الجزء التاسع والثلاثين


 

 

 

الجزء التاسع والثلاثين

 

نحاول ، نحاول ان نعيش مع تلك الفكرة البغيضة ، الفكرة التي تحولنا الى مجرد جسد ، الى مجرد اسم فقط لا غير ، نحن لم نعد نشعر ، لا معنى لكل تلك المشاعر لا لا لا معنى لها ، ما فائدتها ، فقط تعذيبنا ، فقط سحقنا ، فقط ان تبكينا ، ليس من عدل في الشعور ..

هو الذي كان يجلس خافضا رأسه للأرض يفكر يفكر عميقا يلوي شفته ، لا يريد ان يفقد اعصابه ولا ان يميل كل الميل لقتل من امامه ، رغم ان كل الدوافع تحرضه على هذا الفعل ، طلقة واحدة في الرأس بلا تردد ، طلقة قاتلة ، منهية ، في وسط رأسه مثلما حصل مع الساحر !

يجلس امامه ذلك الشخص الرجل الذي حاول في يوم ان يقتل شقيقه ، هو قد وجد انه من كل بد ان يصفي حساباته ثم يلتفت الى اعمال اخرى اشد حساسية و اهمية مما يفعل !

: من الذي ارسلك ، فهمنا انه بسبب شحنة الكيماوي ولكن لماذا الآن ، اخي منذ زمن طويل متعاقد مع الدولة .. عقد احتكار ..على هذا السعر و مع هذه المستشفيات فلما !

كان ينظر بضيق عين الى ذاك الذي ضُرب حتى ارتخى جسده كانوا يقطرون عليه بالطعام و الشراب حتى ندم ندما شديدا انه قد اقدم على فعل ما فعله رفع رأسه المضروب و وجهه المزرق و عينه التي لم يعد يرى منها فما فعله في العائلة لا يُغتفر له ولجماعته ..رفسه على ساقه بقوة حتى أنّ وون و ضغط على اسنانه بشدة لا يريد الصراخ : انطق ليس لدي لا الصبر ولا الوقت كي انتظرك ، نظر الى ساعة يده ، امامك خمس دقائق

هز الآخر رأسه : سأقول سأقول

قل هيا انني اسمع

كان يبتلع ريقه الجاف : اشرب شربة ماء قبلا ارجوك

كان المكان معتما مظلما لا شيء سوى بعض الصناديق الفارغة في المكان وهو مخزن قديم يملكونه في منتصف البلد احيانا يتم تخزين البضائع فيه اما الآن فهو ماكن للتعذيب و ليس غير ، جلبوا له ماءا فشرب حتى ارتوى كان يتأوه من شدة استمتاعه بالماء حتى قال بوجع : انت استوليتم على السوق ، لقد خسرنا الملايين بسببكم

كان ينظر اليه ملويا عنقه على كتفه اليمين ممتعض منه : لا جديد ، اريد شيئا لم اسمعه قبلا !

رفع رأسه للأعلى : قد قدمنا عرضا للدولة لوزارة الصحة و اعطونا توكيلا بجلب العلاج من تركيا .. غضن جبينه بقوة .. ماذا .. اي توكيل !

كان يظن طوال الوقت ان الشحنة على حسابهم الخاص و ليس عن طريق الوزارة : لا افهم .. اخي متعاقد مع الوزارة فكيف يعطونكم عقد بنفس الأسعار و نفس الجهة !

هز رأسه لا يعلم كان بالكاد يتنفس : لا اعلم لا اعلم هذا ما جرى ، نحن قدمنا عرضا وهم وافقوا و الشحنة وصلت و قبلها بيوم على الاقل باع اخاك شحنته بنصف سعر شحنتنا لم نستطع البيع بنفس السعر لقد خسرنا الملايين بسببكم لقد افلسنا ، كانت هذه فرصتنا الوحيدة ولكنكم قد عبثتم بنا !

انتفخ صدره لا يعرف ، كيف للوزارة ان تفعل هذا ، من اعطاكم التوكيل ، اريد اسما !

رد عليه بكل رحابة : اسمه عمر موكل من الوزارة لهذا الشأن !

اخذ يهز ساقه ينظر الى كل الاتجاهات يتمتم مع نفسه .. عُمر .. لم يسمع به قبلا حتى سأل : هل كان اتفاقكم ان تتقاسموا معه الارباح !

صمت الآخر صمتا طويلا حتى ضربه على ساقه : سمعتني !

هز رأسه باستجابة !

قال له وهو يقترب من وجهه يحذره بشدة : سأحررك ولكن احذرك ان اقدمت على اي عمل يضارب على اخي في السوق هل تفهم وأوصل لذلك العمر هذا الكلام حتى لا يجد نفسه مكانك ولكن بالمقلوب !

قام من مكانه وهو يلتفت عنه لا يريد ان يطيل البقاء ففي نيته ان يتجه مع اعمامه الى بيت عائلة اوس كي يسلموهم الدية وقبلها يريد المرور على والده يطمأن عليه اتجه بسيارته الى المستشفى صار يعبر كل تلك الممرات حتى وصل الى وجهته الى القسم الذي فيه والده والذي لا زال حاله غير مستقر كان ينظر له من خلال الكاميرات المسلطة عليه كان يقف هناك مسود وجهه تترقرق عيناه وهو يرى والده على هذا الحال ، وهن ، ضعف ، موت ، شيء سلب الراحة من قلبه هناك ممرضة في الداخل كانت تحقن  كيس التغذية رتبت ما حوله ثم اتجهت الى الباب و خلعت ملابسها الطبية و رمت الماسك في القمامة هو الذي كان ينظر اليها بقسوة بشدة بغضب وهي التي لم تنتبه له ولا الى وجوده هناك حتى امسك بعضدها بشدة يتكلم من بين اسنانه : مالذي تفعلينه هنا !

رفعت حاجبيها برعب في وجهه حتى شحب وجهها و انسحب الدم من عروقها لم تتوقع ولا واحد بالمائة ان تراه هو عدو الماضي : اترك ذراعي ليس لديك الحق فيما تفعل

جرها امامه وهو يتكلم من بين اسنانه ولا زال الغضب في سحنته افتحي غرفة خالية صارت تمشي به وهو لا زال متمسكا بذراعها كأنه يريد ان يفصله عن باقي جسدها حتى وجدت غرفة فتحتها و اغلقاها خلفهما تركها بعد ان رمى بها الى الداخل بقوة حتى كادت ان تقع على الارض : منذ متى تعملين هنا في هذا القسم !

صار يقترب منها رويدا يشك فيها وفي نواياها كان ضخم الجثة امامها هي الضعيفة التي ترتعش منه ، كان شعرها قصيرا مقصوصا مثل الرجال و على رسغها وشم بحرف ..الزين .. ترتدي تيشرتا اسودا و بنطالا ابيضا خاصا بالتمريض : زين !

نهرها بقوة : لا تناديني زين فهمتي ليس هنا ولا في اي مكان  اريد فقط ان اعرف منذ متى وانتِ تعملين هنا

نظرات شك تخترقها هو ليس غبيا لا ..هو يعرفها تمام المعرفة : ارسلتكِ زهرة !

أصابعها التي تهتز بالرعشات : لا لا ..لا دخل لزهرة بالأمر !

كان ينتفخ ينتفخ كثيرا ، تلك هي هتان ، تلك هي من عملت يوما تحت يده ، كانت افضل و اكبر جاسوسة يستخدمها ضد اعدائه الى ان تركته ذات يوم !

كانت امرأة جميلة ملفتة لولا قصة شعرها ..حتى جسدها جميل انثوي ذو انحناءات رائعة لذلك كانت هي الاجدر ان تعمل مع الجنسين فهو يعرف مدى الحقارة التي قد تصل اليها ، حتى كاد ان يلتصق بها : لا تقولي لي ان زهرة تعرف هويتي !

فتحت عيناها عن آخرهما : لا لا لا تعلم شيئا مما كان بيننا انا لم اخبر اي احد في هذا العالم صدقني ارجوك !

كان رأسه يقع فوق رأسها : قد حضرتي الى بيتنا بلا اذن ، مالذي كنتِ تفعلينه معها !

كانت عيناها تحذرها من الكذب الذي سيلتقط اشاراته في عينيها و في شفتيها هي التي كانت ملونة الوجه عميقة العينين السوداوين عريضة الحاجبين و رقيقة الثغر و ذات وجه طويل ، اغمضت عيناها قليلا قبل ان تجيب فهي تشعر بالوهن تشعر بالرعب من وجوده معها هنا في هذه الغرفة بعد طول غياب : ارجوك انا لم افعل شيئا هي اتصلت بي ارادت الحديث فقط ..

جلس متكأ على السرير يمد ساقيه الطويلتين : احكيلي قولي مالذي كانت ترويه لكِ !

وقفت كالتلميذة امامه ترتبك ترتب كلماتها ، في الحقيقة هتان كانت امرأة رقيقة مع الرجال و قوية مع النساء تنقلب شخصيتها مباشرتا في حال رأت امرأة تعجبها فهي تتعامل معها بالنظرات و الكلام وكأنها رجل حتى تقع الاخرى في شباكها ، وكان هذا ما تفعله منذ صغرها منذ ان اغوت زهرة و كادت ان تجعلها رهينة حبها وفي ذاك الوقت حين امسك بها ضربها ضربا كادت ان تموت بسببه قد كسر لها ذراعا و هشم انفها الذي اجرت عليه عملية تجميل حتى يبدو على ماهو عليه الآن !

قالت في سرعة : كانت تتشكى لي من يحي !

هز رأسه وكأنه يصدقها تلك العاهرة : استمري استمري فانا اصدق كل كلمة تقولينها ، زهرة نادتكِ ولبيتي النداء فقط من اجل ان تفضفض !

تعالي .. اخذت شفتاها تهتزان تريد البكاء : ارجوك والله هذا فقط ما حصل والله لن اكذب عليك !

قلت لكِ تعالي لا اريد ان ارفع صوتي وهو يرفع يدا الى شعره يرتب الفوضى التي هو فيه : اين كنتِ تعملين قبلا !

اين اختفيتي !

ابتلعت ريقها ببطء وهي تسأل : هل استطيع الجلوس وتشير بعينها الى السرير بجانبه ، امرها : اجلسي !

جلست بجانبه وهي تكتف يديها و تعض شفتيها : كنت قد غادرت البلاد لفترة عملت ثم عدت لأعمل هنا هذه هي كل الحكاية !

صار ينظر جانبيا اليها يشك فيها وفي كل كلامها وفي نواياها : تدرين اذا لم نكن في مستشفى كنت سأقطعك وارميكِ للكلاب ، آخر مرة تدخلين على والدي هل فهمتِ!

نظرت اليه تحدق في عينه : ولكنه عملي كيف سأرفض !

شدد عليها : قلتُ لكِ انا ساتحدث مع المسؤول عن حالة ابي و اخبرهم انكِ لن تدخلي عليه مرة اخرى فهمتي ما اقول والا فوالله سأتعقبك و سترين كيف سأتصرف معكِ!

ضلت صامتة ابتلعت لسانها بقوة لا تريد ان ترد ولا ان تناقش فهو يستطيع حالا ان يرفع سلاحه و يطلق رصاصته و يتركها هنا غارقة في دمها : آخر مرة تتصل بكِ زهرة و تلبيها هل فهمتِ لأن يحي ينتوي قتلك هذا ان لم اقتلك انا قبله !

صارت تهز رأسها فقط وقلبها يكاد يقتلع اضلعها من شدة دقه هو الذي تركها في مكانها سابحة في عرقها وبمجرد ان خرج حتى فتحت هاتفها بسرعة تبحث عن رقمها حتى طلبته صار يرن يرن حتى وصله صوتها : هتان

كانت بالكاد تتكلم وهي تسمع صوت قلبها يدق دقا آخرا يهوي في مكانه وهي تهمس بوله : زهرة ..

تلك التي كانت على الخط تنتظر ان تقول شيئا : ماذا ماذا حصل

اعطت ظهرها للباب وهي تجمع شتات نفسها : لقد رآني شعيب خارجة من غرفة والده !

فتحت زهرة فاها هرب الدم من وجهها وهي تسمع الآن صوتا آخر على الهاتف صوت عميق مخيف حقود ، كان قد دخل عليها قد اعطاها الوقت كي تفر بجلدها ولكنها لم تفعل هي صممت و اتصلت رغم انه قد حذرها حالا بألا تفعل امسك الهاتف بيده يكاد يكسره ويده الاخرى تتشبث بذراع هتان التي سقطت من طولها تشهق شهقات متتالية رفع الهاتف يقول بكره و حقد : ايتها الفاسدة والله لأجعلن يومك اسودا يا زهرة !

اغلق الهاتف و سحب تلك من ذراعها بلا اي كلمة صارت تمشي امامه هو الغاضب هو المنتقم يريد ان ينتقم من زهرة فيها رفع هاتفه الى اخاه الذي كان هو الآخر مشغولا يفتش حجرته كل خزانة كل درج تحت الملابس وفوقها وتحت الارض ولم يجده .. اين وضعه لم يعد يذكر !

حتى رن الهاتف ورفعه فجآءه صوت اخوه الذي يكاد يقتل من في يده : يحي تعال الى المزرعة بسرعة !

رماها في السيارة هي التي لم تعد تفعل شيئا فقط الصمت والصدمة صار يقود بها يعبر بها المدينة حتى خرج منها ووصل الى المزرعة في ذات الوقت قابل سيارة اخوه على البوابة الذي كان مغضنا لجبينه لا يعرف ماذا يحصل حتى فتحت البوابة وهناك توقفا كلاهما عن القيادة وفتحا الابواب اتجه يحي الى اخاه قلقا : ماذا حصل ما بك !

دار حول السيارة وهو يفتح الباب يجذبها بقوة من ذراعها و رماها على الارض هي التي تلوت من الالم وكانت تبكي : انا لم افعل شيئا لا تظلمني مثلما فعلت سابقا انا ارجوك

كان يحي ينظر اليها مصدوما مذهولا ، منذ زمن طويل منذ سنوات منذ عقد لم يرها ولكنها هي هي لم تتغير كثيرا ، تلك التي كادت تفسد عليه زوجته بل ربما فعلت ربما افسدت عليه مشاعرها تجاهه ، اسود وجهه وهو ينفخ صدره : اين وجدتها !

صار كلاهما حولها هي الساقطة على الارض تنظر اليهما تستجدي بنظرها : حذرتها الا تتصل بزهرة بمجرد ان خرجت اتصلت بها ، لا اعرف ما بينهما ، شككت بها عندما خرجت من غرفة ابي !

كان يحي يسمع ومع كل كلمة يسود وجهه اكثر و عيناه تغمق وانفاسه تثور حتى انحنى لها هي التي كانت تتعبر ببكاءها تنفي عنها اي تهمة : ماذا كنتِ تفعلين في غرفة والدي !

كانت خائفة خائفة جدا ترتعش من رأسها الى قدميها الدموع تنهمر بلا رحمة : يحي ارجوك انا لم افعل شيئا فقط هذا عملي !

اقترب وهو منثنيا حتى رفع يده بقوة يشد شعرها بقسوة حتى كاد يتقطع خرجت منها صرخة صرخة عالية اقضت مضجع العم صبحي الذي خرج من غرفته ينظر الى ما يحصل يتفرج ولا يتكلم يرى الاثنان ذوا الملابس السوداء غاضبان حتى ان تراب الارض بدا يتحرك من غضبتهما وبينهما تلك المرأة الصغيرة الحجم الضعيفة البنية : يحيا ارجووووك ارجووووك لا تفعل

اقترب بوجهه تضرب انفاسه القاتلة وجهها ، تلك ، المراة الفاجرة التي تقض مضجعه منذ طفولة زهرة وحتى هذا الوقت التي هربت منهم وما عادوا وجدوها الا تلك التي كانت تعرف اين هي : قولي لي خيرا لكِ ماذا كنتِ تفعلين عند ابي !

كان الشد يزداد ورفسة حقيرة نالت جانبها حتى امسكت بوسطها تتمرغ ارضا تصرخ وجعا تفتح عينها رعبا : لا شيء لا شيء كنت فقط اعطه تغذية هذا كل شيء انه عملي عملي

مالت برأسها بقوة بعد ان قرب وجهها للأرض : لما الآن ، كيف وصلتي له لا افهم ! هل تظنينا اغبياء يا هتان لقد عشتي بيننا نعرفك وتعرفيننا فلذلك الكذب في عينيك !

وضعت يداها الصغيرة حول يده ترجوه ان يبعد يده عن رأسها : اتركني اتركني .. قالت بعصبية .. لا يحق لكما ما تفعلانه اتركاني !

: لن اتركك لن اتركك قبل ان تقولي هل طلبت منكِ زهرة ذلك !

نظر الى اخاه الذي كان يشك فيما قال اخوه ، لما ظهرت هتان الآن وفي غرفة والده بالذات ، كانت الدموع تتقاطر من عينيها والتي اعتبراها دموع تماسيح حتى مال عليها شعيب : لقد رأيتك من الشاشة كنتِ تحقنين التغذية بإبرة ما هي هذه الابرة !

صارت امعائها تتلوى خائفة خائفة كانت تتحدث كالمهووسة : لا شيء لا شيء انها فقط مقويات !

رفسها مرة اخرى حتى سقطت كلها على الارض كلاهما لا يصدقها ..كلاهما يشك بها كلاهما يحقد عليها كلاهما يكرهها ، فلولاها ما فتحت زهرة عيناها على الدنيا ، لولاها ما صارت زهرة حقيرة دنيئة ، لولاها لما تغيرت زهرة الرقيقة الجميلة كله بسببها ، بسبب هذه الفاسدة ، كان صوته يخرج غليظا غاضبا جدا وعيناه احمرتا بشدة : ستقولي ستعترفي فوالله ان فعلتِ شيئا بوالدي و الله سأدفنك هنا

كانت تتمرغ في التراب ثيابها البيضاء صارت صفراء ووجهها زالت زينته و شعرها صار هائجا : انا ممرضة هذا عملي لم افعل له شيئا

وقف بجانب اخاه ينظر اليها ثم رفع هاتفه يتصل بالمستشفى انتظر حتى وصل صوت الطبيب فسأله : هناك ممرضة كانت في حجرة والدي اليوم اسمها هتان ، هل هي الممرضة المكلفة بعناية الوالد !

غضن الطبيب حاجبه وقلب في الاوراق امامه لا يجد اسما هكذا التوت شفتاه نكرانا مجيبا : لا ليست على لائحة الممرضين !

اغلق الهاتف دون سلام في وجه الطبيب وفي تلك اللحظة لم يعد يحتمل حتى صار يرفس و يرفس و يرفس بكل قوته كانت الركلات تضرب بطنها و صدرها و وجهها صار الدم يقطر من كل مكان فيها وهو كان غاضبا غضبا لا حدود له : ايتها الساقطة قلنا لكِ تكلمي قولي ماذا تريدين لما دخلتي غرفة ابي .. صرخ بقوة حتى وصل صراخه لاطراف المزرعة و شعيب يقف هناك يتفرج عليها و على ما فعله اخاه بها صار يجرها من رأسها : لقد قلت.. لقد حذرت ..ان وجدتك قتلتك

كانت تصرخ   تحاول ان تفك يدها وهو يسحبها على التراب يجرها جرا حتى تقطعت ملابسها صار جلدها مدميا : يحياااااا ارجووووووك ارحمني ارجووووووك لم اقصد ليس ذنبي ارجوووووك

كان ينتفخ ينتفخ كثيرا لا يصدق : قولي قولي اعترفي بماذا حقنتي والدي يا فاسدة يا رخيصة

صرخ على عم صبحي الذي كان مفجوعا مصفرا مما يحصل قال له بعين مفتوحة وهو يجمع شعره خلف رأسه : احفر لي قبرا لها بجانب مليكة

ارتبك العم صبحي لا يدري ما يفعل حتى صرخ فيه : احفر .. لها قبرا !

صارت تصرخ بقوة تزحف حتى وصلت الى يده تقبلها تترجى تبكي عليها تتمسك بها : لا لا ارجوك لا تقتلني والله سأقول سأتكلم يحيا ارجووووك صار صوتها مبحوحا من كثرة ما بكت رفسها حتى ارتمت على التراب امامه لم يعد يتحكم في نفسه كل ما فيه هائجا : اسمعك قولي فوالله الذي لا اله الا هو ساحفر القبر وادفنك حية والله... ما هي الحقنة التي اعطيتها لوالدي !

كانت تحرك يدها بلا لا : والله لم تكن حقنة سيئة مهدأة.. فقط مهدأ.. لا تريده ان يستفيق بسرعة هذا فقط !

نفخ صدره نفخه بشدة حتى التف حول نفسه صار يدور حوله صارخا في السماء مكورا قبضتيه واخوه يقول له : انها الدفلى تلك العاهرة تريد قتل ابوك !

نزل الى الأرض يضع يده على رأسه صار يبكي لا يصدق صار يغرز اصابعه في شعره يحركه للخلف والامام بقوة واخوه يتابع : طلقها يا يحي طلقها و ارسلها لأخوها فمعها لن نهنأ في حياتنا لقد بلغت والدي عن حمل حنان و من ساعتها وهو مريض لقد تسببت له في كل ما حصل !

كان قلبه يعتصر يعتصر بشدة كان يبكي مثل الاطفال لا زال لا يصدق انها تفعل ذلك لا زال لا يصدق وتلك تبرر : والله الحقنة ليست سيئة والله لم ترد قتله فقط تأخير ان يقوم من مرقده هي تريدكم ان تقلقوا عليه اكثر ان لا يرجع للبيت بسرعة هكذا فقط لم تنوي قتله اقسم لكما لم تفعل !

حتى نزلت صفعة على خدها صفعة قهر منه اسكتتها اشار لأخاه ، قد وصلت ، اخرج واتركنا اريدها !

هز شعيب رأسه وتركها بين يديه قام من مكانه رفعها بقوة حتى استقامت جرها حتى دخل بها الى البيت في الداخل هناك اجلسها على كرسي بل رماها عليه حتى التوت من الالم واغمضت عيناها صارت تضع يدها على ظهرها وعلى بطنها و تمسح الدم من انفها تحاول ان ترتب شعرها ، تحولت نظرتها له من نظرة ترجي كما كانت في الخارج الى نظرة تحدي كان هناك قوة في عيناها حين رفع نظره لها صارت تضحك تضحك تضحك وهي ترى الدموع التي تجدمت على مقلتيه : لا تصدق لأنك تحبها ، انا ايضا احبها صارت تضحكك ملء ما فيها : انا مستعدة ان افعل كل شيء من اجلها وهي تستغلني تستغل هذا الحب الذي تراه الذي تشعره !

لم يرد ان يسمع اي شيء من هذا لم يرد ان يسمع اي قرف هو الذي يريد ان يضربها ويضربها ويضربها حتى يراها مفروما امام ناظريه : لما والدي !

مسحت فمها بظهر كفها وهي ترفع رأسها وذقنها في وجهه : لأنها تكرهه ، تدري أنت الوحيد الذي لم تكرهه زهرة في حياتها لا ادري ما سرك فلولا ما كانت تحبك لكانت الآن لي !

وهنا نزلت صفعة قاتلة على خدها صفعة علمت على عينها اغلقتها لها صفعة رنت بين كل الجدران و التوت منها رقبتها و تحرك منها شعرها وخرجت منها آهة عالية بسببها ،ودموع ذل ،وهي تعود بعينيها له تقول بحقد ، بوجه كوجه الشيطان انكمشت كل ملامحها : تدري هي مرة مرة واحدة سلبتُ لك فيها الجسد الذي تحب ، انظر الى عيني يا يحي تقول من بين اسنان مطبقة .. سلبتُ لك جسدها سلبتُ لك ثغرها سلبتُ لك روحها !

اغلق عيناه موتا كان يموت كان يُقهر كان يُدعس هي التي امسك لها رقبتها في مرة واحدة لواها لها حتى سمع طرقعتها بين يديه تركها جثة هامدة تخطاها تركها دعسها تركها للعم صبحي يحفر لها قبرا

وهو اي قبر سيلمه ، اي سلوى سيجدها قلبه ، خرج خرج ويا ليته خرج لآخرته ليته ما احبها ليته ما رآها ليته ما عرفها ليته ما دخل عليها ليته ما سماها الدفلى ولا زهرة ولا اي شيء من ذلك ، لقد قتلته لقد ذبحته لقد انهته ، ليس فقط حبا وايضا روحا ، تريد قتل ابوه ، وصلت بها لهذه الدرجة قتله ..وهو اين هو من خريطتها تخدعه تخونه قد مكنت هتان منها هي التي انكرت هي التي بكت و تعصبت و قالت كل كذب في وجهه كي تقنعه وها هي ذي سبحان الله هتان بشحمها ولحمها تخبره بما فعلتا لقد مكنت هتاااااااان من جسدها لقد نامت معها آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه كان القهر يلويه يكويه يسحقه كان يقود غائب الفكر غائب الوجد غائب في الحياة لقد وؤدت زهرة فيه شيئا عزيزا شيئا جميلا لقد وؤدت الطفولة و الشباب معها كان يبكي حقا يبكي حقا لا يصدق كل ما قيل كل ما حصل يا الله موجوع موجوع زوجته هو تفعل ذلك زوجته تعمل على تحطيمه و تحطيم عائلته لما لما لما يا زهرة لما ...صار يضرب على مقود السيارة حتى فُتحت له البوابات دخل مهدودا مكلوما لأول مرة ينهار بعد سنين لأول مرة تُبكيه امرأة من بعد موت غاليته ، لأول مرة يشعر انه مطعون من امرأة يا الله دمي يسيل يا الله يا الله خرج من سيارته يترنح لا يستطيع الوقوف هي التي كانت تراقب الشباك منذ اتصال هتان وهي قلقة هي مقهورة هي موجوعة منذ سمعت صوت شعيب على الهاتف صار جسدها يرقص رعبا رعشات متواصلة على عمودها الفقري صارت تبكي تبكي حتى احمر كل وجهها وصار كالوسادة رأته هناك على تلك الحال جرت رجلاها

صار هو يمشي يعبر البيت يعبر الممرات يبحث عن مكان يلجأ اليه مكان سيبكي فيه كما يريد ربما سينتحب ايضا مكان يبثه حزنه و يبثه قهره لما هو لما يحصل معه ما يحصل حتى دخل غرفته الغرفة التي اصبحت في كل وقت مقبرة له مقبرة احلامه مقبرة حبه ..مقبرة لعشقه لكل امرأة.. صار يكره هذه الحجرة صار يكره هذا البيت صار يريد ان يخرج عن كل مدارات الارض صار يريد المنفى صار يقف هناك عند الشرفة يعطي ظهره ينظر حوله وجهه مسود كتوم مكلوم في صدره حشود صبر حشود قهر حتى ارتمى عليه جسدها من خلفه كانت تبكي كانت تجهش بالبكاء تحتضنه من خلفه تحتضنه بقوة : لا تظلمني قبل ان تسمع يحيا ارجوك لا تظلمني قبل ان تسمع

لم يتحرك لم يلتفت هي التي تمرغ وجهها في ظهره منهارة تبكيه وتبكي دموعه تبكي وجهه الذي رأته.. تسحق خصره بقوة يديها التي تضمانه تجمعه الى صدرها تنتحب : يحيا ارجوك اسمعني قبلا ارجوك

: كل ما قالته لكم كذب كذب هي فقط تحاول ان توقع بيننا هي تكرهك لانك تحبني وتكرهك لأنني قلت لها انني احبك ارجوك يحيا ارجوووووك صدقني انا لم افعل شيئا يسيء لك اقسم لك اقسم صدقني يحيا صارت تمرغ وجهها في ظهره هو الباهت هو الميت هو الذي ما عاد يحس بشيء ..قد قتلته الدفلى قتلته بسُمها ..حتى دارت حوله تمسك وجهه بكفيها مصدومة من ملامحه تجهش باكية الدموع صارت انهارا على وجنتيها تقلب وجهه بين كفيها تصعد له على اطراف اصابعها تُقبّل وجهه تُقبّل شفتيه تهمس له بحب بشغف بوجع: يحي انا احبك احبك اقسم بالله لم افعل ما يسيء لك انا لم افعل شيئا هي تكذب تريد فقط ان تنتقم ارجوك يحي اسمع مني لا تصدقها انك تقتلني

ولكن كل شيء كان ضدها ، علاقتها مع هتان التي لم تنته ، تلاقيهما ، دفاعها عنها ، منذ الطفولة وحتى اليوم لا زالت تتصل بها ، قالت ان هتان تفعل لها اشياء انها تخدمها و هذه الخدمات هي عبارة عن جسد و موت ، الدفلى تريد قتل ابوه ، ابوه الذي رباها ، الذي ستر على امها ، الذي له اخوة مشتركين معها ، تقتل ابوه ابوه هو لما ، تريد قهرهم ، تريد ان تنهيهم ، هتان نامت معها هي التي تنكر ، تبكي لما تبكي ، تريد ان تثبت له انه رجل حياتها انها تحبه ولكن لما لم تقلها قبلا قد جاء اليها متلهفا قد كان مستعدا ان يصفح عن كل شيء واي شيء حتى لو نامت مع هتان كان سيغفره كان سيعتبره نزوة تجربة اي شيء يهز رجولته ، كان مستعدا ان ينجب منها اولاد ان يحبها ان يمنحها روحا هي تلك الصغيرة التي نال منها قبلة صادقة فقط عندما كانت في السابعة ومن بعدها كان كله كذبا كله نفاقا تغيرت الزهرة و اصبحت دفلى , وهي تحتضنه تغرق في حضنه هو المتجمد ابدا لا ينظر اليها لا يحس بها ، اين كل تلك المشاعر قبلا اين هي ، لما ترتمي عليه الآن، ألم تطلب الطلاق ألم تصر عليه ،، لما متناقضة هي الدفلى !!

 وهي تهمس بدموعها ترجوه بفقدان امل : يحيا يحيا ارجوك لا تسمع منها انها تكذب تكذب لانني رفضتها تريد ان تقلب علي الطاولة تريد تدميري ارجوك يا يحي ارجوووووك لا تسمع لها حتى سمعت منه تلك الكلمة الوحيدة تلك التي تقطع الحب و تمزق الوصال تلك التي تدمر روح و تعبث بالنفس خرجت من آتون نفسه ممزقة.. ممزقة جدا ..خرجت وراءها دمعة : زهرة أنتِ طالق !

شهقة رعب وهي ترفع كفيها الى فمها تفتح عينيها تصرخ فيه بملء فمها تصرخ دهرا تصرخ عشقا هي تحبه تعشقه وكانت تكابر طوال الوقت كانت تتلاعب به وبمشاعره كانت تشككه في نفسها ونفسه حتى ما عاد يحي هو يحي : لا لا انا لم افعل شيئا صارت تهزه من صدره حتى صارت قدماه تتحركا من ثباتها : أنتِ طالق !

مالت الى الارض تصرخ تنهمر الدموع كالأنهار تكتم صرخة قد قتل فيها الروح و الحب وكل شيء جميل حملته له يوما كان زواجا سريعا و طلاقا اسرع لا لا تصدق لا تصدق حتى تحركت قدماه من امامها تاركا اياها مرمية هناك على الارض قال بجمود قبل ان يخرج من الغرفة تاركا اياها فيها : ستسافرين الى اخاكَ وتبقين معه !

 

في مجلس آل أوس الذي كان جالسا وجهه مغموما لا زال مفجوعا في موت أمه ، لازال يلوم نفسه بل قتل نفسه من اللوم انه هو تسبب في كل ذلك ، قلب الدنيا على عائلته ، اعتدى عليه آل بن زكريا ، وها هم يجلسون امامهم يحملون مالا ، ورقا ثمن دم امه وكأنها باعوضة قتلوها و نشف دمها وجاؤوا كي يغسلوه ، ابوه يجلس في صدر المجلس و كذلك نفر لا بأس به من ابناء عمومته ، ينظر الى كل ذلك الجبروت  اليه ، الى من اصبح كبيرهم ، اخوهم الاكبر المسمى شعيب ، الرجل المعروف في كل البلاد بجبروته و قسوته وقوته ، بل هو يعرفهم ويعرفهم جيدا ايضا هو من عاشرهم في وقت كان صديقا لرؤوف ، ذاك الصديق الذي غدر به هو الآخر ، لقد غدر بصديقه يعلم ذلك تمام العلم ، قد دمر رؤوف و زواجه و عائلته يفهم ويعرف وقد نال جزاءه لقد اذلوه وايما ذل ورؤوف لم يغفر له ولن !

كان ينظر الى عمه الاكبر الذي هو الآخر جالسا يشرب القهوة ، القهوة المرة ، مرة مرار الايام ، دية .. امه قتلت بلا وجه حق .. طفل غر دخل عليهم وفرغ فيهم وهو عليه الآن ان يقبل ان يعيش ان تستمر الحياة وكأنها لم تكن وكأن كل ما حصل ما حصل هو فقط مال يعد و يلف و يوضع امامهم يدفعونه بدل روح امه و انتهى الامر ، هكذا هي ارواحهم رخيصة

حتى سمع شعيب يتحدث بكل جمود وكبر فاهتز صدره بنفثة انفه لا يصدق يا الله ما كل هذه العنجهية وكأنه يتمنن عليهم ان احضر لهم مالا وكأنهم يشحذون منه : يا عمي لقد احضرنا لكم دية المرحومة و بذلك نكون قد حقنا الدم و الشهود امام الله وامامكم الجميع الذين يجلسون في هذا المجلس الصغير قبل الكبير .. دفع بحقيبة المال امام وجوههم فتحها وظهرت تلك الرزم : ثلاثمائة الف دينار !

صار الجميع ينظر و الجميع يهمس و ابو أوس و ابنه متجهمان بشدة لا زال دم ام اوس لم يجف بعد وها هم يتقبلون ديتها والتي كان يجب ان تكون رأس ذاك الغر ياسين او احد اخوته ، الدم بالدم غير ذلك لا !

نظر الى عيني ابوه فرأى ما سره حتى رفع رأسه يتوجه بحقد كلماته : ارفع مالك امي ليس لها دية غير الروح !

غضن جبينه مصدوما مقهورا فهم قد اتفقوا ، الوسيط قد اخبرهم انهم سيقبلون الدية و سيجمعون العائلة للشهادة وها هم يضعونه في موقف اقل ما يقال عنه انه قلة قدر و قيمة و خديعة شيء عقابهم عليه في عرفه القتل ان يلحقهم بأمه و زوجته هما الاثنان هكذا امام عينيه لم يعد يحتمل النظر اليهما حتى وضع يده في جيبه سحب علبة السيجار اتكأ بظهره على الاريكة خلفه رفع حذائه في وجوههم دخن و اطلق دخانه في الفضاء بينهم كان وجهه يستفزهم يقتلهم هم من لم يقدروا بعد الآن على استقباله في مجلسهم حتى ضرب أوس كفيه ببعضهما لدينا شرط !

رفع لهم حاجبا ينظر حوله في ملل ثم ينظر الى كل الوجوه التفت ليرى وجه عمه سعيد المتجهم الذي لم يعجبه موقفهم مما حصل في النهاية ابنه من قتل وهم يطالبون بدمه !

كان يستفزهم بطريقة تدخينه اللامبالية وحذائه الذي في وجوههم : آهه . قل شرطك سيد أوس ، وي كأن زوجتك لم تفعل اي شيء في هذا الشأن ، ألم تكن هي البادئة ألم تنصب نفسها حكما و تخطف ابنتنا !!

خالها اخذ بثأر ابنة اخته ، لا يهم الطريقة المهم انتم من بدأ كامل الحكاية من بدايتها من اعتدائك على ابنة عمي والتي تستحق عليها رصاصتين في رأسك على الاقل !

اخذ يقدم رأسه وهو يسمع بمنتهى الجدية : أعتقد ان تلك الحادثة قد اخذ اخوها بثأرها مني ، تهمة مخدرات !

: اهه نعم وخرجت منها في النهاية مقابل ابنة بنت عمي .. انت المحقوق ومع ذلك تطالبنا بالدم .. ان كان احد يجب ان يسال دمه هنا في هذا المجلس فهو انت !

وقف اوس من مكانه غاضبا يصرخ به : من انت اصلا ، تجلس هنا تحكم وتتجبر لا وايضا تهاجم .. انت هنا كي تدفع الدية ونحن لم نقبلها نحن لدينا شرط وشرطنا امام كل القبائل وإلا فإن سنهدر دم الصغير فيكم !

رفع له ذات الحاجب الظاهر انه لا يعرف شعيب على حقيقته الذي مستعد ان يدوسه امامهم جميعا بلا اي ضمير ولكنه قرر ان يستمع : نعم قل فضفض علك ترتاح !

كان هو في قلب المجلس مستفز جدا يجد ان هذا المتعجرف يعامله كحشرة في وسط بيته : شرطنا هو ناجية !

رفع سعيد وجهه في وجه أوس الذي نظر اليه مباشرتا يفتح عينه فيه حتى اراد ان يقوم من مكانه غاضبا حتى امسك شعيب بذراعه يجلسه ينفخ السيجارة : ها ما بها ناجية !

وضع اوس يده في جيبي بنطاله يرفع ذقنه فيهم : تخرج من العدة و تعطونها لي !

كاد صدر سعيد ان ينفجر حتى سحق شعيب السيجار في حذاءه : نعطها لك بأي صفة !

نظر له نظرة محذرة نظرة شيطانية لن يجرؤ بعدها على قول اي شيء سيغضبه فهو مستعد هذه اللحظة بالذات ان يفجر رأس أوس و ليحصل ما يحصل : اتزوجها سنة ثم اطلقها .. هذا هو الشرط .. وانا اشهد الناس كل الناس هنا انه اذا حدث اي شيء لي حتى لو قرصتني باعوضة فأنا اتهمكم بقتلي !

وقف والدها يصرخ فيه : آ.. يابن الكلب

وقف شعيب بهيبته وسط المجلس يتوجه بكلامه بكل برود فيه : ماذا لو حجرتُ انا على ابنة عمي .. ماذا ستفعل ستأكل التراب و تصمت ، لا مال ولا دم وانت تعرف عندما تصل للدم ماذا سأفعل !

اخضر وجه اوس و اسود بقوة كيف لم يفكر في ذلك كيف لم يخطر على باله ان احد ابناء عمها قد يأخذها منه كيف !

ارتعد قلبه وجف حلقه رفع رأسه في عيني شعيب المتحدية بتلك النظرة الضاحكة !

وقف ابوه ووقف الجماعة من خلفه الكل ينظر لهم فيما يقررونه فيما سيقولونه حتى قال سعيد : ابنتي لن تخرج من بيتي سوى وهي موافقة عليك معززة مكرمة تأتي أنت اليها طالبا ..غير ذاك فليبقى الدم دما و لنرى ماذا ستفعل حينها !

خرج سعيد يرتدي حذاءه لحق به شعيب الذي القى نظرة توعد لمن هو واقف في منتصف المجلس يشعر انه قد اخذ بثأره منهم ، سيأخذها منهم و سيريها كيف تكون له عبدة لسنة ثم يطلقها لهم مثل الجارية !

حتى حين اختلى بأبوه الذي كان غاضبا منه جدا ، غاضبا لدرجة ان رفع كفه له و ضربه على خده بقوة كاد حتى ان يركله وهو يشده من عنقه : يا ابن الكلب سودت لي وجهي ، كنت اظن انك ستقول لن اقبل ثأر امي غير الدم غير الروح ولكنك تطلب مقابلها امرأة ، عليك اللعنة من بين الرجال فوالله تلك الساعة اردت انا ان ارميك برصاصة وليس هو ، رماه بكامل قوته عن وجهه تاركا اياه يتمرغ في حسرته .

 

خرج الاثنان يقود شعيب السيارة بعمه يقول له جديا ، نعم قد كان جديا حقا فيما يقول ان اراد عمه ان يحجر على ناجية سيفعل لا يضيره اي شيء ، هو رجل مقتدر باستطاعته التعديد ولا يضيره ذلك بما انه قد طلق تلك فلا بأس ان تزوج اخرى حتى لو كانت بأولادها رغم انه لا يحبذ ولكن نكاية بأوس مستعد ان يتزوجها: عمي اذا اردت اتزوجها انا !

التفت له سعيد مهموما : لا .. لن تفعل .. انا سأسألها ، هي على كل حال في العدة ثم سنرى ما قرارها ، لا اعرف ما سيكون موقف رؤوف ، ضرب كفيه ببعضهما : لا حول ولا قوة الا بالله والله ان كل شيء قد تشابك ببعضه لولاه لولا هذا الاوس ما كان ليحصل كل ذاك ، تدري مالذي سيفعله المؤيد حين يسمع ما شرط ذلك الامعة !.. سيقتله !

تنهد وهو ينفث انفاسه بقوة : عمي شاورها هي قبلا قبل ان تخبر العائلة بأي شيء ، اعطها فرصة للتفكير هذه الاشهر بعيدا عن اي ضغوطات ، ناجية امرأة قوية و ستتحمل نتائج قرارها !

ولكن يا عمي لا تنسى عرضي اخبرها ايضا عنه اذا ارادت الزواج بي فأنا سآتي لها خاطبا !

انزل عمه بجوار البيت ثم انطلق هو الى وجهته ، كان قد وقف هناك امام بيتهم ، كان الحي هاديء جدا لا يرى احدا نظر الى الاعلى الى مكان الشرفات ولا احد ولا اي خيال ، وضع كفه على صدغه فقط يراقب لا يعرف يريد ان ينزل ان يراها الشوق يقوده قودا لها يجره كحبل ملتف حول عنقه يخنقه يريدها والله يريدها ولكن لا يستطيع ان يغفر كل ما سلف لن يعتبره كأنه لم يكن ، يريد ان يعرف مع من فعلتها هذا فقط وهو سيعرف الباقي بطريقته ، حتى قرر و نزل طرق الجرس و انتظر حتى فتح الجنايني هناك اقبل عليه الشيخ معاذ الذي اشرق وجهه وكان فرحا جدا جدا يكاد يطير بوجود صهره في البيت مد يده للسلام والآخر مدها ايضا لم يظهر على وجهه اي شيء ضده لا كره ولا حقد ، رغم ما قال الصديق عن معاملة والده لها وعن انه سبب من اسباب ضياعها ولكنه الآن في سنه هذه ربما يعذره  !

دخل الاثنان الى المجلس الخارجي الخاص بالرجال تقابلا حتى قال الشيخ معاذ : نور البيت والله ، ضحك وهو يقول : البيت في الداخل زاحم بالنساء هناك بنات خالها عزالدين أتين للمساعدة في البيت ، هل تريد رؤية نجلاء !

كان مطرقا لرأسه طوال الوقت يغضن جبينه حتى رفعه في عيني عمه : نعم اريد رؤيتها !

قام الشيخ معاذ : سيجلبون لك الشاي

خرج وهو جلس على اعصابه لا يدري ماذا يقول لها وماذا يفعل معها ، قلبه بدأ يدق دقا عنيفا متواترا دقا لم يعرفه مع  امرأة قبلا ، اراد ان يهدأ انفاسه حتى رفع سيجارة الى شفتيه اشعلها في ظلمة كفيه ، عقله مشغول حتى دخلت عليه فتاة طويلة نحيفة فتح عينيه استغرابا ، كانت تلبس فستانا ضيقا الى ركبتيها فتظهر منها ساقيها البيضاوين الرقيقتين لم تكونا مثل ساقي النجلاء ولكن عودها كان حلوا جميلا متناسقا شعرها تجمعه فوق رأسها كان بصبغة رمادية جميلة تليق على ملامحها الحلوة وهو لا زال يحدق يفتح عينه وهي تحمل سفره عليها اكواب شاي تقدمت وهي تضع السفرة امامه ، لا يعرف لا يفهم مالذي تفعله هنا حتى رفعت نظرها في وجهه وهي تبتسم له تلاقت نظراتهما وهي تتقدم له وكأنها تسر له في نفسها بعينين مثل عيني الغزالة عسليتين جميلتين : لقد هربت بالشاي كي ارى زوج النجلاء !

رفع لها حاجبا يكاد ان يبتسم  حتى سمعت صوته فأغلقت عيناها مثل الدائخة : وهل اعجبكِ زوج النجلاء !

وضعت يدا على قلبها كأنها تموت ثم رفعت ابهاما موافقا حتى طأطأ يضحك عليها رفع السيجار الى شفتيه فيما اقتربت اكثر وهي تسحب السيجارة من يده وسط صدمته وهي تضعه بين شفتيها تهمس بعين جريئة : اريد ان اجربه !

لا يدري مالذي يحصل في هذه اللحظات حتى دخلت نجلاء رفعت رأسها للسماء وكأنها تدعو الله على تلك المجنونة : قطر الندى هل جننتي

نظرت تلك لها في فزع وهي تضحك وتضع يدا في وسطها : يا الهي كيف تتركين كل هذا و تبقين هنا !

احمر وجه نجلاء جدا منها حتى صارت تعض شفتيها قهرا وهي تنهرها اخرجي الآن والا ناديت خالي هيا اخرجي

خرجت تلك وهو المصدوم لكل ما حصل امامه فقط ينظر بدهشة وتلك اعادت السيجارة الى يده وهي تغمز له : ندى اخرجي نهرتها نجلاء بقوة هي التي كانت ترتدي ملابس الحجاب كاملة !

عندما خرجت توجهت له بانظارها تعتذر : اعذرها صغيرة و مندفعة متهورة قليلا !

رفع حاجبا يقول بهزء : قليلا ، ارى انني يجب علي ألا استغرب.. رفع حاجبه لها ..فالظاهر انهن كلهن متهورات مجنونات وليس وحدها !!

لا يدري كيف تحول اللقاء هكذا فتلك الفتاة غيرت شيئا فيه جعلت اللقاء اكثر سهولة و يسرا عما كان يتصور ..هي التي جلست بعيدة عنه تنظر الى الارض تقول ببحتها الجميلة بشفتيها التي يعشق : ابي يقول انك تريدني .. ارجو انك لم تندم على الطلاق !

هنا رفعت نظرة جانبية له هازئة منه ، لا تدري مشاعرها تجاهه قد تجمدت ، لم تخف حين قال لها والدها انه في الاسفل استقبلت الخبر ببساطة جدا لم يثر قلبها لم يفزع لم يدق دقا متواصلا يدفع الدم الى رأسها كلا كل هذا لم يحصل شيء في تلك الجوانح بها قد خبا.. حتى سمعته يقول : لما ترتدين الحجاب !

رفعت كتفيها بلا مبالاة : احب !

نفث انفاسه بقوة في وجهها يلوي شفتيه وهو يقوم ويقترب منها حتى جلس مقابلها ركبته تلاصق ركبتها انفاسه تتدافع عند حلقه متوتر : لقد قابلت من اعطيتني اسمه !

رفعت عيناها له في سرعة في وجل تفتح عيناها على وسعهما وهو يرى كل ذلك ..صار يحدق في داخل عينيها التي يحب يبحث عنه فيها.. عن لقمان.. هل لمعت عيناها.. هل حنت للماضي.. ولكن هناك كان لا شيء ، انها تخبأ مشاعرها بمهارة : انه ينكر !

خرجت حشرجة من حلقها تؤكد : لا جديد قد انكر سابقا !

رفع يداه الى شعره يسرحه الى ما خلف عنقه يزم شفتيه ويضغطهما على بعضهما البعض يرجوها في نبرة صوته : ليس لديكِ شيء آخر تقوليه !

تقابلت نظراتهما ، هو بنظرته المشتاقة التي تريدها ان تبوح بما حصل ان تقول مع من نامت وهو سيفكر سيعطي نفسه الوقت ليستوعب ، اما هي فنظرتها كانت الصدمة وكانت عيناها تترقرق لا تدري أتى الى هناك كي يعرف مع من نامت ايضا ، يظن انها كانت عاهرة نامت مع كل الرجال من يتخيل ومن لا يتخيل ،كيف يسمح لنفسه ان يأتي هنا ليخاطبها بهذا الشكل، كي يمعن في غرس ذاك السكين في قلبها في وسط روحها عضت شفتيها بقوة تكاد ان ترفع يدها الى فمها تغلقه كي لا تجهش باكية حتى قامت من مكانها هو الذي نظر لها يحفظ كل تفصيل فيها مدت يدها الى الباب : اخرج !

فتح فمه تلاقى حاجباه ثار صدره حتى قام امامها فأصبحت غارقة في جثته : هذا ما خرج معك تطردينني ! اخذ يضحك .. تطردينني انا !

كررت وهي جامحة غاضبة تصرخ فيه بكل قوتها : اخرج ولا تعد ولا تأتي مرة اخرى، انت طلقت وانا موافقة على الطلاق .. اي كلمة اخرى لن اقول وان كنت تظن انني فاجرة فليكن انا لن ابرر نفسي لك .. اخرج اذا سمحت ولا تعد !

اقترب كثيرا حتى ان حرارة جسده وصلتها قد الهبتها يميل الى رأسها هي الشامخة لا تخشى شيئا عيناها فيها تحدي وهو قد قبل التحدي حين لمعت عيناه في عينيها : تعلمين اذا اردتُ الآن ان انهي امر الطلاق و ارجعك الى عصمتي سأفعلها الآن !

مد يده بسرعة ازاح غطاء الرأس عنها و جعل شعرها ينسدل على كتفيها بنعومته وجماله هي التي فتحت عيناها رعبا تمد يدها الى رسغه توقفه عند حده : لا تفعل انا لم اعد اريد العودة اليك لقد انتهى كل شيء انتهى !

نظر الى يدها تلك التي توقفه وهي تكرر بانفاس حارة منتقمة في عينيها قولها : انا اكرهك !

خرجت الكلمة غريبة مقيتة صادقة لدرجة انها اخترقت روحه غضن جبينه بقوة ..عينيه في عينيها التي ما مالت ابدا كررتها على مسامعه : انا اكرهك .

ترفع ذقنها للأعلى تتحداه قد هبط قلبه قد هوى في لُجة سحيقة قد شحب وجهه شحبت ملامحه انزل يده عنها يبتعد يستقيم شرارات الكره والحقد كانت تخرج من جسدها سهاما تطلقها عليه بلا رحمة تكرهه وصلت لكرهه لم يرى تلك النظرات ابدا في عينيها حتى عندما تركها حتى عندما اوقعها عن ظهر الفرس كانت دائما تلين دائما ترجع دائما .. استقبلته بالاحضان يوما ،، اعتذرت منه يوما ،، لكن ما يراه الآن مزق فيه شيئا يرى الكره في عينيها وهي تكرر على مسامعه بحقد جلي : اخرج انا لا اريدك لا اريدك

تراجع في وقفته هو ان كان سيخضعها له سيفعل سيحملها من هنا مذلولة سيحملها و يخرج بها يجرها خلفه مثل الدابة مثل الجارية سيحملها و يرميها في البحر هكذا .. ولكن ليس بكل ذاك الحقد ولا ذاك الغل ..قلبه لم يحتمل هذا لم يتقبله تقهقر حتى جلس في مكانه لم يحتمل لما يشعر انه ضعيف مخذول هو من يتفقوق عليها في كل شيء في القوة و العنجهية في فرض ما يريد ولكن هذه اللحظة وهي تفصح عن كرهها بهذا الشكل المؤذي هو من جاء ليتبين الوضع هو ليس مخطأ في شيء ، هناك شك هناك غيرة هناك طعن نحن لسنا في عالم منفتح هنا حتى ابن الشوارع اذا لم يجد زوجته في ليلتها عذراء سيقتلها .. تلومه لما تلومه .. ليس خطأه ولا ذنبه هو مخدوع فيها وبها .. وهي لا زالت تبجح في قولها معه ..حتى مالت عليه يداها على جانبي الكرسي الذي يجلس عليه عيناها في عينيه الغائرة المصدومة الحزينة وعيناها التي تمقته انفاسها الحلوة تتلاعب بوجهه : انت اخترت ، انت تزوجتني بلا رغبتي ، قد كررت كلامي عليك اكثر من مرة ، قلت لك ، حذرتك مني ومما قد تراه علي ولكنك فقط فعلت ما تريده وما يريده جسدك ولقد نلت مبتغاك .. ضربت كفيها ببعضهما : اذن فلننهي هذه المهزلة انت في حال وانا في حال لأنك لن تهنأ معي وانا لن اهنأ وسط شكوكك ، مع كم رجل نمت مع كل رجال الأرض ليس مهما ليس لي على الاقل لم يعد !

رفعت اصبعها الى خده تهمس له مثل الأفعى بنفس النظرة التي رآها هناك تلك الليلة : الرجولة ليست ان تنبش في ماضيي، الرجولة أن تنظر الى حاضرك و تعرف ممن حملت اختي في بيتك .. من ابوك من اخوك من عمك .. هزت رأسها بالنفي لا اعرف لكن هذه هي الرجولة !

ارتفع صدره بقوة حتى امسك برقبتها يعتصرها بين يديه يعتصرها بشدة حتى انكمش وجهه وتعقد جبينه وانتفخ انفه هي التي لم تلين تقول له ان اردت قتلي اقتل افعلها حتى رماها بكل قوته على الارض و قام من مكانه هي التي تلوت على الارض لما فعل يقول بغل : قد قلتُ لأخاكِ ان كنتِ حاملًا سأرجعك ...تدرين ..قالها بأسى بالغ ..حتى لو حملتي لن ارجعك !

ضحكت بقوة : ابشرك انا لستُ حامل .. رفعت له حاجبا مغيظا عرف منه مقصدها حتى انقلب وجهه صار مسودا عاصفا مقهورا يحدجها بنظرات قاتله : تدرين .. انتِ طالق يا نجلاء .. طالق .. طااااالق !

هي المرمية على الارض شعرها التفت حول عنقها تراه يتركها و يخرج من المكان تاركا اثرا مميتا على نفسها اغمضت عيناها عضت شفتاها مالت الى الارض كالنائمة تضع كفا على الارض تهمس في نفسها : اذن هي النهاية يا زين هي النهاية !

 

في بيت عائلة رؤوف ، هو الحانق القانط الذي ما عاد يعرف كيف يتصرف مع عناد ناجية ، يشتاق لها يشتاق يحبها و يشتاق لأولاده لن يحتمل ان يراهم مرة كل اسبوع او على مرات متفرقة لن يحتمل ذلك لن يحتمل ، يريد ان تعود الحياة بينهما كما سبق اسرة واحدة .. كان ينتوي ان يترك البيت ويستقل

وهو جالس هكذا اقبلت عليه اخته التي جلست قبالته تحمل في يدها فنجان قهوة كانت تشرب و تحدجه بنظراتها ، هو اصلا حتى لم يصدق رجوع مارن الى البيت ، لا زال غاضبا جدا ، كيف ترجع بعد الفضائح وما فعلته بهم كيف !

كان يتلوى من غيظه وهو يتجنب النظر اليها صارا كل في عالم حتى تركت الفنجان من يدها : انني اتعاطف معك حقيقة افعل !

نظر لها بنصف عين يلوي شفته : تتعاطفين , شكرا لتعاطفك ولكن امطريني بصمتك افضل فأنا حتى اللحظة لا ادري مالذي جاء بكِ

رفعت له حاجبا غير مكترث : ارجعني خطط امك !

نظر مليا اليها متسائلا : ماذا تعنين ! اي خطط !

لعقت شفتيها وهي تضع ساق فوق ساق: تريد تزويجي من اخو طليقتك !

فتح عينيه غضبا : ماذا !

اشارت له باصبعها :حتى ترى لأي درجة قد تصل امك هي لا يهمها حياتنا هي فقط تريد المال بأي طريقة !

مالت عليه تغمض عيناها مواسية له : لولاها ما كانت حياتك مدمرة الآن ، انت تسمع لها هذه مشكلتك تسمع منها ، هي امك نعم ولكن جعلتها تتدخل لدرجة غريبة في كل تفاصيل حياتك ، تدخلت في العلاقة بينك وبين زوجتك ، تركتها تقتحم عليك بيتك ، تذكر اول زواجك ماذا كانت تفعل .. نظر اليها في غضب كيف لا يذكر .. كانت تأتي و تدق على الباب ليلا نهارا في كل الاوقات لم تتركه يهنأ مع ناجية حتى في غضبته نزع الباب من مكانه وجعل البيت مفتوحا لها على مصراعيه وهو يلقي بالباب من الاعلى حتى ارتطم بارضية الحاجر

التقط انفاسه بقوة لا يدري كل شيء فوضى حتى قالت له تفجعه : ربما لا تدري ان امك تنازلت عن الارض عند البحر لخالك كي يخرجك من السجن

وقف شاحبا مصفرا : ماذا .. خرجت عالية صارخا في كل البيت حتى سمعته امه التي جاءت على اثر صوته تنظر اليه في فجع : ماذا ماذا حصل

اقترب منها مغتاظا وجهه محمرا لا يكاد يسيطر على انفعالاته يكاد يبكي لكل ما يحصل : كيف كيف فعلتي ذلك كيف اعطيتي خالي الارض كييييييييف كان يصرخ يصرخ : ارض بالملايين تعطينها له هكذا كيف لما اااااا

كان صوته الغليظ يقرع ابواب و جدران و يهد و يحطم كانت هذه القشة التي تقسمه .. هي تنظر و تستنكر وتنظر الى مارن بقسوة تتوعدها في سرها بنظراتها اما هو فقد جن جنونه .. يا الله امه امه .. لا يريد ان يصرخ في وجهها لا يريد ان يتطاول عليها بالكلام : كيف كيف لمااااا من اجل ماذا

كانت تقف هناك تلوم نفسها تريد ان تبرر : لقد وعد ان يخرجك من السجن لم يكن امامي اي طريق آخر .. امسكت بذراعه بقوة تلفه لها هو الذي ما عاد قادرا ان ينظر الى وجهها بعد ان دمرت كل شيء فيه : لقد وعد ان ينتقم لنا من عائلة بن زكريا

صرخ فيها حتى تناثر رذاذ فمه يهتاج بيده وجسده : وهل ارتحتي الآن هل انتقمتي منهم .. لم تنالي شيئا لا شيئ سوى انكِ قد خسرتنا الملايين بسبب غباءك

نزلت الصفعة على خده قوية غاضبة ترفع في يده اصبعا محذرا : آخر مرة ترفع صوتك علي

صار يدور حول نفسه وهي التفتت الى ابنتها التي اخبرته حتى هجمت عليها تضربها على ظهرها بقوة تفرغ غلها فيها تشد شعرها : كله منكِ يا بنت الكلب كله منكِ من قال لكِ ان تتدخلي من قال لكِ تكلمي

كانت تحتمل كل ما تفعله امها تغمض عيناها بوهن : اتركيني انا لست ُ صغيرة حتى تعامليني هذه المعاملة .. شدت يد امها بقوة اتركيني

صارالثلاثة في مواجهة بعضهم تنظر اليهما الى ابنها وابنتها اللذان ثارا عليها : هل هذا جزائي , جزاء وحدتي وتربيتي لكما بلا رجل بلا سند ، جزائي ان تصرخا في وجهي

وضع يده في خصره يريد ان يفهمها ما تفعل : امي انتِ تتدخلين في كل شيء ، لقد دمرتي لي حياتي ، انتهت اسرتي بسببك !

كانت مخذولة مقهورة مطعونة وهي تضع اصبعا على صدرها : انا ؟!! بسببي انا !!

وكأنك لم ترى صديقك معها ، وكأنها لم تدخله البيت في غيابك وكأنها لم تعشقه

صرخ فيها : كفى كفى ناجية لم تعشقه لم تفعل هي كانت تدافع عن نفسها هو من اعتدى عليها انا عرفت كل شيء في السجن

قال بعينيه المفتوحتين يتوعد : انا لن ابقى لكِ في البيت سأخرج منه وسأحاول ان ارجع ناجية والاولاد وانتِ اشبعي بالبيت !

خرج غاضبا يلبس حذائه ويخرج من البيت يغلقه بقوة صمّت لهن آذانهن وهي وقفت في مواجهة ابنتها التي تنقم عليها : اعجبك الآن ما حصل اعجبك ، حسبي الله ونعم الوكيل بكِ ، يا ليتني ما ارجعتك للبيت ياليت !

التفتت على عقبيها ترتدي حجابها تحمل في يدها حقيبتها تخرج تركب سيارتها وتنطلق بها الى بيت ناجية !

اما هو فقد انطلق الى بيت خاله كان يدقه بكل غل في نفسه ، كيف ضحك على امه هكذا بلا اي مقابل ,, الارض كلها كلها هكتارات على البحر هكذا تذهب في غمضة عين بلا اي شيء .. خاله الذي كان متكأ ينام على الاريكة وهو ينظر الى التلفاز صار يجري حتى فتح الباب قد كان مفجوعا ولكن من كان في وجهه لم يعد يحتمل وهو يصرخ فيه : قد ضحكت على امي واخذت الأرض لما يا خالي لما

عدل الآخر من طاقيته فقد كان مصفرا لا يستوعب وجه ابن اخته الذي ان دل على شيء يدل على رغبته في قتله ، تلعثم : كان عقدا وقد تم امك تنازلت بكامل رغبتها هي من عرضت علي الارض ولست انا من طلبها

دخل رؤوف الذي حقا كان منهارا ، نفسيته كانت محطمة ، كل شيء ضده كل شيء دمار شامل جلس على درجة قريبة يضع وجهه بين يديه يبكي لم يعد يحتمل كل هذا الضغط صار ينشج بالبكاء يهتز جسده وخاله ينظر له في عجب و خوف حتى جلس بجانبه : ارجع لنا الارض او نتقاسمها حسب الشرع او نرجع ثانيتا للمحاكم !

غضن خاله جبينه تلوى وجهه و ظهر المكر عليه : ومالذي سيجعلني افعل ما تقول !

نظر بحقد في وجه خاله : خالي لا تجنني اريد حق امي في الارض اريد ان استثمرها !

تبرم خاله في وجهه لا يعجبه ما يقول : انا لم اضحك عليها هي اعطتها من خاطرها

انفعل رؤوف الذي صرخ بعصبية : ولكنك لم تفعل لها شيئا لم تفعل لي شيئا .. هكذا ارض لله في لله تضيع من بين ايدينا لك ولما ماذا ستفعل انت بها !

قام خاله واقفا : لا دخل لك فيما سأفعل بها ربما سأبيعها لجهة عسكرية استثمارية لا ادري هناك جماعة من الجيش يريدون الارض !

انتفخ صدر رؤوف كمدا وهو يقف في مواجهة خاله : خالي لا تستفزني ان بعت هذه الارض فاعتبر ان بيني وبينك ثأرا دما موتا لن اسكت لك على ما ستفعل !

رد خاله بعنجهية و كبر : هيا هيا اخرج ولا تريني وجهك مرة اخرى ان كان لك حق عندي فاذهب للمحاكم غير ذلك لا شيء !

هز رأسه كثيرا جدا ، هو يعرف تماما بمن يستعين كي يحصل على الارض مجددا توعد خاله بنظراته ثم خرج طابقا الباب خلفه ينوي لخاله الشر !

 

 

 

المانيا

في ذاك الصباح التي استيقظ فيه كلاهما وفي قلبه امل ، في قلبه شغف للحياة ، كل شيء بدا سهلا بدا ميسرا ، علاقتهما تحسنت على الاقل نفسيته قد انفرجت عما كانت عليه من هم وغم صار يتحدث معها وصارت تحبه اكثر

كانت جانبه على السرير و الشمس تخترق الستائر قامت متكأة على ذراع تنظر الى وجهه هو الذي كان يغلق عينا و يفتح اخرى رفع ذراعا وضعها على عينيه يحجب عنه ضوء الشمس متبرما : أخ يا الهي الا يوجد ستائر اثقل من هذه لا استطيع النوم في ظل كل تلك الاضاءة !

كانت قد رفعت اصبعها وصارت تمرره بحب فوق شفتيه ثم فوق حاجبيه تبتسم في وجهه : تدري لون عيناك يصبح فاتحا جدا في الشمس .

نظر اليها وفي عينيه رحمة بها : لا ادري هل مزاجك دائما رائق !

كانت تهمس عند شفتيه وهي تقبله : فقط حين اراك جانبي اروق هكذا تشرق الدنيا في عيني .

سحبها حتى صارت فوقه تعالي اقتربي اقتربت حتى احتضنته بين يديها كان مرتاحا ، مرتاحا جدا ، وجودها في حضنه هو متعة الحياة هو عشق هو قوة ، نعم هي تمنحه القوة تمده بالعزم والى كل ما يحتاج في هذه الدنيا ، لزمن طويل اكتفى بها و اكتفت به في عالم لهما وحدهما كانت تغمره كالطفل في احضانها الدافئة ، كان في المجدلية عطف و حنان كبيرين لم تمنحهما يوما لأحد سواه حتى قابلت نظراته : تظن اننا سنقدر ان ننجب !

صارت تداعب انفه : طفل يشبهك جميل مثلك

التقط انفاسه هو يحب هو يرغب ان يكون له ابن منها ولكن لسنين طويلة لم ينجبا لسنين طويلة لم يحاولا شعوره مكتوم من تلك الناحية : ما رأيك ان نذهب الى عيادة اخصاب لنرى !

كان يلثم شفتيها برقة ينظر الى كل ملمح من ملامحها رغم ما وصلاه معا من سن إلا انها لا زالت في عينيه تلك الطفلة التي اخذها من كل العالم و انزوى بها في تلك العتمة ، قد ضيع لها عمرا كان من الممكن ان تكون فيه اما منذ زمن بعيد كان ليكون بينهما ولد او بنت او دزينة اولاد ولكنه كان يرفض و اعماله كانت في الوسط حتى هرب العمر من بين يديهما : سنسأل ونذهب لنرى حالتنا .. حسنا .. كان يدفع الشعر بعيدا عن وجهها هي التي كانت تنظر له هائمة تعض شفتيها : ما رأيك ان نحاول معا اولا ، كانت تنهال على وجهه بالقبل هو الذي لم يمنعها بل انسجم معها ، سيهبها كل ما تريد الحياة و الاطفال وكل زينة الدنيا !

حتى عندما ذهبا للعيادة و صار هو تحت التدريب ذهبت هي الى مقهى مقابل للعيادة جلست هناك تداعب بيدها عنقها تستشعر كل انفاسه كل قبلاته كل الحب الذي وهبه لها وكأنها قد فعلتها معه حالا ليس وكأنما قد مر زمن على الزواج الذي مر بعقباب كثيرة ، عقبات كادت ان تنهيه ان تفصلهما كانت سعيدة متوهجة عيناها تلمعان حتى وقع عليها ظلا طويلا رفعت عيناها له ابتسم في وجهها وهو يسأل بلطف : ممكن اقعد .. المقهى مليان ناس وما في مكان !

قلبها دق بقوة هي لا تحبذ ان يجلس اي احد معها على اي طاولة في اي مكان ولكنها نظرت حولها فوجدت ان كل الطاولات قد شغلت وان هناك من يتناول طعام الفطور ، قبلت على مضض : تفضل ..

فك زر جاكيته و جلس بكامل هيبته في المكان ارخى عن عينيه النظارة الشمسية وهي تنظر اليه عن كثب حتى قالت : هل انت الممثل اللبناني طوني عيسى !

غضن جبينه ثم بانت اسنانه ضاحكا : انا بشبهو لتوني .. اي كتير منيح !

جاءت النادلة وقدمت له الفطور الكثير الذي طلبه مع كؤوس العصير و القهوة هي التي غضنت جبينها بلطافة : ما كل هذا !

نظر الى عينيها مليا معجبا : قلت بما اني راح اقعد مع اي حدا فلازم اعزموا معي عالفطور بتمنى كون ما ازعجتك !

حركت حاجبا و اغمضت عيناها قليلا تؤكد : تفضل افعل ما ترغب المكان ليس ملكا لي !

هي التي رفعت هاتفها لا تريد ان تطيل الحديث لاكثر من ذلك ، رغم هجوم عطره المميز على انفها و دفيء غريب يتسلل من جسده و اناقته و جماله ، فتحت هاتفها وصارت تقلب في مواقع التواصل ..هو الذي بدأ يأكل طعامه بكل هدوء و اتيكيت حتى رفع عينه فيها : تفضلي كلي انا طلبت النا احنا الجوز .. بعدين انتِ شو عم تساوي هون بألمانيا ,, والله اول ما شفتك قلت هيدي عربية ..

رفعت رأسها و تهدل معه شعرها كانت جميلة جدا وهي تلف شالا خفيفا حول عنقها و ترتدي بلوزة تضع اطرافها داخل البنطال الجينز الذي ترتديه طويلة الاكمام ذات لون اخضر جميل كما لون الظل الخفيف الذي تضعه فوق عينيها و داخلها.. اضافت عمقا الى صغرهما : انا مع زوجي من اجل العلاج !

تركت الهاتف من يدها وصارت تأكل معه قليلا.. همهم : اي هون بهالعيادة !

هزت رأسها موافقة ، لفتها شعره الاسود الناعم الذي يسرحه وهو يلمع هكذا : ما اسمك !

سألته وهي تشرب من العصير .. اهتز صدره ضحكا : اسمي توني !

فتحت عيناها على وسعهما وهي تبتسم : لم اكن مخطأة

هز كتفيه : لا مو كتير الاسم عنا كتير شائع يعني ما تستغربي انو في كل مكان تسمعيه ، وانتي شو اسمك !

اتكأت اخيرا على كرسيها وهي ترفع ساعدها وتنظر الى ساعتها : مجدلية .

هز رأسه معجبا : اسم جميل .. ع شو ..ع  ماريا المجدلية يعني !

هزت رأسها موافقة : تماما .

ابتلعت ريقها وهي تقم تستأذن : تشرفت بمعرفتك يا طوني ولكن يجب ان اذهب موعد خروج زوجي !

مد يده يودعها هي التي ترددت كثيرا ولكنها لم ترد احراجه فوضعت اصابعها الرقيقة للمحة بين يديه هو الذي شد على الاصابع بقوة حتى رفعت عيناها في دهشة الى عينيه الغاوية : بتمنى شوفك مرة تانيي يا ماريا !

قرع قلبها على اعتاب صدرها اربكها حتى احمر وجهها ، اعطته نظرة اخيرة و خرجت تجر قدماها لا تدري رعشة تملكت كيانها وهي تلتفت لمرة اخيرة رأته ينظر اليها من خلال الزجاج بنظرة غريبة .

 

أما عنه هو المهدود الذي وصل الى الشقة هناك فتح الباب ، كان ساخنا ، ساخنا جدا ، جسده يغلي ، مريض ، لا يكاد يفتح عينه ، صار جسده يرتعش مترنحا كأنه وسط المحيط بالكاد وصل الى الفراش ارتمى بقوة حتى بدون ان يخلع حذائه ، لم يكن به حيل لأي شيء ، روحه تبكي ، والعمر قد مر ، نعم العمر يتسرب من بين يديه هو يدرك ، هو يعلم ، عمرا كاملا قد ضاع فيما لا يعلم ,, في الانتظار ,, ينتظر ان يراها ,, ان يحبها ,, قد ظهرت و رآها و احبها .. كل الوجوه صارت تعبر رأسه من .. زهرة الصغيرة .. سكينة الجميلة .. ديالا الرقيقة .. غالية الحبيبة العشيقة .. وكل العمر راح هكذا هباءا !

رأسه يدور يدور بقوة و جسده لا زال يشتعل كأنه فوق بركان حام كأن فوهة هذا البركان تقذفه مع ما تقذف من حمم ، ينصهر ، يذوب ، يموت ، قد قتلت الدفلى فيه شيئا عزيزا ، شيئا غاليا ، شيئا لا يفسر بقلب ولا روح ، شيء هناك يقبع فيما خلف الحياة فيما وراء الموت ، حتى توقف الزمن في البرزخ لا يكفي !

كل الطرق مسلوبة ، منهوبة ، كل الطرقات معقدة ، طريقه ليس طريق النحل ، قد ضاع في اللاشيء ، مهاترات ابناء عمه ، كان سيرتاح اخيرا ، سيتخذ لنفسه زوجة سيعيش معها سيحبها ، يحبها هو يحب سكينة ولكن اخوتها اصبحوا حاجزا بينهما ,, انتهى وقت زهرة انتهى بقتلها اياه انتهى ما عاد سيعود ، طريق ديالا وعر صعب ليس طريق عبث ، هو طريق عودة ، عودة الروح اليه ,,

كان يأن ، كان يهذي ، صدره ضيق حرج لا يستطيع التنفس جسده يتعرق بقوة قطرات العرق تتسرب من جبينه الى جانبي وجهه ، تتسرب من مسام جسده بالكامل تبلل السرير ، ربما تغسله ، تغسل روح يحي التي غابت ، كل الجسد كان خائرا ماعاد فيه قوة ما عاد فيه احساسا

عيناه اغمضتا عن كل شيء كل شيء ما عاد يقدر ان يفتحها في اي شيء غارقا في الظلمة و الحمى التي اجتاحته بكل قوة ، حتى الدموع صارت تتسرب من بين اهدابه ، دموع الوهن و القهر تخرج بلا رادع هو هنا حر في مرضه حر في موته حر سيبكي نعم يفعل لقد ابكته كل النساء ، كل امرأة قد اورثته هما ، اورثته حزنا ، اورثته موتا ، اورثته ذبحة صدرية

يحيا يحيا

صوت بعيد بعيد جدا يناديه في العتمة .. يحيا يحيا .. صوت بكاء ..

همس .. حوار .. اصوات تتردد .. صدى .. شهقات .. و قرب مخيف دافيء جميل .. قرب مألوف .. قرب يعرفه يشمه يعشقه .. يحيا يحيا .. صار جسده يرتعش بشده بشدة كثيرا صار ينتفض ينتفض كان يذوب والدموع تغسله .. يحيا يحيا .. برودة على جبينه و دفيء فوق جسده ولا زال ينتفض غرق يحيا وما عاد يدري ما يجري حوله .. اظلم عليه الليل اظلم جدا ولا زال في غيه يتخبط لا زال في عتمته يرقد .. يسكن .. العتمة اجمل .. العتمة افضل .. العتمة حياة اخرى .. ألّا وعي ..الاحلام كل شيء يعيشه في الجانب الآخر .. في الموتة الصغرى .. دفي ء يد و انفاس غارقة جسد يستلقي بجانبه نشيج يخترق اذنه عطر عطر عطر يا الله لكم يشتاقه لكم يحبه .. اذا كنت سأجدك هنا فأنا موافق انا اريد ان اعيش في العتمة ..

نام يحيا لليلتين يتقلب في احلامه يتقلب في مرضه وهناك في الجانب الآخر قد بدأ الاحتفال بيوم الحنة يوم حنة شقيقته

صباح يوم الحنة قد بدأ يفتح عينيه ، جسده ثقيل جدا ، عيناه ضبابيتان ، اطرافه متنملة من كثرة ما رقد على جنب واحد ، صار يتحرك فتح عينه بقوة لا يعلم عن الزمن لا يدري مالذي حصل له ، لا يعلم عن مرضه ولا عن الحمى ، كل شيء كان ضبابيا كل شيء ..

رفع ظهره حتى اتكأ على السرير يلمس المفارش حوله غطاء فوقه صار يلمسه ، يرتدي بجامة نوم !

غضن جبينه .. نظر مليا حوله .. تدور عيناه في كامل الغرفة .. يذكر قد جاء بكامل ملابسه نام حتى بحذائه .. ولكن هناك الملابس معلقة و الحذاء لا يراه .. استقام في جلسته ورأسه دائخ .. دائخ جدا .. وقف فترنح ثم سقط ثانيتا على السرير جسده ضعيف ضعيف .. التقط نفسا قويا وضع ساقيه ثانيتا على الارض ثم قام صار يمشي بتؤدة يريد ان يلتقط شيئا ، صوتا ، خيالا ، جسدا ، من يعرف انه هنا ، من بدل له ملابسه ، اخذ يدور في الشقة حتى وصل المطبخ وهناك طنجرة فتحها فوجد فيها شربة ساخنة .. غضن جبينه اكثر وضاقت عيناه لا يفهم ، صار يدور حوله يدور يدور لا يفهم .. فتح كل الابواب لا احد .. عاد الى الغرفة وهناك وجد شيئا .. وجد بجانب السرير صحن غميق به ماء و قطعة قماش .. وجد علبة دواء للحرارة .. رفعها عند عينه وقلبه يخفق يخفق بقوة حتى جلس على السرير يضع وجهه بين كفيه يرفع العلبة الى انفه يشمها اغلق عينه بشدة بحدة بقهر حتى دمعت عيناه وضع يده على صدره وكأن صاعقة قد مرت عليه تضرب تضرب تهتك تمزق شيئا غريبا يحدث في جسده ورائحة غريبة تعبر انفه تصل لحلقه تحيي رئته تعود بها روحه .. وضع يده فوق رأسه يغرس اصابعه بقوة في جمجمته يكاد يختنق : الى اين يا عقلي الى ايييييييين !

مرت الساعات وهو يستلقي ينظر للسقف وما وراء السقف كأن السماء قد انفتحت له يرى كل شيء فيما خلف الجدران المصمتة ، العودة للوراء ، يرتاح ارتاح جسده لكن هل يستطيع ان يقود سيارته ، هاتفه ، لا يراه قام يفتش عنه في ملابسه ولم يجده ، ربما في سيارته التي في الاسفل لا يذكر .. اخذ يرتدي ملابسه على مهل يشعر بالجوع و ريقه جاف لا زال طعم الدواء في حلقه .. لبس حذائه الذي كان عند الباب الخارجي دخل الى المطبخ و سكب له من تلك الشربة وصار يبتلع ما تيسر منها لا زالت حارة لا يفهم كل ما حصل لقد كان غارقا وفي غرقه حصل شيء ما !

انتهى وغسل صحنه والقاه هناك ووضع يده على حوض الغسيل كل وجهه كان مشدوها كان في عالم آخر .. جرجر خطواته و خرج من الشقة اغلق بابها و نزل الى سيارته هناك فتش عن هاتفه ولم يجده ليس هنا .. انتفض صدره بقوة هو متأكد ان هاتفه كان معه في الاعلى في الشقة في جيب بنطاله ولكنه لم يعد هناك !

امسك بمقود السيارة و اشغلها وسار بها على مهله حتى وصل بيت اهله ، هناك كانت البوابات مفتوحة على مصراعيها ، سيارات كثيرة جدا ، رجال في كل مكان ، زينة ، اضاءه ، حتى رأى وجوها تهرول له في فزع اعمامه و اخوه و حتى ابناء عمه الجميع كان هناك يركض باتجاهه هو الغائب بفكره لا يدري حتى كيف وصل الى هنا اطفأ المحرك و فتح اخاه الباب بلهفة وهو يضمه الى صدره يكاد ينتحب : اللعنة اين كنت قد اتصلنا بك و بحثت عنك ولم اجدك !

كان يرى وجوه الآخرين له كل قلق عليه ابتسم بوهن واخوه يلمس جبينه : تبا انك حار !

تقدم منه آيدين الذي بلغ عنده الهم و الغم مبلغه ، لم يعتقدوا ابدا انه في تلك الشقة اتكأ عليه وهو يدخل به الى البيت كان يقول له يوقفه : آيدين انا بخير سادخل اتحمم و ابدل ثيابي و اخرج لا تكتبوا الكتاب قبل ان احضر !

نظر له ببؤس لا يعرف مالذي حصل له ولكن شحوب وجهه و الحزن العميق في عينيه شيء يقهر شيء لا يفسر شيء يوجعه عليه .. كان الداخل مليء بالنساء .. كل بنات اعمامه وحتى زهرة كانت هناك ، كانت ترقص فوق اللهب ، كانت في كل دقيقة تنتظره تريد عودته تريد افهامه تريد ان تقول له كل ما يلزم ان يقال ستبوح له ستجعله يفهمها ، تريد له العودة .. صمت الجميع وهو الذي لم يكن ينظر لشيء سوى لطريقه الى غرفته هناك لحقت به اخته التي كانت متزينة و ترتدي الملابس الوردية لحقت به وهي تبكي يسمع خطواتها خلفه حتى التفت عليها هي التي ارتمت على صدره غمرها في احضانه كانت تجهش بالبكاء : كنت خائفة ألا تحضر ، كنت خائفة الا ترجع يا الله لقد قتلت قلبي قتلته .. كان يربت على ظهرها بحنيه يهمس لها من بين وجعه : لو كنت اعرف انني سأغيب ليومين ما كنت غادرت و اقلقتك في يوم مهم لكِ .. قبل خدها .. ورفع اصابعه يربت عليها ويمسح دموعها : اذهبي واستقبلي ضيوفك فالفرح يا صبا يأتي في العمر مرة !

بكاء صبا صار صعبا ، تريد ان تبوح ، تريد ان تقول انه ليس فرحا انها قد قُتلت ، انها قد احبت شخصا آخر ، رجل قد جاء متأخرا جدا ، رجل قد التهم روحها وضمها الى روحه ، رجل يجلس في الخارج ينتظر ان يزفونها الى رجل غيره ، لما يحصل معنا ذاك يا يحي لما .. تحركت من مكانها هو الذي صار ينظر الى ظهرها يشعر بالذنب الشديد انهم يقتلون اختهم  حية انهم يفعلون .. الزواج ممن لا ترغب هو سجن مؤبد هو موت بطيء هو يعرف ذلك يعرفه !

تنهد و انقلب على عقبيه الى غرفته الخالية هناك صار ينظر حوله ، اهتز صدره بضحكة .. الن يغير هذه الغرفة ابدا أستصبح غرفة عازب الى الابد !

ذهب الى حمامه و صار يتحمم على مهل بماء فاتر غمر جسده الراحة و الهدوء ولكن تلك الانفاس لا زالت تغزوه لا زالت تمحوه لا يفهم لم يعد يفهم شيئا في دنياه في فوضى حياته ..

لف منشفة حول خصره وخرج وهناك وجد على السرير جسد صغير آخر ، عينا اخرى تبكي وتنتحب ، خلقة جميلة سبحان من سواها تجلس بفستان ابيض بنقوش ذهبية فستان فخم بلا اكمام يضغط فقط على نهديها يفصل جيدها حتى منتصف ساقيها وذلك الحذاء الأبيض المفتوح و شعرها في تسريحة و التفافات جميلة حول وجهها و تسقط حتى صدرها و حليها و زينة وجهها بدت كعروس لذيذة منتهية الرقة و الجمال بشعرها النحاسي الذي يعشق ابتسم وهي التي كانت تنظر له تعض شفتاها ترفع اصابعها الرقيقة الى فمها تغلقه عن بكاءها حتى جلس جانبها هي التي انهارت باكية انهارت كثيرا حتى اهتز جسدها من البكاء : لقد مت لم اعرف ماذا حصل لك اتصل بك ولا ترد اصبح هاتفك مغلقا ان لم  تعد كنتُ سأقتل نفسي

صار عطرها يضرب انفاسه وهو ينظر الى جانب وجهها الباكي : شششش سكنية لا تفسدي زينتك .. يا الله كم تبدين جميلة !

 

جلس جانبها لا يفعل شيئا سوى النظر اليها يبتسم الى نفسه لا يعرف لما يشعر دائما بالهدوء و السكينة معها ، يشعر انه يريد ان يكون رقيقا بحجم رقتها ، ان يكون جميلا معها بقدر جمالها الذي وهبته كله له ، التفتت الى وجهه تفتش فيه في كل ملمح منه تقرص شفتيها وسط دموعها التي جعلت عيناها تلمع : يحي إنك تذيب قلبي ، انا لم اعد احتمل ان اكون بعيدة عنك ، اريد حلا لحالتي هذه ما عدت قادرة لا ادري ربما تعتبرني مندفعة ربما اضايقك لا اعرف ولكن .. صارت تشير الى عمق صدرها مرتبكة يداها ترتعشان مع رعشة شفتها : انا اموت في بعدك !

رفعت يدها الى وجهه تداعب لحيته تهمس له بعين مقنعة : دعنا نهرب !

صار يضحك على جنونها التقط نفسا عميقا : سكينة انا لست صغيرا كي اهرب ، لن يهرب احد لا انا ولا انتِ فهمتِ ، اريدك ان تستوعبي الذي لم تستوعبيه حتى الآن معي ، انا عالجت امري وامرك ولن يقف احد في طريقي ، انا اخذت القرار و كلمة هروب لا اريد ان اسمعها مرة اخرى انتِ لن تخرجي من بيت ابوكِ سوى معززة و كرمة ولن تخرجي منه بسمعة سيئة ولو بيننا .. انتي صغيرة يا سكينة و مندفعة و تريدين كل شيء بسرعة وهذا ليس شيئا صحيحا لابد ان تتروي في قراراتك قليلا .. انظري قرار بقائك معي مالذي جنيته منه !

نفخ صدره و نفث انفاسه بقوة من بين شفتيه وهو يرفع خصلة عن وجهها الدامع و نظراتها الحلوة التي يعشقها همس لها يجذبها الى ساقيه تعالي

حتى جلست فوق فخذيه تلف يديها حول عنقه تضع رأسها خلف رأسه تتنهد بقوة و بحب هو هذا مكانها المكان المناسب لها كي تقضي فيه كل حياتها هي الآن مستعدة أن تفتح صدرها و تخرج قلبها و تعطه له تسلمه له يضعه اينما شاء في حياته على الرف على طاولة على قلبه لا تعرف المهم ان قلبه صار له من دون البشر صارت تبتسم عند اذنه : تذكر اول مرة دخلت لك فيها هنا .. صار يضحك .. اذكر كيف لا اذكر .. لقد كنت العب معك كنت اجربك .. قالوا لي ان يحي يحب النساء فقلت فلأجرب انوثتي عليه ... صار صدره يهتز من الضحك وهو يعض كتفها برقة : وها انتي ذي قد حققتي مبتغاكِ!

قبلت عنقه برقة متناهية كانت قبلة لطيفة جميلة عبرت عروق عنقه هزت له دم قلبه : أحبك !

ضل فقط يحتضنها هو لا زال متعب ورغم ذلك يريدها هكذا في احضانه تمحي عنه كل وعثاء الهم ، كل التفكير ، كل النساء ، وتضل هي متفردة وحيدة في فؤاده قربها كان جنة عمره نعم قد كانت في قلبه لها لهفة لها شوق لها روح همس بشجن و حب : سُكينة أنتِ اصبحتي روحي ، لا ادري قد غيرتي شيئا بي ، شيئا لم اعتقد منذ سنين انه سيتغير ، لم اعتقد انني سأحب مرة اخرى ، قد رددتي لي كل شيئ عزيز في نفسي و غال ، لا اعرف لما اقول لكِ هذا الكلام ولكنني صادق معكِ ولن اخذلك !

نظرت الى عينيه تبكي كل كلمة قالها لم تكن فقط سعادة بل كانت وجع !

ابتسمت وسط دموعها هو الذي قام من مكانه لم يرتدي ملابسه بعد ولكنه ارتدى بنطال بيجامة سريعا وهو يتجه الى دولابه وهي التي تنظر اليه الى جسده الى شعره المبتل الى طوله الى عضلات عضده الى خصره الى جانب وجهه الذي تموت فيه عشقا كان قد اخرج ورقة نظر اليها طويلا طويلا جدا ثم اغلق الخزانة و التفت لها التقت نظراتهما ، هو لم يعد يعلم ان كان في حالة عقلية سليمة ، قد ضاع تلك اليومين ، سيُرجع شيئا غاليا اليها سيضمن لها حياتها بينه وبينها ولطالما هو في كامل وعيه فسيسلمها هذه الورقة الغالية جلس مقابلا لها على ركبتيه ينظر بوله بحب بعشق الى كل ملمح من ملامحها يمد لها الورقة ، هي التي لا تفهم التقطت الورقة من بين يديه وهو يقول لها : افتحيها .. قبلها امسك بيدها بقوة قوة كبيرة ونظراته الغائمة تغزوها حتى ارتعش جسدها : هذه الورقة تخصك ، ادركت لهذين اليومين انني يجب ان اخبرك يجب ان اضعك في الصورة حتى لا يضيع حقك !

كانت تنظر بغير فهم قلبها صار يطرق على مرأى منه يرى اهتزاز صدرها بقوة ودمعة اخرى تنزل منها : انك تخيفني

اغلق عينه فيها : افتحيها !

فتحتها وكل طية منها كانت خنقا كانت رعبا عيناها غامتا فتحتها حتى استوت كامل الورقة امام ناظريها تقرأ تقرا لا تفهم لم تعد تفهم .. الشهود طارق والهادي .. الوكيل امحمد بن زكريا و الزوج يحي صالح بن زكريا

تاريخها هو ذاته يوم عودتهم للمزرعة !

صارت الدموع تنزل الى الورقة لم تعد ترى شيئا تجمعت الغصات انزلت الورقة في وجهه رفعت يداها الى فمها مصعوقة مصدومة : يحيا

قبّلها على ثغرها وتراجع : نعم أنتِ زوجتي رسميا !

ارتعش كل جسدها حتى لمت نفسها تنظر الى وجهه من عين الى اخرى فيه كان يهمس في وجهها : لقد توقعت رد فعل اخوتك ، كيف سيعطونني اياكِ ونحن لم نعطهم صبا .. رغم انني قد نلت ضربا و صفعا من عمي امحمد ولكنه وافق ان يكون وكيلك وها انتي ذي ملكي !

كانت لا زالت في الصدمة لا زالت مصعوقة كان يشد بكلتا يديها : هذا العقد ستحملينه معكِ لا يجب على اي احد ان يعرف عنه فإن عرفوا لا اعلم قد يقتلك المؤيد او حتى منذر ، اذا حصل ما حصل هو برائتك هل فهمتني !

تابع بغصة : كتبت لك مهرا و مؤخرا و كتبت لكِ بيتا ايضا !

كانت فقط تهمس : يحيا

هو صار يخيفها يخيفها جدا كأن يحي يوصي في حياته كأنه يودع لا تدري ما كل هذا الوجع هذا الالم في قلبها حتى تدافعت الدموع : انا لا اعرف ما اقول انا مصدومة انت تخيفني ، صار وجهاهما متلاصقان لا تصدق انه كان و اصبح زوجها ، يحي الحلم ، يحي الرجل ، لم يخلو بها ، قد قال وفعل ، وها هي امام الله زوجته مالت عليه تحتضنه بقوة بقوة كبيرة تلمه على صدرها الى روحها الى نفسها ، لن تلوم نفسها يوما انها قد احبته انها قد عشقته انه كان لها قبلا وبعدا ان الملائكة نظرت وان الله استجاب كان يضمها بقوة الى صدره يهدأها : سكينة لم اقل لكِ كي تفزعي ، حتى ان شكلك يوحي انكِ عروس امسك بوجهها بين كفيه ينظر الى كل ملمح فيها كلاهما يستنشق انفاس الآخر تلاقت شفتيهما في حب في عشق وقلبيهما يتعانقا عناقا ابديا عناقا روحيا ابتعد عنها لاهثا متعبا : اخرجي حتى لا تلفتي انظار الناس اليكِ وحتى لا نفسد كل هذا الجمال !

ناولته الورقة تريد ان تعود اليه ان ترجع الى حضنه ان تمنحه حنانا و شوقا وقفت امامه تجمع جسده بين ذراعيها تلمه الى جسدها تلقي برأسها على صدره تغلق عينها ترفع شفتها تعطه قبلة تحت عنقه قالت بطفولة : انا لي حبيب اسمه يحي !

لف ذراعيه حولها يجذبها بقوة ناحه يغلق عينيه يتمتع بكل جزء فيها يستنشق عطرها و يلمس شعرها و يطوق خصرها حتى رفعت وجهها اليه بعينيها تلك التي تستجديه قبلة اخيرة قبل الفراق المحتم اقترب وهو يهمس و في عينيه ولع : أنتِ شقية و ستشقينني معكِ صار يقبل كل وجهها هي الدائخة التي تستقبل قبلاته بكل رحابة بكل عشق حتى افترق عنها يدفعها باتجاه الباب والا فإنه لن يقدر هي تدفعه لكل شيء حميم معها

خرجت تعطه نظرة اخيرة نظرة عشق لن ينتهي همس لها : اخرجي يا سُكينة !

 

 

في الاسفل كانت كل النساء مجتمعات بيت عائلة سعيد و بيت عائلة محمود و صبا في الوسط  الجميع يرقص و يغني رغم ان رقاد الوالد في المستشفى لا زال يدمي القلب ، ان يكون اخوها الكبير وكيلها في عقدها وليس والدها يا الله ما اكبره من جرح قد زارته اليوم ولا زال نائما لا زال غير واعيا اسرت له بما في نفسها جلست جانبه سمحوا لها بالدخول عليه بعد ان هدد شعيب المستشفى انه سيقاضيهم لأن احدهم قد دخل غرفة والده.. جلست تمسك بيده تقبلها بوله بحب تبكي حتى بللت دموعها كفيه : ابي .. اليوم ساتزوج وانت لست حاضرا ، اليوم سأكون رسميا لرجل ما رغبته يوما ، لرجل اضحي من اجلكم بحياتي بسببه ، ابي .. غيابك غربة ، وحشة ، غيابك موت استيقظ وعد الي الى ابنتك صبا التي تحبك فلا حام لها سواك !

لمت يده الى صدرها اعطته قبله اخيرة على جبينه و خرجت الى اخوها الذي كان يرى كل ذاك من خلال الكاميرات سحبها معه الى السيارة وهو يحاول ان يتصل بحيي الذي اقلقه لا يعرف ما حصل في المزرعة ولكنه عرف ان اخاه قد قتلها قد فعلها وقتل هتان ،، لم يعلم ما حصل بعدها كان يبحث عنه مثل المجنون يتصل ولا مجيب الهاتف صار مغلقا !

رجعا الى ارض الواقع وكل في حياته حب و قهر و دمار ، الكل هنا في المجلس .. عمه سعيد و المؤيد و المنذر المقهور الميت الذي اجبر على الحضور  و ياسين .. آيدين وعمه امحمد ,, اصحابهم ,, اخوه الذي سيملأ مكان والده و هناك على الطرف الآخر الصديق و الشيخ معاذ و اعمامه و خاله و الشيخ في الوسط ، لم يحب احدا منهم ان يعقد عقد بنت صالح الوحيدة من ماجدة وابوها غائب مريض في المستشفى اما هو فجلس بجانب اخاه كي يكون شاهدا على عقد الزواج

تقابل الجمع و كل قلب غير راض عما يحصل حتى بدأ الشيخ يبسمل و يبدأ العقد حتى ارتمت بطاقة شخصية امام وجوههم وصوت غليظ حاسم واثق : انا من سيعقد على ابنة عمي !

تعالت العيون تعالت الشهقات تعال الوهن تعال الغضب الكل ينظر اليه الكل مصدوم وهو يكرر بصوت عال صم اذانهم : انا من سيعقد على ابنة عمي وليس احد غيري !

صمت .. صمت .. صمت مطبق صمت كالغرق تجمد الجميع في اماكنهم تجمدت نظراتهم تجمدت الصدمة في عيونهم هو الذي يحدج الكل بثقة حتى انه قد تجهز بثيابه وكأنه عريس ليلة دخلته كان ينتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة .. هو قال لها انه لن يلمسها رجل سواه و سيفعل هو سيفعل لن يدعها لرجل سواه حتى لو تجدد الدم بين عائلة معاذ و عائلته هو مستعد للموت ولكن ليس كي يعطها لرجل آخر غيره

وماذا عن اخاه من يجلس هناك ميتا .. حرفيا ميت .. ينظر بصاعقة الى الارض ، ينظر ولا يفهم لا يعرف ما يفعل مالذي يفعله المؤيد مالذي يقوله يريد ان يتزوج من ، يقف في وجه من .. لا شيء .. كل شيء غير واضح .. أيتخيل ,, أيهذي ,, كابوس ،، حلم ..اسود وجهه ..حتى خبت دقات قلبه لم يعد يستطع الحركة مالذي يحصل ما هذا

هو بطوله و هيبته

شعيب ويحي المتجمدان كل اغلق عينيه كمدا فهذا ما لم يتوقعونه ابدا ..المؤيد .. لما .. وكل اتفاقهم مع عائلة معاذ ، المؤيد سيفتح النار عليهم سيفتحها ستكون حربا سيسال دما

حتى مال الهادي المصعوق على يحي : لا تعطها له والا اشرط عليه اخته مقابل اختك !

نظر مليا الى عيني الهادي هو لا يصدق كل ما يحدث امامه هو لم يعد واعيا يا ترى هل هو في كابوس آخر ، هل هو في موت ، في الا وعي ، لا يعرف فقط ينظر و يسمع رأي الهادي حتى نطق بالكاد خرجت الكلمات : لن اكون رجلا ان فعلتها

نظر الهادي بقوة و حب الى عيني صديقه يضغط بقوة على فخذه : لطالما عرفتك رجلا !

اخذ صدر الصديق يعلو و يهبط من ثورته ينظر الى عيني شعيب المصدوم مثله يهمس بثقل غم نفسه : ماذا يحصل !

تقدم المؤيد اكثر : الذي يحصل انني سأجلس هنا مكانك واعقد على ابنة عمي غير ذلك لا شيء عندي لأقوله وانت فلتختر اي امرأة اخرى غيرها !

قام الشيخ معاذ مسودا وجهه يكاد يقع على الارض من الصدمة يضرب بعصاه الارض بقوة يرتفع صوته في كل المجلس يصرخ في وجه ابنه : قم انهض فوالله حتى لو عرضوها عليك عرضا لن اقبل بها .. اعطاهم نظرة اخيرة .. الايام بيننا يا اولاد صالح !

خرج يجر ساقيه و وقف الصديق هناك كأنه في لجة بحر يتقاذفه الموج ينظر الى كل العيون الى كل الصدور رفع يده غضبا في وجوههم : قولوا شيئا ماذا يحصل هنا هل خدعتموني .. تحول وجهه للقهر و الحقد والله لأفعلن فيكم شيئا لم يُفعل قبلا والله

خرج عاصفا لا يدري يا ليته جلب سلاحه كان افرغه في قلب المؤيد في قلب كل من يقول لا و المجلس صار هادئا صار كأنك ترمي ابرة فتسمعها .. آيدين ينظر الى عيني يحي يحرضه هو الآخر ، شعيب ينظر اليه بنفس النظرة كمن يقول تستطيع ان تعقد عليها الآن استغل الفرصة رغم انه هو ذاته مصدوم لا يعرف كيف سيتصرف مع عائلة معاذ ولا كيف سيحقن معهم الدم ومصدوم اكثر ان المؤيد هو من يحجر على شقيقته و نظرات الى وجه المنذر الذي ما عاد في الوجود الذي كان في عالم لوحده خاص به عالم الضياع يتخيل انه مخمور او مخدر وان كل شيء يحصل امام عينيه لم يحصل هو حتى اللحظة لا يصدق مصعوق لا يستطع ان يتخذ اي رد فعل جلس المؤيد مكان الصديق وهو يمد لشعيب يده و الشيخ متحير في الوسط ينظر هو الآخر الى كل العيون التي يرى

مد شعيب يده و تم عقد قرآن صبا على المؤيد !

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...