المشهد
( 13 )


المـــــــواجهة الثــــــــــانية





فيما مضى



يجرجر اخته التي تبكي وتنتحب وتخدش يديه اللتان منعتاها من الامساك بتلابيب مريم 

تنهار على الارض ساجدة محطمة ، حولها امها ووليد و هدى وحتى الاطفال !!

ولم يروا من خرّ على الارض صريعا وكأن مساً أصابه منزلقا في غيبوبة الزنازين !!

.

.

يدخل عليهم بضخامته 

فهو قد خُلق خصيصا ليجلدهم 

ليريهم العذاب الوانا لم تكن لتخطر يوما على بال بشر 

يمشي بينهم يرفس ذاك برجله 

ويضرب ذاك على وجهه

ويجذب الآخر من شعره بقوة حتى ينفض شعرهم من اصابعه !

يحمل سوطا بيده 

إنه مثال الرعب والقسوة إنه من لا يرحم 

ينطق والشرر يتطاير من عينيه باحثا عن ضحية 

هل شاهدتم المباراة ؟ من فاز فيها ؟ اي فريق ؟

السكون والرهبة هما من ملأ المكان لم ينطق أحد ، لم يجرؤ أحد على النطق 

فهم بحرف سينسفون 

ولكن ..

نطق ويا ليته لم ينطق ..( نعم شاهدناها .. فريق في الجنة وفريق في السعير )



يتجه صوبه جريا غاضبا حانقا كيف تجرأ على نطق تلك الكلمات ليهم بكل قوته بضربه على وجهه بحذائه الضخم الغليظ 



صراخ وكر فها هم يسحبونه من رجليه على ظهره العاري المجلود بالسياط 

الى حجرة التعذيب..

يجرونه جر ككلب ممزق وما بيده حيلة إحتكّ ظهره بالأرض الحرِشه حتى احرقت له جلده!

رفض الخضوع وحتى الكلام 

رفض الانصياع لابتلائات العذاب !!

فيقوم اثنان بتعليقه من رسغيه في حلقتين مدلايتين من السقف 

حتى كادت ذراعاه ان تنفصلا عن باقي جسده من قوة الشد

وترتفع رجلاه عن الارض 

فيصرخ قاضي العذاب 

بأن انتفوا لحيته 

وانتفوا شعر رأسه ..

وما كاد يكمل كلامه حتى تقدم اثنان منه وكأنهما مصاصي دماء ويشرعا في خلق الفوضى في وجهه 

يمسكان بشعر رأسه ولحيته ليقتلعونهما بقوة وسرعة من جذورهما بلا رحمة 

تلك الكهرباء التي سرت في جسده الذي اصبح هزيلا وهو يشد على اسنانه بقوة 

ويضغط على عينيه لاحكام اغلاقهما فيما كان العذاب يفترسه 

اجتمعوا حوله كالضِباع الجائعة ولن تشبع الا بإرتشاف دمائه 

سيصمُد ، حتى النهاية 

إحتمل الاولى واحتمل الثانية 

ولكن العقل رفض الانصياع للصمت فالالم اكبر من ان يُسكت عنه !!

كادت عيناه ان تخرجا من مكانيهما فلم يعد يرى امامه 

وبقع ضبابية تترائى له امام ناظريه 

وجبينه الذي تفصّد عرقا ليسقط بدوره على عينيه ووجهه المنتوف 

واحمرار وجهه واختلاطه بدمائه 





تعالت صرخاته من جوف فارغ مخيف حتى وصل مسامع باقي السجناء الذين ينظرون الى بعضهم البعض في شفقة وفزع 

آآآآآآآه 

آآآآآآآه لاااااا لااااا 

يصرخ بهم من بين اسنانه وآلامه 

عليكم لعنات الله ايها السفلة !!

واخذ يرفس متعلقا جيئة وذهابا 

ويهز رأسه في عنف 

بينما انهال عليه احدهم بالضرب بالعصى 

تضعضعت عظامه وانزلق في غيبوبة لذيذة 

لا فهذه ليست نهايته 



نهاية صلاته ودعائه وقيامه الليل !! ليست هنا وليس على الايادي الخبيثة التي لا تعرف حتى كيف ترفع اياديها بالدعاء !!

ليس اليوم ، ليس اليوم يا أحمد

ولكن صرخ الجلاد حتى وصل صراخه مغارات عقله المظلمة !!

_ السعير هو ما ستراه الآن ايها الزنديق 

وليصرخ بقوة في وجوههم 

_ افتحوا ساقيه 



وما لبث هاذان الاثنان المكلفان بانهاء حياته على شد رجليه بإحكام كل من جهة مثبتان اياها 

ليهم الغاضب بكل قوة يملكها برفع رجله وتسديد ضربات متتالية بحذائه الغليظ على خاصرته ، وعلى وجهه كل الحقد الذي بالكون 

وكأن قوته قد خلقها الله فقط لكي يستمتع بعذابات البشر

او كأنه في ثأر مع من يعذبهم لينتزع انفاسهم وارواحهم 

تلبّس دور عزرائيل برداء اسود وعكاز خشبي فيطرق طرقاته على ابواب الموت 

أفاق من غيبوبته اللعينة بوجه ازرق اختنق بانفاسه يرنو الى السماء بعينين جاحضتين مقلوبتين !!

تدلى رأسه بموت النهاية معلناً الاستسلام !!

انزلوه بسرعة من حلقاته !! قاموا برفعه من ذراعيه وسحبه الى باب السيارة المنتظرة 

ليُلقى به امام بيتهم عاريا فاقدا للوعي ازرق اللون !!



فيستفيق حيا فاقد الرجولة !!



.

.
.
.
.



. زنزانة اخرى تُرمى بها مظلمة ضيقة صغيرة 

دفع بها بقوة داخلها وهي تنتحب وتصيح 

تنظر حولها خائفة !! نعم خائفة !! فهؤلاء لا يعرفون الرحمة 

لا يفرقون بين الرجل والمرأة 

بل الالذ والاعذب هو ان تكون هناك سجينات اناث !!

لن تنسى ما قالته وداد على لسان احمد 

الرجال والنساء هنا يحترقون في بوتقة واحدة 



والعذاب الذي تتعرض له النساء اقسى الاف المرات من عذاب الرجال 

فهم لا يتركون امرأة الا والكل يتسلى بها 

تذكر ان وداد اخبرتها ان احداهن قد خنقت نفسها بشعر رأسها !!

وهي شعرها طويل كفاية لكي تُعلّق نفسها الان وحالا في الشباك الصغير الذي لن تصله لصغر حجمها !!

اذا فلتخنق نفسها 

هل يجب ان تنتظر العار !!



وحمود اين اخذوه ؟ اين ذهبوا به ؟!!

وخالد خالد الذي اهلكوه ضربا .. أسيُصيرونه كما أحمد ؟!!

تدافعت الافكار والتوجسات في نفسها مع خوفها الذي تعاظم وصار جليا على وجهها الشاحب الذي انقلب لونه الى الاصفر وكأن كل دمائها هي ايضا قد تخلّت عنها 

اندفعت في اتجاه الباب واخذت في الطرق عليه بقوة بكلتا يديها وهي تصيح وتصرخ بكل عزم فيها 

_ افتحوا ايها السفاحين ، افتحوا الباب ايها القتلة !!

حاولت وحاولت دفع الباب ولكنه اشد واعظم من قوتها الضعيفة !!

نظرت ثانية بسرعة لعل هناك فرجة ولا يوجد الا ذاك الشباك الصغير ولكنه مرتفع جدا ولن تستطيع باي شكل ان تصله !!

دارت ودارت حول نفسها لعل هناك مخرجا قبل ان يأتيها القضاء !

حاولت التسلق متشبثة باظافرها بكل يأس بجدران الحجرة وما لبثت ان سقطت ارضا !!

مدمية الاصابع ، قامت ثانية للمحاولة ترفع رجليها وتقفز تتراجع الى الجدار وتقفز للمرة الثالثة ولكن 

كل محاولاتها بائت بالفشل، فأني لها ان تصل الى ذالك الشباك ؟!!

انزوت على نفسها في الحجرة ذات المتر الواحد المربع !

تعرقت ملابسها حتى ظنت انها للتو قد خرجت من البحر 

ملامح وجهها المصدومة الغير مصدقة لما يجري 

هي هنا في زنزانة جردوها من كل شيء 

من خالد وحمود 

مذهولة 

هل تبكي ام تغلق وتفتح عينيها من جديد فلربما ما زالت نائمة بجانبها حمود 

تتلمس الارض التي تحتها ليست مختلفة كثيرا عن ارضية حجرتها 

ولكن اصوات الصراخ المختلطة برجال ونساء أصمت اذنها فرفعت يديها اليها لتسدها عنها 

وكأن هذا المكان يقبع على فوهة الحجيم 

تتسلل اليها روائح الحرق !

فتوقن انها هنا .. في زنزانة .. هي حقيقة يا مريم .. صدقيها 



ترفع عينيها للسماء 





_ يارب اني استعنت بك فاحفظني من اياديهم يا رب ، يارب ، وخرَّت ساجدة تدعو ببكاء حطم فؤادها وادمى روحها ، يارب اني مظلوم فانتصر !! 



ويُفتح الباب 

ويدخل ذات الرجل ويغلق الباب خلفه 

تقف له متأهبة وشعرها التف حولها كأسوار حديدية 

بدت كعفريت صغير بثياب سوداء رثة وعينان تقدحان شررا واحمرارا !!

وانعكاس الضوء الخافت وذرات الغبار المتطايرة حولهما تتقاذفها الانفاس 

لوهلة شعر بالفزع من مظهرها 

شيء ما خطف قلبه 

شيء ما أخافه وزلزله !!

تعكر مزاجه والتوى وجهه وتعقد حاجبيه بسُلطة !

ولكنه رمى كل ذالك خلف ظهره و همَّ بنزع ملابسه 

فكما اعتدى اخاها على عرضه !! هو كذالك سيهتك عرضه !! فواحدة بواحدة والباديء اظلم !!

ينطق في هدوء بينما يفك ازرار قميصه العسكري 

جاءها صوته صاعقا ببروده وعنجهيته و حدّته 

أعاصير من كرامة استبيحت واهدرت على يده !!

_ أتعلمين لماذا انت هنا ؟!!

انت هنا فقط لأجلي !! لاجل ان تدفعي ثمن خيانة كنت ارتقبها واتعقبها !!

والان الكل سيدفع الثمن .. ولو كان شرفه وروحه !!



ترفع اصبعها في وجهه ناطقة بعنف اصاب وترا منه 

_ اقسم بانك لن تفعل !! وان فعلت فستعبر على جثتي اولا !!

تتحداه بمعركة ترنو اليها خاسرة ..!

عبارتها تردد صداها في جوفه قبل الزنزانة الضيقة التي لا تحتملهما معا بكل التحدي والغضب والثأر ؟!!



ولكنه كان قد خلع قميصه وظهر صدره العاري المشعر

طأطأت رأسها خجلا وحنقا وهي تتنفس بسرعة وحقد وخوف !! أهذه نهايتك يا مريم !!

اليوم ستضحين جسدا مهدرا تتلقفه ايادي العابرين ؟!!



رآه ، رأى شعرها الذي سقط على وجهها فغطاها باكملها فبدت ككتلة شعر لها رجلين !! بدت مخيفة !!

امعن النظر فيها فهي ساكنة لا تتحرك ولا يسمع صوت انفاسها ، شيء ما اهتز في صدره !!

ولكنه تراجع فهي للتو كانت امرأة عادية والان تبدو كعفريت كوابيس !!

اقترب منها وامسك عضدها فرفعت رأسها ولثانية بدى العراك 

عراك بين ضدين ، بين عدوين غير متكافئين 

عراك شرف !!

التوى فمه بحنق ونفور !!

والتوت بين يديه وحاولت تسلقه وعضه وشد رقبته 

دارت حوله بسرعة وقوة 

كان قتال الصمت والانفاس ، بل قتال النفس الطويل اللاهث !!

يمسكها تارة من خصرها وتارة من ذراعها 

يريد السيطرة عليها فحجمها ورقتها جعلتها كبهلوان تتشقلب في المكان مستعينة بالجدران القريبة 

لهثت ولهث هو كذالك، شعرت بكل عظامها تئن وقوتها تخور من هذه الحركات المفاجئة التي قامت بها 

ستصمد حتى النهاية فلا شيء تملكه الان في الحياة سوى شرفها وستموت دونه 

الى ان صفعها على خدها بقوة ادارت وجهها لتلتصق بالجدار فيحاصرها بين جسده وبين الجدار وهمَ بتقطيع ملابسها بجرأة وسرعة وكأنها عملية يقوم بها كل ساعة !!

_ سيدي ، سيدي 

صوت قلق ينادي عليه ويطرق بقوة في الخارج افسد عليه اللحظة 

ليقول الاخر في توتر وسرعة 

_ سيدي الشاب الذي جئنا به الان قد مات !!



وفقط يلتفت على صوت صراخها الحاد خاااااااالد لاااااااا !!

:

وحينها لم تجد نفسها الا مرمية بين ذراعي رجل آخر ينفذ اوامر سيده !

:

:





جرها من شعرها الى حجرتها بل زنزانتها الثانية فهي وان تحررت من واحدة فالاخرى كانت بانتظارها 

وهي تشد على يده التي تتشبث بشعرها محاولة تخليصه منها !!

_ ابتعد عني ايها الجلف الحقير 

يُقرّب وجهه الغاضب ويضغط على شفتيه غيظا منها ومن افعالها المجنونة !!

وانفاسه تستقر على خدها المحترق من الدمع والتكفيف !

يرمي بها على السرير الذي يلتصق بالجدار 

وهو يتنفس بعنف حتى كادت رئتاه ان تنفجرا من الغيظ منها ، يزمجر في المكان 

_ لماذا فعلتِ ما فعلتِ بـــــعلي ؟!!

وهي لا زالت ملقاة على السرير 

لتزحف الى اخره متكومة في زاويته تلتقط انفاسها وتبتلع ريقها الجاف 

وترد عليه بذات الحدة 

_ انت لا تعرف ما الذي يفعله صديقكك هنا ، الم تعلم انه يضرب امه !!

كانت جملتها المباشرة صادقة وصادمة له !! هو الصخر الجلمود !!

لان وجهه قليلا وغضّن جبينه واستقام في وقفته ناظرا الى شباك الحجرة الحديدي !!

_ منذ متى وانتِ المدافع عن الحقوق ؟!! من الأولى لكِ ان تدافعي عن نفسك فقط !!

_ ليس من شأنك كيف اتصرف مع حمقى امثال علي !!

ولست ايضا الوصي علي ، وأقسم ان اتيحت هذه الفرصة لي معك انت بالذات لن اتردد في غرزه في قلبك ايها السفاح 

يتبادلا الاقسام والتهديدات والنفور 



_ و انا اقسم انني اذا لم أمره بعدم المساس بك لكنتِ الآن تتوسدين التراب بجانب شقيقك !!



كان قولها سهلا وفعلها في قلبها عظيما 



خارت قواها على السرير واخذت بالبكاء والهمهمة فقلبها مثقل ، مثقل بحياة لم تعد تفهمها فأين هي ، ومن هؤلاء ، ولماذا ؟!!

تنطق ببؤس وبشفتين مهتزتين الما وحقدا عليه بصوت يحمل كل ما تملكه من تشفي 

_ لم يكن ذنب اخي أن زوجتك اختارته لتخونك !!



كانت الكلمات هادئة ولكن هدوئها كان كمن صوّب مسدس كاتم صُوِّب الى قلبه فأرداه قتيلا 

_ نعم لا يجب ان ينسى لٌبَّ الموضوع .. فزوجته خائنة ..!!



انهار على الارض كطفل فقد للتو متعته باللعب معها لينهار باكيا 

بكاء رجل محروم بصوت عال غليظ ليصدمها وتفتح عينيها و فمها في ذهول !!

وهو يهمس وكأنه لا يصدق ما يقوله ويداً توسدت الارض والاخرى يشد بها على صدره 

وملابسه 

_ زوجتي ليست خائنة ، انها حبيبتي !

كان صوتا مهزوما ووجهه المنهار ، بشكله الممزق ويدعو للرحمة ، يبدو كمريض ، نعم مريض نفسي هو هذا الرجل ، مرضه هو زوجته !!

رأسه الحليق تماما لا تعرف اذا كان الشعر قد عرفه يوما ، ووجه الدائري الاسمر بعينين كبيرتين بارزتين سوداوين تحيكان لؤما وحيلا !!

وفمه الكبير بأسنانه المتفرقة وشاربه الساقط على شفتاه 



عندما ينتقم ينتقم ببأس ، وعندما ينهار ينهار كطفل !!



وقف مستدركا نفسه أعطاها ظهره ووجهه قد تجعد بحقد دفين ، خرج بسرعة مغلقا الابواب الحديدية خلفه !!

تنزل من السرير وهي تركض خلفه صارخة

لا ااا لا تذهب ، خذني الى حمود ، اين حموووود ، اين دفنتم خالد ؟!! 

آآآآه يا الله يا الله .

.

.

بينما الرجل المجروح حبا يدخل منزله الخالي الا من بعض البكاء !!

يدخل غرفتها يتفحصها ، يتفحص اثار الخائنة 

وانقلب مزاجه الذي ثارت براكينه اغلق الباب واشرع في تحطيم كل ما تلمسه يداه 

لم يُسمع الا صراخه وحطام المرايا والاخشاب !!




نهاية المشهد الثالث عشر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...