المشهد الثامن .. حارس العذراء








وفي حياة اخرى تهجّر الأرواح وتقتّل الأنفس !
يزرع الخوف و الخراب
وتدمّر العقول والأبدان ...

صوت إطارات عالية جدّا أفزعت النيام !
صراخ وعويل وصياح
يركض الجميع
منتصف الليل حيث ألقي بجثة صاحبها مُدمّى !
تصرخ وتولول الأم والأخت والأخ
بينما الجيران مجتمعون يحوقلون
او يضربون يداً بيد ..

بينما يركض خالد لطلب سيارة اجرة
يحاولون سحب الجثة الى تلك السيارة
فصاحبها يلفظ انفاسه !

تجلس مريم بجانب وداد
مصدومة من منظر اخاها
منتف الشعر واللحية
مجلود الظهر والصدر
بعينين زرقاوين مدمايتين

يا الهي يا أحمد أكنت تستحق ذلك؟
أنت من كنت تمضي أيامك في عبادة
تقضي أوقاتك في صيام وصلاة
أنت من لا تخرسه الحكومة !!
هكذا ؟!!
يُفعل بك هكذا ؟!!
يحضرونك ويلقونك عاريا !!

يا إلهي إرحم احمد !
فلم يبقى سوى الرجاء !
الولولة والنحيب والصياح لم ينتهيا الى الفجر

فيما الجيران قد تفرقوا وهم يدعون له !
الكل تعب يريد النوم ولا تنقصهم مصيبة احمد !!


لم ارى يا بلدي حياة تقتل على يد مثلما فعلت يداك
أنحمل اخطآئنا ام انتي من تحملين الأخطاء
عقدة ذنب تغلغلت فينا
ذنب حبك وذنب كرهك ومقتك لنا ..
نولد فيك لننتحر ، وتلدين أبناء الحرام ليقتاتوا من دمك !!
بينما ما زلت تضحين برؤوس الأبرياء على ترابك الملائكي !!
وطن أصيب بشلل رباعي بقبوله الظلم وحياة العبودية !
وطن يمارس سياسة الإخصاء على أيادي النساء العقيمة !!
وطن تجرّع أبناءه المر مخلوطا بسم !!

:


في ذالك الزمان

استيقظ من نومه على رنين هاتفه

فيما أخاه عبدالرحمن بنبرة غاضبة يأمره ان يأتي توّا
يرتدي بذلته السوداء وقميصه الناصع البياض
حذائه الأسود اللامع
مع عطره الرجولي الفاخر
في فورة شبابه وقوته وجماله
يغادر في سيارته المرسيدس متوجها الى بيت العائلة

كان قصرا
رهيبا
كبيرا ويخطف الانفاس
بحدائقه الخلابه
وبحيرة صغيرة تبدأ بشلال !
أحواض السباحة الكبيرة
والجلسات العائلية المختلفة الاشكال والمواقع
منتشرة هنا وهناك
هنا ترى .. الثراء الفاحش !
في أرقى أحياء مدينة بني غازي !!
يدخل على عائلته المجتمعة
الكل يجلس في سكون مخيف !

جو خانق متوتر مليء بالسواد !
فيما ذبذبات كراهية وغل انتشرت تغطي الرؤوس
وكأن الغربان تقف فوقها متفرجة !!
:
دخل عليهم محييا
فيما تقدم نحوه أخاه الكبير ..

مادّا يده للسلام
فيما إمتدت اليد الأخرى تهوي على خده بصفعة مدوية !
تاركة إياه في صدمة وذهول
لم يرفع حتى يده الى خده !
ما السبب ؟ ما هذا !!

فيما ينهال عليه اخاه بالشتائم
ايها القذر الحقير
أهكذا تفعل بنا ؟!
إستئمناك عليها
و تخوننا ايها الوضيع
فعلا انك ابن ال............ الأجنبية !
فيما ما زال واقفا مذهولا بهذا الكم من الشتائم
ما يسمعه أحقا يخرج من فم اخاه ؟!!
أهو أسوء كابوس رآه في حياته حتى الآن أم ماذا ؟!
إحمر وجهه فيما أخذ يتنفس بسرعة فهم مجتمعون هنا كي يهينونه !
برزت عروق فكيه من الغضب الذي جاش في صدره

كاد ان يحمل اخاه عاليا ويرمي به ارضا ورغم ذلك ....

التفت ناظرا الى كل تلك العيون المحدقة
يرى الحقد والكراهية
يرى التشفي
يرى الحزن
ويرى الحب !
وهي واقفه مختبأة خلف امها لا يرى منها سوى طرف شالها !!
ووالدها الآخر الذي يجلس مستمعا هادئا تماما !!
حاول التحدث بهدوء فيما وقف الرجال وكل يريد التخلص منه
وعلى طريقته !!
يكمل صوت قريب محاولا التهجم عليه
ايها الجبان لقد اخبرتنا ياسمين بما فعلته بها !!
كيف تفعل ذلك !!
انك حقير حقا
منذ البداية
لا اعرف كيف سلمناها لك
فأمثالك معروف هم من اي بيئة واي اخلاق !
ايها الخنزير !!
مازال يستقبل اهاناتهم وشتائمهم كأنها لا تمت له بصلة
فيما التفت الى أخاه محدقا به في هدوء بنظرات كادت تخترقه بحدتها : ما المشكلة ؟
ماذا يحدث هنا ؟

: ألا تعرف ما المشكلة ؟ فعلا انك حقير

لقد اخبرتنا ياسمين عن القذارة التي قمت بها !!

نظر اليها مضيقا ما بين عينيه بتساؤل غريب
: اخبرتكم ياسمين ؟عن ماذا تتكلم بالضبط ؟.
لازال يتمالك اعصابه قبل ان يعصرهم جميعا بين قبضتيه !
حاول احدهم هذه المرة التهجم عليه جسديا محاولا ركله بقوة
ايها الوضيع لا زلت لم تفهم اتريدنا ان نقولها مجاهرة
ماذا تحسب نفسك ..
يمسكه من اعلى قميصه
فيما نظر له من علو نظرة تحدي ان يلمس اكثر مما لمس !!
لم يجرؤ أحد البتة قبلا ان يعتدي ولو بالإشارة على شخصيته الفذة القوية !!
خلق الإحترام لنفسه في محيطه ولكن هاهم يتعدون حدود الإحترام وعلنا !!
ولكنه سيجاريهم ويلعب لعبتهم القذرة الآن وليذهب الإحترام الى الجحيم
امسك بيده بقوة نازعا اياها .. نافثا نارا تسعر في صدره في وجهه
: حتى الآن لا زال هناك بعض الاحترام .. فإما أن تتكلموا وإما أن تخرسوا !

امها التي نطقت هذه المرة بلغتها الأم
فهم كلما ارتبكوا يتكلمون لغتهم شارحة له الوضع تماما !..

ينظر لهم في ذهول بعينين مفتوحتين عن آخرهما ..
: ما هذا الهراء الذي تتحدثونه
هذه المرأة هي زوجتي
زوجتي انا
لا دخل لكم فيما حصل بيننا !!

يتحدث بينما يضع يده على خاصرته متبرما من هذا الحوار السخيف !
رجل دخل على زوجته !! ماذا يريدون ان يفهموا من هذا ؟!!
فعلا وقاحة لم يرى مثلها في حياته !!

رد عليه شخص يكرهه حتى النخاع قائلا بخبث : ياسمين لا تريدك بعد الآن .. طلقها !!
فيما زفر غاضبا بقوة هذه المرة
لا لن يحتمل
صارخا في وجوههم : أجننتم ؟!!
تريدون تطليقي من زوجتي !
ويصر على اسنانه بقوة : انها زوجتي ، لن اسمح لأحد بالتدخل بيننا
مهما كان !
يتجه صوب ياسمين المختبأة الباكية وراء امها الحزينة فهي بين ابنتها وابن اختها ..وكلهم غرباء عنهم !

لم يكمل طريقه اليها
وقف في وجهه متحديا
ها هما يتواجهان
كل هناك غضب في جوفه
وهذا المكان اصبح حلبة لمن سينجو !

سادا الطريق عليه : قلنا لك انها لا تريدك بعد الآن ! ألم تفهم بعد ؟

لم ينظر له .. فهو لا يستحق نظرة منه : ابتعد عن طريقي اريد التحدث الى زوجتي
مشددا على كلمته ليفهموا أن ليس لهم الحق فيما يهترون به !
ياسمين ردي علي أحقا ما يقولونه ؟


: محاولا صده بيديه .. يريد ضربه فهو لا يحتمل هذا الشخص
منذ ان دخل حياتهم وكل شيء تغير
لا يحتمل جماله
ولا يحتمل ثرائه
ولا يحتمل أنه زوجها !
غيرته استفحلت في شرايينه فأمسى لا يميز أمامه الخطأ من الصواب .
فهو بزواجه منها قد نسف كل خططه معها ولكن الآن سيأخذ بثأره ..
فأعميت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر !!
: قلت لك ابتعد عن طريقي
اقترب منه خطوة حتى اختلطت الأنفاس المحترقة بالغل والحقد واقف يتحداه في زوجته
ولكنه لن يفلح ..
: وانا قلت لك طلقها !

: ايها الوغد كيف تسمح لنفسك ..يمسك به من رقبته و ينظر الى الآخرين
ما هذا الذي تفعلونه
أجننتم ؟!!
تريدون تطليقي من زوجتي
يصرخ بهم بصوت راعد فهو قد ضاق بهم ذرعا ،ضايقوه وضاق صدره منهم !
يريدون نفيها من حياته
يريدونها ان تحيا من دونه
يريدون تطليقها منه ؟!
اي منطق هذا ؟


يصرخ بها : ياسمين ردي علي ، ماالذي اسمعه ؟ ماذا يحدث ..

اراد تهدئة نفسه

فربما هم مصدومون منهم ولكن هذه حياتهم وليس لهم دخل فيها
سيعطيهم فرصة اخرى

ربما سيفكرون ثانية ويعرفون خطأهم
: حسنا سأخرج الآن الى ان تهدأو ..

فيما يحيط به ثلاثة منهم وبتهديد : لن تخرج قبل ان تطلق !

يالهي
ماذا يحدث حقا
مالذي يجري هنا
رائحة عفنة لمؤامرة جلية واضحة المعالم !!
: قلت لن اطلق ، كم مرة ساكرر بأنها زوجتي !
وبابتسامة إستهزاء فيما الوجوم يلف وجهه : يبدو ان الكثيرين هنا قد فقدوا عقلهم !

هذه المرة يسمع صوتها مهزوما باكيا حزينا
طلقني يا يوسف !
طلقني لم اعد اريدك !!

: ياسمين ! مالذي تقولينه ؟

تصرخ بأعلى صوتها بينهم : طلقني انا لم اعد ارغب بك !
اريد الطلاق حالا ! الآن !
ارجوك يا يوسف !


لا لا لا
يمسك برأسه بين يديه
ملتفتا في كل اتجاه
لا يكاد يرى شيئا
عيناه لا تريا شيئا !

هم بالخروج ثانية ولكن لا مجال
فهم الآن يريدون قتله ولن يهمهم !

نطق اخيرا بذهول .. وهدووء ..حسنا !
ابتعدوا عن طريقي ، فانا لم أعد ارغب بإمرأة اتهمتني باغتصابها بعدما سلمتني نفسها طواعية !!

لقد أهانته
لم يدري بأنها طفله
اخبرت عائلتها كاملة بما حدث بينهما !
اخبرتهم انه اعتدى عليها !
هو لايزال لا يصدق ما يجري الآن
ربما سيستيقظ غدا من منامه بين احضانها
ربما غدا سيقبلها من جديد
ربما غدا ستصبح ملكة بيته وقلبه !

ولكنها اليوم تريد فراقه !
نطقها في اسى وحزن وانهزام : انتي طالق يا ياسمين !
خرج مسرعا تلاحقه اصوات البكاء والصراخ ..
فذلك لن ينفع يا ياسمين ..

لقد هزمتني ..!!
حطمتني واذللتني
فهل سأنسى لكي يوما هذه المسرحية الهزلية
التي شهدت اندحاري على خشبات مسرحها
ولم تستحق حتى تصفيق الجمهور !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزء الخامس و الأربعين

  أشعل سيجارة.. من أخرى أشعلها من جمر عيوني ورمادك ضعه على كفي .. نيرانك ليست تؤذيني كان يستيقظ هذه المرة بلا كوابيس ، بلا اجهاد ، المرة الو...