( 14 ) آخر أنثى قبيل وصول التتار



من تاريخ آيدين

في تلك الليلة حين انتهى احتفال الجموع به و بها ،
 شاهدين على عقد ابدي ،
على لهفة تجر صاحبها كي يخرج بعروسه و يترك كل شيء خلفه ،
 ان يمسك بيديها و ان يودعها فراشها وأن يسقط تحت ساقيها طالبا الصفح ،
 اخيرا قد هدأ قلبه و اطمأنت روحه فهي ستنام اليوم قريرة العين
 بلا هم و غم قد اصابها يوما منه ،
 سيتعرف عليها عن قرب ،
 سيجتهد اجل سيجتهد في مودتها و سيجعلها تحبه ، لما لا !
دخلا البيت و رأسها منكسا تحجبه عنه كل تلك الامتار البيضاء ،
 تفرك يديها المحنيتان بتوتر و هو قد اخذ يبلع ريقه متوترا ايضا ،
يريد ان يعرف رد فعلها حينما تراه ،
أستُفجع ام ستظهر عليها الراحة
لأنه قد اسقط عن كاهلها حملا اعتى من اي وزن على الأرض و اثقل ،
 سمعت خطواته خلفها متنحنحا سابقا اياها لغرفة ستكون وان عفت عنه غرفتهما يوم ترضى !
جلست على السرير و بكل حياء و رعشة يديها تثيران فيها حنقا غريبا عليها ،
وهو كان يتلفت في الاجواء رهبة و كأن شيء خانقا بدأ يدور حوله ،
 التفت لها و رآها ، كم تغيرت ،
ازدادت طولا و نحولا ، شعرها لا يزال ذهبيا لامعا طويلا كما رآه ذات يوم ، عينيها كزرقة المحيط الهاديء تثير الحيرة و الجنون ،
يخاف أن يقترب أو أن يلمسها ، يخاف أن يرفع صوته فتوجل منه خيفة
يريد أن يحيطها بعالم لها وحدها ، عالم الامان الذي سرقه منها يوما !
 ارتفع رأسه للسقف مغمضا عينيه براحة هامسا في خوف اسمها : تمارا
رفعت رأسها بحدة مصدومة
وهي ترى احمرار وجهه من شيء يداعبه ،، اسمه الخجل
مما يود المصارحة به وهو يهم بالجلوس على طرف الكرسي و يفك زر بدلته يسمع همسها الخجول : يارا
ادركت انه لم يسمعها لشدة انشغاله بشيء ما يرتب نفسه و افكاره لقوله ،
 لتصفي حنجرتها من جديد ملفتة انتباهه لتقول بارتباك واضح في عينيها
 كأنها بنطقها ستترك دمارا خلفها
 وكم كان لدهشتها ما فكرت به صحيحا حين اعادت عليه وهو ينظر لشفتيها : يارا
اسمي يارا
تهربت بعينيها وهي ترى الضياع في وجهه متمتما : ماذا ؟
كان السؤال مصدوما مذهولا وهو يقف قبالها بسرعة مخيفة يرفعها من عضدها : اعيدي ماذا قلتِ ؟!
ارتبكت اكثر و هي ترتعد خوفا و هي بالكاد تخرج حرفا من خجلها منه : اس اس اسمي يارا
تفحص عينيها بذهول
اين هي تلك الروح التي اخترقت يوما جسده ، أين النظرة التي تلقي بسهامها فترديه قتيلا ، أين الذهول الذي يكتسي ملامحها ، فهذه ليست ذاتها النظرة ولا العينين ولا الشفتين ، يريد حقا يريد أن يصدق
افلت ذراعها و هو يضحك بغير تصديق : تكذبين
هزت رأسها بلا و هي تؤكد بإضافة غبية لمعلومة اطارت عقله : انا يارا اختي تمارا
تأرجح في وقفته بعينين مبحلقتين متراجعا عدة خطوات
 حتى رجع لحاله الاول و جلوسه على طرف كرسيه ،
 كانت الصدمة كفيلة بشل اي حركة او تفكير ، كيف ؟!
كان هذا كل ما يفكر به وهو يرفع رأسه لها : كيف ؟!
ادركت حينها ان اليوم ليس بيومها و لم تكن المقصودة
 و لا بالمرغوبة فما هو مرسوم على وجهه من ضياع
 و صدمته الجلية التي جعلتها تدرك الآن فقط الأمر الذي حل بها
 و هي لم تشعر بالدموع التي اخذت تسقط بهدوء على راحة يدها
 ، تمارا ، اه يا وجعي ،
 اخذت تشهق بالبكاء
 و بلحظة ادركت ان هذا الرجل المصدوم المشلول قد يفق من صدمته
 و يدمر حياتها بكاملها في ليلتها هذه
 هرعت اليه تجلس تحت ركبتيه
و يديه فوق رأسه يريد ان يستوعب حجم الكارثة
 حتى انه شعر بالخواء و البرود في اطرافه
  يرى اطراف الفستان و البكاء المنهار
 او امساكها بيده تتوسله بصوت بُح من البكاء و الصدمة : اتوسل اليك اتوسلك لا تطلقني لا تطلقني ليس الليلة على الاقل اتوسلك و راحت تقبل يديه ،
 وجدت نفسها مطروحة على الأرض بعدما دفعها عنه بقسوة و برود و هو يشق طريقه عابرا اياه الى الباب الذي اغلقه خلفه وهي تنوح على ارضية الغرفة .
خرج يمشي مبهوتا يعبر الشوارع و الأروقة ماشيا على قدميه ،
 كبيرة هي المسافة بين بيته و بيت عائلة " زوجته "
 و لكنه ظل يمشي و يمشي لعدة كيلومترات حتى وصل الى ذالك الحي
 لا زالت الزينة مُعلّقة و اصوات المهنئين تصل مسامعه
 و لكن كل الفرحة قد توقفت حين رأى الوجوه تلتفت له في ذهول
 هو فقط كان يفتش بعينيه عن " عمه والد زوجته "
و قد ظهر له من بين الناس مذهولا مثله
 فيما يفعله هذه الساعة هنا حتى اقترب منه و سأله : من هي يارا و اين تمارا ؟!
كان سؤالا ضائعا كضياع صاحبه وهو يسأل مبهوتا من اثار الصدمة .
فتح والدها فاها مرتبكا وهو يتلفت حوله : انت تزوجت يارا ،  انت طلبت يارا
كان موقفا مهيبا لا يخلو من الخوف
 ومن نهاية هذا اللقاء الذي لا يبشر بخير
 و لا بوجه العريس الذي استفاق من ذهوله و تحول وجهه للسواد
 اخذ يتنفس بعنف و صدره يهبط و يرتفع بسرعة مخيفة
و يديه تتكور بحدة و هجوم
 حتى رفع رأسه في وجه عمه صارخا بغلظة و الزبد يتطاير من فمه و هو يمسك بقمة بدلة عمه و هو يحاول خنقه بلا شعور : اي يا بن الكلب يا بن الكلب يا بن الكلب
كان يصرخ ثائرا هائجا يريد خنق هذا الرجل الذي يتلوى بين يديه
ووجهه محمرا بشدة وهو يكاد يسقط على الارض حتى استفاق الناس من ذهولهم
و هجموا عليه يبعدونه عن الرجل الذي فقد وعيه
 و سقط على الارض مغشيا عليه ،
اخذ يبصق على جسده و هو يصرخ كالمذبوح : كلبتك تلك التي سُقتها لي الليلة ستبقى رهينة حتى تحضر لي شقيقتهاااااا تجلجل صوته و بُحت حنجرته يريد أن يقتل الليلة أن يدمر الارض أن يكسر حتى أضلعه فكيف حدث هذا كيف
هاج و ماج الناس و من شُبان القبيلة من اخذ بالتهجم عليه بعد فعلته بعمه يريد ضربه و لكنه لوى ذراعه و الصق وجهه بالأرض و احدث في يده عطبا .
خرج منهارا مجروحا من البيت لا يلوي على خير،
 زوجوه بأخرى ليست من يريد ،
 ليست من يطلب عفوها و صفحها ، ليست من عانت و تعاني منه ، كيف خدعوه ؟!
ربما الخداع لم يكن ما يناسبه من وصف ،
يعاني من شيء اسمه الغدر او بكل صراحة " الاستغفال " انه مغفل !
فهو حين طلب قال اريد ابنتك الكبرى ، كان جُبنا أن يُرسل من يطلبها وهو غارق في رمال الصحراء !
 و حين كتب الكتاب كان شاردا بذهنه غارقا في تاريخه يُحدّق في هاتفه الذي يسمع صوت والده خلاله يتحدث بمالا يسمع فيعطه الموافقة العجلى .
ذاهلا عن اسمها والذي سمع اخر حرفين منهما " را " .
وقد كانت حربه كلها في تاريخه من اجل تلك " الراء " ..
،
،
بدراهمي!
لا بالحديث الناعم
حطمت عزتك المنيعة كلها .. بدراهمي
وبما حملت من النفائس، والحرير الحالم
فأطعتني..
وتبعتني..
كالقطة العمياء مؤمنة بكل مزاعمي..
فإذا بصدرك – ذلك المغرور – ضمن غنائمي
أين اعتدادك؟
أنت أطوع في يدي من خاتمي..
قد كان ثغرك مرةً..
ربي.. فأصبح خادمي
آمنت بالحسن الأجير.. وطأته بدراهمي..
وركلته..
وذللته..
بدمىً، بأطواقٍ كوهم الواهم..
ذهبٌ .. وديباجٌ .. وأحجارٌ تشع فقاومي!!
أي المواضع منك .. لم تهطل عليه غمائمي
خيرات صدرك كلها ..
من بعض .. بعض مواسمي..
بدراهمي!
بإناء طيبٍ فاغم
ومشيت كالفأر الجبان إلى المصير الحاسم
ولهوت فيك.. فما انتخت شفتاك تحت جرائمي
والأرنبان الأبيضان.. على الرخام الهاجم
جبنا .. فما شعرا بظلم الظالم..
وأنا أصب عليهما..
ناري.. ونار شتائمي..
ردي.. فلست أطيق حسناً..
لا يرد شتائمي..
*
مسكينةٌ..
لم يبق شيءٌ منك... منذ استعبدتك دراهمي!!

