( 9 )
أفيقي
أفيقي .. من الليلة الشاعله
وردي عباءتك المائله
سيفضح شهوتك السافله
مغامرة النهد .. ردي الغطاء
وأين ثيابك بعثرتها
لدى ساعة اللذة الهائله
كما تنفخ الحية الصائله
***
وأقبلت الساعة العاقله
هو الطين .. ليس لطينٍ بقاءٌ
لقد غمر الفجر نهديك ضوءاً
***
ستمضي الشهور .. وينمو الجنين
هو الطين .. ليس لطينٍ بقاءٌ
ولذاته ومضةٌ زائله..
لقد غمر الفجر نهديك ضوءاً
فعودي إلى أمك الغافله
***
ستمضي الشهور .. وينمو الجنين
ويفضحك الطفل والقابله..
لم تكد مليكة تعبر ممر اخر حتى جذبتها يد بشدة الى حجرته وهو يغلق الباب بحرص
كان يتفحصها بعينيه الصقريتين
اما هي ستجن في هذا المنزل الذي تعشق رجاله
فبالنسبة لها هم يفوقون اي رجلا قد عرفته يوما رجولة ووسامة و قوة
حين اخذت تدور بعينيها القاتمتين على ملامحه الجدية
و عينيه العسلية و حاجبيه الغليظين و أنفه المستقيم و فمه الرقيق و لحيته الخفيفة التي تود لو تمد يدها يوما لتداعبها بأناملها ، فكله على بعضه يبدو لها كمحارب اسبارطي نجا من معركة ليمنحها القدر فقط شرف التفرج عليه !
لا تعطي أحد سعادتها بأنها قد أصبحت تحمل سرا من أسراره !
كانت ذاهلة عن ما يقوله لها حتى قام بهزها بطرف اصابعه الخشنة : هل سمعتني
افاقت من غفلتها تهز رأسها في ذهول
: قلت لك اعطني التقرير
فما لبثت ان اخرجت من بين ثنيات صدرها فواتير عديدة بمبالغ مالية تضعها في يده
صار يتطلع لها و يقلبها واحدة تلو الاخرى ، معامل كمبيوتر ، نوادي رياضية ، محلات اثاث ، ثياب ، طعام ، وكل ما يخص الحياة من مواد للمعيشة .
وضع الاوراق جانبا و هو يعطيها ظهره الذي كان اكثر نحافة من شقيقه الاكبر و لكن طوله كان مهيبا بلا عيب : وكيف هما ؟!
تبلع ريقها وهي تروي له : جيدان و يُجيدا التصرف في حياتهما !
هز رأسه و هو يضع يديه في جيب بنطاله فهو لا زال يرتدي ملابسه اليومية يبدو انيقا جدا و تلك الثياب السوداء تليق به و بشعره الاسود الغامق الذي يطول قليلا حتى عنقه !
قد كان باله مشغولا يتلظى بالوجع فهو ان نسيهما يكون قد نسيها ، هما جزء منهما ، من تاريخه و لحظاته الحلوة و ابتسامته النقية و لعبة الطفولة ، هما النقاء الذي ساد بعض العفن المنغمس فيه ، لم يكن حملهما وزرا ، بل تزكية لكل ضلالاته ، أحبهما و التفت عنهما ، ابتسم حين عادت اليه حاضرة ذكرى لعبهم " المونوبولي " زاد ابتسامه و معها دموعه عندما كانت تقفز عليه تمنعه أن يأخذ المال الذي في البنك كلما جمعوه يستولي عليه و كأن هذا الجزء من اللعبة مصمم تماما ليشرح حاله !
او عندما يأكلون البرجر تجد دائما فيها " المايونيز " الذي لا تطيقه رغم أنها تطلب وجبتها بدونه ، حتى أصبح وصمة فكل طعامها كان يأتي ومعه " المايونيز " !
أو عندما يشاهدان سويا فيلما اميركيا يثير حنقها و غضبها فتصرخ قائلة: نعم نعم انهم يزرعون فينا ذالك ، أنهم يقولون " نهاية نيويورك تعني نهاية العالم " نيويورك هي العالم !! ثم تضرب بعنف على الوسادة او ترمي بها جانبا !
وكثيرة كثيرة هي التفاصيل الصغيرة المحببة ، هو صنع منها أنثى و هي صنعت منه رجلا و اكثر منها كان الوجع و الظلم و الخيانة ، كان الكذب على كل صوره و بجميع طبقاته الدنيئة و الفخمة ، كثير هو الموت على قلبه كثير هو الموت كثير كثير !
لا زال يحن لقلبها و حريق موتها يشتب و يزداد كل يوم في صدره ، فمن قال أن الموت و الهجر و البعد يُنسين فهو بلا شك كذّاب يُحاول طمئنة نفسه !
اغمض عينيه لبرهة يلتقط أنفاسه المهمومة ثم يزفرها ليعبأ الهواء صورا و ذكريات ، أنهى حديثه بتصرف :
فتجيبه مطمئنة: لا تقلق سيدي فهما يعرفان تماما ماذا سيحل بهما ان تجاوزا المحضور .
: اخرجي الآن .
اومأت له برأسها و اعطته ظهرها و ما ان عبرت الطرقات حتى جذبتها يد ادخلتها الغرفة و اغلقت الباب بالمفتاح !
وهذا كان ديدنها كل ليلة !
.
.
إكبري عشرين عاماً
إكبري عشرين عاماً.. ثم عودي..
إن هذا الحب لا يرضي ضميري
حاجز العمر خطيرٌ.. وأنا
أتحاشى حاجز العمر الخطير..
نحن عصران.. فلا تستعجلي
القفز، يا زنبقتي، فوق العصور..
أنت في أول سطر في الهوى
وأنا أصبحت في السطر الأخير..
في الغد حين اجتمع الثلاثة في مكتب كبيرهم في المنزل
قد أخذ يُقلّب بصره بين اولاده و بين البيانات المرمية امام ناظريه
رفع نظارته من على أنفه يرميها امامه على المكتب المحشو بالاوراق و الهواتف و الاجهزة الالكترونية شديدة الحداثة ، نطق بصوته الغليظ المرتفع النبرة يحذرهما : قد تغير حرس الحدود ، وكذالك تم تغيير ضباط الميناء ، نراقبهم و نجمع أخبارهم جميعا و نرى بعدها من منهم سيناسبنا و نضع يده في يدينا ، شحنة السلاح التي ستصل قريبا لا نريد اي شوشرة حولها نريد أن تتم الصفقة بكل هدوء و حذر خلال تغيير الحكومة !
نظرا اليه بتركيز وكل منهما كان يتمسك بهاتفه يرسل رسائل و اوامر هنا و هناك حتى قال بكره مستهزءا : لقد اصبح في كل ركن من البلاد حكومة ، سُذّج أغبياء ، لفظها كأنه يبصقها .
كان الأمر بهذه البساطة أن تأتي شحنة الأسلحة عبر الجنوب ، عبر الصحراء ، فالمهربون السودانيون بارعون في التهريب و الانتقال عبر طرق لا يعرفها حتى أصحاب البلاد أنفسهم ، يدخلون المدينة و يسيرون في دربهم الى أن يدخلوا معسكرات خاصة بالتهريب البشري و الحيوي ، تُغلق خلفهم الأبواب و يتم التفريغ !
و اما في اسوأ الحالات أن يُحدد مكان في الصحراء يتم فيه التفريغ بين الشاحنات حتى لا يتم التشكيك في أمر جنسية السائق!
جميعا كان لزاما عليهم أن يقوم من سيستلم عمله الجديد منهم بهذا الاختبار ، أن يخرج بنفسه بشاحنته يقودها عبر الصحراء حتى يتم التهريب و في حالة نجاحه يُبعد عن الساحة و يستلم أعمال مستترة لا يظهر هو في صورتها !
حين رفع يحي رأسه محذرا : " القناع " شخص مثير للمشاكل ، بدأ يكتب مقالات و يقوم بمقابلات و ينشر فيديوهات عن أعمال تمت لنا بصلة في الباطن !
التفت له والده : دعه حتى نرى الى أين سيصل به فضوله ، ثم ابتسم بخبث و هو يشير لهما بإصبعه : المهم لا نريد مشاكل خلال العرس ، و سندع هذه الأمور للأيام !
نهض و نهضا يقفلون الجلسة و يصعد بدوره الى من كانت يوما من الايام تُسمى " توأم الروح " و " ريح الجنة " و " التمر حنة " " خرساء الأساور " و كل لقب اطلقه في مداعبة و في موقف وفي حلم رجل عاشق !
كانت تستند بظهرها على السرير تغمض عينيها ، يتجمل ثغرها بالسواك الذي لم تعرف غيره في حياتها ، و يديها مخضبة بحناء شديدة الحمرة و ترتدي جلابية بيتية مريحة ، تفوح منها رائحة حلوة ، رائحة نظافة ضمير و جسد !
سمعت صوت طرقات عصاته على الأرض ، تنهدت و التفتت الى الباب الى حيث سيلج زوجها او من كان يوماً من الأيام كذالك ، يُداوم على رؤيتها كل ليلة قُبيل نومه و قُبيل خروجه كأنه يتبرّك بها ، أما هي ففي نفسها لم يَعد هناك حتى عتباً فقد سقط حقه فيه !
فتح الباب ووقف على عتبته ، وهكذا كان أبدا ذاك هو مكانه " العتبة " لا يتخطاها و لن يتخطاها الا اذا فتحت له ذراعيها من جديد ، يشعر أمامها دائما أنه طفل خالف اوامر أمه فغضبت عليه ، ظل ينظر اليها و عينيه تروي حكايات حب كان هو من خانها و طعن فيها ، يقف هناك بينهما "عتبة " و لكن بين القلوب جدار و انهار و بحار ، يريدها أن تريحه أن تلفظها أن تسامحه و لكن هيهات مع روحها العنيدة التي عرفها في شبابها و لانت في منتصف عمرها ها هي تعود على ظهر مهرة تأبى الخنوع و الإنحناء ، زواجه كان طعنة فما بالك بما خلف هذا الزواج !
انتهى عمله اليوم فاستدار و عند هذه النقطة نطقت بصوتها الهاديء المحبب الى قلبه ، يذكره عندما كانا في عز شبابهما كيف يحبها أن تُغرّد عند رأسه و أن تهمس له و أن تعاكسه و تشاكسه بنبرتها الصبيانية المتلاعبة ، اغمض عينيه و ابتلع ريقه و هو يسمعها تنوي هجره : صالح ، بعد زواج الأولاد سأنتقل الى منزل عمتي " أمه "
التفت اليها مفجوعا ، يريد أن يبكي ، نعم يبكي ، هل أخيرا ستهجره !
لا يا ماجدة لا لقد صبرتي كثيرا فدعيني أُكفّر عن ذنب قادني الى النار بيدي هاتين
تهربت من النظر اليه و هي تحرك يدها لتغلق ضوء المصباح ، لم تسمع صوت حركته ، لا انفاس ، فقط شيء اسود يقبع خياله هناك مصدوما قلبه يتوجع امسك به يعتصره ، فهو رجل هيئته ورغم بلوغه الستين من العمر الا انه يبدو شابا جذابا جميلا لا تزال الشابات الصغيرات ينجذبن له و يتحيّن الفرص لرؤيته في شركاتهم او التعمد بإغراﺉه ، فهو ذو طول و هيبة و شعر فضي لامع يهتم به ناهيك عن ملابسه التي تناسب عمره تماما و لكنها رجولية بفخامة .
عديلة الروح تريد تركه ، ماذا بعد تلك الخطوة ، طلاق ؟!!
يا الله انها كالجمل منذ أن حقدت لم تغفر رغم علمه أنه لا يستحق الغُفران !
اندفع الى فراشها لأول مرة بقوة يتجه الى الجنة التي افتقدها الى الحب الذي دمره الى العشرة التي نسفها
وهي فتحت عينيها على مصراعيها تريد تحاشيه عندما صرت من بين اسنانها : اخرج يا صالح وإلاّ فوالله لأفضحنك بين اولادك ، اخرججج
ها هي الروح المقاتلة الشرسة تعود لعينيها بعد كل ذالك الذبول و الخذلان ها هي تتأجج نارا من جديد نارا يريدها أن تحرقه
كان قد امسك بعضدها بين يديه وهو يجذبها لذراعه بامتلاك رجل عاشق يُكابد الهوى يشدها لروحه لصدره : لا والله لن اتركك ، لا والله لن اهجرك ؛ لا والله لن ترحلي ، و اخذ كالمجنون يُقبّل وجهها الذي فقد تفاصيله و شفتيها التي حرمته لذتها و عاهدها أنه لن يأتيها الا باشارتها ، ولكن الله وحده اعلم كم يريدها و كم يرغبها ، هي اول امرأة تعلم معها الحب و الهوى ، اول امرأة ينجب منها و اول امرأة تنجب رجلا و اول امرأة نام على خصرها و اول لقمة واول و اول و اول كل شيء و اخر كل شيء كانت هي ، قد كان همجيا شرسا ينزع ثيابها يريد ان يعلمها انها لن تخرج عن طوعه هي له ولن تهجره و لن يسمح لها ، كانت تصفعه صفعة وراء صفعة وراء صفعة، دموع امرأة مغدورة طُعنت في الخاصرة من عُمر ليس بالقصير تنزف ، تركها تنزف ، تركها تموت رغم علمه انه هو القاتل وهو من سيحييها من جديد: اتركنييييي فأنا لست إلاّ أرض بووووور ، صارت تدفعه و يدفعها حتى حين بدأ بخلع ملابسه و تفريغ قبلاته الهمجية المجنونة على صدرها و جيدها و شفتيها التي حُرمت نبع المياه الحلوة خانها جسدها و اتبع رغباتها،
فهل كانت تحتاج الى جملة كهذه منذ زمن حتى تُخضعُه لها ؟!
.
.
.
.
حامل حامل حامل حامل يا بنت الكلب حامل
صوت مخيف عميق مجلجل و خطوات تركض دافعة الأبواب بخشونة و قوة هزت اركان القصر الأربعة
يا بنت الكلللللب كان صراخه عنيفا هستيريا و بكاؤه شيطانيا
يمسك شعرها و يضل يضرب و يضرب و يضرب برأسها سقف السيارة
يا بنت الكلللللب
يرى الدماء تتفجر من رأسها و أنفها
يرى جسدها الذي سقط كالخرقة على الرصيف
يرى بطنها المنتفخ
أخذ يرفس و يرفس و يرفس و يبصق و يشتم
اخذ يجري و يصرخ زكرياااااااا
زكريااااااااااا
سأقتلك يا زكريااااااااا
أخذ يضرب برأسه باب بيت عمه بقوة كادت تفجر له دماغه
يرتد و يضرب يرتد و يهجم
عروقه تتفجر و عظامه تأن و روحه تقتل
افاق كل اهل المساحة المسكونة ما بين متفرج على ليال مثل هذه تمر
على موته قبالهم
على دموعه و المه
على ذراع شقيقه الذي يظل يجري خلفه ليمسك به و يجر رأسه بين ذراعيه يحتضنه
يظل يقاوم و يقاوم و يدفع بشراسة و يلكم و يلكم و يلكم
القهر القهر
يبكي و يرفع يديه امام وجهه لقد قتلتها قتلتها بيدي هاتين قتلتها
آآآآآآه و يختلط بؤسه ببكاءه بشخير حنجرته الى أن ينهض من نومه وهو لا يدرك ماذا حصل اثناءه !
.
.
.
صباح تغيرت فيه احوال
و اشرقت فيه شمس جميلة اخترقت الشبابيك و تسللت عبر فتحات الابواب
هدوء يقطعه صفير الهواء المارق عبر الممرات المهجورة
لوهلة حين سماع صوت باب يُفتح و يُقفل تظن أنك في قصر اشباح
ارتدى الجميع ملابسهم بتؤدة ، فهاذان يرتديان ملابسهما السوداء القاتمة من الرقبة للقدم !
و تلك ترتدي فستانا رقيقا منزليا تشمر فيه عن اكمامها و تفرد شعرها و تثبت اطرافه بالدبابيس ، و تضع لمعة شفافة تمنح شفاهها مذاقا و روعة و امتلاء و عطر تمسح به الاطراف و تمرره عبر خصلاتها ثم تفتح بابها و تخرج ، و اخيرا هو و امرأته التي يحتضن خصرها و ينام عنده و يشده اليه وهي كانت تحدق في شعره ، تخترقه ، تريد أن تعبر تاريخه ، أن ترى تفاصيل مخبؤة عنها ، تريد أن تغفر له و لكن ... تظل دائما هناك لكن ... للكرامة و الكبرياء و خذلان الروح
و يحي ذاك الرجل الطفل الذي هو غارق في ماضيه القاتم ، الماضي الذي لا تعرف فيه سوى أنه أحب غالية لدرجة الجنون ، لدرجة الغيرة القاتلة ، يقبضها قلبها عليه ، تخاف أن يؤذي نفسه يوما ثم لا يمكنهم العودة للوراء لتصحيح اي أخطاء !
أما رفيقها قد خرج من تحت الغطاء الذي يجمعهما و هو يُقبّل كل جزء تمر به شفتاه حتى قالت بتعب : صالح كفاك انهض !
ارتفع بصدره حتى لامس صدرها : يا ظالمة والله انك ظالمة !
كانت حقا مرهقة وهي تحاول أن تجعل الغطاء بينهما يحجبها عنه : قم ارجوك فنحن لسنا مراهقين و الأولاد سيشكون في امرنا !
كم من الإحراج سينتابها عندما يعلم اولادها بما حصل فزوجها هذا مجنون في صباهما قد عشقت هذا التعلق و الجنون ولربما هي تفعل حتى الآن ، ولكن ، ما حيلة قلبها الذي لا زال يتخبط في التضاد !
همس عند اذنها : امتطيني !
و عيناه بها من الخبث و التسلية الكثير
نعم يتسلى برؤية الصدمة و الذهول و الحرج و الالوان تعبر وجهها فتقول غاضبة حانقة : انهض عني ايها المراهق
ولكنه مصمم : ولكنني اشتاقكك هكذا اريد ان امتع بصري !
اخذ قلبها يرقص من الحرج و الخجل فنهضت على عجل تتركه وحيدا في فراشه ترتدي ملابسها و تعبره الى الحمام حانقة تضرب الباب خلفها .
اما هو فأخذ يضحك ملأ شدقيه عليها وعلى نظرتها المتقرفة تلك !
حين اجتمع الجميع حول طاولة الفطور التي عليها " البيض المسلوق و الزيتون و الجبن بأنواع عديدة و الطماطم و الخيار و العسل و المربى و الزبدة و الخبز الساخن الطازج و الحليب بالشاي "
التفتو جميعا الى والدهم الذي ينزل لأول مرة من علو !
حدّق الجميع به مبهوتين اما هو فجلس كالملك على رأس الطاولة الخشبية العملاقة ، عندما رفع رأسه و رأى تفرّس عيني ابنيه في وجهه فرفع لهما حاجبا مشاكسا مع ابتسامة شقية لم يفهمها الا الرجال ، تنحنح على اثرها عندما رآها قادمة تنزل الدرج وهي ترتدي جلابية مغربية فخمة حليبية اللون بنقوش ذهبية مفتوحة حتى مفرق صدرها و تكشف عن زندها الممتليء اللبني و شعرها الاسود مفروق من منتصفه مموج حول وجهها ، انتقلت الوجوه اليها وكأنها هي طفلة خجلة تريد تفادي التقاء النظر مع اي منهم وهم يفترسونها بنظراتهم سارت بعنفوان حتى جلست مقابلة له على الطاولة يغطيها الإحمرار الشديد تعدل تارة ياقتها و تارة تنقر على الطاولة حتى رأت اولادها يفزون من كراسيهم شعيب يحتضنها بقوة من ورائها يُقبّل قمة رأسها بحنان كبير و هو يهمس لها يا ليته جبر كسرك !
والآخر الذي استلقى على ركبتيها يدفن نفسه بين فخذيها يحتضنها بقوة كالطفل الضائع ولم يرى أحد تلك الدمعات الرقيقة التي امطرت ثيابها وهي تربت بهدوء و حب على رأسه ، أما صبا فقد اجهشت في بكاء فجعهم جميعا كأنها تنتحب على موت حبيب حتى قاموا لها جميعا يحتضنونها و يهونون عليها ، فالحمدلله ان والديها لن يتطلقا على كبر ، فهل حقا سيكون كذالك ؟!
انتقلت بالمصعد بعد كل تلك المشاعر الجياشة التي اطلقتها حنجرتها الى الطابق الثاني حيث السجينة التي تدور في قفصها كلبوة تريد الفرار ، تريد تحطيم القفص العملاق الذي وُضعت به ، يائسة لأن تجد هاتفا ، هاتفا وحيدا تدق به على روحها على شقيقتها ، تريد أن تعتذر ، أن تجلس على ركبتيها لتطلب الصفح ، أن تبكي و تبكي و تبكي حتى ينتهي الأمر
دخلت عليها صبا التي تنهدت من رؤيتها على تلك الحال المشتتة الضائعة، وهي فتاة تأبى أن تذل نفسها ،
التفتت اليها في جمود تطلبها : أريد هاتفا ، كانت تضغط بشدة على اسنانها كمن يريد عض احدهم ليقتلع لحمه من على عظمه فلربما هذا الحبس اوقظ كمية الشر التي تتدافع داخلها ، كمية التحطيم التي تريد الإقدام عليها
مدّت لها صبا بالهاتف بيدها التي تملأها الأساور قائلة بتعاطف : نجلاء هوني عليكِ لا تفعلي ذالك بنفسك !
فتصرخ فيها الاخرى بكل همجية محاربةً الفساد والإستبداد: اجلس و اضع يدي على خدي حتى يقتحمني القوّاد
ارتفع حاجب صبا استنكارا وهي تواجهها برفع ذقنها : وهل تعتقدين أنني سأتزوج شيخا ؟! فأخاك ايضا قوّاد
تنفست من أنفها : هذه الكلمات احتفظي بها بينك وبين نفسك و حذار كل الحذر أن تسمعك أمي !
كانت لهجة مبطنة ضيقت نجلاء منها عينيها و هي تشير الى صدرها بأصابعها : هل تهديدينني !
:أنا فقط الفت انتباهك فأمي لا تعرف شيئا عن اشياء كثيرة تدور حولها !
رفعت حاجبيها استغرابا و استنكارا : وهل تريدين مني الآن ان اصدقك ؟!
قالت متفهمة بعد ان جلست على الكرسي و هي تلف ساقا فوق الاخرى : أمي تسمع و نحن نُكذّب و هي تصدّق ، فلا حاجة بنا لدلائل و لبراهين قد تفكرين يوما بأن تظهر على السطح !
التفتت عنها تعطيها ظهرها : هناك مال في حقيبتي خذيه و اشتري لي شيئا آكله !
قامت الاخرى من مقعدها تمشي في اتجاهها تقف وراء ظهرها و تهمس في اذنها : لنرى ان كان الأمر سيعجب رجُلك بعد زواجك منه !
طقطقة الحذاء كانت تنخفض رويدا الى ان اغلقت الأبواب خلفها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق