المشهد
( 15 )
( 15 )
المــــــــواجهة الـــــــــرابعة
يدخل الى البيت العتيق ذو الحجرات الثلاث المتراصة بجانب بعضها البعض
وكأن من صمم هذا المنزل يقصد جعله سجنا حقيقياً
تلك الغُرف احداهن تقطنها السجينة
ذراعه ملفوف بشاش كبير
منذ طعنتها الغادرة وهو لم يعد يأمن على نفسه معها حرة بين حجرات المنزل
ويتمنى ان يقسم رقبتها نصفين لكي تتأدب وتعرف كيف تعامل الرجال !!
رجل طويل القامة نحيف نسبيا
ذو وجه ابيض محلوق وعينين بنيتين وفم واسع وانف مفلطح وشعر اسود مجعد مناسب تماما لتقاطيع وجهه الذي يعتبر وسيما !!
ينادي بصوته الجهوري
_ مريم انتي يا مريم !
تخرج من الحجرة التي تنتصف الصالة واضعة يديها على خاصرتها دائمة التحدي
تتأفف في وجهه بينما تنظر له باستحقار اثار حفيظته
فهو حاليا هادئ ولا يشعر برغبة في الشجار مع جنية مثلها !
ولكن على ما يبدو انها تريد شجارا ، وفي مثل حاله بسرعة البرق ينقلب من مزاج الى آخر أسوأ منه
_ نعم ، ماذا تريد ، لماذا تزعجني ؟!!
ينظر لها وكل الغيظ يملأ قلبه ليصعد حرا الى رأسه يكاد يفجرها هو مغتاظ منها حتى النهاية
_ هيا اذهبي حضري لي الطعام
_ حضره بنفسك ام انك لا تعرف !! بالاضافة انني لست خادمتك ، وعلى ما اعتقد ان لك ام مسؤولة عنك ايها العاق !!
تلقي بكلماتها المشددة وهي تضرب يد على يد غير مبالية البتة بما وضح على وجهه من غضب .
استدارت على عقبيها واعطته ظهرها وهمّت بالمغادرة
ولكنه كان قد لحق بها وامسك بها من ذراعها ينفضها نفضا ويتمتم من بين شفتيه وهو يهزها ويدفعها في اتجاه المطبخ
_ انتي خادمتي !! تقبلي هذا الواقع يا عزيزتي ، ويطلق ضحكة سخرية مجنونة
_ بل و الأنكى انني استطيع ان افعل كل شيء بك !! قالها في هدوء مخيف !!
ليهمس بمكر في اذنها : ام تفضلين ان نقضي وقتنا في حجرتي ؟!!
سحبت انفاساً متتالية نافخة صدرها تفكر بتوتر بكلماته السامة الخبيثة
بأنه في اللحظة التي سيحاول فيها الخروج عن سيطرة سيده لن ينقذها احد ، بل لن يهتم لها احد ، في الحقيقة هي تستغرب حتى الان تصرفات هؤلاء الاشخاص معها ، فذالك السيد الجلاد الحقيقي لم يلمسها ولم يدع احدا يقترب منها .. هي لا تفهم الاسباب .. كان من الممكن ان تنتهي منذ مدة طويلة ملقاة بين ازقة الشوارع
نعم فأنا اصبحت مشردة بلا مأوى ، اصبحت يتيمة للمرة الثانية بلا خالد وحمود !!
وبلا وداد .. تغمض عينيها والحزن قد جرفها لآلام لن تخبو وجروح لن تندمل !!
سأصبر وسأبقى يا حمود حتى أخرج من هنا وأجدك ، أعدك
تضغط على شفتيها باسنانها وهي قد رحلت لعالم آخر بعيد عما يقوله من هو واقف في وجهها يدرس ملامحها !
ينظر الى سقف اهدابها المصطفة كجنود يتشحون السواد الحالك تغطي بياض عينيها !
تبتلع ريقها الجاف
سوف تماشي هذا الشخص والا تثير حنقه وغضبه
هزت راسها في فهم بينما هو قد جلس على الكنبات الارضية ينتظرها ان تُحضّر الطعام
في وقت امسك بجهاز تحكم التلفاز لكي يدير القنوات
فبدا صوت التلفاز عاليا وهو يصدح بموسيقى لام كلثوم !!
استغربت ذوقه ؟!! ام كلثوم ؟!! يستمع لها هو القاسي المكفهر دوما ً
اصبحت لا تفهم شيئا !!
شرعت في تسخين الشوربة والمعكرونة وحضّرت السلطة في هدوء لا تشعره
فكل ما بداخلها قد فقد السيطرة على نفسه !!
تبكي احيانا وهي نائمة او تضحك وهي شاردة او تتكلم مع نفسها او مع حموووود !!
كانت تجمع شعرها في ضفيرة طويلة تتدلى حتى ركبتها
وترتدي فستانا فضفاضا مما اعطتها اياه امه فهما تقريبا بنفس الحجم !!
ما يهوِّن عليها انها وتلك العجوز كلتاهما في سجن وليست وحدها من يعاني !!
انتبهت على صوت غليان الشوربة ورائحة احتراق المعكرونة اطفأت الغاز بسرعة وشرعت في سكب الطعام في الاواني الفخارية
حضّرت الاطباق وجمعتهم على سفرة وخرجت
في طريقها وهي شاردة وتحمل هذه الاشياء على يدها لم تنتبه الا وقد تعثرت امامه
لتتناثر الشوربة الساخنة على رجله وفخذه
يصدر اصوات الآم من الحريق
_ آآآآآه يغمض عينيه بقوة متوجعاً
وينهض من مكانه معتقدا انها قد فعلت ذالك متعمدة وقام بكل قوته بركلها على بطنها
_ ايتها الحقيرة الم يكفيك ما سببته لكتفي ؟ تريدين الان حرقي ؟! تبا لكي
وهي امسكت ببطنها لم تستطع التقاط الانفاس
تكومت على الارض ساقطة وهي تحاول
وعيناها قد جحضتا بألم وصدمة ، شعرت بدوار وفقدان الرؤية والضعف المفاجيء !
بينما هو لم يكترث اتجه الى الحمام لكي ينظف ملابسه ونفسه ويغسل رجله المحترقة !!
استفاقت اخيرا بنفس مختنق جاهدت لاستنشاقه
تغمض عينيها بوجع وهي تتحلف له في نفسها وهي شاحبة شحوب الاموات
حتى شفتيها اصبحتا بيضاوين وغارت عينيها في مكانيهما واضمحل جسدها واختفى في تلك الثياب .
اذاقها كأس المر هنا وهي كذالك سوف تفعل المثل ولكن صبرك !!
نهضت من مكانها في هدوء مخيف وهي تجر رجليها جرا الى الغرفة فترى المرأة الاخرى تراقب من فتحة الباب الموارب
تنظر لها في شفقة ولكنها تجاهلتها ودخلت حجرتها واغلقت الباب عليها ..
.
.
.
يدخل الى البيت العتيق ذو الحجرات الثلاث المتراصة بجانب بعضها البعض
وكأن من صمم هذا المنزل يقصد جعله سجنا حقيقياً
تلك الغُرف احداهن تقطنها السجينة
ذراعه ملفوف بشاش كبير
منذ طعنتها الغادرة وهو لم يعد يأمن على نفسه معها حرة بين حجرات المنزل
ويتمنى ان يقسم رقبتها نصفين لكي تتأدب وتعرف كيف تعامل الرجال !!
رجل طويل القامة نحيف نسبيا
ذو وجه ابيض محلوق وعينين بنيتين وفم واسع وانف مفلطح وشعر اسود مجعد مناسب تماما لتقاطيع وجهه الذي يعتبر وسيما !!
ينادي بصوته الجهوري
_ مريم انتي يا مريم !
تخرج من الحجرة التي تنتصف الصالة واضعة يديها على خاصرتها دائمة التحدي
تتأفف في وجهه بينما تنظر له باستحقار اثار حفيظته
فهو حاليا هادئ ولا يشعر برغبة في الشجار مع جنية مثلها !
ولكن على ما يبدو انها تريد شجارا ، وفي مثل حاله بسرعة البرق ينقلب من مزاج الى آخر أسوأ منه
_ نعم ، ماذا تريد ، لماذا تزعجني ؟!!
ينظر لها وكل الغيظ يملأ قلبه ليصعد حرا الى رأسه يكاد يفجرها هو مغتاظ منها حتى النهاية
_ هيا اذهبي حضري لي الطعام
_ حضره بنفسك ام انك لا تعرف !! بالاضافة انني لست خادمتك ، وعلى ما اعتقد ان لك ام مسؤولة عنك ايها العاق !!
تلقي بكلماتها المشددة وهي تضرب يد على يد غير مبالية البتة بما وضح على وجهه من غضب .
استدارت على عقبيها واعطته ظهرها وهمّت بالمغادرة
ولكنه كان قد لحق بها وامسك بها من ذراعها ينفضها نفضا ويتمتم من بين شفتيه وهو يهزها ويدفعها في اتجاه المطبخ
_ انتي خادمتي !! تقبلي هذا الواقع يا عزيزتي ، ويطلق ضحكة سخرية مجنونة
_ بل و الأنكى انني استطيع ان افعل كل شيء بك !! قالها في هدوء مخيف !!
ليهمس بمكر في اذنها : ام تفضلين ان نقضي وقتنا في حجرتي ؟!!
سحبت انفاساً متتالية نافخة صدرها تفكر بتوتر بكلماته السامة الخبيثة
بأنه في اللحظة التي سيحاول فيها الخروج عن سيطرة سيده لن ينقذها احد ، بل لن يهتم لها احد ، في الحقيقة هي تستغرب حتى الان تصرفات هؤلاء الاشخاص معها ، فذالك السيد الجلاد الحقيقي لم يلمسها ولم يدع احدا يقترب منها .. هي لا تفهم الاسباب .. كان من الممكن ان تنتهي منذ مدة طويلة ملقاة بين ازقة الشوارع
نعم فأنا اصبحت مشردة بلا مأوى ، اصبحت يتيمة للمرة الثانية بلا خالد وحمود !!
وبلا وداد .. تغمض عينيها والحزن قد جرفها لآلام لن تخبو وجروح لن تندمل !!
سأصبر وسأبقى يا حمود حتى أخرج من هنا وأجدك ، أعدك
تضغط على شفتيها باسنانها وهي قد رحلت لعالم آخر بعيد عما يقوله من هو واقف في وجهها يدرس ملامحها !
ينظر الى سقف اهدابها المصطفة كجنود يتشحون السواد الحالك تغطي بياض عينيها !
تبتلع ريقها الجاف
سوف تماشي هذا الشخص والا تثير حنقه وغضبه
هزت راسها في فهم بينما هو قد جلس على الكنبات الارضية ينتظرها ان تُحضّر الطعام
في وقت امسك بجهاز تحكم التلفاز لكي يدير القنوات
فبدا صوت التلفاز عاليا وهو يصدح بموسيقى لام كلثوم !!
استغربت ذوقه ؟!! ام كلثوم ؟!! يستمع لها هو القاسي المكفهر دوما ً
اصبحت لا تفهم شيئا !!
شرعت في تسخين الشوربة والمعكرونة وحضّرت السلطة في هدوء لا تشعره
فكل ما بداخلها قد فقد السيطرة على نفسه !!
تبكي احيانا وهي نائمة او تضحك وهي شاردة او تتكلم مع نفسها او مع حموووود !!
كانت تجمع شعرها في ضفيرة طويلة تتدلى حتى ركبتها
وترتدي فستانا فضفاضا مما اعطتها اياه امه فهما تقريبا بنفس الحجم !!
ما يهوِّن عليها انها وتلك العجوز كلتاهما في سجن وليست وحدها من يعاني !!
انتبهت على صوت غليان الشوربة ورائحة احتراق المعكرونة اطفأت الغاز بسرعة وشرعت في سكب الطعام في الاواني الفخارية
حضّرت الاطباق وجمعتهم على سفرة وخرجت
في طريقها وهي شاردة وتحمل هذه الاشياء على يدها لم تنتبه الا وقد تعثرت امامه
لتتناثر الشوربة الساخنة على رجله وفخذه
يصدر اصوات الآم من الحريق
_ آآآآآه يغمض عينيه بقوة متوجعاً
وينهض من مكانه معتقدا انها قد فعلت ذالك متعمدة وقام بكل قوته بركلها على بطنها
_ ايتها الحقيرة الم يكفيك ما سببته لكتفي ؟ تريدين الان حرقي ؟! تبا لكي
وهي امسكت ببطنها لم تستطع التقاط الانفاس
تكومت على الارض ساقطة وهي تحاول
وعيناها قد جحضتا بألم وصدمة ، شعرت بدوار وفقدان الرؤية والضعف المفاجيء !
بينما هو لم يكترث اتجه الى الحمام لكي ينظف ملابسه ونفسه ويغسل رجله المحترقة !!
استفاقت اخيرا بنفس مختنق جاهدت لاستنشاقه
تغمض عينيها بوجع وهي تتحلف له في نفسها وهي شاحبة شحوب الاموات
حتى شفتيها اصبحتا بيضاوين وغارت عينيها في مكانيهما واضمحل جسدها واختفى في تلك الثياب .
اذاقها كأس المر هنا وهي كذالك سوف تفعل المثل ولكن صبرك !!
نهضت من مكانها في هدوء مخيف وهي تجر رجليها جرا الى الغرفة فترى المرأة الاخرى تراقب من فتحة الباب الموارب
تنظر لها في شفقة ولكنها تجاهلتها ودخلت حجرتها واغلقت الباب عليها ..
.
.
.
.
.
.
التفت وراءه وهو جالس على كرسي الحديقة
يمسك بين يديه كتابا احضره معه من بريطانيا
يقلب بين اوراقه ويقرأ ما بين السطور
يجد تلك الفتاة التي تسابق الريح تجري بكل قوتها وعلى وجهها من بعيد تظهر ملامح الترقب والخوف !
حتى دخلت داخل الفيلا وهي تدفع بابها بقوة حتى وصل صوت اصطدامه بالجدار الى مسامعه
لم يكترث التفت من جديد ليكمل كتابه ولكنه التفت ثانية على خطوات اشد لاهثة غاضبة
غضّن جبينه قلقا وهو يراه يقتحم المنزل ليدخل .. قادما من نفس اتجاه الفتاة التي ولأول مرة يراها هنا !
للحظة لم يجمع واحد مع واحد لانه مازال مشتتا بكتابه
ولكنه تدارك الامر وفز من مكانه مسرعا خلع نظارته في طريقه وهو كذالك قد بدأت رجلاه العدو الى داخل الفيلا
يدخل من الباب الرئيسي وعيناه تبحثان في سرعة وقلق كل الاركان وتطوفان الانحاء
ورجلاه قد توترتا واخذ يركض في كل الاتجاهات يريد ان يسمع صوتا
ان يسمع ولو همسا فعليه الان على ما يبدو ان يشغل حواسه كلها في البحث في هذا البيت الكبير
لا يدري لماذا ولكنه قد خُيل له أنه قد سمع صوتا مكتوما قادما من اسفل الدرج من البدروم !!
نزل الدرجات بسرعة وهو يقفزهم في مرتين اقترب من الصوت الذي اخذ في العواء !!
كان يلهث هو كذالك من الخوف !!
ومن الغضب ومن الغليان الذي يجري الان حالا في عروقه
يدخل الغرفة فتترائ له الحركة المجنونة من احدى زوايا الغرفة المكتظة بالصناديق
و الخزائن الخشبية وبعض السرائر والاشياء الصغيرة
يقترب بسرعة وكأنه يريد الطيران
ليجد ابن شقيقه يحاول اعتلاء الفتاة التي تنتحب وهو يكتم صوتها بيده
لعب الغضب العارم والقهر في نفسه ولم يجد الا وهو يمسك بابن شقيقه المختل من اعلى قميصه ليزيحه من على الفتاة المسكينة فيرميه بعيدا !!
يتوجه اليه بخطوات غاضبة تدق الارض دقا وهو قد تصلب مكانه لم يستطع الهرب
لينهال بكل قوته على وجهه بصفعات يمينا ويسارا والاخر الذي حاول جاهدا حماية وجهه بوضع يديه عليه
ولكنه قد توجه الى ركله على ساقه وهو يطلق زمجرات محمومة وكلمات غير مفهومة لها !
كان غاضبا وحانقا وصدره سينفجر ، ابن اخاه منحرف يحاول الاعتداء على فتاة وهو جالس في المنزل !!
