الجزء الرابع و الأربعين


 



الجزء الرابع و الاربعين

أعطيك من أجلي وعينيا
يا بيتها .. في آخر الدنيا
ويئن بابك .. بين جنبيا
يا ضائعاً في الأرض ، يا نغماً
نوار مر عليك ، وانفتحت
أزواره ، لا فيك بل فيا
تهمي سماوياً .. سماويا
ومغالق الشباك مشرعةٌ
درجاته وهمٌ .. وسلمه
يمشي .. ولكن فوق جفنيا

استيقظ ، ولكن بعد كل شيء ، استيقظ بعد كل انهزاماته ، نهض ، و لم ينهض !

صار الان فقط يعيش في الماضي ، بكل تفاصيله معها ، اول مرة رآها، اول مرة رآى عيناها ، كانت يا الله قوية ، في عيناها كل قوته ، كل عزمه ، اعطته منها بعض شجاعة ، كان بها ولم يكن بسواها ، ولم يكن احد يسواها ، قال لها : يا بنت خالي اتوافقين ان اعشقك؟!

كان يأخذ اذنها حتى في حبها ، كانت فحلة اصيلة ، كانت نغما قديما ، كانت سطورا مليئة وهجا مليئة نورا مليئة ضحكا ، حتى جاء يوم و اطفأها و انطفئت هي الى الابد !

أخر مرة طردته من على باب بيته هو ، قالت : دعيها تأخذه تشبع به ، انا اكرهه!

لم يعاتبها ولم يكرهها ، قد جار عليها ، قد ضحك عليها ، قد تلاعب بها ، كل تاريخه معها رماه امام عينيها ، كانت تنكر ، ترفض هذا الواقع الذي حصل لهما ، زوجها ، حبيبها ، ابو اولادها ، استبدلها بمن هي اجمل بمن هي اصغر بمن هي لها قهر !

عاش سنين حياته معها مجاملة نعم فعل جاملها و احتفظ بها كتحصيل حاصل لأنها فقط ام اولاده ، لم تؤمن يوما بكل اعتذاراته و بكل ترجياته وبكل افعاله المقيتة معها التي يبدو من خلالها انه يريد ان يظهر حبه لها !

غابت هي بكل افكارها من دون اي يقدر اي يغير فكرة واحدة منها ، بدون اي يفش غليلها بمعرفة كل ما تريد ان تعرفه ، اين ومتى قد احب ميادة ؟! اين ومتى احب تلك أسيا ؟! اين ومتى احب كل النساء من خلفها !

غابت و اخر ذكرى له منها هو طردها له من بيتها ، يا بيتها ، يا غرفتها ، يا ظفيرتها ، يا جنتها ، يا حنتها ، آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه آآآآآآآآآآآآآآآآآه كان يشخر باكيا ، قد عاش كل ايامه المنصرمة على هذا الحال ، لم يصدق ولا يصدق انها حقا قد ماتت ، انها حقا قد فعلتها و غادرت بلا رجعة بلا كلام بلا وداع بلا عتب !

كان يشخر ببكاءه كطفل حرمته امه ساعة حاجته من ثدييها ، لا يعلم كيف سيقضي باقي سنين عمره بدونها لا يعلم كيف سيعيش دون ان يشم رائحتها عندما تستحم ، دون ان يمرر يده على جيدها دون ان يتعذر منها ، كيف سينام ضميره !

مضت اشهرا ويا ليته ما قام ليته لحق بها او مات قبلها ، قلبه يموت قهرا يموت حسرة يشتعل نارا تأكله كله كل ليلة وكل عشية يصرخ في البيت مثل المجنون : ماااااااااااااااجدة

يخر على الارض ساجدا يعض الارض وتخر عصاه جانبه يتردد صوتها و صداها فلا يسمع الا صوتهما سويا ، قد غادرت ماجدة و تركت له الدنيا بما فيها ليشبع بها !

وكانت هي هناك تقف على عتبة الباب تراقب ، هنا قد سجن صالح نفسه ، يعذب روحه التي ازهقت بدمعه و بتأنيب ضميره ، صار صالح حتى لا ينظر لها ، صار يتجاهلها وليس هذا فقط صارت نظراته لها حارقة خطيرة مجرمة وكأنه يريد قتلها ، وهي كانت تدافع عن نفسها نعم فعلت ، فهي طوال سنين حياتها معها لم تحتك بماجدة ولم تؤذها ولم تسمعها كلمة خارجة عن نطاق الادب بل بالعكس ماجدة من كانت دائما ترسل لها من عينيها شرار كالقصر ، ماجدة لو كان الامر بيدها لكانت طردتها من البيت كله منذ زمن وهي تعلم ان فعلت فلن يقدر صالح ان يقف ندا لها !

: صالح ارجوك ارجوووووك كف عن البكاء فوالله قد ادميت قلوبنا بنحيبك

امسك تلك الفينة العصاة بيده وبكل قوته رماها في اتجاهها حتى فتحت عيناها رعبا وهو قد تسمم وجهه كله : اخرجي يا بنت الكلب بسببك وبسبب اولادك كل ما حصل بيني وبينها ، اخرججييييييي اخرجييييييييييييي بئس اليوم الذي رأيتك فيه

كان منهارا على الارض لم يقم يتمنى ان يركع ان يضل ساجدا منتحبا طوال حياته عليها ، لم يحب امرأة كما احبها ، ولم يكذب يوما على امرأة كما كذب عليها !

يا الله يريد قطعة ثلج عملاقة تطفأ له نار جوفه فالحريق يحرق كل اعضاءه يحرق لسانه يعذبه يحرق احشاءه جسده يطير و ينزل من عذابه ، لن تموت ماجدة محترقة لن تفعععععل كيف هان على النار ان تأكل جسدها الطاهر جسدها الجميل جسدها العطر يا الله لا لا يا الله الصورة لا يتخيلها لا يحملها عقله لا يفعل الامر كبير عليه لدرجة ان عقله يستنكره لا يعترف به فماجدة لن تموت ابدا بهذه الطريقة : صالح كفاك انت لست طفلا صغيرا تحمل قليلا الذي جرى !

كانت تبكي امام الباب لم تغادره ولن تغادره لن تدعه يموت بحسرته ، عندما علم بموتها دخل في حالة صدمة ، بقي لأيام يستنكر ، كذب ، كل ما قالوه عنها كذب ، كل ما فعلوه بها كذب ، فهي لم تدفن دونه ولم تدفن بكل خطاياه فيها ، اعطني على الاقل دقيقة ، اودعك لا بل تودعيني الدنيا لا تحتملني انا وليس انت !

خرجت من البيت تندفع ماشية الى بيت ماجدة الخالي ، لم يعد هناك من احد هنا سوى راعيل التي لا تعرفها جيدا ولا تريد الحديث معها ، هي فقط تريد ان ترى شعيب ، يجب على بكره ان يرجع اباه الى عقله الى روحه قبل ان تفقده : دخلت البيت و قابلتها الخادمة قالت لها على عجل : هل شعيب موجود !

في تلك اللحظة دخل شعيب الذي رجع لتوه من بعض اعماله ، الجو في الخارج كان مكفهرا السماء مغيمة و الرياح تضرب بشدة الشتاء قد حل بكل الوانه الرمادية المقيتة حل محل الالوان التي يرتدونها ، حل الشتاء ويبقى البيت بلا دفيء بلا روح وهو وجهه شاحب متعب : شعيب تعال احكي مع ابوك فوالله ان تركتموه على هذا الحال سيجن !

دار حول نفسه ، هو ايضا سيجن ، لا احد يدري بما هو فيه ، الكل يظن انه بلا مشاعر ، انه يدور ليطمأن على هذا وذاك وهو يريد من يطبطب عليه ، راعيل تائهة منذ ان خرجت من المستشفى قبل تاج لا تمل من البكاء و النحيب على كل شيء ، تنهار ليلا تقوم تصرخ ، تتلوى من الم رحمها ، كان يتنقل مثل المجنون ما بين بيت عمه سعيد و بيتهم وكذلك اخذ على عاتقه دفع دية و تعويض العوائل التي تضررت في الحريق ، كان الامر يحتاج جبلا ، نعم جبل وهو كان كذلك !

لعق شفته دون ان ينظر لها : اعطني وقتا اريد الاستحمام و الاكل ثم آتي اليه !

تركها واقفة تنظر الى ظهره ، يا الله كم يكره ميادة ، نعم يفعل ، كما يكره ابنتها زهرة ، الشيء الوحيد الذي كان حلوا مشبعا في تلك العائلة هي حنان فقط حنان لا غير !

اخذ يصعد الدرجات رويدا منهكا يا الله هو فكر انه قد ينام لساعتين على الاقل لا ان يستعجل لرؤية والده ، الضغوطات كبيرة جدا و مؤلمة جدا، حتى حين وصل الى الطابق الذي يقطنه اراد ان يذهب لجناحه مع راعيل هناك تمنى ان يستقبل تاج بين ذراعيه ينام قليلا على كتفه الصغير ثم لكل مسئلة حل !

لكنه سمع حركة في تلك الغرفة التي هجرها ، استيقظ كله مع بعضه ، دق قلبه بلهفة ، التفت بسرعة تجمد في مكانه ، خاف نعم خاف ان يكون ما سمعه من حجرتها تهيوآت ، صار متصنما في مكانه و هو يصيخ بسمعه حتى ، نعم ، هناك حركة في الغرفة

تحرك يجر ساقيه ، لا يعرف ماذا سيفعل حين يراها الان امامه ، لن يميل لها ،لن يستهين معها ، قد نفذ صبره بخصوصها ، طلقها يعني عليها ان تحترم نفسها والا تري وجهها له ما حيت ؟!

ولكن كل سلوكه العدواني تجاهها كان لهفة في عينيه يا ليته يراها يا الله لو تفعل و تكون فعلا قد حضرت !

رجلاه ارتعدتا نعم فعل وهو يقف على باب تلك الحجرة المردود بابها ، مد يده يفتحه ، اخذ الباب يتحرك رويدا يكشف عما وراءه ، لم يكن من يتوقعها هناك ، هذه فتاة اخرى ، التقاها مرة ، كيف لا يذكر هذا الشعر الرمادي الجميل ، كانت تقف هناك عند الخزانة و خلفها حقيبة كبيرة مفتوحة على السرير ، كانت تظهر طويلة بفستانها الابيض الناصع المكشوف الذراعين الضيق على جسدها وحتى الى ركبتها ، يفصل جيدها بداية من كتفها النحيل الى صدرها النافر ثم الى خصرها الرقيق الذي يمكن ليد رجل ان تلتفا حوله ،كان شعرها الطويل الرمادي يصل الى ما تحت وركيها ، لا يذكر انه كان طويلا هكذا ام انه لم ينتبه ! كان شعرها ساحرا بنعومته و لمعته و تدرجه في ذاك الوجه الذي كانه خرج من مسلسل كرتوني ، وجه مثلث و عينان كبيرتان دائريتان و عسليتان و انف دقيق و فم واسع ممتليء شهي ، مرر نظره الى ما تحت ركبتيها كانت ساقاها جميلتان ليستا مثل سيقان النجلا لكن نعومتهما و بياضهما الشهي ذاك و رجليها في حذاء عال يزيدها طولا ورشاقة و يزيد ساقيها جمالا

كانت دروس نجلاء هي كالتالي : اولا ، شعيب يحب السيقان ، حاولي ان ترتدي شيئا لافتا حلوا ، ضعي بعض الخلاخيل فسيسيل لعابه له !

حاولي ان لا تلتفتي له بسرعة خذي وقتك ، حاولي ان تسترخي ، حاولي ان تتحركي برشاقة وكأنك لا تفطنين لوجوده ، في اللحظة التي ترينه قد دخل البيت اذهبي للخزانة و حاولي ان تطيلي البقاء جانبها !

وهو كذلك !

كانت تحرك ساقيها بدلال و هي ترفع فساتين ثم تعيدها الى الخزانة مرة اخرى ، تخرج مجموعة ثم تلتفت لتضعها في الحقيبة وكانه غير موجود بالمرة

اتكأ بكتفه على الباب و المفاتيح في يده يرفع لها حاجبا : احممم

تحمحم بصورة عفوية كي تفطن لوجوده ، التفتت وكأنها مرعوبة احمر وجهها فورا من خجلها اخذت ترفرف بأجفانها بسرعة عجيبة وهي تخرج لسانها تلعق شفتيها ببطء مخيف بطء عجيب حتى ابتلت شفتيها و لمعت من ريقها !

وقفت مثل الطفلة الجميلة يداها في حرج تلتف خلف ظهرها ، تلف ساق على ساق ترفع ذقنها حتى بان عليه عنقها الطويل و مفرق صدرها : أراكٍ هنا!

تقدم وهي لا زالت ثابتة هناك تقيمه من رأسه الى حذائه ، يسيل لعابها له كلما رأته ، الامر كان سهلا من هذه الناحية ، ان تريه انها مفتونة به ، هي فعلا تفعل ، تحب هذا الطول و هذه الخشونة ، تحب شعره الذي يبدو انه فقط يمشطه بيده وليس بمشط ابدا فكل خصلاته متفرقة شهية ، تحب غمازته الواضحة بشكل كبير في وجهه الجميل تحب عيناه الشريرة الغاوية و نظرته تلك الخاصة التي لا تعرف كيف تصفها .. كلما تقدم لها رعش جسدها من خشونة صوته و عمقه : ارسلتك تجمعين ثيابها ، هع ، ضحك ساخرا : لم يعد والدها يملك المال كي تشتري ثيابا جديدة ؟!

اخذ يدور على مرأى منها في الحجرة ، اليست هي ايضا حجرته ، كان يدور حولها ، خلفها وفي تلك الثانية المحسوبة جيدا التفتت بقوة حتى التصقت به التصقت بصدره تكاد تقع امسكها بحذر بين ذراعيه وجهها في مستوى صدره ، كانت اطول من نجلاء بكثير و جسدها رقيقا حلوا ممتعا خصرها ناحلا رشيقا في ذاك الفستان الضيق : اوه اسفة لم ارك !

حاولت ان تفك نفسها منه لكنه للحظة تشبث بذراعها رفعت عيناها لوجهه فتسمرت لنظرته ، لا تدري لما افترت شفتاه عن ضحكة افلتها من يده يرفع لها حاجبه تركها تعود الى الخزانة وهي تقول متحرجة : تعلم لقائي بك المرة الفائتة كان اسهل ، لانك كنت زوج النجلاء !

قالت عبارتها رمتها عليه هكذا في الهواء ، عادت الى الخزانة كانت تغلي غليانا لا تكاد تتحمل ان تبقى معه وحيدة لا تدري فيما تورطت اللعبة اكبر منها ، كادت تقع فعلا ورجلاها رعشتا من لمسته لها ، حاولت الثبات اغمضت عيناها : نجلاء لا تريد لملابسها ان تبقى هنا ما دمت قد طلقتها !

كانت باردة جدا ، تركز على ما تقول وما تفعل ، لا تريد ان تفسد خطط نجلاء بشأنه ، وهي تعجبها هذه اللعبة ، تعجبها لدرجة انها متحمسة لا تعرف ما سيكون رد فعله هل حقا مثلما تتوقع نجلاء انه سيدعوها او يعطها رقم هاتفه فأن لم يفعل لا تعلما كيف ستتدبرا امره !

جلس ببطء على الكرسي يراقبها و يراقب كل ما تفعل ، نظرته مشككة ! عيناه كأنها عينا ذئب يطلقها نحوها : آسفة انا حقا لم اتوقع وجودك ولا اللقاء بك !

اخذت تلملم الاشياء على مهل فهي لديها وقت ، كل الوقت ، اخذت تمشي امام انظاره تدخل الحمام تخرج منه تحمل في كل مرة علبة في يدها ، ترتبها في الحقيبة ثم تعود تأخذ حذاءا ثم تعود فتنظر الى مواد التجميل الموجودة على طاولة الزينة ، كانت تقف هناك تفتح احد اقلام الحمرة التي تحبها نجلاء تمرره فوق شفتيها الممتلئة تغلق شفتيها على بعضها تلف بجيدها الفاتن امام المرآة ثم تنتقي احد تلك المواد لتضعها في الحقيبة ، كانت حركتها رقيقة ، غير مبالية كما فعلت اول مرة التقى بها ، كأنه غير موجود امامها لا يعلم اذا كان مقصودا ما تفعله ام كله محض فكرة طائشة منها ،شعرها يتهادى خلفها بكثافته و لونه الرائع يا الله كم كانت مذهلة !

كانت شفتاه تتلوى تسلية ، لمس جيب بنطاله ليخرج علبة السيجار ، اخذ واحدة وضعها بين شفتيه ثم اخرج ولاعته و اشعلها ضيق عينيه فيها وهي ترتب الاغراض في الحقيبة : كيف حالها !

لم ينظر اليها عندما نظرت اليه ، كان وجهه مركزا على الارض على السجاد من تحته ، ارادت ان تستشف نظرته ان تعرف فيما يفكر ، ما مغزا هذا السؤال ، هل يشتاقها ، سترى ذالك في عينيه ان فعل ولكنها لا ترى شيئا ولا انفعالا كان سؤالا عرضيا : لا بأس ، تحركت شفتاها متحمسة ، الليلة هناك عرس سنحضره جميعا !

رفع رأسه مصدوما ، السيجارة عالقة بين شفتيه ، غضن جبينه بقوة ، عرس ! تذهب لعرس وامه لا زال ترابها لم ينشف ؟! عرس ؟! وهي للتو قد تطلقت منه ؟! عرس ؟! الهذه الدرجة هي مرتاحة خارجة لتفرح سعيدة تكاد تطير !

اخذت قطر الندى فستانا من فساتين نجلاء تضعه على طولها : يا الهي هذا الفستان سيكون رائعا عليها لربما يخطبها احدهم فيه !

كانت الصدمات تنزل عليه و تلك تثرثر حتى حين اقتربت منه رامية الفستان فوق الفراش لا تعلم لما تفعل لما تقترب فمنظره بهذه الطريقة وعلى هذه الهيئة يجعل الفراشات تتراقص في بطنها تجعلها منجذبة له تتحرك ناحه كانه هو من يرسل لها تلك الاشارات المغناطيسية حتى تلتصق به وضعت يداها على جانبي الكرسي وجهها يقترب يكاد يلتصق في وجهه عيناها الكبيرتان الدائريتان العسليتان تنظر لوجهه باستغراب حين رفع نظره لها وهي بهذا القرب تتحرك شفتاها : يا ربي لا اعرف كيف تركتك ، كانت عيناها تجوب وجهه بفتنة : حتى طريقتك في التدخين .. ادارت عيناها كأنها دائخة .. تدوخني !

صارت عيناه عالقتا في عيناها لا يدري لكم من الوقت اصبحا هكذا هو يجول بنظره على ملامحها كاملة وهي تدقق النظر في شعره تتمنى ان تغرس اصابعها فيه تريد ان تشعره امنية تمنتها اول مرة تراه فيها كانت انفاسها الدافئة الهادئة تلفح وجهه و عطرها الرقيق يقتحم مهجته ، رفعت كلتا كفيها بروية امام ناظريه تحقق امنيتها التي تمنت ، غرست اصابعها في شعره حتى لامست برقة اصابعها الطويلة النحيلة جلدة رأسه لمسة جعلته يسترخي اغلق عينه يستشعر هذا الشعور الجميل فمنذ زمن لم تفعل معه امرأة هذا الفعل المرخي للاعصاب ، لا راعيل ولا النجلا ، كانت وحدها حنان من تفعلها له حتى يسقط مرتخيا على صدرها ينام على عنقها ، ارخى رأسه الى الخلف سحبت السيجارة من بين شفتيه بروية وضعتها على الطاولة اطفاتها وهي تمرر ناظريها على ملامحه يا الله كم انه رجل تمادت يدها لتنزل الى حاجبيه حتى فكت عقدتهما ، لمست كفها الندية قشعرت له جسده جعلته مرتخيا هكذا ثم تراجعت وقفت تركته بكل برود و رجعت تلملم حاجيات نجلاء ، لم تكن اللعبة سهلة على قلبها الصغير ، فشفتاها بدتا ترتعشا ، صارت ترمش بسرعة كأنها تمنع الدموع ان تنزل من مقلتيها ، استنشقت انفها بسرية لا تريده ان يعلم انه قد اخترق قلبها لا ترد ان تعطه كل شيء في مرة واحدة ، هن يردن طبخه على مهل ، تريده ان يكسب ثقتها ، وان يتعلق بها ، ليس من الضروري ان يحبها هذا غير مهم ، فالرجل مثل الطفل يتعلق بسرعة وهي ستعمل على هذا !

لم يعد ليفتح عينه ، لا تدري ان كان حقا قد نام او فقط استرخى ، اما هو فكان مركزا اذنه مع كل حركتها في الغرفة تمنى الا تخرج اصابعها من بين شعره ان تبقى قليلا ان يسترخي قليلا اكثر ولكنها تركته مثل الدائخ لم يقوى على فتح عينه !

اغلقت الحقيبة و خرجت من الغرفة دون ان تأخذ منه وعدا انها ستراه ثانيةً دون ان يعطها رقمه ، فهذه اول فكرة لنجلاء قد فسدت!

في بيت آخر يعيش سكانه مأسي كثيرة ، لم يتوقف الامر فقط على موت امهم بل اختطاف سكينة الذي جعل الجميع يدخل في حالة صدمة كلما هداو كلما خرجت ناجية تصرخ فيهم وكأنها ممسوسة : تجلسون ، ينقص ان تضحكوا و ابنتنا مخطوووووفة ، صارت تندب على وجهها ففيها قهر و حزن لما يخفتا حتى اللحظة : قوموا انهضوا فتشوا عنها اقلبوا الدنيا ، اين هم معارفكم اين هم مخابراتكم اين كل هؤلاء اييييييييييييييييين

تضل تصرخ وتصرخ تضرب فخذيها ووجهها و صدرها كان قهرها على سكينة وما تتخيل انه قد حصل فيها اكبر من موت امها ، فما حصل لأمها هين ، فامها قد دفنوها يعرفون مكانها اما سكينة فلا احد يعلم !

هناك يقفون جميعا مسودي الوجوه ، كل يشعر بالعجز انه تم ربطه ، كلما هدأوا قليلا كلما زعقت ناجية مثل الغول فيهم فهم صاروا لا ينامون ولا يأكلون صارت وجوههم كالحة مالحة ليلا نهارا صراخا و زعيقا ، كان ينفجر يصرخ فيها يطير ثيابه فهو متضايق حد الموت يمسك بأعلى قميصه يشده يكاد يقطعه : يكفيييييييييييي بحق الله يكفي ناجية سأقتلك اغربي عن وجوهنا

لكنها كانت ترد الصراخ بصراخ من اعلى الدرج لا تابه : هذا كل ما يهمك ابقى جالسا بجانب زوجتك ابقى جالسا هنا مثل النساء كله بسببك بسببك الله لا يسامحك يا مؤيد قلبت حياتنا ايها الاناني ، اختك المجدلية تموت الف مرة في الدقيقة وانت لا تريدها ان تزور قبر امها ايها الحقير حقييييييييييييييير نذذذذذذذذذذذذل كانت تتفشش فيه كل يوم كل ساعة لا تهنأ ولا تجعله يهنأ كانت مثل القدر المحتوم !

كانت هذه الاسطوانة تشعره بالعار ، نعم يعلم انه سبب كل هذا يعلم انه لم يخطط له ولم ينفذه هو فقط كان سببا لاشخاص اخرين حاقدين كي ينفذوا افكارهم الحقودة عليهم ومنهم اخوه منذر الذي لم يحمله عقله انه هو اخوه المؤيد سيتزوج من كانت حبيبته !

كان ذاك يوما اخر اسودا لم يتوقف عند ذاك الحد بل زاد بأن هجم يحي على البيت يريد قتل المؤيد بذاته كان فيه من الثأر ما يزيد عن انه يريد ابادة عائلة عمه ، اخذ الباب يطرق بقوة عجيبة يصرخ فيه : اخرج يا مؤيد اخرج فوالله لن يموت غيرك اخرررررج

كان عمه امحمد من خلفه يحاول ان يمسكه فالحالة التي وصل اليها حينما رجع من سفره وعلم بوفاة امه كانت مأساوية كان يصرخ مثل النساء لم يحتمل كان يدق صدره حتى ادماه ولم تنطفيء النار التي يشعر بها كان يدور مثل حيوان شرس غاضب يريد ان يقتل ان يدمر و بيت عمه كانوا اول هدف له : قلت لك اخرررررررررررررج ايها الجبان اخرج

كان صراخه و دورانه في الحديقة في الخارج حتى صرخت ناجية : اخرج له ليقتلك فأنت تستحق القتل !

انتفخ المؤيد جدا صار يدور في غرفة الجلوس فقط يستمع الى ما يدور خلف الباب لا يريد ان يزيد الامور سوءا لا يريد ان تصل الى القطاعة بينه و بين عائلة عمه فصبر ضل واقفا هناك ينتفخ قهرا يسمع يحي في الخارج يصرخ في عمه امحمد : اتركني يا عمييييي اتركني اشفي غليلي بسببه حدث كل ذلك قتل امي ذاك الحيوان قتلههههههها يا الله كم كان صوته مبحوحا موجوعا مميتا مقهورا ، افتح الباب يا مؤيد افتح

قام ابوه على حيله يتجه الى الباب ووقف هو هناك يتهيأ للمواجهة فتح الباب يسمع ابوه : يحي تمالك نفسك ما حصل هو قدر !

كان عمه سعيد يحاول والله يحاول ان يصبر و يصبر غيره على المصائب التي لحقت بهم ، خبر اختفاء سكينة لا يعلم به اي احد حتى الان سوى عمهم امحمد !

كان يكتم انفاسه امام عمه رغم ان كل ما فيه كان سلاحا كان قذائف موجهة تريد ان ترمي ان تنفجر في وجه احدهم : عمي اخرج لي اختي اريد اختي صبا !

ضرب عمه يداه بعضهما ببعض ، كان يحي يقف هناك مبعثرا لا يعرف ماذا كان يرتدي ، كانت ملابس سوداء رياضية على حذاء مشي مفتوح ، لم يكن من شيم يحي الا يتأنق ، كان هائجا لا يريد ان يجلس لا يريد ان يتفاهم هو فقط يريد ان يسحب اخته و زوجته من البيت الذي دمروه يكفي ان سكينة لا ترد عليه لا يعرف ما بها ، يكفي انه صبر كل هذا الوقت دون ان يقول لهم اريد زوجتي حالا !

لم يكن يريد ان يزيد المشاكل ولا حدتها باعترافه انه قد تزوج سرا من سكينة !

كان يلف حول نفسه مسود الوجه قد ضعف كثيرا خلال هذه الفترة ، هو حتى لم يزر قبر امه ، يخاف ان يفعل ، ان يصدق انهم حقا قد دفنوها ، امه تموت دون ان يراها لما ؟! تموت محروقة لما ؟!! كانت يتكلم مع عمه بصبر نافذ : عمي اخرج لي اختي ، اختي لا تريد ان تعيش هنا مع ابنك!

كان سعيد ينظر بقلق الى وجه اخوه امحمد يريد ان يهدأ الامور بينهم لا يريدها ان تصل الى القطاعة او الى القتل : يحيى اهدأ فالعصبية لن تقود العائلة سوى الى التفتت!

كان المؤيد خلف الباب فقط يسمع ، ان قلب الدنيا قلبا لن يخرج لهم صبا لن يعيدها ، هي زوجته مسماة باسمه ، فلينسوها ، هي معه وهو سيداويها بمعرفته حتى الان لا يعرف كيف ولكن سيفعل فهما عندهما كل الوقت !

سحب امحمد يحي من ذراعه بالقوة : تعال نجلس في المجلس و لتقل كل ما عندك !

غمز لاخيه سعيد الذي رد الباب من خلفه يتبعهم الى المجلس هناك وقف الجميع في مواجهة بعضهم ، لا شيء سيهدأه لا شيء فالثورة التصقت به ، بصورته ، عنفه ، حركته ، تهيجه ، وجهه : عمي ، عمي ، انا ارجوك لا تقف بوجهي عندما اجد منذر !

وضع سعيد كفيه على وجهه الحزين بشدة المكفهر بشدة فهذا ثاني تهديد حيث كان الاول من شعيب الذي توعد منذر بالموت ، منذر مقتول مقتول لا محالة ، منذر ايضا قتل امه فهل سيقتله هو ابوه هل سيسن سكينه و ينحره ساعة يراه !

اخذ وجهه يسود و عيناه تحمرا و صار يدمع : انت واخوك و االمؤيد و منذر تسعون لدمار هذه العائلة ستدمروننا بعنادكم هذا ، منذر متعاط مخمور كلب اهوج فعل ذلك بلا اي عقل هو فاقد للاهلية ابني يعاني منذ زمن و ذنبنا اننا وافقنا على ان نزوج المؤيد من صبا !

صرخ بالاخيرة وكأن روحه سوف تخرج منه ، مهما فعلوا فمنذر يضل ابنه ، كبيره ، بكره روحه لن يقدر ان يسلم رقبته لابناء عمه بهذه البساطة ، سيجد حلا معهم سيفعل ، و سينهي كل هذا الجنون !

دخل المؤيد الذي كان فاتحا فاها مستغربا من قول ابوه ذاك : اي خطا و اخويها كانا هناك ، لم يقل اي منهما لن نزوجها مثلما فعلنا مع سكينة !

كان يشيرفي تلك االلحظة الى ان شعيب و يحي ليسا رجالا كي يعطوه اختهم وهو قد رفضهم

نظر الجميع اليه بعجب تحول سريعا الى غضب ثم الى برود ، حسنا ، هذا هو رأيه اذن ؟!!

نظر الى عمه امحمد الذي كان لو استطاع لخلع حزامه و اشبع المؤيد ضربا لكنه ترك تلك المهمة الى اخوه سعيد الذي اسود وجهه ينظر بحقد و غل الى وجه المؤيد الذي للحظة ندم على ما قال و فلتة لسانه فوقف هناك ينظر للسماء عبر سقف هذا المجلس يغمض عيناه بؤسا فهو لا يزيد الامور الا سوءا ، سمع صوت اوراق تخشخش فتح عيناه في وجه يحي الذي فرد ورقة امام عمه سعيد ومدها له في حين كان وجه عمه امحمد محمرا بقوة مصدوما ينظر بفم فاغر الى وجه يحي المتعمد البارد ، امسك سعيد بالورقة يقرأها لوى شفته لا يفهم حتى رفع الورقة في وجه اخوه امحمد : كيف ؟!

كان صوته يخرج من حنجرة مسلوبة ضعيفة يسأل فقط كيف ؟! كيف يزوج اخوه ابنته كيف ؟!

رفع امحمد رأسه عاليا سيقف الان في وجه كل من سيحاول ابطال هذا الزواج فأن كان فيه خطأ كان الشيخ قد رفض تزويجهم ، الزواج صحيح و مسجل في المحكمة وعليه شهود ايضا و البنت بالغة راشدة وهي موافقة هكذا هو الامر برمته : نعم زوجته منها !

لم يفهم المؤيد شيئا حتى حين اقترب يحمل الورقة بين يديه طار منفعلا يمزق الورقة بين يديه دليل انه لن يهادن ولن يوافق وانه يستدعي الشر بينهم صرخ في عمه امحمد بقلة ادب : من سمح لك من انت كي تزوج اختي ، كان صوته عاليا مستثارا صارخا حانقا يكاد ينفجر يتخيل نعم يتخيل ان يحي قد حصل على اخته اخيرا ورغما عنهم ان اخته قد نامت فعلا معه فهذا العقد يشي بالكثير من الامور : انت لست من عصبتها ، انا حي و ابوها حي كيف تسمح لنفسك ان تتدخل فيما لا يعنيك

لم يكن يفطن ان والده سيفش الان كل غله فيه فوالله لولا انهم اعترضوا زواج سكينة من يحي و زوجوه هو من صبا ما كان كل ما حصل سيحصل هذه الدقيقة بالذات رفع يده وصار يصفع ابنه مرارا وتكرار و يضع كل غله فيه كان وجه المؤيد يتلقى الصفعات بلا رادع لم يمسك ابوه ولم يعترضه كان وجهه ينتفخ يتهدل الصفعات تتردد بينهم لم يقف اي احد منهم ليمنع سعيد من ضرب المؤيد الذي صارت عينه قانية كأنها الدم من الاهانة ان يضربه ابوه امامهم لانه دافع عن شرف اخته : اذهب يلعن ابوك ابن ستين كلب ، اذهب عن وجهي يا وجه المصائب فوالله امسك نفسي حتى لا اخنقكك بيدي هاتين ، رفسه بساقه وصرخ فيه اخرجججج اخرج يلعن ابوك على من خلفك

صار يدفعه الى خارج المجلس وذاك وقف صلبا صلدا لا يتزعزع محاولات ابوه لاخراجه من المجلس لم تنجح رغم الضرب وقف ورغم الاهانة وقف ينظر الى عيني ابوه: تسكت لاخوك الذي زوج ابنتك دون رأينا !

مسكه ابوه من قميصه يهزه هزا مريعا : اسكت قلت لك اسكت ، تزوجت تزوجت انتهى الموضوع انتهى ، والا اذا لم توافق سأخرج له صبا الان و تطلقها غصبا عن انفك فوالله سأحرمها عليك طوال عمري !

فتح عينه في عين ابيه مستهجنا مستغربا : عمي اخرج لي سكينة اريد ان اخذها معي !

كان صوته من خلفهم لم يعني له شيء اي شيء هو سيقلب الدنيا على من فيها و سيفعل ما يريد : اعطني زوجتي !

وقف ووقف عمه امحمد من خلفه ، كانت الغرفة كطنجرة ضغط ستنفجر في اي لحظة الوقود محمي من تحتها و البنزين بجانبها و الماء بعيد جدا عنها ، التنافر و العداوة كانتا واضحتان جدا بين ابناء العم فكلاهما قد كره الاخر و كلاهما سيكون عدو للأخر ، فهذا المؤيد بعد كل ذلك لا يلين ولا يريد ليحي ان يتزوج سكينة رغم انه الان اصبح زوج اختهم صبا رغما عنها و عنهم ، وهذا يحي حتى وان تطلب الامر ان يخرج المرأتان بالسلاح سيفعل هكذا وصل بهم الامر لن ينحني احدهما للاخر ولن يخضع احدهما للاخر : سكينة اخذها منذر !

قالها هكذا ، خرجت من فم عمه هكذا تتطاير في الفضاء بينهم ، التفت ببطء ناح عمه ببطء شديد جدا لا يصدق لا يكاد يحمله عقله ينظر الى كل الوجوه المسودة حتى وجه المؤيد ذاك : منذر خطف سكينة ولا نعرف اين هما !

يريد لاي احد ان يقول انهم قالوا ذلك نكاية به ، لا ان يقتلوه وهو واقف هكذا ، ماذا يفعل عمه هذه ليست مزحة ، ليست نكتة صار يلوي شفته و ينفث انفه : عمي قل كلاما غير هذا !

: رأيناه في كاميرات المراقبة ، كانت مريضة طريحة الفراش اخذها و... تردد عمه امحمد كثيرا في توضيح تفاصيل هو في حاجة الى ان يعرفها ، يعرف اين هي زوجته : منذر وضعها في سيارة و خرج هو دونها !

وضع يده فوق رأسه يرفع رأسه للسماء يغمض عيناه قد فااااااااااااض به فااااااااااااااض به صارت حنجرته ترععععععد ترعد بقوة بعنف باضطراد كان بركانا يوشك ان ينفجر حتى ملأ صراخه العنيف كل الارجاء كل مكان كل الحديقة حتى اخترق جدران البيت كان يهجم بكل عنف قاتل على المؤيد يريد ان ينتقم منه في اخيه ان ينتقم منه في كل شيء تحول المجلس الى صالة مصارعة صراخ ضرب لكمات تقطيع ملابس شتائم كانت الهرج و المرج يتردد صداه حتى يصل الى السماء كان هيجانا كان طوفانا الجميع يتحرق و الجميع يحترق ولا شيء سيفش غليل هذه الايام لا شيء سوى الموت

و استفاقت من تعيش على المسكنات و المهدائات لشهور عدة !

قامت تتكيء ببطء على فراشها ، عيناها ناعستان بشدة ، جسدها كله مرتخ ، متعب ، فارغ نعم فارغ قد افرغوه من نشاطه من حيويته افرغوه من روحه ، فصبا لن تنسى في حياتها انها رأت امها تحترق ولم تقدر ان تفعل لها شيئا ، لن تنسى انها احترقت ولم تقدر ان تفعل لنفسها شيئا ، كل شيء ضاع وسط ذاك الحريق ، حياتها فقدتها في تلك القاعة ، روح صبا دفنت هناك بين الصراخ و بين الدخان ولن تقدر على الرجوع ما عادت قادرة !

جسدها مرتخ جدا كلما حاولت الوقوف وقعت ، المغذيات اصبحت كأنها عروق اخرى تمدها بالحياة التي ترفض ، يا الله كيف لقرار ان يغير حياة ، لقرار ان يسلب ارواح ، قرار ينفيك من الدنيا بحالها ، هو بئس القرار !

جلست في ثيابها الخفيفة تلك كلها فوضى ، شاحبة ، شفتيها باهتتين ، عيناها ذابلتان ، شعرها ازداد طولا و فوضى ، جسدها نحل كثيرا ، صدرها ينطبق على ظهرها حتى التنفس اصبح فيه صعوبة لا تحتمل تشهق لجلب الهواء الى عمقها الى رئتيها ، وفي كل ذلك تتسحب الدموع الساخنة فتبكي بصمت ، تظل هكذا تبكي ، لا تصدق ، لا تستوعب الذي حصل ، المؤيد حاك الحكاية و النهاية !

وقفت تتشبث بكل ما حولها ، حتى الان لم ترى اخوتها لم ترى ابوها لم ترى جدتها ، حتى هو ذاك الزوج الغادر لم تره ابدا ، أ يجرؤ على الوقوف اامامها بعدما تسبب به ؟!

قدماها عاريتان و نظرها ضعيف مشوش لا تركز ، ولكنها تريد ان تخرج ان تمشي ، قد سمعت صوتا ، سمعت صراخا ، يطربها سماع هذه الاصوات نعم صار يفعل ، اي احد سيبكي ستبكي معه ، اي احد يريد ان يندب ستندب معه ، اي احد يريد ان يصرخ ستصرخ معه ، هي لم تفش غليلها ، لم تبكي كما تريد ، حبست في المستشفى وكأنهم يقيدون حريتها في ان لا تحزن على امها ان لا تحزن على روحها .... امها كانت روحها و روحها قد ماتت !

وصلت الى الباب فتحته ثم خرجت تجرجر نفسها تتنفس بصعوبة تضع يد على صدرها و يد تساعدها على المشي حتى التقت ناجية هناك امام الدرج تجلس على كرسي تبكي قهرا على الاقل احد ما لا زال يبكي لا زال يشعر بالحزن !

رأتها تقترب وهي ترفع رأسها قامت من فورها رجلاها تجري اليها تعاتبها بود : صبا يا الهي لما قمتي اخذت بيدها تشدها لها وتلك واتتها فرصة ان ترتمي على صدر احدهم ان يلمها احدهم فتبكي تجهش باكية كانت موجوعة يا الله موجوعة يا الله كيف ستصبر كانت ناجية تبكي معها تحتضنها بقوة همست لها : تعالي يحي في الخارج تعالي له !

كان تصرف ناجية منطقيا جدا فلا احد سيفهم هؤلاء الا بعضهم البعض ، يحي يحتاج ان يبكي مع صبا و صبا تحتاج ان تبكي على كتفه ولا يحق للمؤيد ان يمنعها من رؤية اخوتها في هذا الظرف المشين التعس ، اخذت تنزلها الدرج و تلك قلبها يرفرف دمها يجتاحه مثل الموج الهادر صارالدمع يجري مدرارا بكثافة مخلفا عيونا منتفخة بشدة وارمة الاجفان ملتهبة الخدان كانت الان ومنذ زمن لا تخرج للهواء و ناجية تتمنى الا تلتقي بأخيها كي لا يمنعهما من رؤية يحي حتى اوصلتها الى باب المجلس هناك سكن ظلها نادت عليه مبحوحة : يحيى !

رفع رأسه بسرعة صار يجري لها و لم يستوعب من خلفه ما جرى يا الله كان عزاءا اخر لا يدري من كان منهما يسحب الاخر يريد ان يدخله على عمق صدره يريد ان يخفيه عن العالم وعن من فيه وما فيه كلاهما فاغرا فاها بالبكاء اختلط صوتها الانثوي مع صوته الرجولي الثخين كان لقاءا متفجرا مقطعا للروح كان جسدها يغرق في جسده تتمسك به تتشبث بروحه تعرفه هو من يحب امه اكثر منها هو من كان يتلوى بدلا عنها حينما تزوج والدهم عليها ، هو من كان يبقى ساهرا عليها حين تمرض و حين تشتكي من ابوه هو فقط هو يعلم حجم هذا الالم حجم هذه المصيبة ، يا الله رائحة امه هي هذه ، وجه امه هي هذه ، عضد امه كانت دوما هي هذه .. ياالله يا قلبها يا الله

كان الجميع من خلفهم يبكون معهم يبكون بحسرة و قهر و زوجها واقف هناك يتقطع عليها ، كيف سيداويها ، هل سيقدر ان يحل محل اخوها ، صبا قد كرهته ، في تلك الثواني التي تستيقظ فيها فتجد وجهه عندها تقلب هي وجهها عنه لا تريد رؤيته ، و ذاك امسك بوجه شقيقته بين يديه نصفها الايمن احترق ولكن حروقها كانت في وجهها ابسط من حروقها في صدرها وتحت ابطها الذي التصق بعضدها و تم فصلهما بعملية جراحية كبيرة و الذي لا يعرفونه ان ثديها الايمن بالكامل قد احترق و كأنه لم يكن ، كانت الالتصاقات و الحروق في جسدها مريعة خطيرة اكلت لحمها اكلا تلك النار الهائجة ، عيناه تلتصقا بوجهها بدموعها يقبل خدها يضمه اليها تستنجد به : خذني اليك ، يحيى لا تتركني لا تفعل !

كانت تتشبث به مثل الغريق وكان لا يحتمل الا يلبيها خرج يسحبها معه في تلك اللحظة تحرك المؤيد مستشيط غضبا ، لم يصدق كلامها ، باعت صبا ، باعت ولم تنظر خلفها ولا تحسب حساب زوج او عائلة اخرى من خلفها ! : الى اين !

التفت اليه يحي يتعبط اخته المريضة الهالكة عيناه ترميه بشرار مميت : سأخذ اختي سأبقى معها وحدنا ثم ارجعها !

وقف هناك عيناه تحمرا غضبا تحمرا بؤسا يريد ان تنظر اليه الى وجهه الم تعد تحبه هل حقا كرهته اول ما قامت تركته صاح بها : صبا !

تمسكت بجذع يحيى الذي كان يتوجه الى سيارته بأخته ادخلها بها و ركب هو و تركه هناك و كأنه في بطن الصحراء يلتفت حوله لا احد ، كيف تركها تخرج هكذا ، كيف تركها تغادر ببساطة هكذا لم يكن له اي موقف لم يتحرك ، خاف خاف ان فعل تقف ضده ان فعل تخرجه من حياتها كلية نعم هي مسيطرة و هو لن يتخطاها لن يفعل رفع كفيه الى رقبته يخنقها ينظر بحقد الى وجه ناجية التي حضرت كل الموقف قلبها ارتاح يجب على صبا ان تبقى مع اخويها قليلا ان تشعر بعزاء امها لا ان يحبسوها هنا مثل الرهينة : انا فعلت ما يجب ان يفعل لما تحبسها لما لا تحزن مع اخوتها انت تسببت بكل مأساتها فتحمل قليلا مسؤليتك تجاهها !

صرخت به ناقمة : قلتها و اقولها انت اناني احمق !

كاد يخلع حذائه و يرميه في وجهها حتى تخطاه عمه امحمد مهمهما : الافضل ان تتقبل زواج سكينة منه حتى لا تخسر صبا !

نظر الى ابوه من خلفه الذي كان يجلس في صدر المجلس مهموم محزون يده على وجهه حزنانا محطما فكل ما يجري هو صاعقة !

اما عن آيدين فرحلته مع يحيى لم تكن سهلة كان يكذب عليه طوال الوقت لم يخبره وهما في الغربة ان احد حبيب عنده قد مات ، ان امه قد ودعتهم ، يعلم مدى حبه و تعلقه بامه بالذات ، كان الامر اشبه بأنبوبة مكبوسة تريد ان تنفجر ولكنها مكتومة ، كان فكره و عقله غائب تماما لفترة حتى اوصله الى بيت اهله هناك وقعت عليه الفاجعة !

هو هنا الان في بيت ابوه من جديد .. وحيدا .. نعم وحيد .. ترك بيته ، سجله باسمها و اعطاه لها !

عندما رجع من المانيا دخل بيت ابوه لم تكن اللهفة ما تقوده فهو حقا كان منهكا من كل شيء ، من كل القصص ، من كل الحكايا ، ايميل لم يمت كما ارادوا بل لا زال حيا يتوعد ، و المجدلية لا يعرف كيف سيكمل قصتهما معا وهي و حالتها التي صدمته عندما سمعت بوفاة امها ، نعم قد خان تامارا مرة اخرى و لا يدري حقا لكم من المرات سوف يفعل !

صعد الى الاعلى ولا يدري عن حالها هو حتى لم يتصل بها ولا مرة واحدة كأنه نسيها و كأن صور المجدلية كانت تتطاير حوله كله حلت محلها انتزعت صورة تامارا من مخيلته !

ماذا اكتشف ايدين في نفسه ، او ماذا اكتشف مع كل امرأة يعاشرها ، اكتشف انه لا يحب النكد ، نعم هو يعاشر المرأة المستعدة ان تعطه بلا حدود ان تعطه دون ان تنتظر منه اي مقابل دون ان تبكي له او عليه ، يحب المرأة المندفعة بالحب ، نعم اكتشف هذا في نفسه ، انسجم في حبه مع باتريشيا و انسجم مع المجدلية ، اما هي فكل الطريق اليها كان مسدودا !

وكأنه قد مسح كل تاريخه معها و كأنها هي المسؤولة عن حالة النكد التي يعيشاها ، نسي انها قد اعطته كل شيء و مستعدة كانت ان تعطه اي شيء لولا اكتشافها غدره و التواءه !

ولولا شكه انها خانته و تخونه مع ابن خالها و قلب حياته لهذا السبب بغيرته العمياء !

كان قد وصل الى وجهته ، كان يراها في مخيلته تعبة حزينة تكرهه تطرده لا تريده كل المشاعر السلبية و ضعها على وجهها وكأنه في اي حالة قد تطرأ عليه سيحملها الذنب و يصبح هو مبرأ من اي خطأ او اي فعل تجاهها !

حينما فتح غرفتهما المشتركة كان يبحث بعيناه عنها لم تكن في الغرفة دخل فلفته صوت قادم من جهة الشرفة ، تقدم ناحها باب الشرفة مردود كان يرى ظهرها و شعرها الذهبي يتهادى تتحرك برفق من حوض ازهار الى اخر ، فتح الباب و نظر حوله ، كانت هي تقف هناك امام حوض ازهار حمراء جميلة متفتحة ، كانت تلمس بتلات الازهار بكل رقة كأنها تمسحها تقرب انفها من الزهور و تشمها لم تسمعه لانها تضع سماعات على اذنها تستمع لشيء لا يسمعه ، شعرها في شمس الغيوم هذه كان ذهبا عيناها كانت زمردا شفتاها فاكهة ناضجة رتابة اسنانها البيضاء الصغيرة كرتابة حبات رمان ، جسدها الملموم في فستان عامر بالالوان قصير جدا الى ما تحت وركيها فقط تاركا ساقيها الجميلتين تتراقصا طربا ، يا الله لكم غابت عنه صورتها هذه ، قد اخذت تامارا حريتها ، قد كان يكتم انفاسها بمشاكله و شكوكه وهي هنا تمرح و تبتسم و تزرع و ترقص ايضا ، كانت رائحته قد عبرت انفها حتى افترت على نفسها بسرعة تنظر الى فوق اليه الى عينيه يا الله لكم افتقد لهذه النظرة تهزه ترعده يقشعر منها بدنه وقفت هناك تصنمت لم تتوقعه قد غادر و بالغ في الغياب حتى ظنت انه قد تركها انه قد انفصل عنها ، رفعت كف رقيقة مزينة بخواتم ذهبية جميلة الى صدرها كأنها توقف قلبها عن الدق ابتلعت ريقها و خداها يحمرا بقوة امام انظاره !

كان يصول و يجول و يتوقف عند عينيها عند برائتها فهذا الشيء الذي فيها لم يفسده يرى تلك الطفلة التي كانت له وحده وصارت له وحده ، طال الصمت بينهما حتى سرحت حنجرتها بلطف تنطق : رجعت!

لا يدري ان كانت هذه نغمة امل ، نغمة اشتياق ام هي نغمة صدمة انه قد رجع ليفسد عليها ايامها !

تحرك انثنى عليها رفع وجهها اليه قبلها بلطف على شفتيها ثم رفع نفسه عنها يلتفت الى ازهارها تسمع صوته بعدما احرقها في مكانها لم تتوقع قبلته هذه : نعم رجعت !

اعطها ظهره يرى ازهارها يلمس ما كانت تلمس ، يشم ما كانت تشم : هل زرعتها بنفسك ام ساعدتك صفية !

كان يتكلم معها و كأن شيئا لم يكن كل شيء عادي في يوم عادي يدخل على زوجته بصفة عادية و هذا كل شيء بينما ما في قلبه شيء اخر تماما وهي قلبها لا زال يركض ، لا يعرف الرجل الانثى ، يأتي ليقبلها هكذا بهذا الحب و هذا اللطف بعدما كان يوسعها ضربا !

كان يراقب حركتها و تصرفها و خجلها وكأنه يقبلها لأول مرة ابتسم مع نفسه لمعت عيناه وهو يراها هكذا مرتبكة لا زال يؤثر فيها نقطة تحسب له و ي كأنه يشكر نفسه انه قد تصرف معها التصرف الامثل ، ان لا يدخل عليها هائجا يكمل ما تركه من خصام بينهما ، دخل وكأن شيئا لم يكن و كان هي قلبها ابيضا !

اقترب حتى التصق بها من خلفها يضع يده حول خصرها يميل برأسه الى وجهها الذهبي : هل لك مزاج في السهرة خارج البيت !

قد افرغت تامارا كل طاقتها السلبية تلك الايام التي تركها فيها ، على الاقل هو يحاول ان يستر عليها ، لم يفضحها ، تلك نقاط سجلتها له و احتفظت بالعرفان له و قررت انها ستخلص له ، لن تحاسبه على جرم قد قام به صديق فيكفي انه امضى عمرا باحثا عنها كي يستر عليها !