باااااا .... ترييييي .... شيااااااا
باااااا... تريييي ..... شيااااااا
كانت الحروف تخرج مغلّظة كأنها من فاهِ مغن اوبرا عالية جدا يتردد صداها في الطابقين المكون منهما البيت
يصحبها نقر متتابع لعصا بسبول على طاولة أمام صاحبها الفظُّ الغليظ
وهي كانت تجلس على السرير منكوشة الشعر من شدة ما شدته بيدها تُخرج و تُدخل أصابعها النحيلة فيه كأنها مجنونة
تُغلق شفتيها بشدة و عيناها حولهما سواد مرعب و هما تدمعان بحزن
وجهها تمتزج فيه الحيرة و الضعف و الحقد كلها مع بعضها ، تتنفس الصعداء تحاول تصبير نفسها
و صوته العال يصلها كأنه داخل اذنها : باااااا تريييييي شياااااااا ، بااااااا تريييييي شياااااا
فتضع يديها على اذنيها تريد تجاهله ، تريد النوم ولو خمس دقائق ، ظهرها متكسر لطالما لم تنم من شدة ما فيه من الم بسببه
بسبب الوقوف على رأسه ، هو من يمنعها من أن تتحرك او تجلس او تتكلم
يريدها فقط تمثال يقف فوق رأسه ، أو روبوت ينفذ طلباته الشريرة
قامت مرغمة و ظهرها يخزها و رجليها متورمتان بشدة بالكاد تستطيع المشي ، استندت على درابزين الدرج و حاولت النزول بلا اي عاهات جديدة قد تصيبها
البيت غارق في الظلام لا يوجد إلّا الضوء الكئيب المتسلل عبر باب حجرته المردود
وهو لا زال ينقر فوق الطاولة و يتغنى باسمها من حنجرته الغليظة
تمنت يوما أن تقوم و تجده ميتا فيخلّصها من العذاب الذي تتلقاه بدلا من زوجته و عائلته !
فتحت الباب ووقفت على أعتابه وهو صمت حين سمعها تدخل ،
كان يجلس على كرسيه كدائما يعطي ظهره للباب ، ينظر من شباك الحجرة الى الظلام في الخارج لا ترى الآن منه سوى شعره الفاحم و طرف اذنيه و ظهره العريض .
السرير المنفرد بآخر الحجرة مرتبا كما هو ، و الطاولة الخشبية الفخمة و كرسيه و مكتبته و كراسٍ أمام المكتب و طاولة خشبية صغيرة لا يزال عليها بقايا العشاء !
و ضوء المصباح المشع من المكتبة ذاتها ما يُلطّف جو هذه الحجرة الكئيبة !
نطقت متعبة بالكاد خرج الصوت من حنجرتها بلكنتها الأمريكية بلغتها الإنجليزية الصحيحة : هل طلبتني سيد هارون !
تتمنى لو تذهب الآن لتغرس سكينا في ظهره أو ترفع رقبته بين يديها و تنحره و تنهي امره و تريح العالم من شره الذي يصبُه عليها صبّا !
غضّن جبينه بحده و التفت بكرسيه ينظر اليها بغضب و كره و هو يُقيّمها وهي ترتدي ملابس نوم بنجابية حتى الركبة و سروال ضيق عند ساقيها كان اللون منفرا اصفرا فاقعا التوى فمه و سحنته منه حين رفع عينيه الخضراء القاتمة بحاجبيها الغليظين المرسومين بحدة لعينيها الخضراء و شعرها المنكوش كأنها خرجت من حرب : أهكذا حتى في نومك مقرفة !
حاولت أن تفتح فمها لترد كما فتحت عينيها استغرابا ولكنه اسكتها بحركة غير مبالية من يده : أصنعي لي كوب قهوة و احضري لي من المكتبة احدى روايات غارسيا ثم اجلسي هنا فلربما نلعب الشطرنج !
تهدل كتفيها و قرصت شفتيها ألن يجعلها تنام ابدا فهي قريبا ستنهار ساقطة على وجهها ، تريد بعض الراحة ساعة واحدة فقط لتنام فهي منذ ربع ساعة قد حضّرت له القهوة و جلبت له رواية لوليتا لينهيا اخر فصل فيها تلك الرواية التي تمقتها و تمقت تفاصيلها عندما صار يتلوها على مسامعها فهو يحب القراءة بصوت عال وامام احد ما ، هي مثلاً كجمهور !
لم تعرف في حياتها رواية شاذة مقرفة مثلها ، ومع ذالك وجدته متعاطفا مع ابطالها و حاول أن يحلل القصة معها إلّا انها ابدت رأيها بصراحة فقام بضربها بعصاة البسبول على ذراعها بقسوة حتى ورمت و انتفخت !
تحركت إلى المطبخ بينما زوجته ترقد في غرفتها تضع سدادات الأذن و تنام في راحة !
غلت القهوة ووضعتها في الفنجان ، اغلقت الأضواء المزعجة من خلفها و حملتها له ، وضعتها فوق مكتبه وهو كان يضرب برفق بعصاه فوق المكتب سارحا بخياله قاهرا للنوم ولكل حواسه ماعدا العنف !
رفع عينيه لها التي لمعت في الظلام وشعرها الاشقر يتهدل ليغطي وجهها ، وهي تتجه الى المكتبة تبحث عن قسم مؤلفات غارسيا ، جلبت له " ذكرى عاهراتي الحزينات " والتي ستكون الاخيرة لغارسيا بعدما قرآ كل رواياته !
وضعتها أمامه ووقفت فوق رأسه تضع يدا فوق الأخرى ، وهو أمسك الرواية بين يديه و بدأ بقراءتها بصوته الرخيم الهاديء هذه المرة ، يذكر كل تفصيل حميمي لرجل مسن يذكر تجاربه العاطفية واحدة تلو الأخرى مع عاهراته و من كن عشيقاته مع الكثير من فلسفته الخاصة و شعور الشفقة انه اصبح تسعينيا خارج الزمن  ، تؤمن أن لغارسيا اسلوب جذاب ولكنه فج تماما ، فهو هنا ينسخ رواية كاواباتا بيت الجميلات النائمات و سحر الجمال النائم على عجائز يتذمرون من حاضرهم و ينوون غرف ما يستطيعون من تنك الفتيات المحرم عليهم لمسهن !
تثير السيد هارون كما عرفت خلال عشرته كل الأشهر الماضية أن ينغمس في " التابوهات " التي دمرت حياته " الدين ، الجنس ، السياسة " و التي لا يكاد تفصيل من حياته كما تلصصت على ماضيه يخلو منهن فكم كانت حياته مثيرة !
 وهي لابد وأن تنتبه جيدا و تصيخ السمع لألا يسألها فجأة عن شيء ذكره ولا تجيب فيصبح نهارها أسودا .
كان هذا ديدنهما كل يوم ، اربع و عشرون ساعة واقفة على قدميها تجلب الطعام و القهوة و تستمع له في خضوع .
أن تنصت له و تجاريه هو كل ما عليها فعله وكل ما طلبته منها زوجته "المجدلية " أن تفعله ،، تسليته !
قلّب في الرواية ثم التفت لها بعينيه المشككتين الحادتين سائلا بوضع اصبع يداعب شفته : آنسة باتريشيا ، هل يحق لكِ أن أسميكِ آنسة ؟! ، فالآنسات في بلادي هُن فقط العذراوات ، و انتِ بطبيعة أصلك أميركية !
رفع حاجبه متفرسا فيها باتهام منفر منتظرا اجابتها
تعجبها جدا لغة السيد هارون الأميركية المتمكنة ، تخرج من بين شفتيه لذيذة مؤثرة كأنها غناء روحي تجعلها منصتة لحد الإنسجام رغم فظاظته الواضحة ووقاحته أحيانا كثيرة فهو ورغم ما يمر به يحاول جاهدا مجددا الإندماج مع نفسه على الأقل !
نقرت بأطراف أصابعها على الطاولة وهي تجلس مستريحة الآن في قعدتها ، لم تلتفت له بل ظلت تحدق في نقراتها ، باغتها بعنصر المفاجأة هذا فصمتت طويلا قبل أن تصوغ اجابتها بشكل مهني صحيح لا تبدو فيه عاهرة  : فلتعلم إذاً أن الفتيات في بلادي يتناولن حبوب الحمل منذ سن الثانية عشرة !
كم عمري الآن سبع و عشرون اي أنني إن فكرت الآن في الحمل فسيصبح امر صعب جدا يتطلّب كفاحا !
ولا ادري سبب سؤالك ؟!
هنا التفتت له والتقت نظراتهما صارا يحدقا في بعضهما البعض مليا ، طويلا ، يلجا الى فكر احدهما الآخر ،
جاء همسه مثيرا بعينين تقدحان شررا ثوريا : كم رجل ؟!
لا زالت تُحدّق بعينيه تبحث عن الإجابة بين شفتيه تتفرس ملامحه الغريبة الخليط بين العربي و الكردي : لا ادري ربما عشر ؟!
التقط انفاسه بعنف و قوة كمن شفط هواء الحجرة بأكملها و ارتد ضاربا بظهره الكرسي فيما اكملت : تكون الحكاية اولا بحثا عن المتعة و الغرابة ، بحثا عن الإكتشاف و المغامرة ، عن جسد الآخر ، ثم ما يلبث ان يصبح الأمر بحثا عن الروح و التفاهم الحسي و العقلاني ، سيئة حظ هي من تحمل في مراهقتها !
لا تدري لما قلبها يخفق بهذه السرعة لما تحافظ على ثباتها في حين انها ترتعش ، لطالما اثار السيد هارون بها احساسا غريبا ، كان كرها و مقتا ، احيانا شفقة و اخرى لا تفهمها ولم تجرؤ أن تقول أنه  تعوّد !
شعرت أنها قد تحدثت طويلا فيما هو كان يخترقها بنظراته بعمق مخيف يثير حفيظتها
فتح الرواية وقال : فلنكمل .
،
،
ويقال عن ساقيك: إنهما
في العري .. مزرعتان للفل
ويقال : أشرطة الحرير .. هما
ويقال : أنبوبان من طل
ويقال : شلالان من ذهبٍ
في جوربٍ كالصبح مبتلٍ
هرب الرداء وراء ركبتها
فنعمت في ماءٍ .. وفي ظل
وركضت فوق الياسمين .. فمن
حقلٍ ربيعيٍ إلى حقل
فإذا المياه هناك باكيةٌ
تصبو إلى دفءٍ .. إلى وصل ..
يا ثوبها ، ماذا لديك لنا؟
ما الثلج ؟ ما أنباؤه ؟ قل لي
أنا تحت نافذة البريق .. على
خيطٍ غزير الضوء ، مخضل ..
لا تمنعي عني الثلوج .. ولا
تخفي تثاؤب مئزرٍ كحلي ..
إني ابن أخصب برهةٍ وجدت
لا تزعجي ساقيك ، بل ظلي ..

أخيرا بعد كل تلك السنين الغابرة
وتلك اللمة الحلوة
و بعد نسيان وجههيهما  يقف الآن عليهما
يذكرهما في عمر العاشرة ، كانا مشاغبين
كثيري الحركة و نبيهين شديدي الملاحظة
تجذبهما العاب الكمبيوتر ، و متعتهما العاب التركيب
يبنيان بها وطن خاص بهما ، وطن فيه أب و أم
وطن لا يفتحا فيه قلبيهما للغرباء أمثالهما
يذكر أنهما يعشقا الخبز المغمّس بالشاي الحلو
و لا زالت اتفاقاتهما النظرية تثير عجبه
كانا أغرب طفلين عرفهما في حياته
بعد منتصف الليل ها هو يقف على أعتاب الماضي
عندما كانت تُدخِل المفتاح في القفل و تدعوه للدخول بابتسامة شقية كأنه بيتها
يستقبلا الطفلان بالحلوة و الألعاب
أو تحضرهما شخصيا من مدرستهما الأهلية
قد كانا مهمين لها جدا ، كانت تشعر معهما بالأمومة !
و كانت أكثر تشعر معهما بالذنب !
عندما نفث أنفاسه و أعتدل في وقفته و رفع رأسه ينفض ماضيه عنه
دق الجرس
بروين يا الله لقد كبر ، قد أصبح طوله ، أخذ يحدق به بذهول ثم ابتسامة شوق
شعر أنه يريد احتضانه ، قد خط الشنب شاربيه ،
ولا زالت النظارات الطبية العملاقة تغطي نصف وجهه فتجعل منه شخصا غامضا .ناهيك عن " الهودي " الذي يرتديه
و يغطي شعره و جبهته و يتوسع من جانبي وجهه حتى رقبته ، و سرواله الواسع الباهت
المقطع من الركب و حذائه " النيكاي " الابيض !
وماذا عن بروين ذاك الشاب القلق؛  الذي يعاني رهابا اجتماعيا؛
  يتلفت حوله بكثرة؛  يشك في كل ما يعبره و يتحرك ضده و لو كان كرة؛
 مظهره و سلوكه يوحيان لمن يراه انه جاسوس او مُراقب .
يتجنب الحديث مع الناس و يرد باختصار بلا نقاش او شرح او تطويل؛ 
ليس مستعدا ليبرر نفسه و لا ليسمع تبريرات غيره له؛
 شديد التركيز في مجاله و دراساته حتى ان بعض الشبان يلقبونه بــ " الصفر البارد " .
 مد يده لتحتضن يد بروين بدفء غامر : بروين
قد بدا على صوته التفاجؤ و الذهول لما انقلب له حال الفتى الصغير
الذي كان يوما طول خصره
كان يرفعه على كتفيه و يجري به في باحة المنزل
وكانت غالية تحمل ديالا بنفس الكيفية
يدورون و يضحكون و يتشاركون النكت و الفرح
جذبه الى صدره يحتضنه
يشم فيه عبقها ، روح تلك الايام ، صار يضغط عليه بقوة
كأنه ابن له قد فقده وعاد بعد فراق مرير
هان عليه أن يدمع أن يظل واقفا هنا أبدا ، أن يراهم جميعا قباله
أن يعود للماضي و يكون بروين صغيرا و هي حية
اطلق سراح الفتى الذي اخشوشن صوته و غلظت أحباله : عمي يحي !
التقط أنفاسه وهو يضع يديه في جيبيه مفرقا مابين ساقيه في وقفة مهيبة ينظر لبروين
الذي يرفع نظارته كل ثانيتين لمستوى عينيه يشرح باختصار شديد
: تلّوت على الارض ثم همدت و نامت !
نظر فيه متفرسا متى و أين كنت أنت ؟
رفع يده الى وسط نظارته يرفعها قليلا يرمش بأهدابه كثيرا يبتلع ريقه : من ساعتين كنت قد دخلت لتوي من النادي .
نظر يحي الى ركن في المدخل المضاء بلمبة صغيرة تنير بقعة الباب ثم الى  السيراميك البني
و الى شتلات الزرع المنظمة فوق الشبابيك ، عطر ورود الياسمين المتدلية من شجرتها القابعة في حوض قرب المدخل يفوح قُبيل الفجر
يخترق انفه يمنحه السلام و الطمأنينة
أخذ يستنشق و يتفحص و يفكر : هل استطيع رؤيتها ؟!
قد كان غريبا أن يسأل ، أن يستأذن أن يدخل على طفلة ربّاها لأعوام بين يديه
على طفلة غدت بالغة و لربما أصبحت تشبه شقيقها
حين نظر له بروين ببساطة : نعم نعم لما لا ، تفضل
و سبقه بخطواته يعبر باب مدخل الصالة ، نزع حذائه و دخل
لم يرد الالتفات و لا التحديق و لا الذكريات وإلاّ سيجلس هنا حتى الأبد ليعيش في ماضيه
ليتمرغ فيه ليغلق بابه عليه و يترك كل شيء !

وقفا على أعتاب حجرتها
قد داعبه رائحة عطر رقيقة ، رقيقة جدا منعشة جدا و هواء محمّل بالبرودة اللذيذة
و حجرة مطفأة الأنوار و فتاة تلتف في سريرها بغطاء وردي كبير
لا يظهر من ملامحها المظلمة سوى جبهتها التي تغطيها خصلاتها المتهدلة
و شعرها المفرود على جانبها
تفرّس فيها و في كل ركن في الحجرة ثم نظر الى شقيقها يفتح فاه ليقول .......
واذ بصراخ عنيف ، صراخ نساء ملأ السماء وشق هدأة الليل  و رجف منه قلبه
التفت مفجوعا ينظر للباب ثم الى بروين الذي بدا هادئا جدا ينظر ايضا الى الباب
ازداد الصراخ بشاعة و تحول الى نعيق ثم هرج ثم أصوات سيارات
خرج مسرعا يسبق بروين و يفتح الباب فيجد البيت الملاصق لهم تحول الى كتلة بشرية
جمهور كبير من الرجال و النساء المتحلقين و صوت صراخ النساء و الولولة و شق الثياب لم يهدأ حتى رأو مجموعة رجال يحملون بين أيديهم على ما بدا له شاب في مقتبل العمر يتدلى رأسه عن كتفيه
قد كان مذبوحا كالدجاجة مفغور الفاه جاحظ العينين و الدم يغطيه كاملا كان منظره مفجعا مقززا يسحب الدماء من العروق و يدفعك لتفريغ مافي جوفك ، قد شعر بالدوار وهو ينظر الى اهله و امه التي ثكلت ، فلذة كبدها مذبوح على سريره في وسط نومه وبين اهله
أخذ رجال بيته و نساءه يتحلقون حوله يندبون و يقطعون الخدود و يضربون الفخوذ
و ينهارون بالصراخ و العويل و البكاء وهم يهجمون على جثته بغير تصديق بجنون بصاعقة نزلت للتو عليهم يحتضنونه و يقبلون يده و منهم من يحاول أن يُلصق رأسه بجذعه من جديد ، ولكن هيهات قد رمى نفسه للموت رميا !
أما الاخر الذي لف يديه حول بعضهما البعض وهو ينظر لهم ببرود مخيف
قد بدو له كالغربان الناعقة
لا بل كالقرود المتقافزة
لا بل كالهنود الحُمر الراقصة
رفع يديه الى شفتيه يغطي ابتسامته
التي كتمها حين التفت اليه يحي مذهولا غاضبا : تبا ، هذا المكان صار خطرا عليكما !
لا عجب حين سمع أن الفتى كان فردا في مليشيا من المليشيات التي تدير البلاد !
و التفاتة واحدة صغيرة منه الى الباب الى تلك الرقيقة التي وقفت على اعتابه
يغطي شعرها الاسود جبهتها و ينزل باستقامة حتى خصرها و يداها متطوحتان على جانبيها
و ترتدي فستان نوم ابيض قصير للركبة يكشف ساقيها
و حينها وقف يُحدّق فيها مصعوقا !
،
.
.
إنتهت قهوتنا
وانتهت قصتنا
وانتهى الحب الذي كنت أسميه عنيفا
عندما كنت سخيفا ..
وضعيفا ..
عندما كانت حياتي
مسرحاً للترهات
عندما ضيعت في حبك أزهى سنواتي.
بردت قهوتنا
بردت حجرتنا
فلنقل ما عندنا
بوضوحٍ ، فلنقل ما عندنا
أنا ما عدت بتاريخك شيئا
أنت ما عدت بتاريخي شيئا
ما الذي غيرني؟
لم أعد أبصر في عينيك ضوءا
ما الذي حررني ؟
من حكاياك القديمه
من قضاياك السقيمه ..
بعد أن كنت أميره..
بعد أن صورك الوهم لعيني.. أميره
بعد أن كانت ملايين النجوم
فوق أحداقك تغلي
كالعصافير الصغيره..
***
ما الذي حركني؟
كيف مزقت خيوط الكفن ؟
وتمردت على الشوق الأجير ..
وعلى الليل .. على الطيب .. على جر الحرير
بعد أن كان مصيري
مرةً ، يرسم بالشعر القصير ..
مرةً ، يرسم بالثغر الصغير ..
ما الذي أيقظني ؟
ما الذي أرجع إيماني إليا
ومسافاتي ، وأبعادي ، إليا ..
كيف حطمت إلهي بيديا ؟.
بعد أن كاد الصدا يأكلني
ما الذي صيرني ؟؟
لا أرى في حسنك العادي شيا
لا أرى فيك وفي عينيك شيا
بعد أن كنت لديا
قمةً فوق ادعاء الزمن..
عندما كنت غبيا..

لم يكن يحي و لا شعيب لوحدهما من ضربت صافرات الانذار حياتهما
فها هو اعصار سيخلع العامود من اساسه
سيضرب به في مقتل
حين ولج قصره و صعد لحجرتها التي لا يكد يغادرها منذ أن أخذ بخاطرها
تتزاحم الليلة في رأسه
موت و زعيق و فوضى و جنازة و عرس باطل
كيف حتى الان يقف ولم تصبه ازمة قلبية
شيء يبقيه في الفراش اسبوعا ، شهرا او سنة
شيئا لا يجر المصائب الى داره جرا حتى يحطم كل ما يمر عليه
اقتربت خطواته و معها اهاته فبالكاد اطمأن على بكره الذي أخذ عروسه بعيدا عن كل ذالك
و ها هو يفتح الباب أخيرا ، يريد أن يرتمي على ظهره و أن يغمض عينيه
أن لا يفكر في الغد و لا في تكالب الشر عليه و على اولاده
دخل ليرى ظهرها المستقيم المتجمد بجلسة على الفراش
و الغرفة تغرق في ضوئها و رائحة عطرها الذي اغرقت به نفسها قبل العرس
لا زالت تداعب الخياشيم ببساطة و رقة
ولكنها هي
تجلس كتمثال لم تلتفت ، لم تتحرك
فقط كانت التفاتة جانبية قاسية و نظرة محتقرة رمته بها
وقفت بشموخ في وجهه كل ملامحها متغيرة ، يا الله ما كل هذا الجليد الذي غطاها
بعد الدفء الذي غمره تنك الايام الفائتة
انقلاب سحنتها و نظرتها تلك كانا شيئا مخيفا ، هالة من القوة تعزلها عنه وهي ترفع ذقنها تتهمه بصوت حديدي مقهور  : من هي آسيا يا صالح !
تتفرس في وجهه و تنظر لتقلباته
حين كانت جالسة تصفق فرحة ثم مذهولة للصراخ و العويل
حين جلست على كرسيها تراقب جري النساء المفجوع و عويل امها
جلست فاغرة الفاه لم تلحظ دموعها التي غطت جفنيها ثم انهمرت كالسيل على خديها
كيف لفرحتها ببكرها أن تموت ؟!
ألن تذوق و ابناءها السعادة ابدا ؟!
لمَ يجحدها الزمن و تتكالب عليها الايام
ليس بمنصف ما حصل
ثم مصدومة بالشفاه التي همست بمكرها في قلبها : اسأليه من هي آسيا يا صالح
تفرّسي في وجهه و سترين الذنب ، الذنب وحده !
من هي آسيا يا صالح
يذكر ، يذكر جيدا منذ عقد من الزمن حين دخل على أمه
فكانت تمثالا مشابها ، كارها ، حاقدا ، غاضبا تسأله : من هي آسيا يا صالح
تدور عينيه في كل المطارح ، و قد توقفت الحياة عن كل الجوارح ، ينظر يغيب بعقله ، يسرح بروحه ، يهرب بعمره عن سؤال اغضب " ست الحبايب " و اخرجه من جنتها للأبد !
يذكر عندما لفظتها و لفظته من حياتها : قلبي و ربي غضبانين عليك ليوم القيامة يا صالح
ركض عند قدميها يقبلها يتشبث بها يطلب الغفران ينحني و ينحني حتى سقطت دموعه عند قدميها يبكي بكاء الرجال الغليظ المذبوح  و هي ترفسه ألا لعنة الله عليك يا صالح
ولا زال يتطلع الى وجهها مذهولا مأخوذا بجُرم قد فُضح ام لا يزل !
لفظتها نعم لفظتها بحقد : لن تنال رضاي يا صالح لأبدِ الآبدين 
وهنا قد سقطت منه عصاته كما اسقط هيبته عنه ليندفع لها و هي كالجبل لم تتحرك سوى نظراتها المحرقة التي ابعدته و اوقفت تقدمه تزدريه ، ماجدة اصبحت تزدريه ، جلس بذهول على سريره و هي تلتقط لها عباءة و تلف شالها حول رأسها و تلتقط مفاتيح سيارتها و تهجره في اول خطوة بعد الوصال ،
 ومن هي آسيا يا صالح فلتحتفظ بالإجابة لنفسك !






.
تحركي خطوةً.. يا نصف عاشقةٍ
فلا أريد أنا أنصاف عشاقٍ
إن الزلازل طول الليل تضربني
وأنت واضعةٌ ساقاً على ساق
وأنت آخر من تعنيه مشكلتي
ومن يشاركني حزني وإرهاقي
تبللي مرةً بالماء .. أو بدمي
وجربي الموت يوماً فوق أحداقي
أنا غريبٌ.. ومنفيٌ.. ومستلب
وثلج نهديك غطى كل أعماقي
أمن سوابق شعري أنت خائفة
أمن تطرف أفكاري، وأشواقي
لا تحسبي أن أشعاري تناقضني
فإن شعري طفوليٌ كأخلاقي..

ثلاثة ايام بلياليها رقدت في الفراش ، تشعر بكل عظامها مكسرة و عضلاتها ممزقة ، الم عنيف يلم بها كلما تقلبت لجانب ، تأن باستمرار ، و تبكي بلا وعي ، وجهها متورم من الضرب و الصفعات ، تبقّع و ساء حاله ، تشعر احيانا بأحدهم يرفع رقبتها فوق ذراعه و يسقيها ماءا ، منذ ايام لم تذق فيها اللقمة ، استفرغت مرتين من الالم المباغت ، ثلاثة ايام تواجدت فيها صبا معها تنظفها و تعاونها و تتأسف لحالها و في احد غفواتها سمعتها تتحدث الى أخاها ممتعضة مؤنبة بنبرة تخشى منها ان تستمع اليهما : ماذا ؟ لما احضرتها لاخر العالم ؟! ، انتبه يا شعيب فهي اصبحت زوجتك ،، قااااانونيا ،،، فلا تعاملها كأحدى جواريك !
كان يرد عليها ببرود مثير للأعصاب : لا تخافي ، لن اضرها !
لي حاجة فيها !
اغمضت عينيها بشدة و هي تبتلع ريقها من تصريحه ، كانت تخاف ان يتلفت اليها احدهما
لترد عليه صبا بقلق : و لكنها هنا لوحدها ، لا تحاول ان تغادر قبل ان تشفى !
تكمل بتبرم : تحتاج من يواسيها !
رفع حاجبه استهجانا : منذ متى " و صغيرتنا صبا " تهتم لأمر الغرباء ؟!
ترفع عينيها و تقول بصدق : قريبا سأكون مكانها و سأواجه امورا مثلها تماما ، و سأحتاج لمن يدعمني داخل بيته .
امسك بكتفها يجذبها اليه  يضمها الى وسع صدره بحب يقبل قمة رأسها : اعرفك قوية ولن تستحقي اي دعم ، وان اردتي تعرفين من هم اهلك !
تنهدت براحة قليلة على صدره و هم كثير يقبع في رأسها  : اعلم من هم ورائي يا زين و لكن لا اعلم من هم " امامي " !

يا الهي لا ادري لما يتحدثا بالالغاز ، جواري و رحيل و حاجات و نية مبيتة ، لا تفهم !
ثم بماذا نادته " زين " ، الأنه جميل الخلقة لقبوه ب " الزين " ؟!
غادرا الغرفة و صبا تقبله على خده فهي ستدعها الان وحيدة في غرفة بيضاء في مكان لا يعرفه جيدا الا ثلاثة : شعيب ، يحي ، صبا
تحسنت قليلا و صارت تتحرك قائمة،  قاعدة ، تلتفت حولها فلا تجد الا البحر من امامها ، و العدو من خلفها ، كانت تجد سفرة عليها فطورا يوميا : عسل و زبدة و خبز و حليب بالقرفة و عصير برتقال ، شرائح كيوي و بطيخ .
كانت بالكاد تبتلع اللقمة المختلطة بالدموع فتبتلع المرار بدل العسل
رباب ، قد رحلت ، ذُبحت ، قُتلت ، تسممت ، احدهم ازاحها من الطريق و كل الدلائل بالنسبة لها تشير اليه
هو متهم في عينها
كانت حامل
تركت اللقمة من يدها كي تنسجم مع مرارها و حزنها و دموعها الغزيرة
رباب ماتت
لماذا ؟!
شهقت بقوة منهارة
ما ذنبها في هذه القذارة التي تتمرغ فيها عائلتها و شركائها
كان لها وقت ، كانت ستعيش لبضع سنين اخرى
تحفظ القرآن
و لكن عزاءها ، أن رباب ماتت نظيفة ، طاهرة ، نقية ، و مغدورة
وانها لم تفطن في حياتها ؛ انها هي " شقيقتها " قد دمرتها !
فحسبها الله و كفى .

كانت ترتدي قفطان قطني وردي طفولي لنصف ساقها الممتلئة و ذراعيها المدورتين  تغطيهما بكفيها و قدها الصغير الذي تحاول ضمه جميعه الى بعضه كأنها تختبيء منه !
صارت تعيش على الجفاف
على الدموع الحزينة و قلة الحيلة
ملوحة دموعها تتراكم فوق بعضها البعض على خديها حتى بان بياضها
تأسف لحالها
و لنهايتها
تنصرف بنظرها الى النافذة حيث البحر الممتد امامها تتضارب امواجه ساعة و يسكن بجمود ساعات اخرى ، تتسرب رائحته و ملوحته الى خياشيمها فتعطها بعض الفسحة للا تفكير .
الغرفة كانت كبيرة مهولة بسرير يلتصق مباشرة بالنافذة الزجاجية العملاقة ، حتى اذا قامت من نومها وجدت عينها تحدق في الزرقة الصافية ، الشمس كأنها تشرق في الحجرة فتزيدها ضوءا و بياضا و اشراقا فتمنحها السلام الذي تبحث عنه روحها .
الجدار الابيض وراء السرير الواسع 
تجلس عليه ، و تنام ، و تدور حوله
تدرس مأساتها
تبحث يائسة عن حل
عندما التفتت بنظرها و جدته اخيرا على عتبة الباب يقف محدقا فيها
يمسح بناظريه شكلها العفوي
لم يعرف يوما وجها لا يمل من النظر اليه
شديدة الحسن بسمارها الشرقي الجذاب و عينها الكبيرة التي تتفوق في جمالها على اي عين قد مرت في تاريخه !
لا ينكر انه قد يقع يوما صريع محراب عينيها !
همست له و هي تبتلع عبرتها و تحاول السيطرة على اهتزاز حنكها : و العقد صحيح ؟!
تريد أن تطمئن نفسها بأنها ليست سبية و أنها حقا زوجة
فهو واقع سيكون اهون من أن تستباح بعملية " زنا " مدروسة .!
اقترب منها حتى امسكت يديه بالسرير و هو يؤكد لها : مائة بالمائة
هزت رأسها برضى متخاذل : بلا ميثاق
فيرد بعبوس لذيذ : لا نستحقه .
التفتت له بسرعة حتى ضرب شعرها وجهها و التف حول عنقها تبحث في عينيه عن حقيقته
لما لا نستحقه ؛ لما لا نريده او لا نحتاجه !
لا نستحقه يعني أنه يعرف حجم الخطيئة التي ارتكبها في حقها و حق شقيقتها .
حنجرتها المبحوحة سألته بوهن : يعني لم أعد سبية ، كانت حقيقة اطمأنت بها نفسها
اقترب بخطواته الثقيلة  و هو يؤكد لها بكلمات ليست غرورا ، ولكنها مقدرة على الفعل و التنفيذ : والله لو اردتك سبية لأخذتك من بين اهلك وهم يضحكون و يلعبون و راضون حتى !
اقشعر جسدها و وقفت شعيرات جلدها بردا و خوفا فهو يؤكد لها انه لن يتورع عن فعل اي شيء بها !
ثقل السرير و هو يزحف اليها رافعا بصره لها يقترب ببطء حتى جلس امامها
ركبته تلامس ركبتها ، هي امرأة ترضيه ، ترضي غروره ، ترضي نزعة الرجل الشرقي فيه !
ملامح وجهها العربية البحتة دقة ذقنها و كبر عينيها و رفعة انفها و علو خديها و سمارها الجذاب و قصرها الذي يعجبه ، في المجمل الملامح التي تشتهر بها نساء المنطقة الشرقية و بخاصة " يوسبريدس " ، تعجبه القصيرات فهن اسهل في الحمل و التقليب بين اليدين ساعة حب ، ليست نافرة النهد و لكنها مثيرة بطريقتها ، سواد شعرها الذي لا يتخطى كتفيها و امتلاء شفتيها البارزتين للخارج بطريقة تدفع رأس رجل مثله للدوار عن لمسهما و تتبع خطيهما ولون عينيها البني الفاتح الذي يرى بؤبؤيها خلاله ، باستطاعته ان يتخيلها حبيسة قفص بحجم قبضة يده ، يضعه هناك و على كفه و يجعلها تغرد من بين قضبان سجنها ، تنفس بعمق متمهل فهو هذه اللحظة تدفعه الرغبة في تمديدها على الفراش و اعتلاءها ، اما عقله فيدفع تلك الفكرة الى حين أن ينهي مخططه معها ، العمل اولا و ثانيا و اخيرا !
يدها سقطت من الرهبة و الخوف في حضنها و اغلقت عيناها و صارت تلتقط انفاسا مسروقة.
كان ضخما يملأ السرير ، وهي ضعيفة البنية رقيقة العظام !
امسك برسغيها و صار يتحسسهما حتى صعدت الرعشة تدريجيا من يديها الى شعرها
سرح كثيرا فيهما حتى خالت أنه لن يلتفت لها و لن يتحدث
خالت انه نوع من اللعب بها لتحريك احاسيسها الانثوية 
هناك شيء تحت جلدها يسري ، شيء يقشعر منه البدن ، فقربه خطيئة لن تغفرها لا له و لا لنفسها
تحدث بشيء تعرف مرماه جيدا و هو يشدد على كلماته الحريرية : هناك طرق مضمونة اكثر ، و صار يعدد على اصابعها الرقيقة بصوت خفيض متوعد
اولا : هناك السّم الزُعاف بلا ترياق
اخذت تبتلع ريقها بتوتر
ثانيا : هناك البنزين و النار ستتأذين و تصرخين ولكن النهاية ستموتين
ثالثا : ان ترمي نفسك من علو شاهق بلا رحمة و لا تفكير
رابعا : رصاصة تخترق جمجمتك و هذه الاخيرة ايسرهن و اسرعهن ، قال الاخيرة ببحة شيطانية ، بشيء يشبه رد فعل المجانين وهو يتطلع الى عينيها بحدة مخيفة !
صار يضرب بخفة على كفها و لا زال يحدق بعينيها : امّا قطع رسغك فهو أمر رخييييييص ، شدد و ضغط على اسنانه مستهجنا : كأنك تستنجدي ؛ انظروا لقد قطعت شريانا لقد سال دمي انني اموت فانقذوني ، لا.. تشحذي ..الشفقة !
انتبهي يا نجلاء فموتك و حياتك بين يدي و لن تسرقيهما مني !
امسك بناصية رأسها يدفع وجهها للخلف بعنف
كان وجهه مخيفا
محذرا من مغبة اي جنون قد تغامر به
انفاسه الدافئة و رائحة عطر ما بعد الحلاقة يتسللا بنشوة الى تحت مسامها
أي كبرياء هذه التي داستها أقدامه حتى برائحته الدافئة و عيناه الغاضبة
همس في وجهها و هو يبحث بين مساماته عنه  " هو " : هل تذكرينني !
حركت حاجبيها عاليا ثم اخفضت حدقتيها تحدق في رسغيها بشرود : بعدما رأيتك ، عرفتك .
اخذ يبتلع ريقه و هو يشعر بالحميمية و الهدوء ، صارا يتقلبا في وجهي بعضهما
يخترقا افكارهما ،
انفاسهما الدافئة تتلاعب و تتداخل بين وجهيهما الشبه متلاصقان :
 تغيرتَ كثيرا جدا ، صرتَ رجلا و ... كهلا
رفعت يدها فجأة الى ذقنه و جرته بقسوة حتى كادت شفاههما تتطابقان و هي تهمس فيهما : حتى بالأمارة قد اعطيتني هذه
و اقتربت بسرعة مخيفة من اعلى شفتيه قبلته بصوت خافت مثير
فتح عينيه عن اخرهما نشوانا ، قلبه يهرول بعبث
ابتعدت عن وجهه تستند على زجاج النافذة و هي تكتف ذراعيها فوق بعضهما البعض وفي عينيها ضحكة ماكرة : هذا كل ما استطيع تذكره !
ابتلع ريقه بهدوء محدثا اختناقا حارا بين عروقه و غليان دمه
في تلك اللحظة رفع كفيه الى جانبي وجهها في فعل كالاحتضان العفوي كانتا دافئتان كبيرتان تغطيان كل وجهها تبثان كهرباء تخترق مسامها ، يقلب عينيه في وجهها المجهد الذي تكافح بغرابة في اخفاء المه و دماره ، أنفاسه قريبة جدا من أنفاسها و شفتيه تحدثانها بغموض  واعد  : إن صرتِ طوع أمري يا النجلاء سأعطيكِ كل ما ترغبين ، سأهبك مدينة أخرى ، لكِ وحدك !
لا تدري لما يتحدث معها بتلك الطريقة المخيفة المثيرة فكل ما يخيفها هو أن تقع في شباكه وهي التي تنوي قتله ، لا تنكر أنه فاحش الرجولة محرضا لقلبها على القرع على أعتاب صدرها برهبة عيناه حالة لوحدهما لا تفهمهما غامضتان شعره وحالته الفوضوية التي تتدلى بعض خصلاته الكثيفة حول حاجبيه و شفتيه لا تقلان اثارة عن أنفاسه رجل شرقي بامتياز لا ينهزم ولا يتوقع منها أن تهزمه ، كانت حالة طوَفان غريبة تمر بها ، هو تزوجها ليحقق غايات لا تفهمها ، ربما أحبها يوما ما او تعلق بها وإلّا ما كان سيذكر لقاءهما الوحيد في حياتهما والذي ضاع وسط معمعة ماضيها ، حرفيا قد كان من مخلفات ذاك الماضي ، لم تكن لتنبشه ولم تنوي أن تخوض فيه ، أن يتزوج رباب كانت صاعقة نزلت عليها بعدما رأته " كيف " " لماذا " ، كيف له أن يتزوج شقيقتها النصف عاقلة ؟ ، خبر زواج رباب كان صدمة اذهلتها لأيام في بيتهم بعدما أبعدوها كي ينفذوا مخططاتهم و يعرفون أنها ستكون حجر عثرة في طريقهم ، تم كل شيء بسرعة البرق ولا تصدق بعدما رأته وهي التي ظنت أنها تعرفه بالإسم فقط و تعرف نفوذه و قدراته أن يسقط ضحية شرك خبيث غير مكتمل الأطراف مثل شرك رباب ؟!
في تلك اللحظة كان يسند جبهته على جبهتها يلهث بقوة كأنه يقاوم فعل شيء ما وهو يرى التوهان و الضعف الذي تبثه عيناها و انفراجة ثغرها ، قد تنازل في تلك اللحظة في عينيها كلية عن صلادته تظهر تحت جلده تلك الهشاشة و الوداعة و اللهفة كأنه رجل آخر ليس هو ذاته من يعرفاه كليهما !
حركت عينها تجاه الفراش بخذلان  : لا تفكر حتى
رفع نظره لها يفتش بعينيه عن نقطة للاختراق ، راح يقول بهمس مشبوب بالعاطفة ، وبعينيه شوق لفمها المفتوح : لا ، ليس اليوم ، ولا في هذا المكان  !
.
،
هناك رجالٌ.. 
يرون النساء مجرد ثقبٍ.. 
وحفلة جنس.. 
هناك رجال. 
لعبة سيفٍ وترس.. 
يضاجعن كل ذكور القبيلة 
دون رضاءٍ.. ودون اشتهاءٍ. 
ومن غير نفس.. 

هناك رجالٌ. 
يحبون مثل الجواميس 
من غير فكرٍ.. 
ومن غير حس.. 
أنا لست من هؤلاء الرجال 
فصعبٌ علي ممارسة الحب 

رسائل الى يحي 

اعتذر ، اقدم اعتذاري لكما كليكما 
قد صدّعتُ ثقتكما فيّ و في نفسيكما و الاكثر زكريا الذي كان يصر على معرفة ما الفارق بينه و بينك يحي ، شيء لم يستوعبه قلبي ولن أجد إجابته لا عندي و لا عندك !
كنت قد قلت مرة لزكريا وهو يجلس قبالتي مرتعش الفك : سأخبره 
قال لي وفي عينيه برك دم : يحي سيؤذيك 
قلت له : سأخبره 
قال لي : سأنهي علاقتي بك ولن أعد كما السابق 
كنت اعض على شفتي اريد البكاء حين امتدت اصابعه يمسح دموعي قبل أن تصل جفني 
انا احب زكريا أحبه ، حقا افعل ولكنه ليس كما يعتقد 
زكريا المته ، اذيته ، ودافع عن نفسه وعن حبه ولديه كل الحق في ان يهد المعبد على من فيه ، اثبت لنفسه ولي ولك انه صادق في حبه وأنه سيدمرني .
قلت له : سأخبره 
كان قلبه يعتصر قهرا و نزلت دموعه المخنوقة التي فجعت قلبي و دفعته كي يرمي في وجهي بأسيده الحرفي : سأدمرك وانا قادر يا غالية 
لما يحي ؟!
و أنت قل لي لما أنا يا زكريا ؟! 
فهذا من ذاك ، شيء غير مفهوم ، يحي يظن أنه في نظري كباقي الرجال 
يظن أنه معي لأنني فاتنة لعوب ، لا ادري ما رد فعله حين اصارحه بحبي 
وضعتُ يدي فوق يده ضاغطة بقوة وانا يائسة لا اريد أن اخسر حبي ولا قلبي : زكريا افهمني ارجوك 
ضغط من بين أسنانه : بل أنتي افهميني أنكِ تحطمينني لا تفعلي ارجوكِ لا تخبريه 
اه على قلبي كم له أن يحتمل عندما رأيتك تنظر لي بتلك النظرة الغريبة تراقب كل لفتة 
وكل حركة قمنا بها معا 
لا تعلم يا يحي أننا كنا نناقش أمرك بدونك ! 
يحي 
هذا ما ينتج عندما تجد المرأة نفسها محاطة برجال أصدقاء و تظن أنهم أصدقاء 
عندما تبتسم لهم يظنون أنها معجبة بهم ، عندما تقول صباح الخير كأنها قالت أحبك ، عندما تزيل قطعة صوف من على قميصه فهي ترغبه !

يحي ،
 اعتذر لي من زكريا ، قل له أنك وضعتني على الطريق القويم 
أنه بدونه ما كنت لأكتشف أني قوية 
أني أستطيع أن ارمي بحبك في اعمق نقطة في قلبي و أتركه يتقلب على السهاد 
أنني استطعت أن أعيش مشردة وحيدة نام معها الرجال في مخيلاتهم 
اقبل اعتذاري و قل لزكريا أنني قد غفرتُ له و أنّ هذا الهوس بالحب كما يسميه قد كان لعنة حبي لك و جعلني أضع نفسي في خانة الحقراء ! 
،
،

يحي يحيااااا يحي افتح البااااب 
تبا احضر لي شيئا و اكسر الباب الان كان الصراخ و الهياج لم يكفا لا خلف الباب ولا أمامه 
تواترا مع دق ابيه المرعب على الباب كان هو يحطم كل شيء في غرفته يصرخ متوعدا 
حية حية بنت الكلب حية غااااالية يضرب على صدره كالوحش الثائر حتى احمر صدره بشدة
يده تطول الزجاج فتهشمه و تقلب الطاولات و حطم الكرسي على دولاب ملابسه و يدوس بقدميه العارية بغير وعي على حطام و شظايا غرفته حتى صار الدم يلحق به و يرسم رجله على أرضية الغرفة التي لم تعد تتحمل صراعه الشيطاني مع نفسه كانت عضلات ذراعيه تتحرك بسرعة شديدة لتحرق كل ما حولها عيناه كالدم و وجهه منتفض العروق و شعره تقطع بين أصابعه كان جريه في الغرفة مرعبا مخيفا يرفس السرير بقوة و يقطع الاغطية بغل و يقذف بالعطور على الجدار بقسوة كان كل شيء يدور حوله بسرعة شديدة شديدة جدا 
كان اخر حطام للباب يتطاير أمام عينيه عندما هجم عليه والده يثبته بشدة من خلفه مستخدما كل قوته و طاقته يمنعه عن الهيجان اللامعقول والذي كان أشد و أمرّ من الحالات التي تمر به عند نومه .. هستيريا شديدة و الم مبرح في كل جسده كان يدفع والده بكل قوة بل بقوة مضاعفة لا يدري من أين جاءته ووالده يصرخ في الرجل الاخر الواقف على الباب مذهولا ينظر له هو العاري الصدر المشدودة عضلاته النافرة عروقه الزرقاء و ساقاه في جينز قديم مفتوح الازرار حتى سقط قليلا عن خصره و رجله التي علقت شظايا الزجاج بها بصورة مقززة موجعة  و يده المفتوحة و الدم ينزل منها كالشلال كان يبكي بل ينتحب : انها حية حية انها حية خدعتني بنت الكلب خدعتني حية حياااااااا
اخرج اخر صرخاته مع انغراس ابرة المهديء في عضده فترنح مع والده الشاحب الوجه المريض القلب الى السرير فوقع فوقه فاستند والده يهديء من روعه و يربت على شعره كطفل يتيم ادرك أنه فقد أهله ، لم يسمع له صوتا ولم يرى له وجها منذ يومين يقفل عليه بابه حاله مزر وجهه شاحبا مسودا عيناه ذاهلتان مأخوذتان بأمر يفوق طاقته و جسده المحموم بصورة مفزعة  متشنج بقوة و روحه ذابلة يحي يعاني منذ الأزل ولا زال يقاوم : يحي يا حبيب أباك ماذا يحصل لك 
اجهش في البكاء المخيف الذي يعتصر كل جسده يشهق تتقطع حروفه بوجع : انها حية غالية حية !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...