لم يوفر كلمة او صفعة او ركلة الا وانهال بها على الشاب النحيف ذو الشعر الاسود المدهون بالكريم يرفعه الى الاعلى كالقنفذ او الى ثيابه التي في الوانها تقارب ثياب الفتيات فهي جدا ضيقة عليه
وبنطاله الساقط من على خاصرته ملفوف حوله سلاسل فضية تصدر صوتا حينما يتحرك
كان شابا مراهقا مستهترا ..
يتكلم بهدوء مخيف وعيناه جاحضتان حمراوان من الغيظ وعدم التصديق وهو ما زال يمسك بالاحمق الصغير !
_ اقسم انك ان لم تكن ابن اخي كنت قد قتلتك حالا !!
يترك قميصه ليصفعه ثانية بكامل قوته على وجهه حتى انتفخ الوجه النابت بخضرة الرجولة الغضة
يترنح في مكانه وهو يكاد ان يموت واقفا من الخوف من عمه
فلا احد في هذه المسائل وخصوصا مع عمه هذا يستطيع التبرير !!
يريد فقط حماية وجهه والترجي لعدم اخبار احد عن خيبته !!
فيما كان ينفث حرارة انفاسه في وجهه المصفوع المرتجف
يتحدث اليه وهو يهزه هزا عنيفا معنفا ً
_ الان ترتجف وتترجى ، تبا لك ولتربيتك !!
يصرخ في وجهه
اخرج من هنا واذهب الى غرفتك اقسم ان خرجت منها سيكون اخر يوم في حياتك !!
_ عمي .... لم يكمل كلامه الذي قاطعه نظرة من عمه المشتعل نارا تكاد تحرقه !!
خرج مرتدا على اعقابه ، فعليه ان ينتظر العقاب الذي لا مفر منه
اخيرا استطاع التقاط انفاسه وهو ولأول مرة يدير رأسه الى الفتاة الملقاة على الارض باكية مفجوعة واثار يده لا زالت على فمها وعلى خدها !
تحبس انفاسها وهي تنظر له في خوف وبكاء وتصدر شهقات متتالية
تحاول مسح اثار يده ومسح انفها الذي سال ودموعها التي الهبت خديها ، كانت ستضيع بلمح البصر
كيف لشاب صغير كهذا ان يتغلب عليها
فاجئها في حجرة المستودع وهي ترتبه ولم تسمع خطواته او حركته ولم تفطن الا وهو يحتضنها من الخلف
وبِردّةِ فعل سريعة وخاطفة فاجأته وهي تضربه على بطنه بكوعها تألم وامسك بطنه تحينت الفرصة وخرجت راكضة.
وهو ينظر اليها ويدقق في ملامحها العابسة المتقززة
منظرها قطع قلبه وادماه فهذه المسكينة توا كادت ان تخسر شرفها هنا !!
نفث نفسا حارا لينطق وهو يعدل وضع النظارة على انفه
نطق بقلق وهو ينظر لعينيها الدامعة ... العسلية !!
_ هل انتي بخير ؟ هل اصابك اي ضرر ؟
لا تقلقي سيلقى جزاءه ، فيما بدا انه قد غصّ بكلمات محرج من قولها
_ انا اسف ، اسف حقا !!
ولكن اعدك انه لن يصيبك مكروه !!
حاول ان يقترب منها لمساعدتها على الوقوف ولكنها رفضت يده الممدودة وهي تقلب وجهها الى الجهة الاخرى
بعد ان اعتدلت في جلستها واخذت تلملم الملابس حولها
_ اين حليمة ؟ ينظر لها مستفهما ً؟ كيف تتركك هنا وحيدة مع هذا الذئب ؟!!
قالت بعد ان لملمت بقايا الشجاعة والكبرياء المهدورة بصوت لم يخلو من الخيبة والصدمة والعبرات
_ السيدة حليمة خرجت لزيارة ابنتها هناء فهي قد .... .. تريد الاسترسال في اعطاء المعلومات .. عادة لا تتخلى عنها حتى في احلك اوقاتها !!
ولكنه قاطعها بحركة من يده
_ كل هذا لا يهمني ، اسمعي : اصعدي الى غرفتك واغلقي الباب عليكي !! فيما نسي في الواقع ان يسأل السؤال المهم
ينظر لها بنصف عين قائلا متشكِّكا
_ في الحقيقة لم اعرف من انتي وما الذي تفعلينه هنا ؟!!
_ نهضت من مكانها وهي تقف امامه تماما مطأطأة الرأس تحاول نفض التراب عن ملابسها وتحاول تعديل وشاحها
وقد اخذت تلعق شفتيها بلسانها بدت كمن كان في معركة شرسة
تقول في همس خجل : كيف سأقول له انني خادمة ؟!! يا له من احراج ؟ ومن هو على كل حال لكي يحقق معي ؟!!
_ اممم انا اعمل هنا !!
_ آهه ، حسنا في هذه الحال ماذا تعملين ... هنا ؟!!
يا الهي ما شأنه ؟ لقد انقذني نعم ولكن لا يحق له التحقيق معي في امر لا يهمه ويحرجني !!
نظرت له في تحدٍ عكس ملامح الانكسار التي كانت قبل قليل
_ لماذا تسأل؟ تقول بقوة استغربها : لا شأن لك ، ثم انت من تكون لتسأل كل تلك الاسئلة ؟!!
فتح فمه اندهاشا من هجومها وهو للتو قد انقذها !!
تبدو وقحة و جميلة !!
ضحك ضحكة جانبية اغاضتها وهي لا زالت واقفة تجادل بدل الذهاب الى بيتها !! او الى غرفتها !! بعد هذه الحادثة المشينة في حقها !