قد حكمت تامارا العقل بينما آيدين كان عقله ينحرف عنها شيئا فشيئا !

هزت رأسها موافقة تبحث عن بداية جديدة معه ، ستتخطى مشاكلهما و مشاكلها هي النفسية و ستمنح نفسها فرصة لتعيش ، لا تريد ان تمضي باقي العمر في الحزن والبكاء كما امضته في سنواتها الماضية كلها ، آيدين يمنحها بعض الحب بعض الحرية يمنحها روح جديدة ستستغلها فهو على كل حال كان سيكون ابو اولادها ليس في عقلها لا في عقله هو كانت هذه الطفلة ستكون ام اولاده كان ليصبح ابا وهو في السابعة عشرة ، لو عاش ابنه كان عمره الان عشرون عاما يا الله عمر مناسب للزواج و الانجاب كان سيكون جدا!

عند هذه الفكرة قلبها له عند صدره يضع يده حولها يقبل قمة رأسها يتنهد في شعرها ، لم يقدم اعتذارا لم يعترف انه ظلمها و اهانها هو سيرمي بكل شيء الان خلف ظهره و يستمتع بوجوده معها !

كان يراقب بساطتها رقتها ، محاولتها الحركة بحرية بعينيها التائهتين هاتين ، تركها و نزل الى الاسفل بعدما استحم و بدل ثيابه وهي تحوم في الاعلى تريد ان تختار اجمل ملابسها كي تفتنه كي يحبها !

ابوه يكاد يقطن بين بيت عمه سعيد و عمه صالح بل كان اكثر شيء عند عمه صالح تارة يزوره في المستشفى و تارة يبقى في البيت يستقبل المعزين مع شعيب اما هو فسيرتاح قليلا من كل هذا و سيخرج ليقف هو ايضا في صف الاستقبال !

اما الان فسيعطي نفسه بعض الراحة معها ومع هدوئها سيخرجا في موعد يصفيا فيه كل مشاكلهما سيتفق معها على الا تخالط ابن خالها مرة اخرى ان تبتعد عنه ان تجعل بينهما مسافة رغم ان ذكر ابن خالها يهيج الحروق في نفسه فهو لم ينساه ولم ينسى دوره الجلي في دمار حياتهما و رغبته هو في ان يجعلها امرأته تحت سقفه ، كان يدخل الى صفية سلم عليها ورحبت به جدا وهي تجلس هناك تتابع مسلسل قديم جلس معها يتابع بعقل مشغول حتى قالت له : خال تامارا جاء لك عدة مرات يسأل عنك !

قالت جملتها غير معتبرة لصدمته ، لا يعلم لما صدم ؟! لما خاف ؟! قلبه صار يركض كأنه الخيل في البيداء ، يغضن جبينه يغمق وجهه لا يشعر بخير ، لما ؟ لما يبحث عنه في بيت ابوه ؟! : هل رأى تامارا !

هزت رأسها نفيا ناظرة الى عينيه : لا ، قال لي لا تخبريها انني جئت و لم افعل !

قام من مكانه يدور حول نفسه توتر جدا ، حتى رآها هناك تقف له بفستان حالم جميل فخم رفيع ، كان اصفرا بطبقات شيفون متعددة يتطاير بخفة حولها كتفاها عاريان حتى بروز نهدها كانت ترفع شعرها في تسريحة عفوية فوق رأسها تترك خصلات كثيرة تتهدل بين جانبي وجهها ، زينتها كانت رقيقة جميلة بديعة الخلق الله ما اطيبها ، لاول مرة يراها هكذا شغلت عيناه صار مبهوتا لا يصدق انها هي ذاتها ، كلما خطت خطوة باتجاههم كانت تبرز زينتها و الحلي التي ترتديها الحلق الطويل الذي يلامس كتفيها لامعا كالالماس و في رسغها ذات النقش و حذائها عال مفتوح اصفر اللون ، لم يكن اللون عليها مخيبا بل كان كأنه قطعة منها صمم فقط لأجلها لا تعلم كم من الوهج بطلتها هذه قد منحت!

كانت صفية تنظر اليها مبتسمة فرحة : ماشاءالله يا الله ما اجملك تبدين صورة من الافلام !

لم تترجم صفية تماما صورتها في ذهنه كانت قريبة جدا من وصفها ولكن هناك ما هو الذ!

نغزت صفية ايدين بذراعه حتى التفت لها صارت تغمز له مشاكسة بعينها وتارة بشفتها حتى جعلته يحمر خجلا يرفع كفا الى شعره مرتبكا لا يدري لما !

تقدمت و ابتسمت : انا جاهزة

تحرك تجاهها لا يعلم ما يفعل لا يدري الى اين يأخذها بهذه الثياب فليس هو في اوروبا وهنا كل الاماكن مغلقة اقترب يهمس لها وهو يسترق نظرات خجلة الى صفية التي تركز معهما : تبدين ملكة ! احمممم سرح حنجرته مرة اخرى لا يعرف ماذا جرى له لما يبدو وكأنه يراها لأول مرة قد فاجأته حقا عطرها يدور حوله جذبها حتى خرجا من المطبخ : اين هي ثياب الحجاب !

كانت يده على ظهرها يقودها برقة وهي تبدو محرجة لم تتوقع اطراءه على مظهرها الذي لا تعرف عنه شيئا فهي قد ارتدت ما شعرت بقماشه الناعم على كفيها و جيدها اخذت تبتسم ببلاهة وجنتاها تحمران ترتدي ملابس الحجاب و تضع الخمار فوق وجهها فتتغطى كلها يخرجا سويا و قلبه يدق بعنف و سرعة حتى اخذ يسعل كي يسكت تلك الدقات الغبية ما هذا ما الذي جرى له ، هي زوجته قد عاشرها فلما الان يشعر بشيء اخر نحوها !

ركبا السيارة وهي فقط تنتظر منه ان يسعدها في هذه الليلة لا تريد شيئا اخر ، سعيدة بوجودها معه وتعلم ان تصرفاته رقت ناحها !

اخذ يدور بالسيارة في انحاء المدينة يعلم انها لا ترى منها شيئا و لكن روح هذه المدينة سوف تصل لعمقها لروحها ستغزوها سترسم لها في مخيلتها صورة كاملة ، لبيوتها ، حدائقها ، بحيراتها ، بحرها ، سماءها ، نورها ، ليلها ، زحمتها ، رائحتها ، اصوات رجالها و نساءها و لعب اطفالها ، كانت كل الاصوات تعبر اذنها كل الحياة بأصواتها المختلفة ، صوت الريح ، صوت الاشجار ، صوت الامواج ، صوت الالعاب ، صوت الضحكات و اللهفات ، كلما دار بها كلما تحررت اكثر كلما طارت بينهم اكثر كلما رسمت وجوه العالم بين عينيها ترسم وجهه هو بين مقلتيها ، تحن الى لمسه ، الى وجهه ، الى فمه ، تحن الى رقته معها ، تحن الى احضانه ، فهو كحبيب رقيق جميل و كعدو يتعوذ الشيطان منه!

اوقف السيارة بعيدا عند البحر تسمع تخبط الموج على صخور الكرنيش الممتليء بالناس في هذه الساعة صارت متلهفة : هل نتمشى قليلا !

نظر الى سوادها هذا يسمع صوت تلك اللهفة : كما تحبين !

فتح الابواب و خرج معها هناك تتأبط ذراعه يمشيا جنبا الى جنب حتى توقف بها هناك حيث داوم في كل مشاكله ان يقف عند هذه الصخور يجلس عليها يداعب الرذاذ وجهه و جسده ، معها الان يجد نفسه خاليا من الكلام ، في خصامها وجد الكثير لقوله ، اما في لحظاته هذه معها لا يدري كيف يعبر او ما يقول يجد نفسه فارغا!

: الله ما اجمله ، هل تشم رائحته !

اغلقت عيناها و رفعت صدرها تستنشق عبق هذا البحر يمنحها شعور نادرا ما شعرته ، فهي لم تذهب للبحر في حياتها ولم تشعره ولم تسمعه ، للبحر لغة قادرة هي على فهمها ، لغة تناجيها تنقش احرفها بين هذه الصخور : عشاق البحر هم فقط الحزانى !

جاء رده لسؤالها مخيبا لحماسها ارادته ان يشاركها تلك اللحظة ، لم ترد ان تخبره انها لاول مرة تقترب من البحر ، اول مرة تسمعه ، لا تعرف ان هناك مجموعة من البؤساء يلوثون هذا الجمال و يرمون قمامة ارواحهم فيه !

يقف خلفها هناك يضع يديه في جيبي بنطاله لو لم يكن هناك اناس حولهم لكان سمح لها ان تخلع حجابها و تنظر للبحر بعينيها تلك ان تلمس ماءه ان تتذوق ملوحته ان تضحك لمداعباته لا يدري ان كان كل ما يقوله لنفسه هو عرض للبحر ام عرض يخصه امسك يدها يجرها اليه الى حيث السيارة و يتجه بها الى احد الفنادق القريبة ، هناك ستأحذ راحتها في كل شيء و هو معها ايضا سيأخذ راحته في فعل كل شيء !

وصلا و دفع للجناح الذي حجزه لهما لليلة واحدة ، كان يتمسك بكفها طوال الوقت وهي صامتة قلبها يسابق الريح تشعر بالخوف و تشعر بالحب و تشعر انها تريده ، تريد ان تبقى معه هي تشتاقه ولطالما فعلت وهو فتح باب الجناح دخلت و هو ضل هناك خلفها يقف عند الباب و هي تقوم بفك كل ازرار عباءتها و تقيم الخمار عن وجهها كانت مشرقة بكل تلك الثياب وتلك الزينة ثم بعدها ارتبكت لا تسمع منه سوى انفاسه ، ايدين ما قصته ، لم يتحرك ، ضل عالقا هناك في منطقته ، ينظر اليها بعينان محمرتان يراقب كل شيء فيها ، كثيرة عليه هي تامارا ، روحها الطاهرة كثيرة عليه ، براءتها كثيرة عليه ، نظافتها كثيرة عليه ، تسامحها كثير عليه ، كثير عليه لأنه استنتج اخيرا انه لا يستحقها ، انه قد علق فيها ، في تلك التي تلوت بين يديه في ذاك المطبخ الصغير ، عالق في من كانت تخونه و صارت تخون معه ، عالق مع عاهرة !

اقتربت تامارا تغير وجهها و بهت حماسها فهو لم يقل الكثير كان كمن يجامل !

حتى ان فكر انه سيعاشرها الليلة فهو واجب ليس اكثر !

عند هذه النقطة اغلق عينه بقوة وهي كمن شعرت به فلفت يدها حول بطنها برقة التقمت شفتيها لا تعلم لما تستطعم شيئا مالحا على لسانها توقف بهما الزمن حتى طلعت الشمس و انتصف النهار كانا هناك في بيت ابوه يدق احدهم على بابه يفتح له فيستقبله يقول في وجهه : نحتاج ان نتكلم على انفراد!

:اسمعني جيدا ايها البائس الخسيس قد افلت بعقابك في تلك البلاد ولكن هيهات ان تنهزم من وجه الحقيقة ، انا اعلم انك من اعتدى عليها ، اعلم انك من دمر لها حياتها ، اعلم انك من دمرت لنا كلنا حياتنا فلذلك و قبل ان تناقش و تدافع و تهاجم انا اعطك فرصة ان تترك تامارا في حالها ان تطلقها ولا تعود لك بها صلة ابدا !

صعد الى الغرفة هناك حيث تركها كما احضرها بكل نورها هذا الذي اطفأه.. بكل الكحل الذي يسيل على وجنتيها.. بكل الرجاء الذي فتحت به عينيها : تامارا انت طالق !

في احدى مقاهي المدينة العامرة كان هو هناك يجلس على احد الطاولات المنعزلة ينتظر من اتصل به و مستعد على تقديم الكثير من التنازلات !

كان يدخن ملفتا و مديرا بمظهره الباذخ هذا ، المتعجرف هذا ، الكثير من الروؤس و خاصة الانثوية منها ، كل اربع دقائق كان يلتفت الى الباب ينتظر ضيفه و لكن في واحدة من تلك الاربع دقائق تفاجأ بوجه لم يره منذ فترة ، عينان عسليتان كبيرتان في وجه مثلث جميل ، طويلة متأنقة بملابس محتشمة كانت اطول بنات مجموعتها التي دخلت حالا الى المقهي مصدرات جلبة و اصواتا يشاغبن بعضهن البعض و هي كانت بينهن تمزح و تضحك و تجر هذه من حجابها و تضرب تلك على رأسها وكأنها وحيدة تماما في ذاك المقهى ، نفض السيجار ناظرا الى رمادها عيناه تلمعان تسلية لا يعرف لما كلما رآها يريد ان يضحك هكذا تثير تلك الدغدغات الفكاهية في نفسه صار كل مرة يسرق نظرة الى وجهها و الى ضحكها كانت ملفتة شديدة الجاذبية تبدو مختلفة في الحجاب !

هناك من خلف الزجاج كانت امرأة اخرى تراقب و تدير تلك العملية الاقتحامية ،!

عندما رجعت لها ذاك اليوم تتلوى من الخيبة تتمدد جانب نجلاء الممتعضة : يا خائبة الرجا لم ارسلك كي يقع في حبك فتقعي انت في حبه !

ضربتها على فخذها بقوة !

صارت تتأوه : يا الهي لما تضربي اخاف على جلدي يا حبيبتي !

فتحت نجلاء التي كانت تصول و تجول و تخطط فمها : ندى ركزي معي يا عمري يا صغيرتي ركزي ، ذهبت الى باب الحجرة نظرت الى الممر بحذر ثم اغلقته عليهما تهمس لها : لا اريد لخالي ان يعلم انك تذهبين الى البيت من اجلي هل فهمتي !

صارت ندى تهز رأسها مثل التلميذة النجيبة مستعدة لأن تفعل اي شيء مقابل ان توقعه في غرامها ، هي شباكها مفتوحة و مستعدة لاستقبال اي احد ، لا ، بل هو بالذات !

كانت نجلاء تجمع ساعة شعرها خلف اذنها و ساعة تجمعه فوق رأسها وساعة ترفع فستانها فوق ركبيتيها لا تعرف كيف ستجعله يستجيب لهذه البلهاء التي وقعت في حبه تخاف ان تفسد عليها و تشي له بسرها !

يا الله ماذا تفعل ماذا تفعل !

: ندى حبيبتي لا تبالغي معه في الاخذ و العطاء وما فعلته و اقترابك منه خطأ فادح!

تكاد تندب فندى دخلت للموضوع بكل اندفاعها : واحدة واحدة ماذا قلنا !

تلك تنظر لها في عجب تستغربها : نجلاء ، كيف تتركين رجل مثله قسما بالله شعره لوحده حالة يا الله على ملمسه اخذت تدوخ حتى وقعت على السرير كعاشقة وتلك تعذرها ، الامر وما فيه انها ستفضحه ستفضح كل اعماله الدنيئة بالصوت و الصورة و لا مجال امامها سوى قطر الندى اذا كان قد استسلم لها من اول لقاء فهذا شيء مبشر بالخير : اسمعي لابد ان نراقب تحركاته ، الى اين يذهب ، اي ساعة يخرج ، نتبعه ثم تقومين بما يجب عليك القيام به !

وهكذا كان ، كانتا تتسللا من بيت اهلها تذهبا الى معرض سيارات يقمن بتأجير سيارة و يضللن يحمن مثل الشبان في الشوارع بالسيارة ، و كل تلك التحركات تضل قريبة من بيته ، تراقب البوابة من دخل ومن خرج و هذه الايام بالذات لا احد غيره يدخل و يخرج !

الان هي في الخارج بعد ان احضرت قطر الندى و صديقاتها الى المقهى ، تعرف تماما اين يجلس ، خططت لكل تصرفات قطر الندى داخل المقهى ، عليها فقط ان تكون خفيفة ظل و ان لا تلتقي بعيناه ابدا ولا تحاول ان تبحث عنه في الداخل فيكون الامر صدفة بحتة !

هناك جاء له ضيفه رؤوف نعم طليق ناجية

لم يسلم كلاهما على بعضهما البعض فما طلبه منه رؤوف هاتفيا و طلب مناقشته شفويا معه لا يخص ناجية بالمرة

جلس رؤوف و هو يشير الى النادل ان يحضر

رمى مفاتيحه على الطاولة و كان شعيب ينظر له برفعة حاجب و الاخر ينظر مباشرة الى عينيه : اعتقد ان ما بيننا لا يحتاج للسلام!

" انت الاعلم !

حضر النادل و بدأ يسجل طلباتهما : شاي و قهوة !

استند كلاهما الى الخلف الى ظهر كرسيه : قلت انك تريد مني معروفا مقابل الا تطالب لا بناجية و لا باولادها!

رفع سيجارة الى شفتيه يضيق ما بين عينيه ، طلب غريب ، يسره ان يسمعه و سيسر ناجية ايضا ان تسمعه رغم انه اصلا لا فائدة منه فهو على كل الاحوال لن يحصل لا على ناجية ولا على اولاده منها!

ولكن اراد ان يعرف لما ما المقابل الذي يتخلى فيه عن اسرته من اجله

شرب رؤوف القليل من قهوته ثم رفع نظره الى شعيب وكأنه ينظر الى زعيم عصابة : اريد منك ان تساعدني ان استرجع ارضي من خالي !

رفع شعيب حاجباه استرخى في مقعده دخن ما تبقى من سيجارته : اي ارض !

: خالي ضحك على امي و سلبها ارض بالملايين و هو لا يريد ان يرجعها لي فلذلك انت ستعرف كيف تتعامل معه!

قال بكل اقتناع : ساترك لكم ناجية تربون اولادها فعلى كل حال ، حالتكم المادية افضل بمليون مرة من حالتي و انا واثق انهم سيتربون عندكم احسن تربية !

لوى شعيب شفته متعجبا هازئا : برافو ماشاءالله ما هذا الاقتناع !

كاد يرفع يده ليصفق له ، اكتشف انه فعلا حيوان ، مستعد ان يضحي بأي شيء من اجل المال ، ترك لهم اولاده من اجل قطعة ارض .. يا سلام!

: اهنئك حقيقة تحتاج الى تصفيق عال !

نفخ رؤوف بنفاذ صبر : لا تمثل علي الاستشراف فأنا و انتم نعلم من انتم!

هز شعيب رأسه مرة اخرى : لا لا اعلم علمني من نحن!

ادار رأسه مللا نافذ صبره : ارجوك ها انا ارجوك ، هل ستفعل !

كانت عيناه تترجياه وكأن كل حياته متوقفة على تنفيذ هذا الطلب : حسنا لا بأس ستنال قطعة ارضك و لكن لا تحاسبني على ما سأفعله في خالك اذا رفض!

اتفق الاثنان شفويا و تم عقد اتفاق نظريا و صار يبحث عنها من قامت لتوها من مكانها منفردة تحمل في يدها هاتفا تحاول ان تبتعد عن المجموعة الصاخبة تتجه الى ممر دورات المياه قام تاركا رؤوف يغرق في حياته السعيدة بعدما تعود ارضه اليه و هو قام يتحرك خلفها تلك الطويلة النحيلة الجميلة كانت تقف امام باب دورة المياه تتهامس مع احدهم وهو كان قد وقف خلفها التفتت بسرعة مرعوبة تفتح عيناها الكبيرتان في وجهه تضع يدها على صدرها ثم تضربه هو على صدره : يا الهي لقد ارعبتني !

تقفل الهاتف بسرعة وهو كان ينظر الى المكان الذي ضربته عليه : تعلمين ان صوتك يجلجل في كل المقهى !

كانت تدور بعينها تخاف ان تلتقطها احدى صديقاتها و اقفة معه : اسفة انا لا استطيع ان اقف معك سمعتي قد تكون على المحك!

تحركت لتتخطاه اعترض طريقها بخطوة من رجله وقف امامها ، كانت غمازته تضحك في وسط وجهه كل ملامحه لانت و انفرجت : هل لي تقولين هذا الكلام لو قالته غيرك لقصصت لسانها !

وضعت يدها في خصرها و اخرجت له لسانها تتحداه : اقطعه هيا اذا قدرت !

همم همهم لها فهي لا تعرف تماما مع من علقت : تعرفين تماما كيف سأقطعه ، تروى يتلذذ بكل كلمة ينطقها يحب مداعبتها خرج صوته هامسا :سأقطعه بأسناني !

لوت وجهها استغرابا فهي في حياتها لم تسمع مصطلحا كهذا كيف سيقطع لسانها بأسنانه ، قطر الندى كان فيها بعض غباء و بعض بلادة في مواقف تتطلب سرعة البديهة و هناك مواقف تتصرف فيها ولا كأنها عالمة عصرها و زمانها : ارني كيف ستقصه بأسنانك!

فتح عينه فيها استغرابا يجد نفسه حائرا هل تقصد ما تقول عليها اللعنة اذن، انحنى عليها وهي هكذا تمد له لسانها وضعه بين شفتيه في سرعة تلك الثانية سحبت لسانها الى حلقها صرخت شهقت ارتعدت مفاصلها تضع يدها على فمها تقف امامه امام عيناه الضاحكة المتلاعبة يخبرها الا تحاول استفزازه ولا ملاعبته لان ما تفعله خطير !

صارت تمشي ببطء لم تزح نظرها عنه تتقهقر و لا زالت عيناها في عيناه كان يلوي شفته مبتسما متحديا وهي تخرج متقهقرة حتى خرجت من المقهى كله وهو اخرج سيجارة من جيبه اشعلها بكل هدوء مستندا على الجدار ينفجر صدره ضحكا وهي تجري الى السيارة تاركتا صديقاتها هناك تفتح الباب و تصرخ في نجلاء اهربيييي و تلك تقود بسرعة البرق لا تعرف ما حصل حتى وصلتا الى البيت خرجن يجرين كانت تظن انه قد اكتشفهن انه عرف كيف يتعامل معهن ولكن عندما روت عليها قطر الندى الذي حصل فتحت فاها لا تصدق : ذاك العاهر الحقير وسكتي له لما لم تضربيه !

اخذت الاخرى تبكي : يا ربي عار عار ياربي اخخخخ قرف مقرف اعععععع صارت تنكر ما فعله بها لم تكن قطر الندى تعرف يوما ذاك النوع من المداعبات الجنسية الفجة كانت الحركة بالنسبة لها قرف و بالنسبة له سيطرة !

عندما عاد الى البيت كان يشعر بالخفة شيء ما حصل له غيره هذه الايام للافضل شيء غير روتينه اليومي فجعله مبتهجا ، قابل عند باب البيت يحي الذي خرج لتوه من سيارته مكلوما مهموما وقف فتغير مزاجه لا يحب ان يرى اخاه على هذا الشكل وهذا المنظر ، كان يحي منكسرا منحنيا شكله مفجع كانت عيناه متحجرتان في وسط وجه باهت كأنه كبر الف سنة في مرة واحدة هرع اليه : ما بك ماذا حصل !

كان الاخر يجر ساقيه جرا فما قالته له صبا عن حروقها قد شجه شجا ، لم يعلم ان حروقها قد دمرت لها جزءا غاليا على جسد كل امرأة صبا لن تفقد ثقتها في نفسها لهذا السبب هو يعلم هو ادرى الناس بها فما كان الجسد يوما لعبتها !

اتجها من فورهما الى الخيمة جلسا و اخذ شعيب هذه المرة على عاتقه ان يشعل النار فأخذ حزمة من الحطب وصار يوقد تحتها حتى صارت النار تكبر ، و اخاه جلس هناك ، غالية!

انتفض فجأة على ضربة على كتفه : يحي قل ما بك اقلقتني يا رجل !

دعك عيناه بقوة ، بعنف : منذر خطف سكينة !

نزل الخبر على اخوه كصاعقة تجهم بشدة ، ماذا ! كيف متى !

لا يعرف ماذا يقول هو من فوره قد تحرك قد اخبر كل من يعرفهم و يعرف انهم مسؤوليين عن جلب الاخبار له ارسل صورتها و صورته اسمها و اسمه فاذا وجد طرف خيط سيتحرك له ، رفع كتفيه دلالة عجز : يوم العرس المشؤوم!

فتح شعيب فاه ثم اغلقه حانقا حسنا لا يعلم ما يكون موقفه بالضبط تجاه هذا الخبر فسكينة هي ابنة عمهم نعم و اخت ناجية زوجته المستقبلية نعم و قد حجر عليها شقيقه اي تعتبر له ومع ذلك لا يجد نفسه متحمسا للخبر فكل ما يخص عائلة عمه صار يقرفه !

لكن اخاه كان هامدا ميتا وهذا مالم يرده له ، لم يعلم انه متعلق لهذه الدرجة بسكينة فهو يعتبرها فتاة طائشة مثلها مثل قطر الندى تماما !

لكن الاعتراف خرج مسحوقا خرج زاحفا من حنجرة اخيه : انا تزوجت سكينة بالسر!

كان ينظر اولا ثم استوعب ثم فتح فاها ثم اسود وجهه : اللعنة

رمى يحيى نفسه على الارض يغلق عيناه متعب هو متعب جدا منهك صار كانه وحش يجري في البرية بكامل سرعته دون ان يتوقف لو لثانية حياته متسارعة تجري به جري الوحوش ، لا يعلم شيئا عن زهرة ، لا يعلم شيئا عن حالته ، لا يعلم شيئا عن سكينة .. واشياء اخرى نسيها او تناساها في ظل كل تلك المشاكل !

