقا بالهواء و الماء و الشمس حتى اغمضت عيناها ، الغيوم تفرقت ولم ينزل المطر ، كانت غيوما عاقرة لا رعد ولا مطر !
لأول مرة ترى المكان من الخارج على حقيقته ، ترى أطرافه الخضراء بشدة المناقضة للون الرمال الحارة التي تدوسها بقدميها العاريتين من الأحذية ، يده لا زالت تعانق كفها وكأنهما حقا عرسان في ايام حميمة ، : انتظري هنا
اعطاها ظهره و تقدم بقامته الطويلة الى ركن بعيد ، كان بابا من الأشجار على شكل قوس ، اخذت تدور بنظرها و تقدمت حتى وصلت لمياه البحر عندما غمرت ساقيها بدفئها المعهود في وقت كهذا من السنة سرى فيها شعور لذيذ ، شعور شديد البساطة ، شعور طفلة تريد أن تغمر جسدها الأمواج و أن يسحبها الماء الى عمق غير معلوم
سمعت أصوات متداخلة ، نباح كلب ، و صهيل خيل
خفق قلبها و هي تراه يتقدم صاحبيه الأسودين سوادا مخيفا ، فحل عربي و كلب ألماني الأول يجري خلفه في عنفوان و الثاني يسبقه بشراسة و هو كان ما بين الجري و المشي ، كان منظر الثلاثة قمة الرعب و الفخامة !
تكره الكلاب تكرهها بشدة ، تسبب لها رعبا ، عندما كانت طفلة قد عضها كلب عندما مدت له كفها في محاولة لطيفة و لكنه ادخل كفها بالكامل داخل فمه و اطبق اسنانه الحادة عليها ، حالة تطلبت دخول المستشفى و ضرب إبر مضادة للسُعار !
ايهم اثار الرعب اكثر في نفسها لم تحدد بالضبط غير ان ساقيها ما عادتا تحملاها من الرعشة التي تملكتها خرج صوت كالبكاء تستجدي من بعيد : اخاف الكلاب لا اطيقها ابعده من هنا انه يخيفني
تقدم ناحها و حصانه خلفه يبدو كأنه لم يهتم لما قالت او لم يسمع و الكلب يجري فرحا على الشاطيء و يغمر رأسه في الماء ، حسنا ما دام يلعب و هو بعيد عنها فهو غاية المُنى !
حكّت عنقها بارتباك و هو يُربّت على عنق الخيل الأسود ، ظهر صوته الغليظ من بين الأمواج و نباح الكلب قوية ذبذباته و هو ينظر بإعجاب و حب لفحله : انه من أجود الخيول العربية اسمه بلاك ، ألا ترين أنه جميل
هزت رأسها بموافقة و هي تبتلع ريقها همست بالكاد خرج صوتها : احممم اهممم جميل
تبا من هو الجميل بينهما فهو ايضا فحل عربي كما قالت أمها ، الم تقل لها ذلك ليلة حنتها !!
تعالي اقتربي ربّتي على عنقه ، لربما يحبك لأنكِ انثى ، تعلمين الحيوانات ذكورها تميل لإناث البشر و اناثها تميل لذكور البشر ، و رفع حاجبا متسليا ، وهي شعرت بالحرج الشديد يغطي خديها و لكنها تقدمت ، تحب الخيول جدا و لكنها ليست بتلك الشجاعة التي تجعلها تمتطيها او حتى تعقد صداقة معها ، شيء جميل تراه من بعيد و تشكر الخالق على وجوده على هذا الكون كي يستمتعوا بجماله و كفى ، لا داع لأي علاقات ، مدت يدها و لمست أطراف شعر الخيل الذي يشخر و انفاسه الساخنة ضربت وجهها و عنقها و صار يحرك قوائمه للخلف تارة و للأمام تارة أخرى ثم تعمقت يدها حتى اندست بين شعره الكثيف الذي ينسدل بين جنبي رأسه و اقتربت منه أكثر فصهل الخيل بشدة حتى اجفلها : مداعابتك تروقه !
كان خيال ضحكة يلوح في وجهه و الحرارة تلهب خديها : هلا صمت لو سمحت !
رفعت له حاجبا ، اخذ ينظر اليها في فضول و حيرة ثم قال : اعتبريني بلاك و ستسمعين شيئا اجمل من الصهيل !!
صرّت على اسنانها بقوة ، تبا ساقيها لم تعد تقدر على الوقوف ارتعشت شفتها لمخيلته " الوسخة " حسب تعبيرها و حاولت ابعاد تلك الصورة بقوة عن رأسها " تبا كيف يفعل ذلك ، كيف جعلها في ثانية تفكر فيه هكذا "
و اذ بكفيه تضمان خصرها و يرفعها للأعلى ففرقت ساقيها في حركة تلقائية و هي مفجوعة انها اخيرا فوق ظهر " خيل ، فحل حقيقي "
كان الخيل بلا سرج اي انها ارتبكت : الخيل بلا سرج ، نبرتها بها رعب
ولكنه طمأنها وهو بكل بساطة يقفز ليركب فيحتضن بجسده جسدها و يقدم صدره و يضم كفيها و يضرب بكفٍ على رقبة بلاك الذي تحرك يمشي و هي تكاد تبكي : انا خائفة انزلني لقد غيرت رأيي
همس في اذنها وهو يحتضن ظهرها : سترين اليوم شيئا عجيبا ، ضرب برجله جانبي الخيل حتى صار يهرول ، الخوف سيدمر قلبها سيصيبها بأزمة قلبية و الريح تضرب بقوة و كل شيء يعبر بسرعة شديدة و تشعر انها تطير تطير انها ستسقط و تتحطم صارت تصرخ برعب شديد : ارجوك اوقفه ، اوقفه لا احتمل لا استطيع
ولكن ما جرى كان ان الظهر القاسي الدافيء قد قفز عنها في خفة جعلها وحيدة يجري بها حصان بلا سرج على رمال البحر تتخبط ساقيه في الماء و شعرها يطير بهيجان و وجهها انسحبت الدماء منه و جفت شفتيها : شعييييييب
كان جريا كالصاروخ ، يتردد صراخها : شعيييييييب
التفتت بعينين مفجوعتين الى حيث خياله الواقف الذي يبتعد و هي انبطحت على ظهر الخيل تمسك بقوة و شدة بشعر جانبيه تغمض عينيها عن مصير محتم " الموت " وهي تسمع صوت خطواته المجنونة و تطاير الرمال خلفه و رذاذ المياه الذي اغرق وجهها و دموعها الغزيرة .
ولكن كان هناك صفير يُسابق سرعة الخيل ، نغمة غريبة استجاب الحصان على اثرها للأمر و انثنى بقوائمه بسرعة شديدة على جانبه و هنا وجدت نفسها تطير في الفضاء فيرتطم جانبها بماء البحر !!
#يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق