الجزء السادس عشر من آخر أنثى قبيل وصول التتار

 

 

 

 

الجزء السادس عشر

 

عندما انتشر خبر ناجية لم تصدق هي ان عائلتها بالذات

اخوتها اللذين تربت معهم كصبي سيشككون فيها

 امها التي تنظر لها نظرات عتب و حزن وكأنها مخذولة

والدها الذي يشد الان شعرها و يمرغها في الارض بين ركلات و ضربات مبرحة هي المرأة المتزوجة التي لها ثلاث اطفال

كانت تدوسها اقدام والدها بلا رحمة كان يستشيط غضبا و السواد يعلو وجهه : قد صغرتنا يا بنت الكلب ، قد مسحتي بكرامتنا الارض يا بهيمة يا حيوانة كان يرفع ساقه و يطلقها ثانيتا الى حيثما اتفق من جسدها اما اخوتها فكان كل منهم اما متفرجا او خائفا من رد فعل اباه تجاهه : سيرتك اصبح يعلم بها القاصي قبل الداني ، اصبحنا على كل لسان ، تستقبلين رجلا في بيتك يا بقرة يا كلبة وهي كانت تتقلب و تصرخ و تستنجد ولا احد هنا لا المنذر ولا ياسين ولا حتى سكينة التي وقفت هناك ترتعد و مصدومة مما يحصل يستطيعوا مساعدتها ، تريد ان تسحبها من تحت اقدام والدها ولا تستطيع ، والدها الذي سحب حزاما و صار يجلد ناجية التي اصبح وجهها خريطة و الصفعات ادمت شفتيها و علمت على عينيها و جسدها تكسر من الدعك و العجن : اخ يا كلبة اخ والله اقتلك اقتلك والله و ادفنك

صوت والدها المجلجل و صوت صراخاتها المستنجدة لفتتا نظر من اتى من الخارج الان يفتح الباب فيجد هذا المنظر امامه ، لم يفعل سوى انه انطلق الى والده هجم على جذعه و وقف بينه وبين جسد المسكينة التي لم تعد تعرف حتى تبكي كان صوتها مكتوما مكلوما وهي تصرخ : مظلومة اقسم بربي مظلومة ، مؤيييييييييد يا مؤيد لا تصدقهم استحلفك بالله لا تصدقهم

اشتد فكي مؤيد الذي علا الضغط الى عينيه و اصبح وجهه منتفخا وهو يصرخ : ماذا يجري ماذا حصل

والده الذي لم يكد ان يمسك نفسه عنه وهو يلهث بسرعة عجيبة متعب من ضربها و مغتاظ من فعايلها : اختك اختك بنت الكلب سيرتها على كل لسان ، اختك وسخت سمعتنا و مرمدت شرفنا في الاراضي اتركني عليها سأقتلها السافلة و اشرب من دمها

كان يريد التهجم بقوة جسده و المؤيد يصده وكان العراك قد تحول بين المؤيد و ابيه والتي خلفه على الارض تزحف مبتعدة : كذب كذب و افتراء انها تكذب علي انها تتهمني بهتانا

انا لم افعل شيئا لم افعل

كانت الدموع كالشلال تسقط من عينيها ووجهها محمر و ملطع بالاحمر و الازرق

الالم الحقيقي هو روحها ، هي الفضيحة على عتبات بيتها التي تجمع عليها الجيران هي ثيابها التي تقطعت على عتباته هي حماتها التي بدأت تصرخ و هي الفيديو و الصور التي التقطت وبدات تنتشر بسرعة البرق حتى قبل ان تصل الى بيت اهلها

فضيحة لم تعرف كيف حدثت

اصم صراخ مؤيد الغليظ سمعها : يكفي الان انا لم افهم ما يحصل ما الموضوع

التفت على شقيقته : ناجية ماذا حصل

كان يتكلم معها بصبر لا يريد ان يهيج كما والده قبل ان يفهم القضية و يفهم من الظالم ومن المظلوم

في حياته لم يشك بأخلاق ناجية بقدر ما شك في اخلاق سكينة

او ان ناجية نسخة مصغرة و خفية مثل المجدلية المغضوب عليها

ولانه رجل امن اولا فحاول الا يستبق الامر و الا يتسرع في حكمه قبل ان يسمع كامل الحكاية و لكن قبلها التفت الى المنذر الذي كان يعقد ذراعيه و يستند على حافة باب غرفة الجلوس : اكنت تتفرج وهي تضرب هكذا . كانت نظرات المؤيد له حارقة خارقة

ولكنه لم يأبه حين علق قائلا : كل عنز معلق من عرقوبه !ثم رفع حاجبه و غادر الغرفة الى حيث السلالم ثم الى غرفته