_ حسنا اذا ايتها القوية .. المرة القادمة عندما تركضين اختاري مكانا اكثر ... عُزلة !!
ابتلعت ريقها خجلة منه على ما يبدو بدت ناكرة للجميل
همست بحنق في وجهه قبل ان تغادر
_ اذهب الى الجحيم !!
وغادرت قبل ان يتفوه بكلمة ، فعلى ما يبدو هذه الفتاة تريد ... تربية !!
ابتسم مع نفسه وعدل نظارته اخيرا واتجه الى الخارج الى حيث ابن اخاه العابث الذي يريد ... القتل !!
اما هي فقد انهارت على السرير تبكي
لولا ان هذا الشخص انقذها لكانت ضحية اعتداء تحاول لملمة شرفها
كل ذالك بسببي
بسبب ضعفي ، جسدي ما عاد يحتمل وروحي ما عادت تحتمل
لا تريد تخيل ما قد كان من الممكن ان يحدث
ولكن المصيبة الان هل ستستمر بعد هذه الحادثة في عملها هذا ؟!!
.
.
التفت وراءه وهو جالس على كرسي الحديقة
يمسك بين يديه كتابا احضره معه من بريطانيا
يقلب بين اوراقه ويقرأ ما بين السطور
يجد تلك الفتاة التي تسابق الريح تجري بكل قوتها وعلى وجهها من بعيد تظهر ملامح الترقب والخوف !
حتى دخلت داخل الفيلا وهي تدفع بابها بقوة حتى وصل صوت اصطدامه بالجدار الى مسامعه
لم يكترث التفت من جديد ليكمل كتابه ولكنه التفت ثانية على خطوات اشد لاهثة غاضبة
غضّن جبينه قلقا وهو يراه يقتحم المنزل ليدخل .. قادما من نفس اتجاه الفتاة التي ولأول مرة يراها هنا !
للحظة لم يجمع واحد مع واحد لانه مازال مشتتا بكتابه
ولكنه تدارك الامر وفز من مكانه مسرعا خلع نظارته في طريقه وهو كذالك قد بدأت رجلاه العدو الى داخل الفيلا
يدخل من الباب الرئيسي وعيناه تبحثان في سرعة وقلق كل الاركان وتطوفان الانحاء
ورجلاه قد توترتا واخذ يركض في كل الاتجاهات يريد ان يسمع صوتا
ان يسمع ولو همسا فعليه الان على ما يبدو ان يشغل حواسه كلها في البحث في هذا البيت الكبير
لا يدري لماذا ولكنه قد خُيل له أنه قد سمع صوتا مكتوما قادما من اسفل الدرج من البدروم !!
نزل الدرجات بسرعة وهو يقفزهم في مرتين اقترب من الصوت الذي اخذ في العواء !!
كان يلهث هو كذالك من الخوف !!
ومن الغضب ومن الغليان الذي يجري الان حالا في عروقه
يدخل الغرفة فتترائ له الحركة المجنونة من احدى زوايا الغرفة المكتظة بالصناديق
و الخزائن الخشبية وبعض السرائر والاشياء الصغيرة
يقترب بسرعة وكأنه يريد الطيران
ليجد ابن شقيقه يحاول اعتلاء الفتاة التي تنتحب وهو يكتم صوتها بيده
لعب الغضب العارم والقهر في نفسه ولم يجد الا وهو يمسك بابن شقيقه المختل من اعلى قميصه ليزيحه من على الفتاة المسكينة فيرميه بعيدا !!
يتوجه اليه بخطوات غاضبة تدق الارض دقا وهو قد تصلب مكانه لم يستطع الهرب
لينهال بكل قوته على وجهه بصفعات يمينا ويسارا والاخر الذي حاول جاهدا حماية وجهه بوضع يديه عليه
ولكنه قد توجه الى ركله على ساقه وهو يطلق زمجرات محمومة وكلمات غير مفهومة لها !
كان غاضبا وحانقا وصدره سينفجر ، ابن اخاه منحرف يحاول الاعتداء على فتاة وهو جالس في المنزل !!
لم يوفر كلمة او صفعة او ركلة الا وانهال بها على الشاب النحيف ذو الشعر الاسود المدهون بالكريم يرفعه الى الاعلى كالقنفذ او الى ثيابه التي في الوانها تقارب ثياب الفتيات فهي جدا ضيقة عليه
وبنطاله الساقط من على خاصرته ملفوف حوله سلاسل فضية تصدر صوتا حينما يتحرك
كان شابا مراهقا مستهترا ..
يتكلم بهدوء مخيف وعيناه جاحضتان حمراوان من الغيظ وعدم التصديق وهو ما زال يمسك بالاحمق الصغير !
_ اقسم انك ان لم تكن ابن اخي كنت قد قتلتك حالا !!
يترك قميصه ليصفعه ثانية بكامل قوته على وجهه حتى انتفخ الوجه النابت بخضرة الرجولة الغضة
يترنح في مكانه وهو يكاد ان يموت واقفا من الخوف من عمه
فلا احد في هذه المسائل وخصوصا مع عمه هذا يستطيع التبرير !!
يريد فقط حماية وجهه والترجي لعدم اخبار احد عن خيبته !!
فيما كان ينفث حرارة انفاسه في وجهه المصفوع المرتجف
يتحدث اليه وهو يهزه هزا عنيفا معنفا ً
_ الان ترتجف وتترجى ، تبا لك ولتربيتك !!
يصرخ في وجهه
اخرج من هنا واذهب الى غرفتك اقسم ان خرجت منها سيكون اخر يوم في حياتك !!
_ عمي .... لم يكمل كلامه الذي قاطعه نظرة من عمه المشتعل نارا تكاد تحرقه !!
خرج مرتدا على اعقابه ، فعليه ان ينتظر العقاب الذي لا مفر منه
اخيرا استطاع التقاط انفاسه وهو ولأول مرة يدير رأسه الى الفتاة الملقاة على الارض باكية مفجوعة واثار يده لا زالت على فمها وعلى خدها !
تحبس انفاسها وهي تنظر له في خوف وبكاء وتصدر شهقات متتالية
تحاول مسح اثار يده ومسح انفها الذي سال ودموعها التي الهبت خديها ، كانت ستضيع بلمح البصر
كيف لشاب صغير كهذا ان يتغلب عليها
فاجئها في حجرة المستودع وهي ترتبه ولم تسمع خطواته او حركته ولم تفطن الا وهو يحتضنها من الخلف
وبِردّةِ فعل سريعة وخاطفة فاجأته وهي تضربه على بطنه بكوعها تألم وامسك بطنه تحينت الفرصة وخرجت راكضة.
وهو ينظر اليها ويدقق في ملامحها العابسة المتقززة
منظرها قطع قلبه وادماه فهذه المسكينة توا كادت ان تخسر شرفها هنا !!
نفث نفسا حارا لينطق وهو يعدل وضع النظارة على انفه
نطق بقلق وهو ينظر لعينيها الدامعة ... العسلية !!
_ هل انتي بخير ؟ هل اصابك اي ضرر ؟
لا تقلقي سيلقى جزاءه ، فيما بدا انه قد غصّ بكلمات محرج من قولها
_ انا اسف ، اسف حقا !!
ولكن اعدك انه لن يصيبك مكروه !!
حاول ان يقترب منها لمساعدتها على الوقوف ولكنها رفضت يده الممدودة وهي تقلب وجهها الى الجهة الاخرى
بعد ان اعتدلت في جلستها واخذت تلملم الملابس حولها
_ اين حليمة ؟ ينظر لها مستفهما ً؟ كيف تتركك هنا وحيدة مع هذا الذئب ؟!!
قالت بعد ان لملمت بقايا الشجاعة والكبرياء المهدورة بصوت لم يخلو من الخيبة والصدمة والعبرات
_ السيدة حليمة خرجت لزيارة ابنتها هناء فهي قد .... .. تريد الاسترسال في اعطاء المعلومات .. عادة لا تتخلى عنها حتى في احلك اوقاتها !!
ولكنه قاطعها بحركة من يده
_ كل هذا لا يهمني ، اسمعي : اصعدي الى غرفتك واغلقي الباب عليكي !! فيما نسي في الواقع ان يسأل السؤال المهم
ينظر لها بنصف عين قائلا متشكِّكا
_ في الحقيقة لم اعرف من انتي وما الذي تفعلينه هنا ؟!!
_ نهضت من مكانها وهي تقف امامه تماما مطأطأة الرأس تحاول نفض التراب عن ملابسها وتحاول تعديل وشاحها
وقد اخذت تلعق شفتيها بلسانها بدت كمن كان في معركة شرسة
تقول في همس خجل : كيف سأقول له انني خادمة ؟!! يا له من احراج ؟ ومن هو على كل حال لكي يحقق معي ؟!!
_ اممم انا اعمل هنا !!
_ آهه ، حسنا في هذه الحال ماذا تعملين ... هنا ؟!!
يا الهي ما شأنه ؟ لقد انقذني نعم ولكن لا يحق له التحقيق معي في امر لا يهمه ويحرجني !!
نظرت له في تحدٍ عكس ملامح الانكسار التي كانت قبل قليل
_ لماذا تسأل؟ تقول بقوة استغربها : لا شأن لك ، ثم انت من تكون لتسأل كل تلك الاسئلة ؟!!
فتح فمه اندهاشا من هجومها وهو للتو قد انقذها !!
تبدو وقحة و جميلة !!
ضحك ضحكة جانبية اغاضتها وهي لا زالت واقفة تجادل بدل الذهاب الى بيتها !! او الى غرفتها !! بعد هذه الحادثة المشينة في حقها !
_ حسنا اذا ايتها القوية .. المرة القادمة عندما تركضين اختاري مكانا اكثر ... عُزلة !!
ابتلعت ريقها خجلة منه على ما يبدو بدت ناكرة للجميل
همست بحنق في وجهه قبل ان تغادر
_ اذهب الى الجحيم !!
وغادرت قبل ان يتفوه بكلمة ، فعلى ما يبدو هذه الفتاة تريد ... تربية !!
ابتسم مع نفسه وعدل نظارته اخيرا واتجه الى الخارج الى حيث ابن اخاه العابث الذي يريد ... القتل !!
اما هي فقد انهارت على السرير تبكي
لولا ان هذا الشخص انقذها لكانت ضحية اعتداء تحاول لملمة شرفها
كل ذالك بسببي
بسبب ضعفي ، جسدي ما عاد يحتمل وروحي ما عادت تحتمل
لا تريد تخيل ما قد كان من الممكن ان يحدث
ولكن المصيبة الان هل ستستمر بعد هذه الحادثة في عملها هذا ؟!!
.
.
بعد ساعة من المصيبة التي سقطت على رأسها ولا تعرف كيفية التصرف فيها
طرق على باب الغرفة جعلها تقفز من السرير المخصص لها في تلك الفيلا الكبيرة
تفتح الباب وهي تضع الوشاح حول وجهها
فتحت عينيها على وسعهما ... لقد كان سيد المنزل شخصيا ً !!
ينطق في هدوء كعادته وهو يقلب المسبحة بين اصابعه
كم تحترم هذا الرجل الذي يستحق الاحترام حتى لحيته البيضاء جميلة ومرتبة
رجلا انيقا ونظيفا قصير القامة ، نطق في وجهها وهو يشير لها برأسه
_ تعالي معي
ارتجفت من رأسها حتى قدميها
_ يا الهي ايكون ذاك السيد قد اخبرهم بما حدث ؟ ايريدون الان طردها ؟ اخذت تتبع السيد الذي امامها وهو يمشي بكل استقامة ورزانة وهي مضطربة وتدعك يديها ببعضهما البعض متوترة وتارة تضرب على خدها بكفها
_ ام يكون ابنه قد تبلى علي ، طبعا .. ضربني وبكى وسبقني واشتكى !!
يا رب استرني يا رب ..
فتح باب مكتبه على مصراعيه وتنحى جانبا كي يفسح لها المجال بالدخول
دخلت وهي مترددة تقدم رجلا وتؤخر الاخرى وكأن احد قد صوّب مسدسا الى ظهرها
ابتلعت ريقها عدة مرات شعرت بالعطش وهي ترى الرجل الاخر يجلس في كرسي قبالة المكتب
تحرك الرجل الكبير .. السيد عبد القادر الصيد ..الى وراء مكتبه جلس على كرسيه
وقلب في مسبحته وهو ينظر اليها والى شقيقه
بصوته الرجولي البحوح الهادىء المطمئن
_ وداد ارجو الا تكوني قد تضايقتِ من طريقتي في جلبك هنا !!
ولكن اريد منك امرا
كانت تقلب نظراتها بينهما وحاجبيها يلامسان شعرها !
والاخر الذي نظر اليها فقط مرة واحدة وهو الان يبدو وكأنه يعبث ببنطاله ويملسُه !!
_ ما .. ما ... ماذا ؟ بالكاد استطاعت النطق تشعر كأنها ستسقط من الرهبة !!
_ لا تخافي لماذا انتي خائفة ... يرفع يده بإشارة الى الرجل الجالس قبالته
هذا شقيقي حازم قد عاد لتوه من بريطانيا سيستقر هنا ان شاء الله
تستمع له وهي لم تفهم ، فما دخلها هي في كل ما يقوله عنه ..
يكمل في هدوء : سينتقل الى منزله ويريد شخصا لترتيب وتنظيف المكان .. وهو قال انه قد رآكِ تعملين بجدٍ في المنزل
يريدك ان ترتبي له المنزل وينظر لها مباشرة في عينيها : ها ما رأيك ؟!!
نظرت الى الرجل المقصود الذي كان ينقر باصابعه على كرسيه وينظر الى اخاه بنصف عين
احنت رأسها قليلا ووجهها قد تلون الى مئة لون
في الحقيقة هي هنا كرِجل كرسي ، طوال النهار جالسة لا تفعل شيئا عدا توافه الامور!
فأي كذبة هي تلك التي افتعلها هذا السيد ؟!!
ولكنها قد نطقت وهي تهز برأسها الى اسفل واعلى قائلة في همس وصوت غريب عنها
_ حسنا لا بأس ... واخذت تقلب راسها في كل اتجاه وهي قد غمرها البرود التام و كأن ما نطقت به لا يمت لها بصلة ولم يخرج من فمها !
فتسمع صوته القريب وكأنه مسرورا لسماع موافقتها على العمل في منزله
_ حسنا اذاً فلنبدأ من اليوم !
.
.
في تلك الباحة الخلفية للمنزل المظلم بأهله وتصميمه الذي يبعث الكآبة في النفس
تضم رجليها لصدرها وهي ترسم وجوه واحلام وعيون !!
من بينها كانت الصداقة الحميمة الاخوية
تلك الضحكات العفوية والتصرفات الغبية !!
لتجعلها تبتسم كم احتاجك الان بجانبي يا وداد
تذكر جيدا ذالك اليوم الذي ذهبتا فيه الى السوق لتشريا بعض القطع الجديدة بمال وداد الذي لم تبخل به عليها
وهما تقطعان السوق جيئة وذهابا مذهولات بما تعرضه كل تلك المحلات من ملابس جميلة وعِــــبي راقية
ليس مثلما تلبسان فهما تبدوان كالمشردتان !!
تذكر حركة وداد التي مدت يدها فجأة بغير قصد لتجد رجل قد وضع المال في يدها ظناً منه انها متسولة !
تتعالى ضحكتها وهي تذكر منظر وداد المصدومة التي اخذت تتطلع حولها في خوف ان احد قد يكون رآها
وهي تنظر الى وجه مريم
وكيف انها اخذت تجري وراء ذالك الرجل لتجذبه من ملابسه ليصدم الرجل من تصرفها
فهو كاد يقع على مقفاه من دفعتها القوية
لتضع المال في يده التي امسكت بها وهي غاضبة منه
خذ مالك فأنا لستُ بشحاذة وتتركه وهي تقول له أنه احمق
بينما الرجل كان ينظر الى يده واليها فيرد عليها بقوله
ليس ذنبك بل ذنبي انني قد أحسنت لمتشردة مثلك ..متوحشة !!
يا ترى كيف حالك الان يا وداد ؟ مالذي تفعلينه ؟ هل تفكرين بي وبأيامنا ؟!!
تنظر الى السماء الحمراء بشمس غروب صافية موقنة بأنها ستعود ذات يوم !!
نهاية المشهد الخامس عشر .
.
بعد ساعة من المصيبة التي سقطت على رأسها ولا تعرف كيفية التصرف فيها
طرق على باب الغرفة جعلها تقفز من السرير المخصص لها في تلك الفيلا الكبيرة
تفتح الباب وهي تضع الوشاح حول وجهها
فتحت عينيها على وسعهما ... لقد كان سيد المنزل شخصيا ً !!
ينطق في هدوء كعادته وهو يقلب المسبحة بين اصابعه
كم تحترم هذا الرجل الذي يستحق الاحترام حتى لحيته البيضاء جميلة ومرتبة
رجلا انيقا ونظيفا قصير القامة ، نطق في وجهها وهو يشير لها برأسه
_ تعالي معي
ارتجفت من رأسها حتى قدميها
_ يا الهي ايكون ذاك السيد قد اخبرهم بما حدث ؟ ايريدون الان طردها ؟ اخذت تتبع السيد الذي امامها وهو يمشي بكل استقامة ورزانة وهي مضطربة وتدعك يديها ببعضهما البعض متوترة وتارة تضرب على خدها بكفها
_ ام يكون ابنه قد تبلى علي ، طبعا .. ضربني وبكى وسبقني واشتكى !!
يا رب استرني يا رب ..
فتح باب مكتبه على مصراعيه وتنحى جانبا كي يفسح لها المجال بالدخول
دخلت وهي مترددة تقدم رجلا وتؤخر الاخرى وكأن احد قد صوّب مسدسا الى ظهرها
ابتلعت ريقها عدة مرات شعرت بالعطش وهي ترى الرجل الاخر يجلس في كرسي قبالة المكتب
تحرك الرجل الكبير .. السيد عبد القادر الصيد ..الى وراء مكتبه جلس على كرسيه
وقلب في مسبحته وهو ينظر اليها والى شقيقه
بصوته الرجولي البحوح الهادىء المطمئن
_ وداد ارجو الا تكوني قد تضايقتِ من طريقتي في جلبك هنا !!
ولكن اريد منك امرا
كانت تقلب نظراتها بينهما وحاجبيها يلامسان شعرها !
والاخر الذي نظر اليها فقط مرة واحدة وهو الان يبدو وكأنه يعبث ببنطاله ويملسُه !!
_ ما .. ما ... ماذا ؟ بالكاد استطاعت النطق تشعر كأنها ستسقط من الرهبة !!
_ لا تخافي لماذا انتي خائفة ... يرفع يده بإشارة الى الرجل الجالس قبالته
هذا شقيقي حازم قد عاد لتوه من بريطانيا سيستقر هنا ان شاء الله
تستمع له وهي لم تفهم ، فما دخلها هي في كل ما يقوله عنه ..
يكمل في هدوء : سينتقل الى منزله ويريد شخصا لترتيب وتنظيف المكان .. وهو قال انه قد رآكِ تعملين بجدٍ في المنزل
يريدك ان ترتبي له المنزل وينظر لها مباشرة في عينيها : ها ما رأيك ؟!!
نظرت الى الرجل المقصود الذي كان ينقر باصابعه على كرسيه وينظر الى اخاه بنصف عين
احنت رأسها قليلا ووجهها قد تلون الى مئة لون
في الحقيقة هي هنا كرِجل كرسي ، طوال النهار جالسة لا تفعل شيئا عدا توافه الامور!
فأي كذبة هي تلك التي افتعلها هذا السيد ؟!!
ولكنها قد نطقت وهي تهز برأسها الى اسفل واعلى قائلة في همس وصوت غريب عنها
_ حسنا لا بأس ... واخذت تقلب راسها في كل اتجاه وهي قد غمرها البرود التام و كأن ما نطقت به لا يمت لها بصلة ولم يخرج من فمها !
فتسمع صوته القريب وكأنه مسرورا لسماع موافقتها على العمل في منزله
_ حسنا اذاً فلنبدأ من اليوم !
.
.
في تلك الباحة الخلفية للمنزل المظلم بأهله وتصميمه الذي يبعث الكآبة في النفس
تضم رجليها لصدرها وهي ترسم وجوه واحلام وعيون !!
من بينها كانت الصداقة الحميمة الاخوية
تلك الضحكات العفوية والتصرفات الغبية !!
لتجعلها تبتسم كم احتاجك الان بجانبي يا وداد
تذكر جيدا ذالك اليوم الذي ذهبتا فيه الى السوق لتشريا بعض القطع الجديدة بمال وداد الذي لم تبخل به عليها
وهما تقطعان السوق جيئة وذهابا مذهولات بما تعرضه كل تلك المحلات من ملابس جميلة وعِــــبي راقية
ليس مثلما تلبسان فهما تبدوان كالمشردتان !!
تذكر حركة وداد التي مدت يدها فجأة بغير قصد لتجد رجل قد وضع المال في يدها ظناً منه انها متسولة !
تتعالى ضحكتها وهي تذكر منظر وداد المصدومة التي اخذت تتطلع حولها في خوف ان احد قد يكون رآها
وهي تنظر الى وجه مريم
وكيف انها اخذت تجري وراء ذالك الرجل لتجذبه من ملابسه ليصدم الرجل من تصرفها
فهو كاد يقع على مقفاه من دفعتها القوية
لتضع المال في يده التي امسكت بها وهي غاضبة منه
خذ مالك فأنا لستُ بشحاذة وتتركه وهي تقول له أنه احمق
بينما الرجل كان ينظر الى يده واليها فيرد عليها بقوله
ليس ذنبك بل ذنبي انني قد أحسنت لمتشردة مثلك ..متوحشة !!
يا ترى كيف حالك الان يا وداد ؟ مالذي تفعلينه ؟ هل تفكرين بي وبأيامنا ؟!!
تنظر الى السماء الحمراء بشمس غروب صافية موقنة بأنها ستعود ذات يوم !!
نهاية المشهد الخامس عشر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق