الفصل الثاني و الاربعون


 

الفصل الثاني و الاربعون

 

أحن الى حضن امي و قهوة امي و لمسة امي و تكبر فيا الطفولة يوم على صدر يوم !

لم ينته الكلام بعد و لا زالت السطور تشتاق للقصص فهنا حب و هنا قهر و هنا ردة !

امل شق بعض الطرق ولكن في عز الغفلة هناك حطام وهناك انكسارات ، نتعب نغفو و في الغفوة شيء يهزنا يزلزلنا .. نحاول نحاول فقط ان نركز مع السواد الذي بين اعيننا لا نريد ان نرى الضوء و نحن نرتاح للعتمة !

نومه كان متقلبا هائجا الكوابيس تلاحقه

يحي

يرى بيت اهله ، واقف هو من بعيد يتفرج هناك مقيدا جاحظ العينين ملابسه مبللة بالكامل العرق يتسلل يتسلل بغزارة وكأن جسده صار نهرا ينظر حوله كل شيء باهت ..الازهار اسودت و العشب اصفر بقوة رياح عاتية تهب حوله؛ يريد ان يرفع رأسه ثقييييل ثقيل , يتلوى على كرسيه يسمع همسا يشعر هزا .. يحي .. و الكابوس يتكرر يصرخ يصرخ حنجرته مسدودة ينهار على ركبتيه متعب بيت اهله يسقط يسقط حجر وراء حجر يريد ان يركض... اهله في الداخل صار يجري مثل الكلب على اربع يلهث يركض ولا يصل.. الارض تميد به و الرياح تهزه.. يحي .. يحي !

ضربة على صدغه جعلته يجفل يفتح عينيه متعب كان بالكاد يتنفس ، يرى وجه أيدين القلق يحدق فيه بقوة مقترب منه يهمس له : يحي ما بك هل انت بخير !

رأسه لا زال عالقا و حلقه جااااااف و لسانه لا يتحرك كان جامدا و هو يشعر بلمسات رقيقة فوق يده تضغط عليها بقلق تهمس عند اذنه تقترب لترى عينيه الحمراوين تناديه : يحي !

التفت ببطء شديد، لا يعرف ما حصل او اين هو لا يكاد يستوعب وجود ايدين ووجود زهرة بجانبه كأنه في حياة اخرى !

ابتلع ريقه رويدا و حاول ان يعدل وضع رأسه استند بكفيه على جانبي الكرسي الذي يجلس عليه لا زال يرى !

لما ؟

لما تتكرر عليه هذه الكوابيس التي تسحبه لباطن الارض ثم تلفظه الى سطحها تائها لا يكاد يعرف نفسه ولا من حوله ؟

لما لا يزال يظن انه غارق في كابوسه ولا زال يراه حيا ؟!

و ايدين يقترب اكثر يربت على خده : يحي ، يحي استفق انت تتعرق بشدة !

كانت انفاس ايدين و يدي زهرة التي تنظر اليه في خوف و ذهول مرتبكة تكاد تبكي من شدة قلقها من الحال الذي تراه عليه حتى رات تلك الدمعة تفر هاربة من عينه تعلن الخذلان تعلن الهزيمة فاجهشت باكية تلملم قميصه الذي جعدته من كثرة تشبثها به سقطت على جانبه تبلل دموعها ذاك القميص حتى تخترقه و تلامس صدره المبلل بالعرق، نادى ايدين كي تحضر المضيفة علبة ماء فاحضرتها مسرعة و تلك الساعة عندما انتثر الماء بقوة على وجهه انتفض انتفض حتى قفز من مقعده !

شهقة عالية حادة جعلته يستوعب اين هو ومن هم حوله وماذا يفعل في هذه الطائرة !

اعتدل في جلسته ومد يده الى خده يمسحه اغلق عينيه وهو بالكاد ينطق خرجت كلماته زاحفة بطيئة مخشوشنة : ألم نصل بعد !

التقط أيدين الذي فر الدم من وجهه وهو يرى صديقه و ابن عمه على هذه الحال انفاسه بقوة فهو بالكاد عرف كيف يتصرف فيحي منذ ساعات غارق جدا كل الهز العنيف الذي هزه له و كل الضرب الذي تلقاه وجهه لم يوقظه حتى شعر بالرعب يدب في اوصاله ظن انه سيفقد السيطرة على نفسه مثل زهرة و يبدأ يبكي هو الاخر ! جلس مهدودا على الكرسي المقابل في هذه الطائرة الخاصة التي خرجت بهم من مطار اسطنبول و الذي فيه التقى يحي بصديق له جلسا على طاولة منفردة بينما جلس ايدين و زهرة بعيدين عنه حتى انشغل كل منهما فزهرة ذهبت للسوق الحرة و ايدين اخذ يقلب في هاتفه منشغل البال يريد ان يتصل بها ان يطمئن قلبه عليها فهو تركها وكل الامور بينهما عالقة ، عالقة بشدة ، هذه المرة ليست ككل مرة فتماارا لم تيأس من لفظ كلمة طلاق و مصممة وهو لن يدعها تهرب بتلك السهولة لن يفعل !

ما يطمئنه انها باقية في بيت ابوه وانه قد اوصى ابوه عليها بألا يسمح لأي احد ان يزرها او يحاول مجرد المحاولة ان يخرجها من بيته ففي تلك الساعة اما ان يقتل تامارا او سيقتل ذاك الغر المسمى جهاد!

هو يجلس و يستغرب ، يستغرب نفسه كثيرا كثيرا جدا ، يستغرب نفسه نعم يفعل ! فلما يتعلق بها كل هذا التعلق ؟!! ما الجديد في تامارا ؟ حتى لو كان زواجه منها تكفيرا عن ذنب هذا الذنب الذي اصبح تعلقا اصبح عشقا اصبح شيئا مثل الماء من بين كفيه يتسرب !

خرجت منه أهة طوييييييلة عميقة و صار يلتفت الى كل مكان ينظر الى يحي الذي يجلس مع ذاك الرجل العملاق كان سمينا جدا معضلا ضخما ذو لحية كثة و عيون سوداء شديدة القتامة و الخطورة ، الاثنان غارقان في حديثهما و هو يتمنى ان يعرف من هو و لما هنا و الاما يخطط يحي الذي يدخن على مهل وهو مسترخ على كرسي حتى نائت عن جانبي فمه ابتسامة وهو يرى شيئا في هاتف ذاك العملاق !

ارتد بصره حيث زهرة هي الاخرى التي يراها قد اخذت راحتها و هي قد خلعت حجابها و ظهر كامل جمالها و هي ترتدي ملابس غير التي قد خرجوا بها من بلادهم ، فستان حتى الركبة ذو لون اخضر مشع ينطبق على تفاصيل جسدها ، و حذاء ابيض ارضي ذو ماركة معروفة و حقيبة يدها و شعرها الجميل الذي تركته حرا يراها ساعات تنشغل بهاتفها كثيرا وهي تتوقف في طريق الرائح و الغادي تنظر اليه في حماس حتى يشع وجهها فترفع نظرها ثم تواصل البحث في السوق الحرة حتى انتهى لقاء يحي بذاك الرجل ثم تقدم الى ايدين ، هما الاثنان اللذان ادارا كل الرؤوس بذاك المنظر المتناقض ، احدهما ذو شعر اسود و الاخر بشعر اشقر و كلاهما لا يقل جمالا عن الاخر ولكنهما هما لديهما ما يكفي من الهموم و من الاعمال التي قد تخرج لاحقا عن نطاق السيطرة : لا اعرف ولكن مقابلتك لهذا الرجل تشعرني ان ورائكما امر لا تحمد عقباه !

ابتسم يحي ابتسامة شقية اضاء منها وجهه وهو يلتفت يبحث بعينه عن زهرة : كلفته بمهمة و رأيت نتائجها!

صار الاثنان يمشيان يلاحقا زهرة التي كانت تتذوق بعض الحلقوم التركي و تحمل في يدها علب من كل الانواع في يدها : يحي .. قالها بترج .. انا لا اريد المزيد من المشاكل مع ايميل و فكرة قتله لم ترقني !

التفت عليه يحي مستغربا قوله ذاك حين كانت زهرة تدفع ثمن العلب و تتجه لهما و هي تشعر بالفخر بين كل هؤلاء الناس ان هاذان الاثنان يخصانها!

قطع مجيئها اليهما الحديث الذي اراد منه ان يفهم وجهة نظر ايدين و لكنه لم يرد التحدث امام زهرة ، فهو في عقله ان لقاء زهرة باخوها بعد كل تلك السنين لن يكون سهلا و هو لا يعرف تماما مدى الضرر الذي تسبب به ايميل !

التقط انفاسه بقوة و هي التقطت ذراعه و دست نفسها قريبة من قلبه الذي كان يخوض الف صراع فهو مشغول جدا على سكينة لم تتصل ولم تحاول الاتصال الليلة الماضية ولا اليوم !

هناك هدوء ، هدوء كبير ، رفع هاتفه يتصل بشقيقه الذي استجاب فورا : يحي اين انت !

فرد قائلا : في مطار اسطنبول !

صمت صمت طويلا حتى قال : لا تقلق كل شيء هنا .. جيد !

عبروا ممرا الى الطائرات الخاصة وهو يضع يده في جيبه يتابع مع اخاه: هل جرى العرس على ما يرام !

ابتعد شقيقه عن كل الناس كان مطأطأ الرأس يعض على شفتيه بقوة ، قوة جعلت شفتاه تنزفا : نعم نعم هناك بعض المهنئين هنا ، استعجل في قوله يريد ان يغلق الهاتف : يحي سأكون مشغولا الايام القادمة قد لا استطيع الرد عليك الجميع بخير و يسلمون عليكم !

وصلوا اخيرا الى الطائرة وهنا اغلق هاتفه بينما في الجهة الاخرى كان كأنه يحضر احدى الافلام التي لم يتمنها في حياته المستشفى غارق بالناس ، السيارات ، اعمامه ، نساء توفين ، يرتعش صار يرتعش انحنى بيديه الى ركبتيه لا تكادان تحملانه عيناه قانيتا الحمرة ، يكذب !

يكذب على اخاه في اغلى من عنده ، يكذب رغم انه يحتاج اخاه هنا حالا، هو رجل قد فقد السيطرة على نفسه يتهاوى يشهق الدموع تغزو جفناه يريد ان يندب ان يصرخ ان يضرب على صدره فكل من دخلوا من اهله المستشفى في حالة خطيرة خطيرة جدا رجع بخطى بطيئة اليها الى تلك الجدران التي ربما ستفجعه في اهله لا يريد ، يريد ان يهرب ، ان يبتعد حتى يتصلوا به و يقولوا له كل شيء بخير ، ارجع ، الكل معاف و الكل سليم ، امك و اختك و زوجتك و ابنك و زوجة عمك و غيرهن!

اعصابه تلفت وما عادت تحتمل ، عاد الى ممرات يسمع فيها الالم المميت يسمع فيها العويل ، خطوات ، جري ، فوضى ، اطباء ، اعمامه منهارون ، المؤيد يجلس على الارض راسه بين كفيه يبكي ، نعم المؤيد اخيرا يبكي علنا ، علنا لدرجة ان شهيقه اخذ يصم الجدران وليس فقط الاذان.. من بعيد يرى عمه امحمد و عمه سعيد الاثنان يقفان امام غرف الانقاذ غرف الطواريء وهو ما عادت الارض تحمله وهو يرى احد الاطباء ثم يسود وجه اعمامه ، قلبه ، امسك بقلبه ، توقف ، لم يعد يريد الحركة ولا التقدم يرى كل ذاك الالم على وجه عمه سعيد ، يرى انه يتحوقل وهو يضع اصابعه على عينيه يضغط عليهما بقوة جبارة كي لا يبكي ، عمه امحمد يشد شعره بقهر ، لم يستطع ان يستنتج ، لن يقبل ، لن يقدر ، كثير عليه كل ذاك . والله كثير !

حتى حين رأى رأس عمه امحمد يهتز له ب .. لا ..

من ؟

من يا الله ؟

من لم ينجو ؟

يارب لا تفجعني يارب

اقترب ولا يدري كيف ، يسمع نشيج عمه سعيد الذي تهتز اكتافه بقوة حتى اخذه امحمد في احضانه يضغط عليه يجذبه يهدئ من روعه و يبكي معه صامتا محمرا.. عيناه كأنها اتون .

من؟

قالها وهو يرتعش ، يستغرب ، يستغرب من نفسه ، كان يظن انه رجل ذو صلابة و جلادة ، كان يظن انه سيقف انه صنديد ان حتى كلمة موت لن تعني له شيئا ، انه سيصمد ، انه فقط سيرضى بقضاء الله و قدره !

ولكن كلا

كلا

هذا ليس قدرا

لم يكن من المفترض ان تنقلب الليلة ، ليس من المفترض ان يكونوا هنا ، ليس من المفترض

فكل ما حصل كابوس لا يصدقه لا يحتمله عقله

لما

تتكرر .. لما ... في عقله ولا يجد الاجابة !

حتى سمع عمه : عظم الله اجرك امك اعطاك الله عمرها

خر على ركبتيه خر.. سقط ...وضل ساقطا رأسه للسماء كتفاه تهدلا القوة سُحبت من جسده سحبا و تسربت الى الارض من تحته ينطق في وجه عمه المكلوم : لا !

لا

حتى التقطته ذراعان قويتان من خلفه ، رجل اخر يذكر كلماتها الاخيرة له ، يذكر كل حرف قالته : ستتحملون تبعات هذا الزواج !

الم تلمه الم تتهمه انه سيفسد كل شيء بخطوته تلك ، انه سيدمر عائلتها و يدمر اخوتها

ولكن يا حبيبتي لم يطل الدمار غيرك، صبا ، تناديك روحي و نزف جروحي و قرع فؤادي على باب صدري !

كل شيء ، كل شيء فيه يناديها ، فمن سيكفر عن ذنبه فيها !

نظر الى وجه ابيه ووجه عمه وهو يحاول ان يرفع شعيب عن الارض الذي وكأنها قد التصقت بساقيه ، صار ثقيييييلا ثقيلا جدا لن يقدر حتى الجبابرة ان يحملوه و لا ان يحملوا معه همه صرخ صرخ : من قولوا لي من ، من مات

كان شعره مشعث و الدخان الاسود حوّل ملابسه الى رمادية قاتلة حزينة عيناه جاحضتان متورمتان من شدة صدمته من شدة ما بكى ، تراكمات ، فالقلب قد شهد موت قبل ايام ، شهد حكاية قد انتهت ، موت ساقه هو اليها ، لا زال ذنبها عالقا ، هو ذا !

اليس كل ما يحصل ذنبها ، تلك المخلوقة الترابية التي اشتكت الى ربها ظلمه ، فلما ؟!

لما لم يعاقبه الله هو

لما اختار الله ان يعاقبه في اعز من له ، في اهله ، في زوجته !

قد نال عقابه اخيرا قد ناله ، ولا اشد ولا اعظم من هذه المصيبة مصيبة !

نظر له عمه الذي لا زال ينطق لا زال يهمس ، اخوه صالح راقد في المشفى غائب نائم لا يدري انه حين يستقيظ سيجد حبيبة قلبه ليست على الدنيا ، انها قد تركته في عز مرضه ، انها قد خانته و رحلت قبله ، ماجدة لا زالت شابة لا زالت بصحتها ، ماجدة ابنة جد الطفولة ، ماجدة شباب اخيه و عمره و كهولته ، سيستفيق و لن يكون هناك خيال لها ، سترحل دون ان تودعه ، لن يسامحها صالح لن يفعل!

: امك وامه !

لم يعد يحتمل حتى صرخ ، صرخ بعنف بقسوة : امي وامه ماذا ، ماااااااذا

انقلب يدور حول نفسه يدور في دوامة سحبته طيرته فككت اعضائه يشد على شعره يستنكر : لااااااا لا تقلها لاااا هذا ذنبي ذنبي صار يدق على صدره بقوة بعنف حتى ارتج صدره و تألمت ضلوعه ، لن يموتوا هكذا كذب كذبببببب لاااااااا

 

وهي التي رجعت مع اولادها الى البيت وهم يدفعونها دفعا يطردونها طردا يضعون اولادها الثلاثة في حضنها و يجرونها الى السيارة جرا

تندب تنتحب تبكي منهارة تصرخ ، امييييي ، اتركوني اطمئن على امي ، امي روحي ، خلوني احتضنها ، اشمها ، ارجع الى رحمها ، لا تدعو برودة المستشفى تمرضها ، غطوها جيدا حتى تتحسن !

امي

تهمس لنفسها في ضياع و هي تتركها بين احضان الاجهزة و في قلب الطواريء

سترمي اولادها في البيت ستقفز على سكينة و ترمي الاطفال في وجهها و تخرج عائدة ، راكضة ، لاهثة ، ستبقى جانبها ستحميها ستعطيها دمها و عينها و رئتها وقلبها ان تطلب الامر ، حين رات امها تجري وراء صبا وهي تلحق بأمها جن جنونها كانت تصرخ ولكن صراخها كان يختلط بصراخ اخريات ، دموعها لم يرها احدهم نحيبها اختنق بالدخان و حالت النار بينها وبين امها ، لكنها ستنجو ، امها ستنجو ، امها لا ذنب لها ، سقطت ارتعدت و اطفالها تغمرهم بقوة في احضانها تتلفت مثل المجنونة تراقب كل شيء النار التي تقترب و امها التي غابت ولم ترجع تصرخ تفتح فمها يقطر لعابها من شدة بكاءها ، نسيت ناجية نفسها واولادها ولم تعد تهتم لشيئ سوى لامها التي دخلت النار وما خرجت!

نزلت فتحت ابواب البيت على مصراعيه تركض كالمجنونة الى الاعلى تركض ولا تدري لما ركضها وما ستفعل فقط الهرج الذي سكن جسدها لم يهدأ تحتاج الى شيء لتفش غليلها لتتنفس من جديد تركض تركض حتى فتحت غرفة سكينة يضرب بابها بقوة في الجدار تبحث عنها بعينيها والدموع جرارة على خديها برائحتها التي تزكم الانوف رائحة حريق رائحة مستشفى ورائحة الموت تسبقهم جميعا

تصرخ وهي لا تجد اختها في مرقدها : سكينننننناة

اخذت تبحث تريد ان تخبر اختها بكل شيء تريد ان تحتضنها ان تطمئن نفسها ان ما يحصل ليس سوى شيء عابر سينسوه مع الايام ، جرائم بسيطة !

رجلاها و قهرها و غضبها من اختها وهي ترتد عن الباب و تصرخ في كل الطابق بغل : سكينة امك في المستشفى يا سكينة

سكيناااااة تعالي يا سكينة

ثورة جنونها و منظرها افزع اطفالها الذي جلسوا على الدرج يتفرجون على هيجانها و دورانها وجريها في البيت تفتح الابواب الباب تلو الباب صارت تتصافق بقوة و يرتد صوتها في كل البيت حتى بح صوتها : سكينة ايتها الحقيرة تعالي تعالي لنذهب لامي في المستشفى امك ربما تموووووووت سكيننننننننااااااة

ولكن لم تكن الحياة تنادي سكينة في كل البيت

خرت ساقاها وهي تستوعب وترجع الى غرفة سكينة تقترب من السرير وهنا يقبع هاتفها ترفعه تشده الى صدرها سكينة ابدا في حياتها لم تترك هاتفها لاي احد ولا في اي مكان دائما معها دائما في حضنها و تحمله كأنها تحمل طفلا حبيبا غاليا

صارت تقلب بصرها في الغرفة وفي البيت قلبها صار يرقع بقوة بقوة كبيرة حتى خارت ساقاها ارتعشت يداها حتى سقط الهاتف على الارض بقوة متكسرة شاشته!

مشت ببطء شديد شديد جدا الدموع جفت على خديها ، صارت تجمع شعرها المتيبس خلف اذنيها خطواتها تدق على الارض تنادي بخفوت : سكينة سكينة

نزلت الدرج تتخطى اولادها الذين ينظرون لها في ذهول خائفين مرعوبين من كل ما حصل اشكالهم كانها اشكال مشردين وجوههم مسودة و ثيابهم البيضاء اسودت و شعرهم هائج مائج و لا ينتعلون احذية تتسابق اعينهم للحاق بامهم التي واجهت في اخر درجة اخوها ياسين الذين تحول لطفل فجأة وكالشاحنة العملاقة ارتمى في احضانها حتى ارتدت بقوة في خطواتها يصرخ بالبكاء عند اذنها : امي مااااااااااااتتتتتتتت

 

رجعت لايام فقط كي تقف معهم في هذه الازمة في هذا الحزن في هذا الامر الجلل ، صارت هي من تشرف على العزاء وعلى استقبال المعزين ، هنا حيث لا احد من نساء البيت ولا اهل البيت موجود.. ميادة بصغيرتها لا زالت في المستشفى و راعيل و ابنها و صبا

كان الامر و الخبر قد نزل عليهم مثل الصاعقة حتى تجمدت من شدة وقعه على مسامعها

جلست في غرفة الجلوس وهي تسمع الخبر فلن تعد تحتمل الوقوف شيء غريب في دمها شيء غريب صار يتسرب منها شعرت ببرودة شديدة ، شديدة جدا و غريبة جدا ، نظرت الى ما بين ساقيها فوجدت شيء اسود عفن مقيت  صنع بركة تحتها .

توقفت و توقف الزمن هناك في تلك البقعة ، حاولت ان تستوعب الامر ، شككت فيه و شككت في عقلية كل من حولها ، لا ، لا يصح ، عمتها ماجدة تموت لما ؟!! ليس صحيحا لا ليس كذلك

حتى وجدت امها تسحبها من ذراعها وهي كأنها في غيبوبة لم تبك لم تقدر لانها لم تستوعب ولم تصدق فقط فتحت فاها ولكنها تشعر بشيئ لزج لازال يلاحق قدماها الحافية !

عندما وصلت وامها الى بيت طليقها وهي ترى كل تلك السيارات الراكنة عالم اخر الاف الناس الخارجة نساء ورجال كل شيء كان مشوشا لم تعد تسمع شيئا لا شيء

نزلتا و دخلتا تلفتن يبحثن ولكن لم تكن هناك امرأة هنا تشبه سكان هذا البيت لا ولا واحدة ولا حتى ناجية التي فتح اهلها عزاء في بيتهم وهي منهارة تماما لم تكن تستوعب حجم المصيبة التي حصلت

بيت عائلة طليقها كان فقط الخدم يجولون في المكان ، لا تعرف لما حصل كل ما حصل ، دخلت الى المطبخ فصادفتها طباخة البيت التي كان وجهها حزينا مكلوما وهي تشرف بنفسها على الموائد الداخلية و الخارجية حتى رأت نجلاء التي تتقدم ناحها ثم في لحظة احتضنت الاثنتان بعضهما البعض بقوة ارتمت نجلاء في حضنها فزعة تبكي بحرارة

لااااا ليس كل نساء البيت دفعة واحدة ماذا يحصل يا الله لا لا يا كبر هذه المصيبة يا كبرها

صارت هي المسؤولة تستقبل المعزين من الصباح للمساء لم تستطع النوم لأيام ، امها كانت تنام هنا معها ولم تتركها ، كان قلبها يأكلها ، من حرق القاعة ؟!!

من حرقها يا نجلاء

شحب وجهها بشدة

عضت شفتيها بقوة تضرب اخماس بأسداس ، ايكون حقا فعلها الصديق و انتقم منهم

ارتعد جسدها رعدة قاتلة للفكرة

سيقتلهم شعيب سيقتلهم جميعا بلا رحمة

مع كل شحوبها والجفاف الذي اصابها لم تتمكن حقا من تثبيت الفكرة في عقلها فهي شيء مرفوض ، لا لن يصل شقيقها الى ان يدمر عائلات بأكملها مرة واحدة ، ان يحاول ان يقتل صبا ، ان يقتل امها ، الامر كبير عليها ، كبير جدا

تسللت الى غرفتها فوق ، في غفلة عن العالم وعن الناس ، تشعر انها لابد ان تستحم فثيابها متسخة وتشعر بالقذارة ، كانت متعبة جدا و الم رحمها لم يهدأ ، استغربت الدم الذي كان فضيعا اسودا متكتلا  والالم الذي يفتت بطنها  ، دائبت على تناول المسكنات لم تشك لحظة انها ربما قد كانت حاملا ، نعم هي اخر مرة واجهته فيها في بيتهم كانت تنزف ولكن نزيفها كان بسيطا جدا ، باهتا ورديا، جاء و توقف فجأة في ليلة واحدة !

هي الان هنا في هذه الغرفة تقف في مواجهة المرآة ترى انعكاس وجهها تستند على حافة الطاولة بيديها تنكس رأسها تنفث بحرارة و تجهش باكية !

حين كانت تمسح انفها بكل قوة في كم فستانها تنزل يدها الى مستوى خاصرتها وتضغط بكفها على موقع الالم ، الم مبرح نغزات حادة قاتلة مثل ضربات السكاكين تغمض عينها بقوة و تقضم شفتيها لم تعد قادرة على تقدير الامور !

حين همت بفتح عينها رأت خيالا اسودا هائجا يدخل عليها الغرفة هائجا لدرجة انه سحبها من ذراعها ورمى بها بقوة على الارض يتطاير شعرها حولها حتى التف حول عنقها كأنه حبل مشنقة كانت تحاول الاستيعاب ان تفهم ولكنه لم يجعل لها مجالا للفهم يا الله كم اصبح يكرهها يكرهها بشدة خصوصا وان اخاها هو المتهم الاول و الاخير لما حصل.. انحنى و انثنى قريبا منها وهي كانت تتراجع زاحفة خائفة نعم هذه اللحظة هو سيجرم في حقها سيقتلها بيديه لا تعرف كيف دخل وكيف علم بوجودها في الغرفة شدها من ناصية شعرها بقسوة يسحبها الى مدار جنونه الى قسوته الى وجهه الغضبان المسود كانت اسنانه تصطك ببعضها من هيجانه ،عصبيته تسحبها.. تجرها.. حتى كادت تلتصق في وجهه يهمس يهمس بقسوة : أبعد كل شيئ تدخلين هذا البيت ، اخوك قتل اهلي قتلهمممم تفهمين قتلهم وانت هنا بكل برودة دم ، سحبها حتى ما عادت تجلس على الارض كانت تطير في الهواء ترى شعره المتطاير الساقط على عينيه ترى حاجبيه الذين لو كانت هي بينهما لانطبقت ، ترى شفتيه اللتان تحتقرانها و لسانه الذي يقطعها يهزها باشمئزاز : تشمتين انت هنا كي تشمتي هاه ، ارسلك اخوك كي تري مدى الدمار الذي جناه علينا ها قولي تكلمي لما لا تنطقي، في تلك اللحظة لم يكن يسيره شيء سوى انه يريد ان يقتلها و يقتل شقيقها ويقتل كل قبيلتها يسيره الحقد الاعمى ، لا يوجد مظلوم هي ليست مظلومة هي مثلها مثل اخوها كلاب متسلقين حشرات تافهة ، احتقاره لها بهذه الطريقة كان كبيرا على قلبها كبيرا جدا فهي لم تستفق بعد من كل شيء حصل هذا الشهر اللعين الشهر الذي كان دهرا بدأ ولم ينته يجرهم كلهم الى الهاوية ،جعلته يتكلم يقول ما يحب وما يرغب ان يسبها و يسب اهلها او ان يقتل اخوها رغم الالم الذي ينفجر في خاصرتها و الدماء التي تتسلل الى ثنايا ثيابها كل شيء هان الا مسكته المهينة لناصية رأسها بهذه الطريقة تشبثت بساعده الضاغط عليها بقوة حتى لا يضغط اكثر حتى لا يقتلع جلدة رأسها ببشاعة همست من بين بحتها : اتركني، لن تحملني هذا الذنب ايضا ، اذهب الى الصديق و اقتله ان اردت لا يهم !

كانت متعبة متعبة جدا الدم يهرب من عروقها يترك شفتاها باهتتان يترك وجهها شاحبا و عيناها ذابلتان

لكن وجهه كان يقترب اكثر يعذب و يتعذب ، لا يصدق انها هنا ، بكل الاثام هنا ، تقتل القتيل و تمشي في جنازته هو متعب متعب منهار ولا احد يرى ذلك لا احد : انا طلقتك طلقتك انت انسانة بلا اخلاق وبلا كرامة ، يريد ، يريد و بقوة ان يجرحها اكثر ان يسبها اكثر ان يتلفظ لها بألفاظ لم تسمعها في حياتها ولكنه ابتلع الصمت عن كل هذا .. لملمي نفسك و اخرجي من هذا البيت الذي انهيتموه انت وشقيقك، شدها اكثر قربها حتى اختلطت انفاسهما، كان ويا له من زمن  مضى ، وكانت.. مدللته و محبوبته و امنية نعم كانت امنية  : اياكِ ان اراكِ مرة اخرى في حياتي ، وقولي لاخاك الجبان ان رأيته لن يشفي غليلي ان علقت اجزاء جسده على كل باب في هذه المدينة ، اخرجي هيا اخرجي !

دفعها بقرف من يده قام على حيله يخرج كالإعصار مثلما دخل عليها!

 

ترجل الثلاثة بحقائبهم من السيارة التي كان يقودها عصام ، كان الصمت هو العامل الاول و الاخير في لقاءه معه لم يرد ان يفصح عن اي شيء او اي تفصيل امام زهرة !

زهرة التي لا تعلم ان في هذا البيت ايضا تقطن المجدلية و هارون ، الساعة كانت السادسة صباحا و اليوم بالذات هناك امور كثيرة ستحل او ستتعقد لا يعرف حتى الان مالذي ستكون عليه مجريات الامور ، همس لايدين ان يعطي الرقم الذي كان زكريا يتصل منه الى عصام الذي سيتولى امر جلبه الى هنا !

التقط انفاسه بقوة و تقدم و زهرة تسبقه تجر حقيبتها الصغيرة فهي لم تكثر من الثياب لانها تريد ان تشتري هنا ما يلائم الجو و ما تحب من ماركات الموضة العالمية !

الا هو الذي توقف هناك كان ينظر حوله ، الى الشبابيك و الى الابواب ، الى الجدران ، اعطى ظهره لكل الحديقة ، يتردد في الدخول ، الى مكان سيجمعه مع اثنان من عديمي الاخلاق اثنان من الخونة الجبناء ، اثنان ممن يرغب حقا في ان يطبق على رقبتهما و يراهما يموتا امام عينيه، من حسن حظهما انه في حياته لم يلتق بهما او انه تجنب هذا الامر حتى لا يتورط اكثر في مشاعره الكارهة الحاقدة ، من كانت يوما زوجته من كانت ربما ستخرجه من كل المتاهة التي كان يعيش بها ، امرأة اتهمته ليلة عرسهما بأبشع شيء قد يُتهم به الرجل !

امرأة كانت تخطط و تخونه امام انظاره هي و اخوه!

يا الله يا الله

لا يريد حتى ان يقر و يعترف انه فعلا اخوه.. انه لا زال يدميه.. فما فعلاه جعله في نظرهما حقا مخنثا وبلا شرف لانه مر عليهما بلا عقاب !

فتح عصام باب البيت ولجت زهرة اولا التي ارتمت على الصوفا المقابلة للحديقة تتنهد متعبة متورد وجهها تبتسم له من دخل خلفها يقف ، يقلب نظره ، المكان يعمه الهدوء ، رغم ان عصام قد اسر له ان الزوجان موجودان في البيت !

تنفس الصعداء بقوة و هو يلتفت عن وجه زهرة التي تجهمت لانه لم يرد لها الابتسامة كما رغبت خرج على الفور الى المدخل ليرى أيدين غارق هناك يعطي ظهره له تقدم ناحه يربت على ظهره ، فهو يفهمه ، يفهمه بقوة و بعمق ، ليس هذا سهلا و لن يكون !

: يبدو انهما في الغرفة ولم يخرجا منها

التفت وجه ايدين له على مهل تجري عليه كل تفاصيل الماضي و تلك الليلة التي علم فيها انها قد هربت مع هارون ، مع شقيقه !

الم الطعنة لازال حيا لا زال طريا !

اكل شفته و رفع يده يسرح شعره عيناه تتوه عن كل شيء يهمس : تبا ، في هذه اللحظة ادرك ان بقائنا في مكان واحد سيكون ساحة حرب .. التفت بكامله على يحي كان الالم يعبر بصره الم مميت : هل تفهم معنى ان تلتقي بزوجتك التي خانتك و هربت مع اخيك!

غضن يحي جبينه يتلوى وجهه يحاول ان يسهل الامور على الجميع حتى يتمون مهمتهم و يخرجون زكريا و الجميع سالمين من اوروبا ، هنا هم ليسوا للصراع : ايدين تجاوز ارجوك هذه المرة فأنت قد تجاوزت كل تلك السنين ، نحن هنا لنخرجهم من اوربا لا ان نقتلهم فيها !

تحركت ساقا ايدين ذهابا يدعك رأسه بقوة ، لما .. لما سيتساهل معها ؟

الجرم الذي ارتكبته فيه اكبر من جرم تامارا و مع ذلك هو لم يؤذها كما اذى تامارا!

امسك يحي بذراعه يلفه اليه الى وجهه : اليوم مساءا سنحاول ان نجد ايميل اذا لم يجدنا هو اولا !

أااااااااااااااااااااااااااااااااااه خرجت منه عالية جدا

اما الاثنان اللذان هما في غرفتهما ، لم يناما الليل كله ، انظارهما تركزت على السقف ، اضطجعا كالميتين كل منهما يحمل افكارا غريبة في عقله ، الصمت وحدهما ،لم ينظر احدهما الى الاخر ابدا ، كانت خجلة من النظر اليه من النظر الى زوجها ، كيف ستلتقي الان بأبناء عمومتها بسمعتها هذه ؟!!

زنت مع شقيق زوجها ثم هربت معه !

كان الحرج الشديد يعتريها ، جسدها يحترق من حرارته ، هي حتى الان لم تفكر ابدا كيف تركت ذاك الزوج كيف وقع عليه الامر كيف طعنته كيف خانته لم تقدر الامور حق قدرها ، وعاشت حياتها عاشتها مع هارون وكأنها لم تفعل شيئا !

اللحظة التي سمعا فيها الباب يفتح هب هو من فراشه و هي هبت تدمع كانت تدمع حتى تحول الدمع الى بكاء دفنت نفسها في الغطاء وهو التفت اليها يرى اهتزاز جسدها و يسمع نحيبها المكتوم فالذي سيحصل هذه الايام يختلف تماما عن لقاءهما بشعيب في المطار فلا الزمان ولا المكان كان يسمح لشعيب ان يتخذ اي اجراء ضدهما !

ولكن هما هنا وجه لوجه معه ، معه هو بالذات ، وهو ليس جبانا ، لا يندم ، لن يختبيء هنا كالجرذ الخائف، هو لا زال امهر و اقوى من شقيقه المخنث فان فكر مجرد تفكير ان يتكلم سيقطع له لسانه.. سيقدده !

ارتفع الحنق حتى بلغ حنجرته صار يهزها بعنف يؤنبها ويحاول ان يسحب الغطاء من فوقها : قومي هيا قومي لما تبكي قولي لي لما تبكي هل تندمين هل تحنين ابعدت يده عنها فهي تحاول قدر المستطاع الان ان لا تصرخ من الخوف تتخيل ان يقتحم عليهما الغرفة والا يستطع هارون مع عجزه ان يرده عنها!

لا تدري لما في عقلها تكونت صورة مغايرة تماما عنه لما تتوقع منه الشر الم تتركه لبروده و لتعامله الرقيق و لضعفه امامها فكيف تفكر للحظة انه قد يتهجم عليهما او يقتلهما!

كان يفكر هل يقوم  يواجهه منذ ساعات الصباح الاولى فإن بقي في فراشه سيظن ذاك انه لن يواجهه لضعفه وهذا مالا يريده يريد ان يقطع رأس القط فورا !!

اغلق الباب و بقيا في فرشاهما هي تبكي وهو يفكر ان يتسلق كرسيه و يخرج !

 

ادخل يحي ايدين بالقوة الى غرفة الجلوس نظرت زهرة الى وجهيهما فرأت ان كلاهما مكفهرا قالت : ما بكما هل من شيء حصل ؟!

نظر الاثنان الى بعضهما البعض حتى جلس يحي و هو يفك زر قميصه العلوي ويتنهد بتعب : المجدلية و هارون هنا !

اغلق عينه و هي فتحت عينها بقوة في وجه ايدين انقلبت سحنتها بالاسف عليه حتى احمر وجهها ثم رفعت عينها في عينه التي قابلتها ، كان هناك تحريضا ، كان هناك تضامنا ، كانت كأنها تدفعه ، يرى شفتها تهمس ،، العاهرة ،، :  افعل ما تشعره ..ما تحس انه الصحيح!

حتى سمعت صوت يحي ينهرها بقوة و هو يفتح عينه بعد كلامها : زهرة اصمتي ولا تتدخلي اصمتي فما نحن فيه يكفينا !

نهضت وكأنها غير مكترثة تحرك كتفيها تلوي شفتيها تحرك حقيبتها تذهب تفتش عن غرفة لتبقى فيها : براحتك ان شعرتما ان هناك راحة!

تركتهما.. يحي حانق متضايق منها ومن تحريضها المباشر لايدين ان يأخذ ثأره من المجدلية ومن تدخلها السريع في امور لا تعنيها !

لحقها ببصره حتى اختفت اما ايدين فوقف هناك يتحرق كلمات زهرة نشبت في عقله ، ولكن على الاقل اختباءهما منه الان يعني له شيئا !

قام يحي من مكانه : اسمع انا متعب سأنام ساعة !

تركه يواجه الاثاث يواجه تلك الابواب لا يدري اي باب هو بابهما سويا الباب الذي خاناه خلفه!

كانت زهرة لتوها تتهيأ للدخول الى الحمام حين لحق بها يحي بسرعة عجيبة يمسك ذراعها يجرها الى صدره غاضب منها غاضب جدا وهنا يهمس لا يريد لأحد ان يسمع صوته يعلو عليها لا يريد ان يهينها هزها بخفة حتى استغربته رفعت نظرها فيه كانت عيناه العسليتان فيها تحذير ، تحذير خطير : اياك ثم اياك ان تتدخلي بين ايدين و بين اخوه انت هنا ليس من اجل ذلك !

ثم .. نظر اليها من قمة رأسها الى اخمص قدميها المكشوفتين : انا لم احاسبك على تبديل ثيابك في المطار ، ماهذا هاه ما هذا ، لمن تعرضين جسدك لمن !

: زهرة لا تلعبي بالنار ، ثياب قصيرة هنا لا اريد ولن اسمح وان رأيتها عليكِ سأقطعها فهمتِ!

كانت مذهولة : البيت فيه رجال غيري فلن تتجولي بينهم و تجلسي غير محتشمة!

كيف؟!!  لا تفهم..  منذ متى يتبنى يحي هذه الافكار المقيتة ؟!

يريد ان يسيطر على مظهرها ، هذه رغبتها وهذا هو .. ستايلها ... ولن تسمح له ان يقحم نفسه فيها فأن فعلت الان سيتدخل في امور بعدها مثل ان لا تخلع الحجاب وهي في الخارج مثلا او ان ترتدي الجلباب مرة واحدة .. هزلت ، نفضت ذراعها من يده تقف تواجهه تتحداه: انا لن اقبل ان تفرض سيطرتك علي و خاصة على مظهري !

ضيق عينيه فيها يتفحصها وهي تتابع : هذه الافكار الرجعية هناك في بلدك اما هنا فلا !

هه.. سمعت صوت حنجرته طأطأ رأسه ورفع يده على قفاه الى نهاية شعره يرفع عينه فيها : تقصدين انك لا تعتبرينني رجلا !

ولكنه باغتها باغتها بقسوة وهو يشد ذقنها بقوة يضغط عليه بهمجية عيناه تحمران غضبا اغلقت عيناها بقوة اقترب كثيرا حتى لامس انفه انفها يهمس عند فمها : ولكن لسوء حظك انني رجل !

دفعها عنه حتى ترنحت مصدومة تنظر فاغرة فاها : ان تطلب الامر ان اعاملك كجارية سأفعل لا تجبريني الى فعل اشياء انا لا اريد فعلها معك!

كان يصدمها ، جارية !!

وصلت به المواصيل ان يصفها هي بالجارية !

نفثت انفها بحرارة وعينها تدمع أهكذا هي البداية هنا معه ؟

اولا لم تتوقع ان الجميع سيقطن في بيت صغير كهذا لا تعرف لماذا اختاروه بهذا الحجم ؟

ثانيا لم تتوقع ايضا ان ايدين سيكون معهم في نفس المكان ، على اسوأ الاحوال كانت تتوقع ان تقيم في احد الفنادق تاخذ حريتها بلا حسابات ولا محاضرات

ثالثا الفاجعة ان اخت غريمتها هنا هي و زوجها !

البيت .. زحمة .. وهذا ما لم تناقشه معه ولم تعرف تفاصيله يوم وافقت على السفر معه ، ان كان كل هؤلاء هنا فلما احضرها معه ؟!

كانت كل مشاعرها تطفو على وجهها حتى تبرم منها اعطها ظهره يرمي بنفسه على الفراش : لا تنظري لي وكأنك الضحية وكأنني اجرم بحقك ، انظري الى نفسك اولا !

اغلق عينيه وهي تزحزحت حتى دخلت الى الحمام تغلقه خلفها بمهل و تستند عليه ، يحي رغم ذلك لا يظهر حبه ولا مودته لها وفي اللحظة الملائمة مستعد ان يهينها و ينال من كرامتها!

نزلت الدموع مدرارا على خدها حتى ابتلعتها و استنشقتها!

 

الروائح ، حديث النساء ، جري الاطفال المستمتعون !

و ناجية المطحونة !

كانت تنظر الى كل من حولها ، تنظر ولا تكاد تعرف احدا ، فالاصدقاء قد خانوها و تركوها ، العائلة مشتتة ، هنا عزاء امها و هناك عزاء ماجدة !

وهي عالقة في الوسط دموعها تفطرها من ساعة لأخرى ، هناك مارن ، نعم لقد جاءت رغم كل الحساسيات التي بينهم قد جاءت مارن لتساعد كي تسندها كي لا تبقى وحيدة ، نعم اكتشفت انها وحيدة وان اختها ليست في كل البيت ، تعلم ان سكينة كانت مريضة سكينة لن تتحرك هكذا بكل بساطة من فراشها ، عندما سألت ياسين عن يحي لشكها انها قد تكون قد ذهبت معه انها هي الاخرى قد فضلته عليهم و هربت ، تفعلها سكينة لما لا تفعلها ولكن انهدمت كل تلك الثقة في استنتاجاتها حين قال ياسين : لا ، يحي رأيته خرج مع ايدين ومع زهرة لا ادري اسألي  !

ترفع رأسها للسماء حتى الان لم تبح لاي احد منهم ان اختها مختفية ان سكينة لا تعرف اين هي !

وماذا عن المجدلية هل تتصل بها و تخبرها ، المجدلية ستجن عندما تعلم لن تصبر ، كل مرة ترفع هاتفها كي تتصل تتراجع تقضم شفتيها قهرا ، سمعت من المؤيد ان اخر ليلة في العزاء ستكون في بيت عمه صالح لمن اراد ان يأتي تلك الليلة !

وهنا رفعت هاتفها تتصل بأخوها كان الهاتف يرن الى ان رفعه : ماذا تريدين

كان جافا عدوانيا ، المؤيد ، كانت تخاف ان قالت له ان ينفجر فما فيه يكفيه ما حصل يكفيه ، صبا لا زالت في الطواريء لا تعلم حالها و امه ماتت ! ماذا يريد بعد كل ذلك؟!

قالت وهي تتجاهل نبرته : مؤيد تعال اريدك في امر ضروري !

اغلق الهاتف و دسه في جيب قفطانه وهو يقوم من بين الرجال يتحرك باتجاه البيت الذي تغص به النساء خاصة من جهة اقارب امه !

تخطى عدة صبيا يلعبون و يضحكون  يجرون و يتسلقون الاشجار هنا وهناك و كانهم في سيرك قد اخذوا راحتهم في اللعب و الفساد!

وصل الى باب البيت وهي هناك كان نظرها متفرقا ما بين المعزيات في الداخل وما بين شبح اخاها المكفهر تقدم يقول : ما بك بسرعة قولي لاعود الى الرجال !

ابتلعت ريقها لا تريد ان ترمي بالخبر في وجهه مرة واحدة ترددت ثم قالت : منذ ان عدت للبيت سكينة ليست فيه !

انفتحت عيناه على كبرهما : ماذا تقصدين ، سكينة ليست في البيت ؟ كيف ؟

اخذت تبكي و هي تجر فستانها الى ما فوق رقبتها متضايقة تنتحب : لا ادري لا ادري اسأل عنها اعرف اين هي قلبي يأكلني عليها

التف حول نفسه ضرب الباب بقوة بقبضته يكاد يصرخ انحنى و حركة يداه كانت خير دليل : من سأسال من ؟ اين ذهبت اختك اين وكيف لا تقولي الا الان

غطت وجهها بيدها تنتحب : لا اعرف فتش عنها انظر اين اختك فتش

على الفور رفع هاتفه يتصل بشعيب الذي كان في مجلس عزاء امه هو الاخر بين الرجال و منهم طارق و الهادي اللذان حضرا من الفاجعة على الفور بل لم يتركوهم البتة من ساعة اشتعل الحريق في القاعة كان وقع الخبر عليهم فاجعة جعلتهما يبكيان ، نعم احتضن كلاهما الاخر وصار يبكي بقوة صارا يهتزا سويا على نغمات صوتهما الثخين ، ام يحي ، انها ام يحي ، ام الغالي عليهما ام صديقهما ، لا يعرفا كيف يتصرفا وماذا يقولان ، يحي سيجن ان عرف ، سيجن ان دفنوا امه بدونه ، يحي سيغضب منهما ايما غضب ، نبه شعيب عليهما الا يتصلا به و في حين لو اتصل يحي ان لا يشعراه بأي شيء !

لم يكونا يظنا انه من حق شعيب ان يقرر عن اخيه ؟

لما لا يعلم عن موت امه ولا يحضر جنازتها ، لقد غضبا منه باديء الامر و تعاركا معه وارادا ان يخبرا صديقهما ولكن شعيب كان اشد غضبا و ربما طردهما من هنا !

التزما الصمت المعذب وهما يلتصقا بكرسيهما لا يصدقا ان كل شيء في هذه العائلة هو نحس !

من زواج شعيب لزوجته الاولى ثم من بعدها ثم توالت المشكلات في كل مناسباتهم انهم لم يفرحوا في مناسبة ابدا!

والاثنان ايضا يلوما المؤيد يلومانه بشدة و تناقشا في الامر ان ما فعل المؤيد هو مادمر العائلة.

حتى حين اقسم طارق وهو يضغط على اسنانة من غيظه: اقسم ان رأيت الصديق سأكله بأسناني اقسم !

كل منهما يتوعد و الوعود كثيرة كثيرة وكلها تصب في كأس واحدة .. كأس الموت !

قام من مكانه يتحرك لمكان اكثر هدوءا يرفع السماعة يسمع صوت المؤيد : شعيب اين يحي ؟!

رفع شعيب حاجبيه و هو يضع يد في جيب بنطاله : يحي مسافر ، لما ؟

كان يقف لا زال مع اخته تسمع ما يسمع رفعت يدا وجلة الى قلبها يارب الا تكون سكينة قد هربت فعلا معه يارب لا يارب واخوها يرفع نظرة محذرة الى محياها يتوعدها شرا ان فعلا كانت سكينة قد هربت فهو ايضا لا يعلم ان يحي مسافر ولا يعرف لأي امر فمنذ ان كتب كتابه على صبا ومنذ ان تعاركا بسبب سكينة لم يحدثه ولا يعرف عنه شيئا وفي العرس لم يره بين الرجال الا لمحة ثم اختفى!

كانت النار تشتعل في جسده : مسافر الى اين

شك شعيب في نوايا المؤيد : قل مباشرة ما بك بلا لف ولا دوران انا رأسي به ما يكفيه

حتى نطق الاخر بانفجار : اخوك هرب مع اختي ارتحت هرب معها !

فتح شعيب عينا على وسعها : اخو من الذي تتحدث عنه ومن الذي هرب ماذا تخرف ـ يحي سافر مع ايدين و زهرة الى المانيا و اختك لم تذهب معه !

كان شعيب غاضب جدا جدا غاضب ، ماذا يحاول المؤيد ان يفعل ؟! الا يكفي كل ماهم فيه بسببه ؟!

: تبا لك يا مؤيد والله لا زلت اصبر عليك اقسم بالله لدي النية ان اشفي غليلي في رأسك !

امتعض المؤيد وهو يسمع كلام شعيب المشمئز منه لوى شفتاه قهرا هو يعلم ان احدا لن يسامحه مهما فعل ولطول العمر : اذهب ابحث عن اختك و اغلق الهاتف في وجهه!

دار حول نفسه يهمس لناجية : ليست معه ليست معه !

كان يحك جبهته بقوة من سيخبر الان لمن سيلجأ يا لها من فضيحة اخرى في ظرف يوم !

اتصل هذه المرة بأبيه لابد ان يعرف، و بعمه امحمد حتى يلتقوا جميعا هناك مع ناجية التي اخذت تجهش بالبكاء العنيف لا تشعر بخير وهو يصرخ فيها : اخرسي اخرسي دعينا نفكر نعرف ماذا حصل يا الله بسرعة البرق دخل الى كاميرات المراقبة التي كانت منتصبة خارج اسوار البيت و داخله تكشف كامل حديقته كان يدور بعينه الى حين ان فتح اخوه البوابة و دخل منها يجري و بعد ثوان يرى جسد سكينة بين يديه يحملها و يطير بها جريا الى هناك حيث سيارة تويوتا سوداء معتمة جدا بلا ارقام كانت تتبعه ولا يتبين ملامح سائقها القى بها اخته و تركها و هو وقف ثم ركب سيارته و خرج !

رفع كلتا يداه الى رأسه الى نافوخه الذي كاد ان ينفجر لم يستوعب لا يصدق ...عيناه خانتاه هبط قلبه الى ساقيه حين دخل ابوه و عمه الى الغرفة ينظرون الى حاله وهو يحدق مسود الوجه الى الكاميرات اداره ابوه بقوة ليرى الموت في عيني ابنه :  يلعن ابوكم على ابو خلفتكم قل ماذا حصل

يريد ، يريد ان ينطق يريد ان يقول ، كيف لم يفكروا ابدا ان المنذر هو من فعلها ، كيف لم يفتقدوه ، كيف لم يشكو في امره ، المنذر هد المعبد على من فيه و خطف اختهم و رحل !

كيف سيقول كل ذلك لأبوه سيسقط من طوله ابوه لن يتحمل هذا الخبر : هيا قل لقد حرقت لي دمي

اغمض عينه ليقولها دفعة واحدة لا يريد ان يرى وجه ابيه حين يجلطه : المنذر ، المنذر ليلة الزفاف دخل البيت و خطف سكينة !

لم يحاول ان يفتح عينه مرة اخرى ، صار لا يسمع شيئا ولا همسا كأن على رؤسهم الطير ، هدوء مميت حتى الانفاس قد خمدت ، اسند امحمد اخوه بقوة بين ذراعيه يلوم المؤيد ان اخبر والده في هذه الساعة العصيبة التي تمر بها العائلة قال امحمد يسهل الامر على اخوه : ان كانت معه لا بأس هو فعل ذلك فقط نكاية بنا جميعا .. للحظة نسي امحمد وسط هذه المعمعة ان التي يتحدث عنها هي زوجة يحي وان علم يحي الله وحده اعلم ماذا سيحصل !

حتى قال المؤيد : لا ، لم ياخذها معه

استدار و فتح الكاميرة التي كانت تفجعهم وهنا كان الاستنتاج المقيت الاستنتاج الخبيث يصعد الى الواجهة هو لم يخطف اخته و يرمها في سيارة فقط ، المنذر هو من احرق القاعة بمن فيها !

 

يتقلب متقلقلا لم يستطع النوم فكل مرة حاول فيها ان يرتاح و يغمض عينه تقفز سكينة قفزا الى روحه ، يشتاقها يشتاقها كثيرا جدا و يحبها كثيرا جدا بل ربما فاق حبها اي حب أخر تقفز صورتها في كل لحظة قضياها معا وحتى اخر مرة التقيا ، وجود سكينة في عقله الغى اي وجود لأنثى اخرى في حياته ، لا ، لا يبالغ ، وجد فيها ضالته الى ما يبحث وجد نفسه فيها وهي عززت هذا الشعور بمشاعرها الجياشة تجاهه و كم الحب و العاطفة التي منحتها بلا حسيب او رقيب !

انقلب على ظهره يضع يده على بطنه و يد تحت رأسه ينظر للسقف الذي تغير ، هو بعيد عنها بعيد جدا رفع هاتفه و هو يتململ يضغط رقمها و لكن اعطته مقفل !

غضن جبينه ثم عبس و ضل ينظر مليا الى هاتفه حين دخلت زهرة تضحك لا يعرف لما ، حسنا لباسها على الاقل قد تغير بنطال واسع بلون السماء مع بلوزة بذات اللون كأنها بزة !

تعقد شعرها في ربطة الحصان و تتزين بالحلي على رسغيها و جيدها الممتليء فبدت أخاذة جميلة و نظيفة جدا ، نظر اليها جيدا يتبعها و يتبع ضحكاتها وهي تنظر الى  هاتفها .. لحظة .. زهرة هنا ليس فقط من اجل خطط يحي بل من اجل خططها ايضا !

اثارت فضوله خاصة انها لم تزح نظرها عن هاتفها ابدا وهي تضحك يا الله كأنها تتشفى !

استقام في رقدته و جلس ظهره مستند الى السرير وهي تتجه له دون ان تنظر له تضع الهاتف امام عينيه و تقول : يا الهي انظر انظر الى هذا !

كان يستغربها حتى اذا لف رأسه ينظر الى الهاتف رأى شيئا لم يفهمه او شيئا لم يرى ان له علاقة به ، فتاة ترقص على انغام الموسيقى في غرفة ما !

لم تحرك زهرة ذراعها قيد انملة كانت تنظر الى وجهه تنظر و تحدق بمكر في عينيه تنتظر تلك اللحظة التي يستوعب فيها ما يرى اللحظة التي ستزيح فيها سكينة من عقله لربما الى الابد ، هي يعايرها بملابسها و يريد ان يتحكم فيها و يريد ان يفرض سيطرته عليها حسنا فلينظر الان الى من فضلها عليها و ذهب لخطبتها بل حجر عليها لباقي عمرهما وهي ترقص شبه عارية !

كانت هي تحرك كل وقت له الشاشة و تريه فيديو جديد لهذه الفتاة التي ظنت ساعة حب انها قد مسحت كل شيء و لكن لا تدري ان هناك من كان ينزل تلك التسجيلات اولا بأول و يحتفظ بها !

وهو يتابع يرى امرأة جميلة بجسد جميل رشيق راقصة متمكنة خاصة وهي تتمايل في تلك القاعات ، كان يظن انها راقصة مصرية وان زهرة قد جنت كي تريه اشياء مثل تلك يسيل لها اللعاب !

وهو حتى الان لم يجمّع !

اقتربت زهرة و ظهرت غمازتها تلك اللحظة جلية جدا وهي تبتسم باستهزاء : يا الهي الم تعرفها ؟!

كتف يديه الى صدره ملامحه يغزوها الاستغراب : تدرين اريد سيجارة و انت لا ادري قد جننت!

قامت تتحرك من مكانها تاركتا هاتفها بين يديه حتى ينظر جيدا حين تلقي عليه بقنبلتها وهو يحاول ان يقوم مهملا كل ذاك لانه هذه الساعة لا يهمه نفض ثيابه و صارت قدماه تلامسان الارض و الهاتف بين يديه ، رفعت حاجبا : حقا لم تعرفها

اجاب بلا اكتراث : على حد علمي انا لا ادير كابريه كي اعرف الراقصات!

انحنت ضاحكة ضاحكة بقوة يا الله انه ينكت يا الله اخخخخ يا الهي يا يحي قالت من بين ضحكاتها : هذه سكينة !

كان يسمع ضحكاتها و في نفس الوقت يسود وجهه من كلامها رفع الهاتف الى عينيه يرى مجددا .. سكينة !!

كانت زهرة تستمتع كما كانت تستمتع سكينة في كل تلك الرقصات و الفيديوهات اخذ ينتفخ ، صدره امتلأ بالهواء السام يكذبها: تكذبين انت فقط تغارين منها و غيرتك قادتك الى هذا

رمى بهاتفها على الارض بقوة حتى انزلق الى ما تحت ساقيها قام لها يتجه نحوها ببطء : ألهذه الدرجة انت مستعدة ان تفعلي اي شيء من اجل ان تشوهي صورتها في نفسي !

رفعت رأسها بعزة ثم التفتت عنه تعطه ظهرها تستفزه: برأيك انت حر صدق او لا تصدق ، لدي خبر يقين انها هي و انا متأكدة انها هي ، دقق جيدا هذه هي هيأتها و جسدها !

كان ينظر في وقفته الى الارض  يرفع يده الى شعره يشده بقوة الى ما خلف رأسه يحاول يحاول ان يسخف الامر ان يبرر لها : سكينة مراهقة قد تفعل اي شيء للفت الانتباه!

هنا دارت حول نفسها غير مصدقة.. عيناها مفتوحتان وفمها فاغرا تضع يدها على اذنها : ماذا لم اسمع .. ماذا خلتك قلت ؟!! مراااااهقة ! مااكبرها عند الله ، اقتربت حتى ربتت على صدره برقة كأنها ترتب له قميصه و ابقت يدها في ذاك المكان حيث يتسنى لها التجسس على دقات قلبه الذي خفت ، تقترب من وجهه مثلما فعل معها قبل ساعة : يا حبيبي سكينة خريجة جامعة ، سكينة في الثالثة او الرابعة و العشرين ، لا تقل لي انها اخبرتك انها صغيرة !

كانت تنظر الى كل وجهه عيناه تلمعان وشعره تهدل و شفتاه انفرجتا قليلا عقله يدور لا يهمه عمرها لا يهمه ما يهمه ان تكون ادعاءات زهرة ضدها صحيحة وتكون هي من ترقص : تريدينني ان اكرهها ، تجمعين ضدها الادلة ؟!

تمسكت في قبة قميصه تقترب اكثر تحثه على النزول لها على ان ينحني من علياءه : وانت لن تصدق ، لهذه الدرجة تحبها لهذه الدرجة تفضلها علي !

كانت عيناه تقر ، تحكي ، نعم هو يفعل ، سكينة هي الهوى هي العشق هي الاغنيات هي الربابة و الصبابة لا يقدر مهما فعلوا ان يكرهها ان يبتعد عنها هي له وهو لها وكل ما عداها سواء !

كانت تبكي وجهها محمر و شفتاها غارقتان في دمعها تلتقطه  فتستطعمه على لسانها : يحي ! همست بغير تصديق ، هل احضرتني هنا لتتركني !

نفضت يدها من ثيابه وقفا وجها لوجه عينيه غائبتان غائمتان انفاسه تثقل على وجهها : زهرة انت تنسجين قصص من خيالك و تعيشين عليها !

ابتعد و هو يريد ان يلج الحمام : ان لم تعقلي هذه الايام ساعتها سنجلس و نتفاهم !

كان تهديدا ، انه يهددها ، وكل مساعيها ضد سكينة كانت تنقلب ضدها

حسنا ليس تماما فهو حين اغلق على نفسه باب الحمام كاد ينهار ارضا لا يصدق ما رأى ، صدرها و فخذيها و ساقيها و وركيها و ذراعيها و ابطيها و بطنها و ظهرها و شعرها كل شيء كل شيء عاريا امام عيون البشر شعر بحلقه ينسد اخذ يتنفس بسرعة وقوة يضرب على رأسه بلا عقل يضرب على صدره انتفخت اوداجه كانت اصوات الثورة تخرج من حلقه، تسمعها نفسه.. سكينة التي رأها هنا غير تلك ، هل كانت تخدعه ؟!! هل كانت تلعب بذيلها ؟ كم رجل عرض نفسه عليها ؟! مع من كانت تخرج اذا كانت تفعل ما تفعل دون علم احد ؟! هل كل ما حصل بينهما هو بسبب رهانها ان تأخذه من زهرة ؟!

و المشكلة انها فعلت انها حقا قد اخذته من زهرة ، يعترف ، والاعتراف الان يقتله

هل هاتفها مغلق لانها تمارس هوايتها في الرقص امام الكاميرات و في المحافل العائلية !

صدمته صدمة كبيرة و جاءت في الزمان و المكان الخطأ !

الامر خُلق كبيرا و سيبقى كبيرا ..زوجته راقصة زوجته هو راقصة.. سيقتلها سيقتلها سيقتلها اللعنة عليكِ يا سكينة الف لعنة .

اما خارج هذه الغرفة و الهواء المخنوق فيها كان ايدين يجلس على احد كراسي الحديقة لم ينم في الداخل ولم يتزحزح هو ينتظر لا يدري هل ينتظرهما ان يخرجا و يتواجهوا ام فقط يتجاهلهما وكأنهما لا يعنيا له شيئا !

كان يدخن حين خُطفت السيجارة من بين شفتيه و التقطها يحي الذي لملم نفسه و اجل اي مواضيع في تلك البلاد تحتاج للجراحة الفورية ، استئصال !

نطق ايدين : ماذا الان !

جلس يحيى يدخن باقي السيجارة على مهل : ننتظر دخول زكريا علينا !

نفض السيجارة على العشب ثم ارجعها الى شفتيه يضيق عينيه ينفث انفاسه و يراها في تلك الضبابة ترقص !

: لن نطيل البقاء ثلاث ايام على الاكثر و نرجع ، بالنسبة لايميل ان تطلب الامر ان نضع اعلانا ان يلاقينا فسنفعل !

و لكن ايميل لم يكن يحتاج الى اي دعوات او اعلانات فهو جاهز ، يعرف مكان البيت و يعرف من فيه حتى انه قد راقب ذاك الجسد الذي ضل واقفا امام البيت طويلا مترددا في الدخول ، عندما رآه ، عرفه ، كيف لا يعرفه ، ايدين تغير للأفضل للأجمل كله رجوله و كاريزما ، كان ايميل يجلس في السيارة و يراقب يدخن و يرجع بالخلف الى تاريخه الى ذاك اليوم الذي وجد الشرطة تحاصره من كل جانب ، استيقظ على صدر فتاة تدعى تامارا ، بالجرم المشهود ، كان هو وهي و اما ايدين فكان قد هرب تركه في مصيبته و هرب ، ايدين لم ينظر خلفه لم يؤنبه ضميره لم يندم انه ظلمه ، ظلم ايميل في الشيء الوحيد الذي لم يكن مذنب فيه !

هل سيدعي على ايدين هل يشتكي عليه ؟!

بالطبع لا

ايدين جزء كبير من عمله و ربما القبض عليه سيفضح الكثير من عملياته الاجرامية من قتل و تجارة مخدرات و غيرها من العمليات الغير شرعية والتي قد تودي بحياته وقد لا يخرج لباقي عمره من السجن ففضل ان يحمل القضية على عاتقه ان يعترف و هو حقا لن يستطيع ان ينكر فهو هنا و الشرطة هنا و الفتاة ايضا هنا !

قضية اغتصاب كانت اهون الشرور حتى بالنسبة له كانت قضية شرف ، لا ليس شرف بالمعنى المتعارف عليه ، الشرف انه نام مع فتاة بغير رغبتها فهو كان شرفه!

رجع ايميل الى حاضره : ها معلم شو راح يصير هلأ ، شو رأيك نأتلوا هون نرميه برصاصة و خلصنا !

التفت الى ايدين الذي كان يحادث يحي تلك الفينة .. هل يقدر ان يقتله ؟!

هو يريده يريد ان يتفاهم معه ربما اراد ان يقتله ان يعبث به ولكن الان حين رأه لا يعترف لنفسه ابدا انه يريد ان يدفن ايدين !

سرح حنجرته .. يا الله .. ما اكبره التاريخ الذي بيننا يا ايدين ، تربيت على يدي ، صرت وغدا على يدي ، قاتلا على يدي ، مغتصبا على يدي ، تاجرا راقصا حقيرا حشاشا على يدي ، هو نوع التاريخ الذي يحبه ايميل ، نوع التاريخ الذي يخلق علاقات حميمة مع اتباعه ، الولاء و الطاعة !

 ايدين كان مواليا و مطيعا و منفذا لكل شيء حصل !

: لا ما بدي اقتلوا ، امشي روح راح نرجع خلين عايشين على اعصابن !

 

و بالحديث عنها ، عن التي سببت شقاقا بين هذين الرجلين ، عمن كانت سببا في ان يرجع ايدين الى بلاده والى عقله و الى انسانيته !

عنها وعن عمر الثانية عشرة !

 

الليل يحل او حل الى الابد لم تعد تفرق معه ، الايام كلها ليل و سواد ، عتمة و خوف ، يتقلب تارة على جانبه الايمن وتارة على الايسر يتقلب و يضل هكذا لا ينام لا يقدر لا يستطيع.. ان ينام يعني انه مرتاح يعني انه يتجاهل و الامر ابدا ليس كما يريد جسده الذي يريد النوم والراحة لكن عقله له رأي اخر ، فتح عينه بتصميم في الظلام فالفكرة رغم انها كانت بعيدة كانت غير متوقعة منه.. لا ليس منه.. قد يفكر فيها كل العالم الا هو

قفز من فراشه قفزة ارتعشت منها زوجته وهي تراه هكذا هب هبة واحدة مثل المضروب بالكهرباء فتح الاضاءة وصار يفتح الادراج درجا وراء اخر على عجل بغل يفتش يرمي الملابس و الاوراق كيفما اتفق على الارض هنا لا يجد ضالته

اله حادة ينهي بها حياة الفضيحة ، نعم عبدالرحمن الخال الحبيب الخال المحب لم يعد يقدر ان يحتفظ بتمارا كما هي ، تماارا و طفل معها حملت به بالحرام !

هل سيعيش حياته و يهرب من بلد الى اخر بسببها، هل سيعود الى موطنه ببطن مثل بطنها ، تامارا ستلد في بضع اشهر ولابد ان يتخلص من هذا الحمل !

هم الان جميعا في مصر ، في مصر سيستطيع ان يرشي اي عيادة في ان تتخلص من الطفل بعد مولده، ان يرمي الصبي على الطرقات او امام اي مسجد ،في مصر سيستطيع ان يسجل الطفل باسمه واسم زوجته سلمى اذا لم يستطع قتل تامارا !

الامر كله كان مخطط له ، في الاسكندرية !

وهذا كله كل الخطط كانت تتلاشى امام فكرة قتلها او تسميمها ، تامارا اصبحت عبأ عليه ، فضيحة ، عار ، لا يتخيل ان ابنته هو تغتصب لا لا

انا اختنق يا سلمى اختنق يمسك برقبته و يضغط بلا وعي حتى يحمر وجهه و تظهر عروقه المتفجرة عند جبهته .

هو اول من رأى ملف القضية و صور القضية ، تم تصوير تامارا في اوضاع مخلة نعم كانت فاقدة للوعي نعم كانت مكممة كانت مقيدة لكن لا يمنع منظرها المخزي ذاك و فوقها رجل !

يا الللللللللله يصرخ يصرخ كلما مرت الصور امام نظره يصرخ

يرفع رأسه للسماء يستغيث ، تفيق تامارا مرعوبة تمسك ببطنها الممتليء بالجريمة و تبقى سلمى تنتظر !

يهمس لسلمى بعصبية ببكاءه بجنونه لا ما عدت احتملها ساقتلها ساقتلها

حين يندفع الى الباب تندفع سلمى تشده بقوة تتشبث بتلابيبه تعترض سبيله يصير العراك حاميا بينهما هي تشد وهو يدفع الهمس مولع بينهما الصراع مميت بينهما اتركيني اقتلها واخلص والله موتها خلاص لنا جميعا اتركيني

تدفعه وهي تصرخ هامسة عيناها دما لن ادعك تقتل ابنتي لن تفعل

تضل تضرب على صدرها على فخذيها ما ذنبها هي ما ذنبها

يضل يدور في الحجرة مثل المجنون يريد حلا حلا سريعا حل ينقذ الجميع حتى صرخت فيه تجره اليها يجلسا سويا على الفراش .. انا لدي الحل !

هدأ عبدالرحمن صار مسيرا ليس مخيرا ، فقط ينتظر هو وسلمى ساعات المخاض التي ستمر بها صغيرتهم المعذبة ، تامارا كانت بالكاد تعيش بالكاد تاكل ، ادركت على صغر سنها حجم الدمار الذي حل على الاسرة ، مدى الضغط الذي يعيشه خالها و خالتها سلمى ، تعلم الهمسات والنظرات ، لم تعد تشعر بالراحة ، بطنها كان يكبر كل يوم ، كل شهر ، الجنين تخلق في احشائها ، احبته تكذب لو قالت العكس ستحب مولودها ستحميه ستبقيه معها قررت ويا ليت لقرارها اذان تسمع !

: دعنا نتفق مع العيادة التي ستلد بها ان يخبروها ساعة يولد الجنين انه مريض جدا و سيبقى في المستشفى ، تلك الساعة سيموت !

كان عبدالرحمن ينظر الى زوجته ويستمع الى ما تخطط ، لم يكن ما قالته سهلا ولكن ايضا ليس مستحيلا !

عندما دخلا عليها وهي في شهرها الثاني يبشرانها بخبر رائع خبر لطالما انتظرته ، كلاهما فرحا جدا بما سيقولانه ، صوتهما ، نبرتهما ، لا شيء يشي بأي مشكلة بل كل شيء كان جميلا ، ملأتها فرحا وسعادة في اجواء كانت كلها مصائب و بكاء و اعصاب : تامارا خالتك سلمى حامل !

الان سلمى تتظاهر بالتعب و الوحم ، اشترت بطن كبير حتى اذا في يوم فكرت تامارا تسالها ان تلمس بطنها لن تحرمها من ذلك ستجعلها تتاكد انها فعلا حامل رغم ان هذا الامر كان يمزق سلمى من جهتين ، جهة انها تتمنى بل تشتاق ان يكون كل هذا واقع ان يمتلء بطنها بصبي ان تنجب ان تصبح اما ، والم انها تخدع تامارا !

ولكن كل شيء مخطط له كان في مصلحتها ، لمصلحة تامارا ومصلحة العائلة كلها ، ستتحرر تامارا ، سترجع للحياة من جديد بهذه الخطوة، سترجع للدراسة و ستنسى ، سيجعلونها تنسى على الاقل انه كان عندها ولد !

كانت الشهور تجر بعضها البعض دخل عليهم الشتاء و حل عليها الالم الم مبرح وفي ذات الوقت عندما رأت سلمى حال تامارا تأكدت انها في المخاض فما كان منها الا ان صرخت صرخت بقوة بألم وهي تقول لتامارا المتألمة : يا ربي اعتقد انني سألد مبكرا ، يا الله ، وضلت على هذا الحال من الايهام و تامارا تتوجع تتمزق ينفجر كيسها فينزل ماءها ، الكل كان متأهبا نزلت هي و سلمى و عبدالرحمن ، الى العيادة التي جهزوا فيها كل اوراقها و تم الاتفاق فيها على كل شيء بعدما دفع عبدالرحمن كل ماله ما وراءه وما امامه من اجل ان ينقذ سمعة هذه العائلة ومن اجل ان ينقذ حتى هذا الصبي !

جاؤوا يجروون العربة بسرعة و ادخلت تامارا في غرفة الولادة هناك كانت تصرخ مرعوبة تصرخ مستنجدة تنادي : خاااااااااليييييي

صراخها الموجوع المؤذي للروح والعقل و الجسد يتردد في روحه بينه وبين سلمى التي كانت تبكي لم تستطع الدخول معها ولا مساندتها من اجل ان تنجح خطتهما

ولدت تامارا و لحظة ولدت ناولتها الممرضة الصبي على عجل وضعته على صدرها وهي لا تعرف حقا ما تفعل حتى ساعدتها الممرضة وهي تكشف صدرها تأمرها : ارضعيه

اللحظة التي وضعته فيها على صدرها يلتقم ثديها كانت كل حياتها لم ولن توازيها حياة اخرى ، يا الله ما اصغره ، تتحسسه ، تبكي ، كلها عرق وكلها دموع ومع ذلك تضحك ارضعته حتى شبع ثم بعدها جذبت الممرضة الصبي منها وقالت : ماذا تنوين ان تسميه !

كانت تترك يده مرغمة: اوبي .. سأسميه أوبي !

ولكن تامارا ستكون هذه اللحظة اخر عهدها بابنها و الممرضة تحاول الان ان تسحب الكيس و تقطع الحبل السري و في تلك اللحظة هبط قلب تامارا و صارت تنزف بقوة كانت الممرضة تصرخ على ممرضة اخرى : بسرعة تعالي ساعديني البنت تنزف !

دخلت تامارا غرفة العمليات واما ابنها كانت اوراقه و اسمه و كل شيء يتغير الى .. جهاد عبدالرحمن !!

 

 

كانت ساعات انتظار حضور زكريا طويلة و مملة و حبس لكل الاطراف المنتظرة!

المجدلية و هارون التوتر بينهما بلغ اشده حتى قرر ان يخرج اليهم هو لن يقضي باقي نهاره هنا محبوس في الغرفة ومن اجل من ؟

هم المذنبون ، هو و المجدلية لم يكن لديهما النية في لقاء اي منهم لأبد الابدين ولكن مشاكلهم اضطرتهم الى الخضوع و الى المسايرة حتى يجد الجميع حلا !

اخيرا ارتدى ثيابه وهي تراقبه تقضم شفتيها : هارون ارجوك فلنحتمل هذه الساعات حتى يخرجوا ثم نخرج لا اريدك ان تتعارك معهم انا لا اضمنهم ولا اضمنك ايضا !

نظر عاليا في اتجاهها : لا تضمنينني انا ؟! لما !

كان ينظر اليها بعين الشك ، فهو فعلا صار يشك فيها فهي غير طبيعية ، صارت تخاف منه من الشاذ لا يصدق هذا لا يصدق !

اعطها ظهره بلا رد منه فتح الباب وهي لحقته تريد ان توقفه ولكن هو خرج مسرعا مغلقا الباب بقوة خلفه تاركا اياها تهرس يديها ببعضهما هرسا !

كان يتقدم بكرسيه بكل ثقة و غرور و عنجهية ملكها في حياته فهو لن يجعل ذاك يشمت فيه لا بحالته ولا بحال المجدلية معه !

كلما تقدم كرسيه كلما سمع همس الرجلين اللذان يجلسان سويا امامهما طاولة عليها فاكهة و عصير و شاي و علب سجائر !

التقط نظر يحي عينا هارون المتعجرفتان وهو يخرج اليهما ، كان في مواجهة وجه اخاه الذي لم يحاول حتى ان ينظر له ، يا رباه !

صدمة هارون كانت اعظم صدمة !

من هذا ؟!!

ينظر الى عين اخاه الذي يدخن بكل برود و ينفث دخانه حتى يطير للسماء يتلاشى فيها

كان تلك الساعة يرتدي قميصا ابيضا ناصعا يضغط على صدره و عضديه ، بنطال قصير و حذاء صيفي خفيف ، يرى تسريحة شعره التي تغيرت ، عيناه ، تجاعيدها الخفيفة ، شانبه و لحيته الكثة و الاهم من كل ذلك لونه قسوته نظرته رائحته عطره يده المسمرة القوية التي ان ارادت التحطيم ستهشم !

يا ربااااااااه اصار اخاه بهذا المنظر ، لم يعد فيه من المخنث الذي يذكره شيئا ، لااااا شيئ !

كيف تغير ولما تغير !

ضخامته.. تضخم ايدين جدا يبدو ذلك من عضلات صدره و بطنه و فخذيه !

اخاه صار رجلا !!!!

بينما هو جسده يضيع في هذا الكرسي المقيت ، العضلات ارتخت خصوصا عضلات ساقيه ، يبدو عاديا بملامح جميلة هذا كل شيء لم يعد يتفوق في مظهره على اخاه لم يعد ابدا !

كان الصمت للحظة صمت استيعاب ، ولكن هو كل ذلك الان سيسخفه ولن يهمه المهم هو ان يفهم ماذا يحصل ولما هم محبوسون هنا وما حكاية زكريا وما الفائدة في انهم يأتون الى المانيا !

بدأ الحديث دون ان يفقد تركيزه يتوجه به الى عيني يحي الذي كان يراقب عن كثب كل انفعالات وجه هارون ، كل نظرة منه الى شقيقه يريد ان يعرف هل يحن له هل يريد الصلح ولكن عينا هارون كانتا تخبرا شيئا اخر ، حسد ، استغراب ، تقييم !

كان يقيم اخاه من عاليه الى اسفله و يسرح مع نفسه !

التوت شفتا يحيا استهجانا وهو بصدد الرد على كل الاسئلة التي ستوجه له : الى متى سنبقى على هذا الحال !

كان أيدين وكأنه غير موجود او انه يعتبر شقيقه غير موجود ، رغم ان الامر موجع ، جدا موجع ، ان تصل رابطة الاخوة الى الدرك الاسفل من العلاقات ، ان يرى اخاه ولا يلمه لا يسلم عليه لا يحتضنه هو اخوه شقيق قلبه رغم ان هارون كل حياته كان يعامله كعدو!

 

: نحن ننتظر وصول زكريا ثم سنبحث في ايجاد حل

قال بقل صبر وهو يضرب على جانبي كرسيه بقوة ووجه يلتوي كرها : الن تخبرني بالتفصيل ما حصل وماذا يجري ، ارى انك لا تكترث وتعاملنا كأننا تحصيل حاصل !

انا لا اريد البقاء هنا ولا ان التقي بكم انت لا تفهم !

هنا التفت اليه اخاه يرمقه بنظرة فوقية نظرة خذلان يهز رأسه وهو رأى هذه الهزة التي تخبره انه يقول له انه ابله و غبي ولا يقدر العواقب ولا محاولة انقاذ ما يستطيعون خصوصا زوجة زكريا !!

تلك الهزة استشاط منها غضبا حتى دفع كرسيه باتجاه ساق شقيقه يضربه به

اغمض ايدين عينيه الما و تبرمت شفتاه قهرا كل ذاك الماضي فجره هارون و العواقب ستكون وخيمة وخيمة جدا

قام يحي بلمح البصر ولكن يد ايدين اوقفته عن التصرف الذي كان بصدد عمله مع اخوه الذي تشبث بقميص ايدين يصرخ فيه تقابل الوجهان هارون مغلول محسور يكرهه يكره اخوه يكرهه يمقته يا ليته يقدر ان يقتله ما زاد هذا الشعور هو رؤيته هكذا وان يجعل اخاه يراه هو هكذا .. عاجز!

: الن تتكلم الن تنظر الى وجهي الن تقل شيئا اراك تحتقرني لما ؟!! لا تظن حقا انك لمجرد ان غيرت شكل جسدك و لونك ستصنف من فئة الرجال !

هذا هو الشيء الذي لم تكن المجدلية تضمنه في هارون .. سلاطة لسانه !

لا يدري يحي بعدها الذي يجري امامه سوى ان ايدين قفز على اخاه ارتمى كلاهما على الارض طار هارون من كرسيه يرتطم بالارض و فوقه ايدين يكور قبضته و يهشم وجه اخوه يهشمه يضربه يعنفه سيقبل كان سيقبل اي شيء يقوله اي شيء يفعله سوى ان يشكك في رجولته ، ماذا قالت له المجدلية هل مررت له شكوكها في تصرفات ايدين هل لانه لم يلمسها و اخذها شقيقه عذراء سيجعله سينال من كرامته متى شاء منه.. ايدين كان ينتفخ كان هائجا لم يرد للقاء ان يكون بهذا العنف ان ينزل لهذا المستوى لم تكفي ذراعا يحي القويتان ان تفكا غضبة ايدين عن وجه هارون المدمي يخنقه يقربه من وجهه : لقد تسلطت علي كثيرا كثيرا حتى ما عدت اطيقك بكل وقاحة تأتي لتتهجم علي وانت من ارتكب الفاحشة في بيتي ومع زوجتي تلك العاهرة ، لا تفعل ذاك سوى العواهر امثالها هي تليق بك حقا تليق لانكما ابناء شوارع

كان صوته عاليا يشق جدران الحديقة النار تلهبه تلهب جسده يشعر بالثورة وهارون يحاول ولكنه لم يفلح فهو لم يجهز نفسه لعراك جسدي يا الله لو كان في عزه لو كان بكامل جسده لو كان بقوته كان سيجعله حطاااااما : تلك ال...... كان لفظا قاسيا جفل منه وهو يسمع صوت صرخة مصدومة من خلفه التفت فالتقت عيناه بعينيها صار يتنفس بسرعة عجيبة صدره يتفجر لاول مرة منذ عشرين سنة و يزيد... يلقاها وتراه في هذا المنظر لم تستطع الاقتراب مع كل تلك الالفاظ و لفظه الاخير الذي وصفها به ، يحي يشده يريده ان يكف : ايدين كفى تمالك اعصابك لا تستمع لكلامه هذا انسان حقود لا يستحق ان تلتفت له !

لم يكن موقف يحي مستغربا بعدما رأى وسمع ما يقول هارون عن صديقه وابن عمه المقرب ، كان هارون يأن تحت قوة ضغط ركبة ايدين على رقبته: هل هذا ما قدرت عليه ايها الحقير الشاذ ، ضغط ايدين اكثر فيبدو ان اخاه لن يتنازل عن استفزازه و زهرة تبدو مذهولة وهي تضع يد على فمها تكتم شهقاتها من قوة ما تسمع ، ففي رأيها لا يوجد دخان بلا نار فلما هربت المجدلية منه و لما يصفه اخوه بالشاذ اذا لم يكن فيه ما يعيب !

يصرخ هارون الملقى ارضا بلا حول ولا قوة يحاول ان يمسك بقمة قميص شقيقه ولكن ايدين كان مسيطرا كان جامحا لن يسمح ان تلقى عليه هذه الاتهامات : قل فقط من اين استنتجت شذوذي فانا لن اتركك حتى تبتلع لسانك والا قطعته لك ورميته لكلاب الشوارع  لا تأتي بهذه السيرة ثانيتا ستصمت هل فهمت ستصمت كان يضغط و يضغط وهو يتكلم بكل غل : اتركه اتركه هذا يبدو انه فقد عقله ، ايدين ارجل منك وممن خلّفك يا كلب !

كان يحي يثار يزأر يغضب فهو لن يسمح لأحدهم ان يتلفظ على ايدين و يتهمه بهذا الاتهام

كانت ترى ما يجري ، تسمع ، قلبها ما عاد يحتمل تضع يدها على قلبها وهي تسمع طليقها يهينها يدوسها يحتقرها : هذه الفاااااااسدة اشبع بها ولكن لمجرد اني لم المسها لا يعطك الحق في وصفي بهذه الحقارة و الدناءة تدري لو كنت اريدها ان تصبح * لفظ شعبي خارج *....... كنت فعلت !

ترك هذه المرة اخاه ملقا ارضا يعاني يريد ان ينتقم ان يضرب لن يذله ايدين بهذه الطريقة و يسكت لااا كل ما فيه كان يصرخ كان يستنجد بقوته و بتاريخه و بساقيه وبما جناه على نفسه وهو يرى شقيقه يتجه اليها الى زوجته و طليقته!

كانت قد تبسمرت في الارض لم تهرب ،لم تجرؤ وهي تراه هكذا على الهرب،  عيناه اللتان تشمئزان منها فمه الذي يبصق عليها و هارون يصرخ فيه لا تلمسها لا تلمسها ان لمستها سأقتلك

وقف مواجها لها كانت صغيرة الحجم هشة ان اطلق ذراعه ناحها سيرقدها القبر يسمع صراخ هارون العاجز عن الدفاع عن زوجته المهانة بكل لفظ وبكل شكل وهو يمسك رقبتها وهي شحبت شحبت جدا تبحلقت عيناها في وجهه من رعبها ، كانت مسكته لها تهددها بلطف لم يضغط بعد : لا ، لا المسها ؟!! يا ربي كم انت تضحكني ! لما تحلل لنفسك و تحرم علي ! الم تلمسها في بيتي الم ***** تحت سقفي !

عند هذه الكلمة المقيتة الشوارعية صرخ فيه يحي : ايدين اصمت اصمت لا تتكلم اتركها بحالها

صمم وهو يجول بحقارة بنظره عليها كلها واخوه يتعلق بساقه يحس بيديه تلتفا عليه ولكنه رفسه بلا قيمة رفسة طار منها وجهه الى الجهة الاخرى : قولي لي اعترفي انه *** في بيتي

صرخ يحي بل توجه له يمسكه من ساعده الذي يرتقي لعنقها غاضبا مسودا : احترم نفسك يا رجل ما كل هذا .. ايدين سيطر على نفسك .. دفع ايدين عنها ولكنه لم يتزحزح لا زال في قاموسه الكثير من الكلمات الكثير من الاوصاف الدنيئة التي تناسبها هي بالذات ..كان دمعها يلامس كفه وجهها انسحب الدم منه تريد ان تصم اذنيها عن كلامه عن الفاظه الحقيرة لها و يحي وقف بينهما يدفع ايدين عنها بالقوة : قلت لك اتركها اتركها والا ستواجهني انا، عيب عليك يا رجل والله عيب قدر على الاقل انها بنت عمك ايدين لا تصبح خسيسا !

وقف الاثنان متقابلان هو لم يشف غليله بعد ، حاول ، والله حاول الا يتطاول حاول الا يختلط بهما و حاول ان يتحكم في نفسه ولكن الباديء اظلم يا هارون !

صرخ في وجه يحي بكل عزم فيه : وهل احترمت انها ابنة عمي هل احترم انه اخي تزني معه في بيتي تحت سقفي توجه لها يخرسها بوضع اصبعه على شفتيه : هششششش اخرسي اخرسي لا تحاولي ان تنكري يحرك رأسه نعم نعم قد زنيتي في بيتي معه ايتها الوضيعة

كلمة اخيرة كانت موجهة لشقيقه الذي يحاول ان يكبح دموعه وهو ملق على الارض زوجته تهان و تضرب و تشتم وهو لم يقدر ان يتصرف ان يضرب ان يدافع فأي رجل هو !

هذه الكلمة الاخيرة لابد له منها قبل ان يتركها وهو يتشبث بعنقها و يحي يتشبث بساعده سيلويه له ان لم يتركها كانت انفاس الجميع تتدافع تحرق تقتل الجو متكهرب حتى السماء قد غامت فجأة و سٌمع صوت الرعد فأصبحت تمطر بقوة ، نزل الماء مرة واحدة وكأنه مخطط له ان ينسجم مع ذاك المشهد.. الجو رمادي ، وهارون تبلله الامطار و يصرخ من قهر ما فيه : والله يا ايدين لن تفلت من عقابك والله ولاخر يوم في حياتي ستدفع ثمن هذا اليوم وما قلته غاليا غاليا جدا

قالها اخيرا : خذها ****** لفظ اخر اشد فضاعة خرج من شفتيه يتشفى فيها !

اطلقها من يده وكأنه يطلق خرقة بالية الى مصيرها.. قمامة الى مزبلتها !

فتح الجميع اعينهم استنكارا لالفاظه للمجدلية التي سحبتها الارض الى العمق سحبت ساقيها فوقعت على ركبتيها تسقط وعينها في عين زوجها كان الدم ينسحب رويدا من جسدها عظامها ذابت تلاشت بقي فقط اللحم الذي يحملها فخرت تستجيب لنداء الظلام.. كبير عليها هذا كبير عليها ان توصف بهذه الاوصاف كبير جدا... عقلها تشوش عينها صارت ضبابا ترفع يدها استنكارا لاخر دفاع عن نفسها : لست ***** و لست فاسدة كان صوتها يغيب ورأسها يدور يدور حتى سقط على الارض !

أيدين قطعها بلسانه والله كان اهون عليها ان فصل عنقها عن جسدها ، ان يضربها بسكين في بطنها ولكن ليس هذا لااااا

هب الجميع اليها انحنى يحي لمستواها يرفع نظره الى ايدين الذي لوى شفته ثم تخطاها و ذهب الى الداخل و هارون الذي اكمل زحفه المبلل اليها يحاول ان يرفع رأسها اليه يضرب على وجهها : مجدلية قومي مجدلية انهضي

نظر الى يحي نظرة قاتلة والله لتندمن جميعا على ما فعلتموه والله ولكن يحي تلك الفينة لم يكترث وهو يأمر زهرة التي حاولت في كل مرة ان تتراجع كانت ترتعش.. يداها ترتعشان بشدة فقدت السيطرة عليها وجهها شاحب فهي في حياتها لم تظن ابدا انها ستسمع شيئا بهذه البشاعة يا الله كيف احتملت المجدلية ان تقف في وجهه على ساقيها ان وصفها احدهم بوصف واحد فقط مما قال ايدين لا تعرف لربما قتلت نفسها !

كانت تنظر مبهوتة ويحي يصرخ في وجهها : ما بك تعالي احمليها معي

ولكنها هزت رأسها رفضا وهو فتح عينه استهجانا سبها في سره عليك اللعنة انت الاخرى لم يبقى سواه وبلا اذن زوجها الذي صرخ فيه : اتركها على الارض حتى تفيق اتركها لي هنا

ولكنه تجاهله تماما رفعها بين يديه و اتجه بها الى غرفتها وضعها على السرير و خرج

يسحب زهرة معه الى غرفتهما و تركوا جميعا هارون يحارب نفسه كي يصل الى كرسيه !

 

الان في الوقت الحاضر حيث هو هنا بين جنبات البيت ، اغلب وقته يقضيه في خيمته احيانا كثيرة ينام فيها حتى بلا وعي ، اللاب توب على حجره يقلب في صفقاته ، نعم الحياة لا زالت تمشي بكل الم تمشي على كبده ، تمشي و مستمرة رغم موت امه و اختطاف زوجته حسنا حتى الان المؤيد لا يعترف انها زوجته لانه اتهم عمه امحمد انه ليس عاصب لها!

واما في هذا البيت الذي ينظر الان حالا الى جدرانه و فخامته الخارجية و علوه الشاهق يشعر انه لم يعد له اي صلة به لم يعد له مقعد هنا في هذه الزاوية من الحياة ، كان حلقه كأنه مدخنة وصار السيجار لا يفارق شفته ، الان ومنذ اشهر منذ ان عاد و ترك زهرة هناك مع زكريا لم يعاشر امرأة الا تلك الليلة الوحيدة التي قضاها مع زوجته .. النجلا..

في ذلك اليوم في ذلك الصباح حين فتح عينه حين استوعب انها انتهت انها لم تعد زوجته ان طلاقها صار بائنا صار مسجلا في المحكمة ، نعم النجلا خرجت و حملت معها كل خسائره هو فيها تركته يسقط صريع فراشه تركته يعاني تركته يبكي النجلاء خدعته و طرقها في الخداع فاقت وصفه

ينام هو الان على فراشهما على ما جمعهما يوما على ما ضاجعها عليه بالحب يوما

لما ، لما لم تقدر نجلاء هذا الحب ، لم فضحته بتلك الفتاة .. قطر الندى . بالكاد عرف كيف يسيطر وكيف يراوغ ، اتهم كل الاطراف انهم يريدون اسقاطه والايقاع به ، اتهمهم انهم قد تلاعبوا بصوره باحد البرامج فليس اسهل من التزوير هذه الايام

نعم يضطجع هو الان على فراشها ولكن كل مخلفاتها لا زالت هنا ، بقايا ملابسها ماعدا ما جمعته قطر الندي حين اطاحت به و بعقله الصغير !

زينتها لا زالت على الطاولة كي تذكره انها كانت هنا ولكنها لن تظل بعدها حيث قام من فوره يزيح كل تلك العطور يسقطها ارضا تنتثر فيفوح عطرها فيخترق رئته يقربه منها يدور حول نفسه يدور بسرعة عجيبة مثل الاعصار المدمر الاعصار الهائج سيمحوها سيمحو ذكر النجلا الفاسدة العاهرة من حياته ، اتجه الى خزائنها هناك صار شق الفساتين يطرب اذنه رميها بين ساقيه يدعسها لم يتقبل الهزيمة نعم هي هزمته بان حررها منه حررها يعني انها ستعيش حياتها حرة مثلما ابتغت دائما مثلما ارادت دائما حررها كي يتزوجها رجل غيره ، لا يريد ان يفضحها ان فضحها سيفضح نفسه معها سيتسائل الكل لما ابقيتها منذ البداية معك وانت تعلم انها فاسدة لن يقدر ان يقول انه كان يتلاعب بها انه كان يطبخها انه ارادها ان تحبه وان تزحف اليه عاشقة لن يفيد هذا التبرير السخيف في اعين الناس ابدا لن يفيد سيتهمونه بقلة الرجولة !

اخرج امعاء خزائنها وصارت الحجرة مفروشة بملابسها احذيتها زينتها عطورها لم يبقى شيء على حاله حتى رأى الملف الازرق  ذاك الملف الذي كان البداية و النهاية لعلاقتهما ، الملف الذي احضرته له يخص رباب وفيه كل اوراقها ، حسنا الان لم يعد يحتج كل ذلك لا الملف ولا صاحبته ولا اختها فتحه و صار يقطع اوراقه ورقة وراء ورقة حتى عبر اسمها عينيه قبل ان يقطعها توقف ارجع شعره الى الوراء وجلس على حافة السرير يغضن جبينه يكفهر وجهه كل سطر اعدام كل حرف موت ذهل ماعاد يفهم لا كذب هذا ليس حقيقيا ليس حقيقيا بالمرة

تقرير مكتوب باللغة الانجليزية تقرير من ثلاث صفحات

يداه ارتختا حتى سقطت الورقة ارضا بين رجليه نهض من مكانه يشد على شعره يقطعه بين اصابعه يضغط باسنانه على شفتيه يصرخ في الفضاء لا لا لا لاااا يا الله لا

هجم على الورقة يلتقطها من جديد بين يديه يقرأها حرف حرف عبارة وراء عبارة حتى تشكلت الصورة

الاسم نجلاء معاذ بن هلال.

ذكر اليوم و الساعة و التاريخ و العمر كانت صغيرة جدا نعم صغيرة بلغت مبكرا جدا رغم ان ذلك لا يظهر عليها ، كانت تشتكي من الام حادة مميتة في بطنها تم الكشف عليها فوجد الطبيب ان الدم متكتل في رحمها وكان الامر سيشكل خطورة على حياتها لما .. هنا كل حياته سقطت كل صراعاته كل ترهاته و شكوكه .. هنا كان سرها .. كان غشاء البكارة مصمت !

ذاك اليوم

خرج الطبيب الى ام الصادق : يا سيدة البنت حالتها خطيرة لابد من عملية تنظيف للرحم

ترد عليه : شقو لها بطنها

: حتى ان شققنا بطنها فالحال سيكون كما هو عليه لابد من فتح غشاء البكارة

كانت الكلمة كبيرة جدا عليها فتحت فاها و عينا تموت رعبا تموت عارا : ماذا تقول ماذا تخرف

: يا سيدة افهمي ارجوك البنت سيصيبها مرض خبيث لو استمرت على هذا الحال اما ان نستئصل الرحم او نفتح غشاء البكارة

صارت تلطم على وجهها رافضة رفضا تاما ان يقوم الطبيب بشق الغشاء فماالذي يتبقى لابنتها بعدها !

صممت رأيها و من اجل العار و الرجل و الزواج امها قررت ان تفتح بطن الفتاة وان استلزم الامر كل مرة ان تفعلها ستفعلها !

كانت امها بلا رحمة خصوصا في هذا الامر !

لكن الطبيب كان له رأي اخر ، دخلت نجلاء العمليات تم تنظيف رحمها عن طريق شق غشاء بكارتها !

الام لا تعلم لا احد يعلم الطبيب كتب تقريره باللغة الانجليزية حتى لا تثور العائلة ضده هو لم يفكر في مستقبلها ولا في حياتها ولا في زوج ، فكر فقط ان ينقذ حياتها و يسهل عليها باقيها الذي ستعيشه مع الام الدورة الشهرية و انحباسها داخلها ، لن يعرضها للسرطان من اجل ذلك الشيء الصغير الذي يحدد لنا هويتنا يحدد ماضينا تاريخنا علاقاتنا لا يهم !

سقطت يداه جانبه بلا حيلة اغمض عينه بقوة و هو يقضم شفته الى حلقه يا اللللللللله يا الاااااااااااااه يارب لا يارب

دليل براءة نجلاء هنا بين يديه ،هنا في خزانتها هنا جلبته معها ولا تدري ...... تلك الغافلة  لم يكن هناك من رجل قبله ولا حتى لقمان ، نعم كانت هكذا وكما شك فيها يوما هي كانت عذراء وان لم يكن هناك غشاء يحكمها و يتحكم فيها !

لما الان

اليوم

هي انتهت لن يقدر على ارجاعها

بريئة النجلا بريئة و الله يشهد ، هي تعرف نفسها قد دافعت وقالت

نعتها بالساقطة و العاهرة و الفاسدة

ولكنها لا ، نجلاء طاهرة شريفة قد ظلمها الطبيب و ظلمتها امها و ظلمها هو

كيف ماذا سيفعل

اظهر الله براءتها الان حتى يكتشف و يعرف مدى الجرم الذي ارتكبه ، الله يقول له مت الان بقهرك مت بغيضك ممن ظلمتها و انزلت لعناتك عليها

يا الله.. كم ان رد الله لبراءتك كان سريعا كان مخيفا

هي لا تعرف ابدا لا تعرف مسكينة هي النجلا !

فكر ضل يفكر كيف ماذا سيفعل

كل الامور خرجت من يده

لن يستطع ان يتزوجها اذا لم تنكح زوجا غيره

مات قلبه انهار جسده ، رجل غيره ؟!! يلمسها ، ينكحها ! يا له من مصطلح كبير و خطير !

لما لم تكن هذه الاوراق على طاولة زواجه منها ، لما لم ينظر اليها ولو لمرة واحدة

كان كل شيء سيتغير

كل حياته ستتغير

ولكن ما فائدة هذا الاكتشاف المتأخر الان ؟!! بما سيساعده كيف سيستطع ان يردها لعصمته مجددا!

ان فكر جيدا سيجد المخرج و في ثوان كان قد وجده

خرج من حجرته يركض بسرعة وكأن تلك الثواني هي من ستنقذ حياته ، يجب ان يتدارك الامر ان تعود الى مداره من جديد وبأي طريقة كانت

منظره و عري صدره و بنطاله المنحسر الواسع يبدو كمحارب عملاق منهك شعره يتطاير وجهه محمر فتح باب اخيه بقوة و اغلقه بقوة اتجه اليه يرفعه من السرير هو من كان لا يظهر منه شيئا فالسيجار يعب الغرفة عبا صار الدخان فيها مثل الحريق مقهور و مكبوت ، سكينة خطفها المنذر

المنذر قتل اهله

كان شاحبا فقد وزنه انهارت حياته

امه ماتت

صبا احترقت

هو تائه و اخاه يشده يهزه الى صدره : ستتزوجها ستتزوجها ارجوك يا يحي افعل تزوجها تزوج النجلا

لا يفهم لا يستوعب ماذا يقول اخوه لا يعرف ، هو تائه لا يركز : قلت لك ستتزوجها سنذهب الان الى الصديق و نكتب كتابك عليها ليلة واحدة هي ليلة واحد و تطلقها و ترجع لعصمتي !

مع كل هزة يبدا يستوعب يبدأ يفيق عيناه تكبران في وجه اخيه : هل جننت تريدني ان اتزوج زوجتك

: نعم نعم ستفعل و ستطلقها ارجوووووك

لا لا لا ماذا يقول ماذا يفعل

الا يعرف يحي ، يحي متملك ، يحي يعشق من تكون بين يديه ، يحي سيموت قهرا ان تزوج امرأة و تركها بمزاج اخاه ، ماذا يفعل شعيب ماذا يفعل لهما نفض نفسه من يدا اخاه  هل جننت بالتأكيد انك جننت ، ماذا تعتقد انت تخرف

ظن انه في كابوس في صراع لن ينتهي ما كل هذا لا يفهم

شده شعيب اليه من جديد يضغط على ذراعيه بقوة : يحي لا تخذلني هذه فرصتي الاخيرة

غضب غضبا شديدا صرخ فيه بوجه مسود و عروق بارزة و يد متعرقة : هل تفهم ، هل تستوعب ، انا لم المس امرأة منذ ثمان اشهر !

ماذا تفعل بي و بطليقتك انت مجنون

اتركها لحال سبيلها ربما تتزوج و تطلق من نفسها

اسينتظر دهورا سنينا حتى تطلق النجلا مرة اخرى

لا لا يقبل

كاد يخر مترجيا جالس على السرير يبكي : يحي ارجوك ارجوك لاول مرة اطلب منك شيئا سيعيدني للحياة ثانيتا ارجوك لا تجحدني!

صارت التنهدات تخرج متعملقة من حلقه ساعة يحبس انفاسه و ساعة يطلق حسرة !

اخوه يريد قتله

وجد نفسه في بيت معاذ مع الصديق و شعيب : سيتزوجها يحي ثم يطلقها في ذات الليلة ، سيكون محللها !

كان يجلس مثل الطفل الصغير الذي يقررون عنه حياته لقد سيطر شعيب عليه حتى ما عاد يقدر ان يقول له لا !

تزوجها نعم تزوج النجلاء لليلة واحدة !

كانت الذكرى تصب و تهجم على خياله ليلة تزوجها وضاجعها و قبلها ليلة فعل كل شيء فيها ومعها ، ليلة كانت وصبا كانت حبا كانت قهرا .. خرج من عندها كبده يحترق غضب من اخيه رجع للبيت لملم ثيابه و تركه !

الان ينظر الى الاعلى يرى خيالا صغيرا يتسلق الشباك

كان قلبه يدق يدق بعنف بوهن رجلاه لن تحملاه لن يقدر ان يصل له في الوقت المحدد تاااااج سيسقط سيسقط سيتهشم سيموت لاااا لاااا

اخذت رجلاه تسابقا الزمن تعبرا السلالم وهي كانت واقفة هناك جمدت في مكانها حين رأت تاج خلف الستارة يجلس على الشباك وقع قلبها بين ساقيها ارتعدت اطرافها برد الدم في عروقها تتقدم خطوة ولكن لا جسدها لم يساعدها تاج ساقط لا محالة ترى جسده مهشم على الارض في الاسفل ترى الدماء ..لم تنطق لم تقدر حلقها جف انحبس الصوت في حنجرتها مفجوعة تسري الرعشات على طول ظهرها ما عادت تقدر ان تسيطر على خفقان قلبها ولا على هبوط ضغطها هوت هوت الى الا معقول هوت على الارض مكتومة في وقت دخل هو يجري كان كأنه جرى دهرا عمرا كل الخيالات تتسابق الى رأسه لا يعلم هل سقط اخيرا ام لازال عالقا يستمتع!

خطفه بين يديه واحتفظ به عند قلبه يا الله يا الله يا الله يا تاج مالذي فعلته اخذ يقبله بقوة و بعنف تبا لك ايها الصغير كدت تقتلني

خر جالسا و تاج في حضنه قلبه يهرع مثله ولم يكف رفع رأسه للسماء الحمدلله الحمدلله كاد ان يبكي : اذهب اذهب الى امك اذهب !

وضع يده اخيرا على وجهه متعب يا الله يتنهد!

قام فانتبه لها على الارض مسجاة من الصدمة

شحب وجهه وجدا ، امسك قلبه بيده تلك هي رعشة اخرى ، هي ذي ذاتها النجلا !

اقترب و انثنى عليها يرفع شعرها الذي عشق عن عنقها

دعامة تسند بها رقبتها المتخلخلة ، يدها مشدودة الى عنقها بربطة ضاغطة ، وجهها متورم مخضر مزرق !

اهذه هي من حاربت الدنيا كي ترجعها !

عار عليك يا شعيب

لما لم تتركها لي ، لن اضيمها ابدا

يا الله يا نجلا لو تعرفين فقط لو تعرفين !

ابتلع ريقه بتؤدة يتبرم يلف برأسه بوجهه الممتليء غضبا ، لما تجور عليها يا زين لما !

يا الله لا حيلة بيدي ماذا سأفعل ليس بيدي حيلة انتهى الامر انتهى

حملها بين ذراعيه قريبة من قلبه يلامس خدها خده وشعرها على كتفه انحنى يفلتها على السرير يرجو الله ان يرحم قلبه ان يرق عليه فكله حسرة كله موت وقف طويلا غير ابه لشيء فقط ينظر ، لو عرفتي في يوم اني قريب ماذا تفعلين !

يشعر بالانصهار

نجلاء!

همس

ولكنه صمت لن يكون هارون اخر لن يكون صالح اخر

حتى وان اضطر هذه المرة ان يهاجر لن يسمح لقلبه ان يجره اليها ، نجلاء خطيئة خطيئة خطرة!

التفت ليترك الغرفة و في تلك الاثناء خرجت راعيل من غرفتها تمسك بيد تاج الذي يجرها فرأت خيالا ، خيالا طويلا يغادر الغرفة تبعته و قلبها يقرع لا لا يمكن حتى رأت ظهره ينزل الدرج وضعت كفها تغلق فمها بالقوة من الشهقة !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...