نظر الى الجميع واحد بعد اخر الى امه التي تبكي حظ بناتها و الى سكينة التي تلم نفسها هناك على عتبات الدرج ووجها مخطوف اللون ، الى ياسين الذي كان ينظر مشدوها مستغربا رد فعل والده فهو حتى الان في حياته لم يرى والده ثائرا كالثور الهائج هكذا

نظر الى ناجية التي تستند بذراعها على الارض وهي محطمة تماما ، لم يهن عليه شقيقته التي يحبها تهان و تضرب هكذا فاتجه اليها يسألها وهو يرفعها بقوة عن الارض حتى وقفت امامه ، شعرها الهائج المتقطع و فمها الذي ينزف و عينها المزرقة و جسدها الذي تظهر عليه انه متورم ومتعب كانت تشخر ببكاءها وهي في قمة المها ، يؤلمها ان اهلها قد صدقوا فيها هذا العيب !

اخذها بين ذراعيه يطمئنها انه هنا و انها في حمايته وحين سمع والده يقول له : كثر منها الحنية التي ستودي بنا جميعا ، الا ترى ما فعلت هذه الفاجرة قد مرغت انوفنا في التراب ، تقهقر والده متعبا يظهر الالم والمعاناة على وجهه : انظر الان الى كم الهمز واللمز و انتم جهزوا المجلس لكم الناس الذي سيأتون ليسألوا عن فضيحتها وعن حقيقتها

ماذا سنرد عليهم قولوا لي ماذا ؟ كان يصرخ كالمجنون وهو يضم شقيقته الى صدره

ربت على ظهرها و هدهدها وهو يسأل : احكي لي ماذا هناك يا ناجية و احذرك من اي كلمة كذب تقولينها ، احذري ان تكذبي علي والا فإن ما فعله ابي سيكون جنة امام ما سأفعله : نظرت الى عينيه باستغراب باك : حتى انت تشك في يا اخي حتى انت

: انا لن اصدق ما سمعت الا بعد ان تحكي لنا ما حصل

 

ما حصل

كان لرؤوف زوجها صديق حميم يدعى أوس

كانت علاقة العائلتان قوية

فهما يخرجان معا في رحلات عائلية و يتسلون جميعا بكل انواع الالعاب و الجري

و كانوا يجتمعون دائما على مآدب الطعام ، تعلق الاولاد ببعضهم فناجية لديها ثلاثة اولاد بنتين و صبي ، و عائلة اوس لديهم طفلان ولد و بنت

انسجم الاولاد كما انسجام الوالدين ببعضهم فسهرات رمضان كانت لا تحلو الا معهم

و السفر حتى كانوا يخططون له معا

و ان ارادت احداهن الذهاب الى مكان ما كانت تستعين بزوج الاخرى

وهنا كانت المشكلة

كانت احاديث ناجية مسلية و مضحكة لاوس ، فهو لا يكاد يتوقف عن الضحك ان اخذها الى مكان ما ، شيئا فشيئا اخذ يتعلق بها و يحب ان يتكلم معها و ان يسمعها تحكي ، فكان يتقصد ان يحمل زوجته واولاده الى بيت رؤوف ، ان يراها بثياب البيت و ان يطلق عيناه و مخيلته الى ثنايا جسدها

تحول هذا الامر الى شغف ثم رويدا الى حب ، نعم احبها وكان يتعذب في حبها لانه يعرف انه ليس لها سبيلا ، تحول الضحك الى عبوس و الحياة الى حزن و فقد وزنه و تحولت حالته حتى شك الجميع في حاله ، السواد الذي يحيط بعيناه و الالم الذي يرسم خطوطه العميقة على وجهه ، هو حاول قسما بالله حاول ان لا يحتك بها ، حاول ان يتجاهل شعوره ، حاول حتى ان يقلل من هذه العلاقة بين العائلتين

فكل مرة كانت عيناه تلمحها يدق قلبه و يهوي جسده الى مكان سحيق لا يستطيع له قرار

في كل مرة يراها يشم عطرها يرى خصلات شعرها الذهبي و يرى ضحكتها الخلابة تدمع عينه فيضطر ان يمسح تلك الدمعة قبل ان تفضح امره

في كل مرة يسمع صوت زوجته تخاطبها في الهاتف يتخيلها

انه لم يعد يرى و لا يسمع سواها

اما عن  ناجية قد كانت  تلاحظ احاطة نظرات صديق زوجها المقرب اليها ، كانت تتساهل امامه في حجابها و احيانا يبرز صدرها عن الحد المطلوب من تحت ملابسها المحتشمة ، كان شعرها الاسود المختلط بخصلات شقراء المتدلية خارج غطاء رأسها تجعل من لون بشرتها ذهبية جميلة غير أنها كانت جذابة جدا رغم ضخامة جذعها ، ذاك الصديق الذي هو رجل متزوج و زوجته صديقتها تتزاوران باستمرار و تتبادلا الهموم و الفضفضة عن المشاكل اليومية و مشاكل الأطفال و المشاكل التي تدبرها الحماوات لهن بطريقة يظهرن فيها و كأنهن ملك منزل من السماء ،، أوس هو ذاك الزوج الذي لا يفوت فرصة الا و تودد فيها الى صاحبة الشأن ناجية فان اكل من طعامها قال : اجمل ما تذوق لساني

و ان ادخلته البيت يقول : اجمل بيت منظف و مرتب رأيته في حياتي

 !

لم تكن على دراية بكل ذاك الشغف الذي استوطنه بل انها يوما قد قالت لرؤوف : ألا تظن ان أوس قد تغير ، يبدو حزينا و منعزلا ، لا يتحدث ولا يضحك كما السابق ، هل تظن انه مريض ، هل سألته عن حاله وما يحصل معه

التفت اليها زوجها وهو في الحقيقة لا يستغرب ان تسأل عن أوس فالعلاقة بين كل الاطراف واضحة بينهم ومتفقون عليها فلما عليه ان يشك الان : في الحقيقة انا متحير في امره فهو قد اصبح كتوما ، هناك ما يستعر في نفسه ولا يبوح به !

رفع حاجبه مستغربا من رفيقه : عجيب امره ، قد اصررت عليه مرارا ان يحكي لي فكان ينظر لي بنظرات غريبة ، كانه يلومني على شيء !

تنهد زوجها وهو يقول لها : ان طال حاله فهو لابد يعاني مرض ما ولا يريد الافصاح عنه و اقلاقنا وهذا ما يخيفني ، يخيفني ان ارى رفيقي الوحيد يذوي اما ناظري ولا استطيع له شيئا !

نعم اوس مريض ، مريض بأمرأته ، لا يدري عن خيالات صديقه عن علاقته بزوجته ، لا يدري ان صديقه يتمنى موته و بالتالي سيخلو له الامر مع ناجية

لا يدري عن مقدار الحقد الذي اصبح يكنه أوس له و سواد قلبه عليه !!

في ذلك اليوم المشؤوم حين فتحت ناجية الباب و رات اوس هناك خلف الباب

رات مباشرتا كيف تغيرت نظرات عينيه الى الحنية بل الى الحب ثم الشغف

رجف قلبها من تلك النظرات التي تراها لأول مرة منذ زمن ، وجهه قد اشرق وابتسامته شقت عن شفتيه و اصبح جريئا في نظراته ، كانت لهفة العشق في صوته و قلبه يدق و يرجف جسده ، هو يعرف ان ناجية الان وحدها بالبيت و انه لن يفطن احد ان جاء ليمتع ناظره بها ، انها جميلة ، انها اجمل النساء ، انها حبه و قلبه و عشقه ، ان ناجية موته فلم يتردد في الافصاح عن رغباته : ناجية هل لك ان تخرجي معي اريدك في موضوع

كانت اللهفة و محاولة ان تجعلها تقبل ان تخرج معه يكادان ان يفجرا عروقه

ينتظر منها جوابا

وهي لا تدري لما اصابها وهن في ساقيها ، طريقته في الكلام معها قد تغيرت ، اللهفة و نظرات الحب ، شعرت بالخوف الشديد رغم شجاعتها لمثل تلك الامور ، كانت تقف على الباب لا تدري ما تفعل ، فالامر لا يبشر بخير ، بل هو أسوأ مما توقعت فكل شيء ظاهر على وجه أوس كل شيء فلم تعد تستغرب حاله : أوس ماذا تفعل ، اولا لا استطيع الخروج بدون اذن رؤوف ثم علي ان انتظر الاولاد حتى ياتوا من المدرسة

في تلك اللحظة اندفع بنفسه و امسك كفها بين يديه يرجوها : ارجوك تعالي معي

تلك اللحظة كانت مفزعة ، مخيفة ، لا تطاق ، فصرخت به ، هل جننت كيف تجرؤ على مسك يدي اتركني يا ابن الكلب

كانت في قمة غيظها و غضبها وبان ذلك على ملامح وجهها التي احمرت بشدة حتى صعد الدم الى رأسها ، ولكنه هو ايضا لم يحتمل بعد كل ذلك الحب و اللهفة ان تنعته بالكلب ، هو بالنسبة لها ابن كلب لماذا وهو يحبها ، لماذا وهو يتمنى ان يدوس الارض التي هي عليها ، لماذا وحبها قد اكل من جوفه ما اكل ، لماذا و قلبه يتقلب على الجمر بسببها و يحترق بسببها ، اثار نعتها له بأبن الكلب غيظه فشدها اليه بقوة ، هنا لم تستطع الا ان تقاوم و ان تسحب نفسها منه بالقوة و تنحني لتلتقط حذاءها و تضربه به على وجهه