سكت شعيب سكوت الاموات زوجة شقيقه مخطوفة و من خطفها هو ذاته الذي قتل امه : يحي انت لم ترى ابي منذ ان رجعت !

لم ينظر له لم يحاول حتى ان يفعل ، يا الله لو يجوز له ان يسبه ان يحتقره ان ينساه ان يتجاهله ، يعلم الان لما جدته تبرأت منه ، جدته كانت تعلم كانت تدري بحجم الكارثة التي ارتكبها في حقهم جميعا في حق ابنه بكره ، كيف غشهم كيف ضحك عليهم هو والفاسدة ميادة ، الله ان كان في يوم كان لها احترام و تقدير في نفسه فهي اليوم شانها من شأن عاهرات الشوارع ، كيف تفعل ذلك في عمه ، هل مثلما قالت له زهرة مرة ان ابوه قتل عمه ؟!

لم يفهم يوما الاما ما كانت ترمي ، كان يظن دائما انها فقط تريد ان تلصق اي تهمة و السلام عليهم ولكن لا ، زهرة كانت تعلم ، تعرف التفاصيل و تعيشها و تموت حية و تعيش عليها ، لا يعلم تماما ما الذي حصل لها عندما عرفت وكيف عرفت ، بأي تفاصيل تلم زهرة ! كل الامر جاءه ناقصا برؤوس اقلام مقيتة عفنة مميتة ، ابوه ، ابوه هو ، يفعل ذلك ، يزوج اخوه من اختهم هكذا بلا ضمير ؟! يا الله يا الله كم يكرهه كم اصبح يمقته لا يريد ان يرى وجهه ولا ان يسمع بسيرته يثير الاشمئزاز في نفسه والله الله لو يعلم شعيب يوما بما فعل ابوهم فوالله ربما سيقتله نعم شعيب ربما يقتل ابوه !

اخذ يمسح على وجهه بهمجية قام من مكانه ملسوعا فر هاربا من امام وجه اخيه المشدوه لا يعرف ماذا حصل لما قام اخوه كالملسوع !

امسك هاتفه من فوره صار يرسل اوامره هنا وهناك سيقلب الارض على منذر و سيجده حتى لو كان في بطن الحوت سيجده و ساعتها سيصلبه مثل المسيح !

عندما عادت الى البيت ، قد فرغت كل طاقتها فيه ، قد حملته همها ، صار يعرف كل تفاصيلها ، احدهم كان يجب عليه ان يعرف منهم الذي حصل لها بالتفصيل ، احدهم يجب ان ينفذ معها الى عمق كارثة جسدها ، نامت على صدر اخوها تشهق ببكاءها ، فالام ليست هنا كي تشكها همها ، الهم الذي بدأ قبل ان تبدأ حياتها ، هكذا المشاكل و الكوارث كانت تجري اليها جريا في كل مرة كعزيز يفتقدها ، كلما قالت لنفسها ها قد استقامت تجدها قد اعوجت اكثر قد مالت اكثر حتى قطمت لها وسطها!

دخلت غرفتها تجر نفسها كما خرجت منها الان فقط بقي فيها بعض طاقة بعدما التقت بشقيقها لكن لم تنتظر منه ان ينتظرها هنا في الحجرة التي رغبتها لنفسها وحرمت عليه دخولها ، صبا صارت تنتهج نهج امها مع ابوها ولم تأبه. الان فقط تستطيع ان تفهم امها ان تفهم شعورها رغم اختلاف الكسر و اختلاف الزمان و اختلاف الجرح ولكن التصرف واحد و الكره واحد استحقرته بنظرها وهي تقف هناك شبه منحنية تحتاج ان تنام ان تتمدد على الفراش ولكن هو هنا بكل حقارته و جبروته هنا : ماذا تريد ايضا ، اذا سمحت اخرج ولا تدعني ارى وجهك مرة اخرى ابدا !

ماذا ؟! اتتحدث اليه هو هو هو هكذا ؟! كيف !

كانت علامات الدهشة و الاستفهام تتطاير فوق رأسه لهجتها الكارهة الحاقدة احقا قد فعلت وكرهته بهذه السرعة فهما لم يحبا بعضهما الا قليلا جدا لم يقتربا الا نادرا جدا كيف ؟!

نهض من مكانه يتوجه لها في كل مرة كان المؤيد ينحف اكثر ، يأكل التفكير رأسه و جسده ، قليلا ما يهجع عيناه متحلقتان بالسواد بقوة و فمه ازداد قسوة يقف امامها بكل وجاهته فهو اليوم قد تعارك مع اخاها و ما بعده لا يدري ربما سيتعارك مع الاخر و كله نزاع بسببها من اجلها امسك بها من رسغها يجرها اليه جرا لم يعد يحتمل كل هذا اذاها وهو يسحبها هكذا كما كان يؤذي نفسه: لن اسمع و لن ارى منك هذه النظرة مرة اخرى احذرك يا صبا !

كانت تعطه ظهرها و يدها ملتوية الى ما خلفها لا تريد ان تنظر اليه ولا ان يلمسها حاولت ان تفك نفسها منه : افلت يدي !

قالتها محذرة كان وجهها متسلطا امرا : وانت ستحترم نفسك معي ولن تكلمني من علو ولن تعطني اوامر هل فهمت !

كانت لهجتها قاسية صلبة حادة لا تعرف الاهانة ولا الهزيمة و هذا جانب من صبا لا يعرفه فيها ابدا !

التفتت له كلها عينها في عينه ، شفتاها تتلوى منه قرفا ترفع رأسها شامخة فهي ابنتهم ابنة ابوها شقيقة اخوتها ابنة امها اقوى انثى على سطح الارض نعم قوية لدرجة انها دخلت النار كي تنقذ ابن اخيها اذا كان يظن انها ستخضع له فكل حساباته بشأنها خاطئة ، رفعت اصبعا تحذيريا في وجهه : اياك ثم اياك ان تتخطى حدودك معي !

كان يفتح عيناه مصدوما من كل ذلك .. من كل تلك ، من العنجهية ، من الكبر ، لا تظن حقا انها ليست زوجته وليس له حق عليها ، تزوجها كي يحبها نعم هي هذه نيته احبها فعل وتبا لقلبه التافه الذي تعلق بها ، اذا كانت تعتقد انها تخيفه فهي مخطأة ، بالعكس هو يعشق المرأة القوية العنيدة المتسلطة يعشق هذا النوع من النسوان : ماذا استجلبين اخويك لضربي و تعذيبي !

افلتت يدها وتركها تفلت من بين كفيه بمزاجه : انا لا احتاج لحماية !

كاد ان يصفق لها اعجابا ، المؤيد لم يكن يرى حروق صبا ولا مدى عمقها هو لا تهمه ابدا تلك السطحيات ، فلو كان يحب المظاهر ما كان يوما احب فتاة بائسة عاشت حياتها في الملجأ تشبه المومياوات فلذلك هو قد عميت عيناه عن رؤية اي شيء سلبي منها او تجاهها لم يكن هدفه !

كانت تمشي مبتعدة بفستانها الرقيق ذاك بجيدها النحيف ذاك وشعرها الاسود الملفوف باهمال خلف عنقها يفترق من الامام تتطاير بعض خصلاته على وجهها عيناها السوداوان حادة النظرة طويلة النصال تذبح ، شفتها متكورة في غضب يعجبه هي كلها هنا معه اخيرا هي معه ايام المستشفى كانت قهر كانت ظلام كانت خوف لا يعلم كيف كان يتحكم في قلبه خاف ان يفقدها لا يعلم حجم الدمار الذي كان سيجره على هذا العالم ان رحلت و اتبعت سبيل امها و امه ، في كل مرة كان ينظر لها من خلف الزجاج كان الحريق يشب فيه في جلده يشعره ، يجري ليرمي على نفسه الماء المثلج كي يطفأه ، كل ما حصل ، تلك الحرب ، ذاك الموت ، الثمن ، كله لها وكله لأجل عينيها !

التقط انفاسه رويدا ينفخ رئته لن يضغطها ، هو هنا ليس من اجل ان يتعارك معها بعدما استيقظت اخيرا بعدما قامت اخيرا ، يا ليته سمح لاخوها منذ زمن ان يراها !

وهو يراها هكذا بكل هذا الضعف بكل هذه العيون الميتة تمنى ان يأخذها في حضنه يزرعها بين اضلعه يتركها هناك في قفصه تبكي فيه تفرغ طاقتها السلبية كلها فيه هو ، لحظة اخذت يحيى في صدرها في احضانها شعر بالغيرة تأكله الغيرة عمياء حقيرة مقيتة تظهر ضعف ارواحنا ، صار يتخبط يتقلب ، مخطاة ان فكرت يوما انه لا يفهمها او انه مستعجل لمعاشرتها ولا يهمه كل ما حصل فهي لا تعرف تفاصيل ذاك اليوم ولا ما عاشه هو تمنى ان يرمي نفسه في النار معهم تمنى ان يخرجهن واحدة خلف الاخرى و الحروق تأكل جسده هو !

عندما وقف الطبيب امامه يخبره بحالها ، عرض عليه كل التفاصيل ، كل شيء ، صور لجسدها لحروقها ، افكار لترميمها افكار لتجميلها ، هو يشكر الله فقط انها قد عاشت لا يهم الباقي لا يهم ، المهم انها هنا تتنفس تتكلم تشعره ان الروح عادت اليه ، الكل يحمله الذنب و هو ذنبه الوحيد انه قد عشقها هذا هو الذنب !

جلست على السرير بل تمددت عليه ظننا منها انه سوف يخرج حتى عندما وضعت الغطاء فوق جسدها تطفأ الاضاءة من حولها حتى اظلمت الغرفة و اغلقت عيناها استرخت حتى ثقل السرير بها بل ثقل جسدها بها كان يربض فوقها فتحت عيناها في الظلام تدفعه بقوة تريد اسقاطه عنها : اذهب عني انزل من فوقي ايها النذل الحقير !

كان يضع اصبعا فوق شفتها كان يصدمها في العتمة : اشششش لا تحدثي زوجك بهذه اللهجة ولا بهذه الالفاظ !

كان يهمس لها وهي تتحرك مثل المجنونة من تحته يداها تتشبثا بعنقه تريد خنقه ولكنه كان يعتبر كل ما يحصل لعبة : قد نمتي طويلا كأميرة تتمنى قبلة من اميرها حتى يوقظها !

فتحت عيناها على وسعها يا الهي ما هذه الديباجة القديمة !

اخذ جسدها يهتز بالضحك ههههههههههههه اخذت تضحك و تضحك حتى ارخت يدها عنه تمسك صدرها حتى سعلت بقوة و دمعت عينها : يا الهي مستحيل !

لم يعرف لما كانت تضحك فهو جاد جدا في كل كلمة يقولها : انزل انزل انت تضيق علي انفاسي ، تماسكت ضحكاتها اخيرا مسحت عدة دمعات نزلت ، يا الله كيف تضحك هكذا في عز حزنها في عز بؤسها : من قال انني سأنزل !

تحول الامر الى الجدية هي التي لن تسمح له ان يلمسها فهي ضعيفة جدا موجوعة جدا ليس هذا هو وقته هي تمقته تحمله سبب كل ما حصل وهو وكأنه لا يكترث لا يهتم وكأن من ماتوا بسببه قطط شوارع ليست امها ولا امه يفكر فقط في نفسه : انت شخص تافه مقيت اناني !

قالتها بكل الكره الذي في قلبها عكست كل تلك الضحكات التي كانت فيها وحولتها الى قصة قاتمة مميتة احتد صوتها وسط سكوته : انت جلف لا تفهم قلت لك انزل عني

كان وجهه يتلون في الظلمة كانت تجرحه ولا يدري لما يؤثر كلامها في روحه ، كانت تؤذيه نعم هو جلف ولم يتوقع يوما ان انثى ستقدر على جرحه على اذيته تزعزع رجولته ، هو حتى لن يفرض نفسه عليها هي لا تعلم اذا رأت وجهه في عز النور ستفعل ، هو يحب ، لكن ان يأخذ من امرأة شيئا يريده لا يفعله الا بإرادتها ، هو لن يغتصب زوجته لن يفعل !

ابتلع كل كلامها هي لا زالت ضعيفة لا يريد ان يجرحها بكلامه ولا بتصرفاته فلذلك سيصبر عليها حتى تأتي له بنفسها !

نزل عنها بكل هدوء سحب نفسه من ساحة حرب لم يعلن الهزيمة هو فقط تكتيك حربي يعرف تماما ما يفعل !

خف وزنها ولكن قلبها قد ثقل بها نزلت الدموع على وجنتيها بهدوء صارت تنزل حتى تعبت حتى ملت حتى نامت !

اما عن هارون و المجدلية اللذان وقفا طويلا بتلك السيارة امام باب فيلا اهلها ذاك النهار الذي وصلا فيه الى ارض الوطن ، كان يسب كان يشتم كان لا يريد العودة وترك كل ما تقدم منه على حال سبيله ، سافر ورجع بلا اي شيء ، سافر ورجع فقط بالهزائم ، فقط بالشتائم ، فهو لن ينسى ان الامن و اخوه الحقير قد وضعوه رغما عنه في سيارة ثم في طائرة كي يعود مع زوجته ، رفض تماما العودة ضل يستشيط غضبا : لن ارجع لا اريد ، اذا اردت السفر لوحدك اذهبي سافري !

هكذا كان رده على انهيارها ، امها تموت ، امها التي ماتت غاضبة عليها ، لم ترها منذ ان تركتهم منذ ان تبرأو منها ، امها رفضت رؤيتها رفضت ان يأتوا لها اخواتها على سيرتها لم يقدروا ان يحننوا قلبها عليها ، يا اللللله يا الللله الحريق يأكل قلبها قلبها مشتعل يتفتت تبكي تطير تنزل تندب لا تفهم لما حصل كل ذلك لما ماتت فجأة ، تدور مثل المجنونة و هارون لم يقدر كل ذلك ما يفكر فيه هو انه فقط يجب ان يكمل علاجه ان يركب ساقيه ان يستطيع الوقوف و المشي فما حصل له الايام الماضية مع شقيقه ومع يحيى وما المجدلية جعله يصمم على اكمال مسيرته التقدمية في خلق هارون جديد فلذلك كان وجهه ينقلب عندما تتحدث اليه : تعلمين رأيتي بعينك ماذا حصل ، انا لن اتحرك من هنا الا اذا صلحت من نفسي !

كانت تصررخ فيه ووجهها بائس متعرق باك عيناها متورمتان جدا تكادان تغلقا من شدة حزنها : انت اناني دائما اناني انت حتى لا تساندني لم تعزيني في امي لمممم تفعععععل !

كانت تتلوى على نفسها صوتهما يسمع كل من حولهما في ذاك البيت الذي انتقلوا اليه بسرعة البرق بعدما نقلوا يحيى الى المستشفى الوضع كان مأساويا كان فوضويا الجميع يدور مثل المجانين في البيت ، نوم يحيى المفجع قد عطل كل الخطط الممكنة و المسموحة و قد زاد عليها خبر الموت !

خرجت تندب تشق ثيابها في الصالة الكبيرة تلك التي كان أيدين احد الجالسين فيها ، زهرة تمردت و جمعت ملابسها في حقيبة تجر ذراع اخاها كي يخرجا سويا من البيت قبل ان يفيق يحيى كان هناك يمنعها يجلس في مكانه لن يتحرك كلما رأته دخلت للغرفة يصرخ فيها : زهرة احترمي زوجك كيف تتركينه في حاله هذه و ترحلين لا يعلم الى اين ، ينظر الى زكريا الحائر فهو قراره كان ان يعود الى بلاده لا ان يهرب بأخته من زوجها لم يكن راضيا وكذلك لم يرد ان يعقد الامور معها فهي تحتاج الى علاج نفسي على الفور زهرة تكاد تفقد عقلها تبكي طوال الليل و النهار تريد تحاول الصراخ تحاول الكلام ولا تقدر : هل ترضى لاختك هذه الفعائل قل انطق خذها واجلسها في حجرتها لن تخرجا من هنا قبل ان يفيق يحيى هل فهمتي يا زهرة !

لا يسمع سوى الدمار الذي شنته على الغرفة كانت تحطم كل ما في طريقها قد جنت تماما ، بقدر خوفها على وضع يحيى ولكنها ايضا اقسمت لنفسها انه سيندم على كل ما قال وكل ما حصل لها بسببه وبسبب اهله و بسبب ابوه بالذات ، مهلا ، مهلا ، الكل سيدفع الثمن ولن يكون يحيى مستثنى منه بل سيكون اولهم اذا كان حبها له قبلا كان حاجزا يحميه منها فالان انتهى !

اخذ زكريا يثور لا يريد ان يرى اخته تنهار هكذا صار يصرخ في آيدين : انا لا ادري ما دخلك انت ، انت مجرد ابن عم لا اخ ولا اب مالك ومالنا ، لا يكفي كل مصائبي من تحت رأسك انت بالذات !

كاد ان ينهار فما عاد فيه صبر الكل عليه و هو لم ينم منذ ايام ، متعب ، مهلك ، منهك ، جسده لا يكاد يحمله ، يشعر بوخز فيه كالابر ، نسي حتى ان يأكل او يشرب ، لا يعرف ما حصل ليحيى ، قال الطبيب فقط انه في كوما ، لما يغرق يحيى في كوما ، ما سببها وكيف ؟!! اسئلة تكاد تحفر له عقله ، يكاد يضرب على رأسه ليسكت كل ذلك الهرج

يخرج هارون خلف المجدلية يحاول جرها الى الغرفة لا يريدها هنا امام هذا الذي ينظر اليها هكذا يمسك بيدها بالقوة يجرها الى مستواه وهي لا تريد تصرخ فيه : قم قم انا اريد ان اذهب لامي اريد ان ارى امي كانت تشد شعرها حتى يتقطع بين اصابعها تنهار ارضا رأسها للسماء الدمع من عيناها ينزل انهارا : امي ماتت غاضبة علي امي ماتت دون ان تسامحني ماتت دون ان تراني دون ان اراها دون ان اقبل يداها دون ان اشم رائحتها امي ماااااااااااااااتت كانت تصرخ دون وعي ، لم يتوقع هذه الثورة منها لم يتوقع كل هذا الحزن و الخراب ، حزنها يقطعه لا يجرؤ ان ينظر اليها في حالتها تلك تدمي له قلبه ، كل ما حصل لها الان هو تاريخ هو خطأ هو عار قد غرقت فيه المجدلية ، قد خسرت كل شيء وكل احد مقابل ان تكسب قلب رجل ، رجل حتى العزاء في اهلها لم يعزها لم يقدر الكل كانوا ضدهم تركوهم تبرأوا منهم وهو لن يغفر لهم ما فعلوه معهم وكله بسبب وجه النحس هذا الذي يجلس هناك يتفرج على مآسيهم اللعنة عليه يحب والله يحب ان يطفأ نار قلبه في وجهه ان يحرقه ان يقتله يا الله كم يكرهه مالذي يريده بجلوسه هنا يدعي انه حامي الحمى يمثل الرجولة و الطيبة عليهم : انا سأذهب سأسافر !

صارت تدخل و تخرج توقع الحقائب على الارض تفتحها بعشوائية تدخل اي شيء فيها لا بل هي لا تريد ان تضع اي شيء تريد ان تذهب هكذا بطولها فالقهر الذي فيها لن يفشه احد لن يقدروا !

وها هي كانت هنا تحاول ان تدخل الى الفيلا تريد ان تعزي شقيقاتها ان تقع في احضانهن ان تبكي معهن ان تسألهن هل امها غاضبة عليها حقا هل ماتت و هي الدنيا تتلاعب بها ، السيارة كانت في الخارج تنتظر الدخول وفيها هارون ينفخ يعرف نهاية هذا المشوار ، فتحت البوابة ولكن من خرج لها هو المؤيد الذي احمر وجهه بشده يقضم اسنانه يحكها ببعضها البعض بغيظ مالذي احضرها تلك الفاسدة لا يريد لفت الانظار اليهم لم ينظر حتى اليهما هما الجالسان في الخلف و السائق ينظر الى وجه المؤيد الغاضب : استدر و اذهب الى حيث كنتم!

قالها هكذا بكل برود يضرب على سقف السيارة بكفه يعطه امرا بالانصراف ولكن هي فتحت باب السيارة لا تابه حتى ان دعسوها ان قتلوها هنا خرجت متلحفة بالسواد دموعها تجري بلا انقطاع تترجاه : مؤيد ارجوك اعطني على الاقل رقم قبرها اريد ان ازورها !

لم يكن ينظر اليها بل وجهه ينتفخ غضبا منها عروقه تكاد تنفجر لا يريد الان ان يلحقها بامها ، ان كانت تهمها امها ورضى امها ما كانت فعلت فعلتها و الحقت بهم العار !

قال بصبر نافذ وهو يشدد على كلامه : قلت لك اذهبي فان التفت لك هذه اللحظة والله لن تجدي نفسك الا مجاورة لقبر امك !

صارت تضرب الارض بحذائها معترضة لا لن يفعل بها هذا لن يحرمها ان تحضر عزاء امها!

جذبها هارون من ذراعها بعنف صوته يعلو ليسمع المؤيد : طز و ان شاء الله عمرنا ما عزينا !

فتح المؤيد عينه بقوة ضرب السيارة بقدمه : اذهب يا ابن الكلب يلعن ابوك ابن +++++ فوالله يا هارون سنتواجه !

تحرك السائق برعب من امام المدخل وهي تقتل نفسها تصيح لا احد يقدر ما تمر به ما تشعر به هذه الحسرة ستبقى تغلي بين احشائها طوال عمرها صارت تضرب بكفها على خدها و هارون لم يعد يطيق صبرا ولا هذا النكد الذي يعيشه تبا لها ولكل عائلتهم : اخرسي كفي ...انتهى !

التقمت انفاسها تقول له مبحوحة : انت السبب لكل ما انا فيه انت السبب، لولا اعتدائك علي ما كان كل ذلك سيحصل بي !

التفت اليها مصعوقا ماذا؟ اعتداء ؟حولت الان ما حصل بينهما انه اعتداء كيف هل من كل عقلها تقول هذا الكلام تتهمه الان انه اعتدى عليها ؟!!

كان السائق ينظر مصعوقا الى كليهما ينظر تارة الى الطريق وتارة الى الوجوه المكفهرة في الخلف لا يدري يفضل الصمت فهو مجرد سائق ليس الا !

بعد شهور و بعد الكثير من الاحداث التي لا زالت لم تروى !

ترك بيت اهله لملم القليل من الثياب و خرج ناقما على اخوه ، كل ما فعله من اجله ، دمر امرأة على فراشه ، لن ينسى في حياته انها قد قبلت يده تترجاه ان لا يتركها ان لا يطلقها ، وقد كان على روحه كل ذلك ، ترك لها البيت و الفراش و القبلة ، تركها وقد رسم جسدها ووجهها على هواء تلك الغرفة ، يا بيتها لليلة واحدة ، قد نقضت الوعد و تركتها على جدرانك متكئة فلا تميل عليها لا اليوم ولا الغد ولا ما بعده ، يا بيتها قد غدرتك فيه ورميتك الى احضانه مرتبكة !

قد ودعها كما ودع قبلها نساءا دهسنه باحذيتهن دهسا تركها كما ترك العمر بين كفيها يقطر وهما !

كانت الوحيدة التي نامت معه على ذلك الفراش رغم انه تمنى ان اولهن و احلاهن و اجملهن ان تكون فيه ملكة ، غالية !

الان يترك كل شيء و يتجه الى الجبل هناك حيث يصل الى وجهته الى بيت الجد طاهر العتيق ، المنطقة كانت معتمة ، الاشجار تحلقت حول البيت و داخله حتى نبات العليق زحف مستغلا فناء البشر ، الطبيعة قد طغت و جعلت لها موطيء قدم ، وقف هناك ، يا بيتها ، هنا تربت صغيرة ، هنا مكر فيها جدها مكرا ، هنا رجع زكريا يوما !

قد فقد المفتاح منذ زمن ، وضعه يوما على طاولة غرفته ولم يره بعدها ، لا يعلم كيف اضاعه ، الان هو هنا ، يدور حول الاسوار لا يدري ، ينظر حوله ، سيقفز ، سيقتحم بيتها ، سيراه كما كانت فيه ، كما كبرت فيه ، كما خرجت منه ، وجد موقع قدم تسلق بسرعة وقفز يجد نفسه في الحديقة الصغيرة ، هناك قرب الباب طاولة قديمة جدا بيضاء و كرسيين ، الاضاءه هنا مكسورة ، صار يحوم حول الباب الصدء ، باب من الحديد ، لا يدري كيف سيفتحه فهو ليس ساحرا كي يقول له افتح يا سمسم فيفتح ، صار يضغط على صدغيه بأصابعه يفكر يغلق عينه في تلك الثانية الغادرة الثانية الحزينة شيء ما حبل ما التف صار يخرخر صار يتمسك بما يلف حول عنقه بقوة يخنقه صار وجهه يتورم ، كان يشخر يزرق عيناه تجحضا تكاداا تتدحرجا حياته تسلب منه على غفلة لا لن يفعل .. احدهم لف ساقيه حول خصره يثبته الا يتحرك يدان تشدان بقوة تريدا شنقه صار يتلوى صار نفسه ينقطع ينحني ينكسر يقع و رذاذ عند انفه يدخله في نومة و صوت فك عقاله يحيه وهو ساقط : أهلا أهلا بعمي يحيى !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...