في تلك الفينة لم يكن هناك من عقل بينهما

هجم عليها مثل الاسد يصفع وجهها بشدة لم يعهدها فيه ، فقد اعصابه وهو يراها تضربه بشبشب قدميها ، الانتقام هو اول شيء خطر بباله

فكان ان دفعها بكل قوته داخل حاجر المنزل لا يأبه ان كانت حماتها في الداخل

الغضب يسيره و العنف هو طريقه الان ليحصل على ما يريد

وهي كانت تخوض عراكا ند لند كانت تصفع وجهه و تبصق عليه و هو يزيح غطاء رأسها و تمتد يده فيقطع لها قمة ثوبها و يجرها اليه جرا

كانت تقاوم و تشتم و الفوضى عمت بينهما و الصوت اصبح هسيسا شد و جذب ضرب و صفع حتى خرجت حماتها اللئيمة وهي تولول : الحقونا يا ناس الحقونا و اصبحت تصرخ بعالي الصوت مثل المجنونة في الحاجر ولم تكتف بذلك بل اصبحت تقول : يا بنت الكلب تدخلين رجلا لبيتنا يا عاهرة يا فاجرة يا ناااااااس يا عاااااالم تعالوا يا ناااااس

سمع كل الحي هذا الصراخ وهنا تجمعوا بين تصوير و همس و لمز حتى ضاعت الحقيقة وهم يرون بأعينهم ما يحدث بين الرجل و تلك المرأة الممزقة الثياب !!

 

انتفخ وجه اخيها وهو يسمع ما تقول و انتفخ منخاراه فهو بالكاد كان يتنفس

احدهم جرؤ على التحرش بشقيقته و التعدي عليها في بيتها

احدهم شوه سمعة اخته المتزوجة

احدهم صرخ و جمع الناس عليها ، رفع اصبعه في وجهها وهو يحلف لها : اقسم بالله اقسم بالله اقسم بالله سيندم كل ما تجرأ عليك اقسم سواء رجل ام انثى !

خرج وهو لا يرى امامه ، فكل شيء الا ان تشوه سمعة اخته و يداس على شرفهم فسيذوق كل من اوس و رؤوف و فوقهم امه الحميم و لن يكفيه ان يشرب من دمهم واحد وراء الاخر !!

 

 

يحي وصل الى آيدين

آيدين الذي كان يدور كحبيس في سجن لا يدري ما تهمته

آيدين الذي تمزق الى الف قطعة

كان ينتظر يحي الذي جاء له هو الأخر من انقلبت حياته و كل عقله مشغول بتلك ، غالية ، يفكر هل يذهب مجددا هناك ليراهم

هل يفرض نفسه عليهم

هل يخرجهم من البيت ويأتي بهم الى بيته

هل ستقبل غالية ان تعود معه بعدما حصل بينهما

افكار و افكار تدور في عقله بلا هوادة في اغلب وقته اصبح مشتتا

هناك عديد الامور التي تلاحقه ، زهرة ومشاكل زهرة و مدرستها التي تم اغلاقها و الفضيحة التي لحقت بهم بسببها .

و سكينة وما فعلته معه و ضميره لم يرتح لما اقدم على فعله معها وفي تلك اللحظة رفع يده الى شفتيه ، و بروين وسلوكه الذي يتضح له انه غير متوازن !!

غالية التي عادت و هي حقيقة تعيش هناك وهو يتعذب منذ سنين

، كان يصله صوت آيدين سحيقا يخترق عقله اختراقا : لا اعرف ماذا افعل ، لا اعرف كيف اتصرف معها .. هل تعرف ما يحصل لي يا يحي

كان يرى كل ذلك الام و القلق على وجه آيدين الذي يبدو انه يكبر المشكلة اكثر من حدها المعقول فما الضير ان كانت ضريرة لا يفهم : ما الفرق بين ان تكون ضريرة او تكون مبصرة ، لا افهمك ، مالذي سيتغير في الامر فهو كما هو برأيي

تقدم آيدين الذي كان بملابس بيتية مريحة بقدمين عاريتين و شعر غير مرتب كانه كان يلعب فيه بيده كثيرا ، كان الاستغراب و القلق على محياه جليا وهو يتقدم ناح يحي : لا فرق ، تقول لي لا فرق ، كيف؟ كيف ؟ هناك فرق كبير ، قد كانت طفلة ضريرة هل تفهم طفلة ضريرة

هنا جلس بجوار يحي على الاريكة يغمر وجهه في كفيه و التعب كل التعب هجم عليه ليحيله الى دمار ، كان يتحدث من جوف مبحوح : هي لا تذكرني لم تنتبه لصوتي كنت اظن انها ستراني و تعرفني ثم يتسنى لي الامر ان افصح لها عما جرى و ابرر نفسي

لكن الان كل طريق قد سد في وجهي !

كان يحي يعلم بل اكثر العالمين بمدى الالم و التوهان اللذان في قلب آيدين ، اليس هو من اوائل من عرف بمشكلته

اليس هو من ساعده ليتخطى عقبات حياته بهذه وتلك و كلهن ، فعدد النساء في حياة آيدين لم يكن يسيرا ولم يكن سهلا التعامل مع كل امرأة ، فواحدة خانته و هربت منه ، وواحدة تزوجها بالخطأ ظنا انها هي نفسها من يبحث عنها ، وواحدة الان تصدمه انها لا تدري عنه بل انها ضريرة

تنفس الصعداء حين قال في هدوء : ألم يكن من الاحسن للجميع بما انها لا تشعر بشيء ان تدعها ترحل مع خالها

رفع آيدين وجهه بسرعة ينظر بعينين مفتوحتين الى وجه يحي : أتعرف الى اين كانت ستسافر

هز يحي رأسه نافيا : كانت ستسافر الى بريطانيا ، العودة الى لندن

هل تدرك هذا

: حسنا ماذا ان كانت لندن ماذا تتوقع ان يحصل هناك ؟

صرخ آيدين غير مصدق لما يقصد ولا يفهمه يحي : تعرف ان ايميل خرج من السجن و تعرف انه يعرف كل تفاصيل تمارا ، ويعرف انها قد رجعت للبلاد

تحدث وهو يخفض صوته و الغيظ فيه : هل تتخيل ما سيحصل

: هل خرج فعلا من السجن ، ربما قد نسيت ، ماذا هل يدا ايميل طائلتان لهذه الدرجة

اومأ الاخر موافقا : بل اكثر مما تتخيل

على كل بعد ان تزوجتها لن تخرج من هذا البلد

قال له يحي مقترحا : طيب حاول انت ان تنسى الامر برمته و ان تعيش معها مثل اي زوجين طبيعيين

نظر آيدين مطولا الى عيني يحي حتى انفرجت شفتاه عن ضحكة استهزاء وهو يشير بأصبعه الى قلبه : هل تظن ان ما مررت به هناك طبيعي وهل تظنني الان انني اصبحت شخص طبيعي

يحي الغربة قد غيرت في اشياء كثيرة لم تعد ، الغربة غيرت حتى شكلي بل وشكلت شخصيتي ، بسبب الغربة انا هنا .. رجل .. هل تفهم !

تمارا كانت لي و ستظل لي و سأعاملها كامرأة عزيزة على قلبي و هذا ما علي ان اجعلها تشعره

اطبق يحي كفيه ببعضهما : حاول يجب ان تحاول ، لا تشككها بك فما فعلته معها حتى الان يكفي بأن تفكر ان تهرب منك ! فما بالك لو عرفت حقيقتك .

نظر الاثنان الى بعضهما البعض في وجوم ، كيف سيعاملها على انها امرأة طبيعية وهي ليست كذلك وهي تعلم انها ليست كذلك ... كيف ؟!!

 

 

الصديق

في بيت صالح والذي اصبحت السيارات تتوافد عليهم تباعا منهم من يريد المباركة بالمولود الجديد

ومنهم من يريد انهاء بعض المشاريع

ومنهم من يريد ان يستفسر عما يجري مع فضيحة ناجية التي انتشرت مثل النار في الهشيم

الكل يريد ولا احد منهم صافي النية

صالح كان يجلس و عن يمينه اخاه امحمد و عن يساره الصديق

الذي دخل المجلس مثل الطاووس المتباهي بجلابيته البيضاء و المسبحة التي تتدلى من بين اصابعه وكأن من يراه سيقول ان الملائكة تصلي على طرفه من كثر العبادة و الطهر اللتان يعيشه  ، نعم في الحقيقة بما ان الكثيرون لا يعرفون حقيقة الوضع بين العائلتين المتشابكتين ولا يعرفون حقيقة كل ما يجري في حياتهم و اعمالهم و خفاياهم فهم سيظنون حتما ان الصديق ولي من اولياء الله الصالحين ، حين تراه يخفض نظره و يغض بصره و يصلي اوقاته فأنت بالتأكيد ستقول انه ولي صالح ، لكن ان عرفت ما يفعله الصديق في ظهرك فستعرف انه من احقر من خلق الله على الارض .

كان المجلس يغص بالحاضرين و اصوات الاشتبكات الصوتية ، هنا صوت ضحك و اخرون يتحدثون عما يحصل في البلاد واخر اخبارها و هناك من يجلس ينصت لكل هذا الهرج و المرج و هناك من يسير الى منتصف المجلس كي يلتقط صحنا و يجمع مالذ و طاب من اكلات و حلويات و فاكهة

اما الصديق الذي انحنى على عمه يسمم بدنه : عمي اعتقد اننا يجب ان نعجل في الزواج ، فأنت ترى الفضيحة التي تسببت بها ابنة اخاك و المقاطع المنشورة لها !

نظر الى عينيه الذي حنق عليه من قلب و لكنه لا يريد اظهار مشاعره لهذا الصديق امام الناس : ابنة اخي اشرف منك !

انحنى ثانيتا على عمه : لا لا لا يا عمي لا تبدأ الخطأ فنضطر الى الترقيع ، اليس كذلك يا ..... عمي !

ثم انت ترى الناس سيقولون من فيه ذرة عقل كي يصاهر هذه العائلة ! واخذ يغيظ عمه ان اصبح يلعب بمسبحته بين يديه و يبتسم

كظم صالح غيظه ، لا يريد ان يجره الان خارج المجلس جرا و يذله امام الناس فهو قادر الف مرة على ذلك و اكثر من ذلك ، فكيف يتجرأ الصديق على قول هذا الكلام امام مسامعه

لكن تبا للنساء هن سبب المصائب و العار ، حتى اخوه سعيد كادت ان تصيبه الجلطة بسبب ناجية وما فعلته ناجية

وكأن عار العائلة و شرفها معلق في رقبة النساء

تجارة المخدرات ليست عارا ، تهريب السلاح ليس عارا ، امراء حرب ليس عارا ، تجارة النساء ليس عارا و تهريب البشر ليس عارا و كل العالم ليس عارا فقط العار هو حين ترتكب المرأة معصية حتى وان كانت كذبة او تشويه سمعة حتى وان كانت ، فلا احد يصدقها ولا احد يرحمها فالكل يعلق اخطاءه عليها و بها !

: عمي اتمنى ان تحسموا امركم ، الاسبوع القادم سأرسل امي و النساء كي تتفقوا جميعا على تفاصيل العرس فأنا متحمس لكي اكون صهركم اخيرا

نظرة اللؤم و الحقد التي مرت على وجهه لم تغب عن صالح الذي حتى الان لم يخبر احدا ان صبا قد غادرت البيت وانها حلفت انها لن تزف طالما امها ليست هنا !

التقط فنجان القهوة التي امامه و تجرعه مرة واحدة رغم مرارته و مرارة حلقه !

 

اما عن الداخل فلا يوجد في بيت صالح احد فهو فارغ ، لا صبا هنا ولا يحي ولا شعيب

الكل قد هجر البيت ، اما في بيت ميادة فهناك ميادة التي استقبلت عدد من النساء المهنئات

وهناك مليكة التي تدور هنا و هناك و تستمتع لاوامر زهرة بما يخص ضيافة النساء و الاهتمام بنظافة البيت الذي يجري فيه الاولاد هنا و هناك

اما عن زكية فكانت في غرفتها مع صديقتها لمياء التي جاءت بسبب اللعب و مشاهدة التلفاز الخاص بزكية او هاتفها او اللاب الخاص بها !

تجلس الاثنتان متلاصقتان تبحثان عن برامج طفولية او كرتون او اي شيء يسليهن في هذه الساعات التي تعج بالزوار

لكن زهرة لم ترتح فكانت كل دقيقة تفتح باب الغرفة وتنظر ماذا تفعلان وما تشاهدان

القلق باد على محياها الجميل ، كانت اليوم تثير انظار النساء و تجذبهن اليها ، كانت ترتدي بلوزة بيضاء من الساتان عالية العنق بربطة تتدلى حتى صدرها و تنورة حمراء تبرز ثنايا جذعها و شعرها في تسريحة جميلة حول وجهها و المكياج الذي اهتمت به اليوم جل الاهتمام فكانت تبرز جمال وجهها بلا مبالغة عيناها كبيرتان و شفتاها ممتلئتان و خداها نافران و تنعم بنعومة و بياض مثل امها !

عندما خرجت لمياء اخيرا تغادر المنزل لانها قد ملت البقاء في الغرفة كما ورفضت زكية ان تخرج للحديقة تلعب لان والدها يستقبل الضيوف اتجهت زهرة مباشرتا الى زكية بعينان محذرتان : قلت لكي الف مرة الا تغلقي الباب عليكي عندما تزورك صديقاتك

امسكت بأذن زكية تشدها بشدة : الم اقل ؟!!

ردت زكية المتألمة : يا الهي اتركي اذني لقد اذيتني ، كيف تريدينني ان لا اغلق الباب و المنزل بكامله في فوضى و الاصوات عالية

نزلت زهرة الى مستواها بغضب : قلت لك و لا اريد نقاشا ، اخرمرة تغلقين الباب فان فعلتها ثانيتا سأمنعك من استقبال اي احد هنا هل فهمتي

جذبت زكية نفسها بعيدا عن اختها وهي تتميز غيظا فهي لا تقبل ان تلقى عليها الاوامر بمن يأتي لها ام لا، فعلا صوتها وهي تصرخ في وجه زهرة : لا تسمحي لنفسك التدخل في شؤوني هذا بيتي مثلما هو بيتك

هنا ضربتها زهرة على خدها بقوة حتى شعرت زكية بالمهانة على صغر سنها فهي لا تحتمل احيان كثيرة تصرفات زهرة تجاهها و تحاملها عليها و كرهها لها ، ففاضت الدموع من عينيها وهي تصرخ بعينين مغمضتين : انت تكرهينني لأنني ابنة صالح وانت لا ، انت انسانة حقودة وانا اكرهك

عادت تجري الى غرفتها تاركة زهرة في حيرة من امرها و في عقلها تدور الف فكرة و فكرة !

هنا التفتت الى صوت جعلها تفق من خيالها ، صوت رقيق يسألها : هل حقا انك مخطوبة !

تعرف ماهية هذا السؤال فردت في برود : انا في حكم المتزوجة يا عزيزتي ، ثم تركت المراة في مكانها دون اي كلمة اخرى ما جعل المرأة تخجل من نفسها و محرجة انها وضعت نفسها في هذا الموقف فقد كان تصرف زهرة تجاهها بلا ذوق !!

 

 

نجلاء التي تركها من هو زوجها في مكان مجهول

مكان ان كانت صادقة مع نفسها فهي لم تشعر بالراحة ابدا

فهنا لا تعرف رأسها من رجليها هو حتى لم يفهمها هي اين و ماذا تفعل هنا ولم احضرها

فقط كلمتان انه مسافر

يسافر و يتركها هكذا لا تفهم ما يدور حولها

تعلم ان شعيب نبتة صبار صعب ان تمسك به فان فعلت ستتألم و ستتركه مرغما

تعلم انه قد يكون من احقر الرجال على الارض بالنسبة لها و لكن هناك دق في قلبه يخصه نعم يخصه فكلما رأته داعب هذا الدق صدرها فلا هي تعرف هل هي متعلقة به او لا تعرف ان هذا الدق معناه رعشتها و خوفها منه ، انها تتخبط كل يوم زيادة عن الذي قبله

فلو اخذها الى بيت والده الم يكن افضل لها ، فهناك المكان مألوف لديها و هناك عمتها الحنونة ماجدة و صبا و هناك الخادمة اللئيمة مليكة

هنا ترى فقط الاثاث الفخم و الجدران العالية و النوافذ العريضة و تسمع .. الا شيء !!

هنا في الجناح يتوفر كل شيء ، حمام و مطبخ و غرفة مكتب و خزائن عملاقة تلتصق بالسقف و مرايا كثيرة و كل شيء تريده وان فتحت بابا على التراس خارجا ستجلس مواجهة لحديقة لا ترى نهايتها وفيها من الجمال و الروعة و التصميم ما يجعلك صامتا في حضوره

هل هناك بشر آخرون هنا غير الحراس ، فكيف ياتي بها الى مكان فيه الرجال فقط ؟

الا يخاف عليها

ايثق في هؤلاء المدججين بالسلاح ليترك زوجته التي لم يلمسها بعد بين ايديهم ؟!!

السؤال الاهم هل تستطيع الخروج من هذا المكان بجملته ام هناك اوامر بان تحبس هنا ؟!!

و الادهى انه ليس لديها اي وسيلة اتصال فهو قد اخذ هاتفها منها منذ فترة طويلة و لا تعرف ما يحل بهذا العالم ، لا تعرف شيئا عن عائلتها و ما حل بعدما اخذها و رحل بها الى البحر ؟

هل تحقق والدها لما جرى مع رباب

اغلقت عينيها تبكي نعم تبكي جلست على الاريكة حتى غاصت فيها و غصت هي بحسرتها

هل قتل شعيب رباب حتى يتسنى له ان يتزوجها ؟!!

كيف حملت رباب كيف كيف

هنا كاد عقلها ان يجن ، فان كان شعيب ينكر انه قد لمسها فكيف حصل الحمل

تذكر انه قد قال لها انه قد فعل شيئا لو عرفته لصدقت انه لم يلمسها ابدا ، هو فقط فقط قد فض بكارتها !

وصلت عند هذه النقطة وهي تتحسر على شقيقتها وما حل بها وهي تبكيها و علا صوت بكاؤها : يا صغيرتي يا حبيبتي يا نور عيني يا اختي يا ربااااااب

رباب كانت روحها التي انشقت عنها ، ابنتها التي لم تلدها ، فحين ولدت رباب بعاهتها كرهها والدها ولم يرد حتى ان يلقي نظره عليها ، لم يعاملها كما يعامل الاب ابنته بل كان يتجنبها بل اعتبرها لم تكن ، جسد هناك بلا عقل ولا روح ، شيء زائد عليهم في الحياة ، وامها ، امها التي كانت اسوأ من والدها بمراحل ، امها لم تتقبل ان ترى سحنة رباب ، كرهتها منذ ان وضعوها بين يديها في المستشفى ، كش جسدها منها و التفتت عنها و قالت لهم الا يحضروها لها ولا تريد ارضاعها حتى قامت الممرضات بالاهتمام برباب و اعطاؤها الحليب الاصطناعي ، رباب الروح الحلوة المشرقة ، رباب الصغيرة التي تخلى عنها الجميع بل ارادوا ان يرسلوها لمركز متخصص بالخارج الى الابد تتربى فيه و تكبر و تموت !

كانت هي ملاذها الوحيد في العديد من المحن التي واجهتها في الحياة

كانت ترى ان رباب تلاحظ ، رباب تحزن ، رباب تضحك ، رباب تسأل عن اهتمام امها و عن رحمة ابيها و عن محبة اشقائها

عيون رباب كانت تحكي الكثير كانت في منتهى العفوية و الطيبة و الحنية

فعندما كانت ترى نجلاء تبكي كانت تتجه لها و تحضنها و تمسح دموعها و تغرق وجهها بالقبلات حتى ترى ابتسامة نجلاء تزين وجهها

عندما بدأت نجلاء تحفيظ رباب القرآن وهي في الحقيقة لم تأمل يوما ان تستطيع شقيقتها الاستجابة لها ولكن رباب فعلتها و فعلت اكثر من ذلك لا تنسى تعليقات اخاها الصديق المستهزأة حين كان يمر و يسمعهما ويقول ضاحكا : تقبل الله يا شيخات

كانت تتجاهل اسلوبه المقيت معهما و تتجنبه قدر المستطاع

فمنذ زمن و الصديق لم يعد صديقا ، صار عدوا

الصديق من رضع اللؤم من ثدي امها و كبر عليه ولائمت تصرفاته و ووحشيته مزاج ابيه الذي شجعه على اكثر من ذلك

شجعه على ان يتنمر على شقيقه الصادق الذي كان كلما فتح فاه اغلقه له الصديق بالاستنكار و التهزيء و التجاهل

كان الصادق الاخ الاخر المهان المذلول في عقر داره ، اول ابن هو ، الابن الذي حملت به امها رغما عن اهلها و القبيلة ، الطفل الضعيف الذي جاء ليلقب بإبن الحرام حتى من قبل والديه رغم انهما هما من ارتكبا الفاحشة !

اه اه اه اي حياة كانت تلك اي حياة

بيت متخبط ، مشتت ، فيه القوي يسحق الضعيف

فيه التهميش و الاستحقار لبعضهم البعض

وهي كان لها نصيب كبير من تلك الحياة التي لم تكن بريئة !

افاقت من ذكرياتها و مسحت وجنتيها وقامت تدخل الحمام تغسل وجهها و تفكر في تغيير ثيابها و الخروج من الجناح و استكشاف القصر .

ارتدت فستانا لطيفا لف قامتها القصيرة فستانا ابيضا به ورود تزين الاطراف في اعلى قمته و حول خصرها و حذاء عالي ، في الحقيقة ظنت انها هنا وحيدة تماما بما ان القصر هاديء جدا ولا دليل لوجود احد اخر عدا الحراس في الخارج ، فقررت الخروج ففتحت باب الحجرة الى الردهة

كان كل شيء جميلا ، اخذت تتفقد التحف و الصور المعلقة على الجدران وهي في طريقها تعبر من ممر الى اخر ومن ردهة الى اختها

حتى نزلت للأسفل هنا بدأت تتمشى الى ممر أخر على جانبيه ابواب كثيرة و غرف متعددة قادتها ساقاها الى آخر هذا الممر حيث هناك باب عريض يشبه البوابة كان خشبيا ضخما و مزخرفا بفخامة و له مقابض ذهبية

امسكت بيديها الاثنتين المقابض و حركت يداها لتفتح البوابة التي منذ ان انفتحت قليلا

حتى وصلها اصوات مختلفة ، اصوات اصوات اصوات

كانت تمشي مذهولة وهي تكذب مسامعها

لا تريد ان تصل

ولكن الاصوات قد علت و تداخلت و اصبحت ضحكات مجلجلة وهي تتقدم الى وسط مكان كبير جدا ساحة داخلية بوسطها حمام سباحة و قبة عالية في سقفه و حينها ادركت انها ليست المرأة الوحيدة في هذا المكان !!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...